توقيع قلم
أ.د. عبد الله سعيد بن جسار الجعيدي
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 28 .. ص 114
رابط العدد 28 : اضغط هنا
تُروى قصة هذا المثل العربي المشهور بصيغ متعددة لكنها تحمل فكرة واحدة، وغالبًا ما ينسب إلى البطل الفكاهي التاريخي (جحا) فيقال إن جارًا له طلبه في استعارة حماره مرات عديدة، وكان يستحي منه أن يعطيه الحمار، إلى أن قرر في نفسه عدم تلبية طلب جاره القادم بأي عذر؛ وفعلا عندما جدد جاره الطلب قال عذره الذي استعد به وهو: (الحمار غير موجود) وفي أثناء ذكره للعذر نهق الحمار، فقال الجار لجحا وهو معزز بالدليل إنه موجود بالداخل عندها تلفظ جحا بما يشبه الاعتراف الصريح بالرفض : (لك عذر أو لك حمار) وبالنص الحضرمي الشعبي ” بغيت عذر ولا بغيت حمار” وهو عذر أوهن من بيت العنكبوت.
وهكذا تشكلت قصة المثل بجانب زريبة للحمير، والصدفة جعلت الحمار يشهد – ببراءة الأطفال – على صاحبه بالكذب، لكن الموروث العربي الشعبي شفع لجحا كذبته، ونظر إليها بوصفها جزءًا من شخصيته التي تبعث السرور خاصة عندما تذكر في ضمن مغامراته الشعبية الطريفة، لهذا تجد الناس يزيدون على حكاياته أو يحورونها، وأحيانًا يحيلون حكايات تنسب إليه حتى لو كان بريئًا منها براءة حماره من تهمة كشف أسراره.
ولأنه لا يجرؤ أحد على استنساخ عذر جحا المكشوف أو بالأحرى الفج إلا هو، ومن على شاكلته من الحمقى الذين غضبهم قرين لسانهم، فقد تحركت (المقولة) – بعد أن سار بها الركبان – ليتلفظ بها طرف ثالث غالبا ما يكون في موضع المشاهد المتابع للذين يكشفون الأكاذيب ويفندون الادعاءات التي تعقبها اقتحامات أو هجمات معادية. فيأتي ترديدهم للمثل بوصفه (حكمة) لخصت زبدة الكلام.
وفي تفاصيل الحياة المتعلقة بعالم الحيوان المتخيل يظهر المثل في قصة الحمل والذئب المشهورة التي اتهم الذئب فيها الحمل بتعكير الماء عليه، وأنه شتمه في العام الماضي، فقدم الحمل أدلته الدامغة الصادقة التي تفند الاتهامات، ومع هذا، وبقانون الغابة اقترب الذئب منه، والتهمه، وكأنه يقول له : (لك عذر أو لك حمار) أو لعل ذلك قيل بلسان حال المستمع الحصيف للقصة الخيالية، وهكذا فإن الغاية الأساسية للقصتين هو حضور العذر الهش وإن اختلفت دوافع الأطراف في القصتين ؛ فعند جحا كان الكذب بدافع الحفاظ على الحق، وعند الذئب الكذب للظفر بالباطل.
وإذا عرجنا بالمثل في فضاء التاريخ – دون الدخول في حيثياته – فممكن إسقاطه على أحداث كثيرة، من ذلك عند قيام بريطانيا باحتلال مدينة عدن سنة 1839م بعد أن فشلت في إقناع سلطانها ببيعها، وكانت قبل الاحتلال تبحث عن ذريعة –أو لعلها صنعتها – فجاءت حادثة السفينة الشهيرة (داريا دولت) التي تحطمت قبالة سواحل عدن، ونهب السكان المحليون حمولتها، ورغم التزام (الحمل) أقصد السلطان بدفع التعويضات لكن الذئب البريطاني لم يكترث وفعل فعلته التي فعلها، وهنا قد يبرز سؤال افتراضي هو: ما ذا لو لم تجد بريطانيا ذريعة السفينة هل ستعود أدراجها؟ في رأيي الشخصي إن المحتل الغاصب في أي مكان إذا لم يجد عذرًا يستره، سيجد نهقة حمار تسنده.