أضواء
أ.د. علي صالح الخلاقي
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 30 .. ص 17
رابط العدد 30 : اضغط هنا
عندما فتح مُضِيفِي الشابُّ النبيلُ عبد الناصر صالح بن علي الحاج صناديقَ وثائقِ أُسْرَتهم، ذات الصلة بالأحداث العامة والخاصة في يافع وحضرموت والهند، لتصويرها في قريتهم “ريد-بيافع”، قال لي: هناك دفتر قديم فيه كشوفات بأسماء العسكر ورواتبهم في السلطنة القعيطية، هل ستحتاجها؟!.
قلت له:
قلت له ذلك لإدراكي أن كثيرًا من وقائع تاريخنا المعاصر ما زالت مجهولة وغير واضحة؛ لانعدام المصادر والوثائق الأصلية، التي تؤرخ لتلك الأحداث في حينها، فبسبب تعاقب الدول والتبدلات السياسية تضيع وثائق الدول المنتهية أو تتعرض للإهمال. هكذا كان حال الدولة القعيطية بعد الاستقلال؛ إذْ فُـقِدَ الكثير من وثائقها، وتعرَّض أرشيفها للإهمال، وربَّما للطمس من قبل سلطة الجبهة القومية بعد الاستقلال الوطني 1967م، مثلما طمستْ هي – أي الدولة القعيطية – كذلك وثائق الدولة الكسادية بعد أنْ قضتْ عليها، وكما تُدِين تُدَان.
ولعل من محاسن الصدف أن بعض الوثائق الخاصة بالتاريخ العسكري للسلطنة القعيطية قد حفظها لنا الأرشيف الأسري لآل علي الحاج، وهم أسرة أثيلة المجد، تنتشر في يافع في موطنهم الأصلي قرية “ريد”، وفي حضرموت تنتشر أعدادهم أضعافًا مضاعفة عمّا في يافع، حيث تتوزع مواطنهم بين الوادي والساحل، وأكبر تجمع لهم في حضرموت هو في مثواهم المسمَّى باسمهم (ساحة آل علي الحاج) في مديرية القطن، في وادي حضرموت، ولهم وجود له حضور كبير في المكلا، وفي غيل باوزير، كما أنهم ينتشرون في الديس الشرقية والشحر وبروم والهجرين، إضافة إلى وجودهم واستقرارهم في عُمان وفي المهجر الهندي وشرق أفريقيا، وفي دول الخليج وغيرها من بلدان العالم. ولهم حضورهم الواضح في تاريخ حضرموت المعاصر، فقد برزتْ منهم شخصيات عسكرية وإدارية والأدبية ورجال قضاء وشعراء. وتجلَّى دورهم بشكل أكثر وضوحًا في عهد السلطنة القعيطية التي تبوأ فيها عدد من شخصيات هذه الأسرة مواقع مرموقة مدنية وعسكرية، ممن تركوا سيرة عطرة، وبصمات مشرِّفة في مسيرة حياتهم، وغادرنا البعضُ وغادر دُنياه دون أن نعرف عنهم شيئًا.
ومن هؤلاء الشيخ صالح بن سعيد بن علي الحاج الحوثري الموسطي اليافعي، أحد الشخصيات العسكرية والاجتماعية المهمَّة، التي تنقلت بين يافع وحضرموت والهند، وفي كل مكان وُجِد فيه كان حضوره قويًـا ومؤثِّـرًا، وحظي بمكانة عظيمة ومنزلة رفيعة لدى سلاطين الدولة القعيطية، ولدى مشايخ يافع وسلاطينها، ولم نكنْ لنعرفَ عنه شيئًا – مثله مثل كثيرين أمثاله – لولا دلالة الوثائق التاريخية عليه والشواهد الخاصة به التي حفظها لنا أرشيف أسرتهم.
فمن هو الشيخ صالح سعيد بن علي الحاج؟
هو الشيخ صالح بن سعيد بن سالم بن سعيد بن عبدالله بن صلاح بن علي الحاج، كما دوَّن اسمه الكامل بخطه الجميل في عدد من الكتب والمؤلفات التي كان يمتلكها شخصيًا، وما زالت محفوظة في حقيبة خاصة، وكذا وجود الختم الخاص به، برسم (المحتاج صالح بن سعيد سالم علي الحاج)، وهو مصنوع من النحاس سنة 1333هجرية/ الموافق 1915م، وهناك ختم آخر يختصر اسمه الثلاثي فقط من غير لقب الأسرة، وبالعام نفسه أيضًا، فضلاً عن كثرة الرسائل الموجهة إليه من عِلْيَةِ القوم في عصره ومخاطبتهم له بتبجيل وتوقير واحترام، مما يَـنِـمُّ عن مستوى ثقافته وعُلُوِّ كَـعْـبِـهِ في العلم وأمانته، فضلاً عن رفيع مكانته الاجتماعية كشيخٍ لقومه، ومصلح اجتماعي، في مسقط رأسه يافع، أو في مهجره الهندي أو في حضرموت.
غادر مسقطَ رأسِـهِ يافعَ شابًّـا إلى حضرموت، حيث يوجد الكثيرون من آل علي الحاج، واستغلَّ وجوده هناك لتحصيل العلم والتفقه في الدين، كما تبين ثقافته وخطه الجميل. ومن حضرموت شمّر جناحه ضمن أسراب المهاجرين إلى الهند، في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي، وهناك عمل في جيش نظام حيدر أباد أسوة بالكثيرين ممن سبقوهم؛ حيث شكَّل المهاجرون من الجنوب العربي، ولاسيما يافع وحضرموت، نسبة كبيرة من المجنَّدين في جيش ولاية حيدر أباد، وكان اعتماد الـحُكَّام عليهم بدرجة رئيسة؛ لِـمَا تمتَّع به أولئك اليافعيون والحضارمة من مميزات عسكرية وشجاعة وأمانة وإخلاص، الأمر الذي جعلهم يحظَوْنَ بمكانة خاصة من لدن الحُكّام، ويعتمدون عليهم بدرجة رئيسة في قوام جيشهم، وينعمون عليهم بالامتيازات والرتب العسكرية، وقد ترقَّى البعض منهم إلى مراتب عسكرية في هذا الجيش، وهي رتبة الجمعدارية. ولا شك في أنه بلغ مرتبة عسكرية واجتماعية مهمة، بدليل أنه كان شخصية اعتبارية مهمة، يُلجَأُ إليها في إصلاح ذات البين، وفي مساعدة أبناء قومه، ومتابعة حقوقهم؛ لِـمَا له من نفوذ ومكانة في حيدر أباد.
إنَّـنِـي أقدم هنا وثيقة حصلْنا عليها، وهي تخصُّ فترةَ مهجره في الهند، هي وثيقة توكيل مؤرَّخة في 16ربيع الآخر 1312هـ/ الموافق 27 أكتوبر 1894م، من عمّه عوض بن سالم سعيد بن علي الحاج، أقرَّه وَصِيًّـا على شقيقه المرحوم صالح بن سالم سعيد بن علي الحاج الـمُـتَـوَفَّـى بجهة الهند، بلدة حيدر أباد، وكتب وشهد التوكيل محمد بن علي محمد أحمد العبادي، وبحضور عددٍ من الشهود.
ويبدو أنه في سنة 1314هـ/1896م، ما زال حينها في مهجره الهندي، كما يتضح من وثيقة يقرُّ فيها علي بن محمد بوبك بن بوبك أحمد بن علي عامر البعسي، أنه إذا جرى عليه أمر الله المعلوم ويومه المحتوم وانقضى أجله، فإن وصيَّهُ هو صالح بن سعيد سالم بن عبد الله صلاح بن علي الحاج وفوَّضه بأن يقبض ويتصرف بجميع ما يخصه من إرث المرحومة والدته نور بنت سالم سعيد بن علي الحاج مما يخصها إرثًـا بجهة جبل يافع ببلد الحوثرة، وفي جهة حضرموت بجهة القطن، وفي جهة الهند بأرض الدكن.
تنقَّل بعد ذلك بين يافع وحضرموت، وتُبيِّنُ لنا الوثائق الخاصة به منزلته الاجتماعية الرفيعة في يافع أيضًا؛ إذْ كان من كبار المصلحين الاجتماعيين، وحظيَ بتقدير الناس وثقتهم به؛ لعلمه وإلمامه بالعُرف والشَّرع ومصداقيته وصدعه بالحق فلا يخشى في ذلك لومة لائم. وما يؤكد منزلته الأثيرة ومكانته العظيمة لدى عِلْيَةِ القوم أنهم كانوا يخاطبونه بكل تَـجِـلَّـةٍ واحترام، ويتوجهون إليه بعبارات التبجيل والثناء، يستوي في ذلك المشايخ والسلاطين والأعيان، ومن جميل الصفات التي أطلقوها عليه في مستهل مراسلاتهم إليه الأوصاف الرفيعة التالية: “عالي الجناب.. الأكرم المكرم.. حميد المساعي والشّيم.. محترم المقام.. الأكمل الماجد المحترم.. عالي الجناب ولذيذ الخطاب، الذهب الصافي والصديق الوافي.. الأعز العزيز المحترم .. إلخ”. وممن كان يخاطبه بإجلال وتقدير عاليين شيخ الموسطة، وهو المكتب الذي ينتمي إليه، ففي رسالة محرَّرة يوم الجمعة 10 من ذي الحجة 1340هـ الموافق 4 من أغسطس 1922م، أرسلها اليه بوبك بن علي عسكر النقيب، من غير أن يسبقها بكلمة شيخ -وهو رأس مكتب الموسطة وشيخُها – يخاطبه بقوله: “حضرة جناب عالي الجناب الأكرم المكرم الشيخ صالح سعيد سالم بن علي الحاج”. ويبلغه بـوفاة الولد عبد الحافظ بن محمد محسن، الذي انتقل إلى رحمة الله في حوطة لحج، ويذكر أن سبب موته (القطيب)، ولا ندري ما طبيعة هذا المرض.
وبالمثل هناك رسالة محررة في 25 من شعبان سنة 1341هـ/ الموافق 12 من أبريل1923م، أرسلَها إليه من حوطة لحج فضلٌ بْنُ علي هرهرة، من غير ذكر مكانته، كسلطان يافع الموسطة، ويخاطبه بإجلال وتقدير قائلًا :”حضرة جناب الأجل الأكرم المحترم، حميد المساعي والشّيم، الشيخ صالح بن سعيد سالم بن علي الحاج”، وفيها يخبره عن إرسال رسائل (خطوط) من قبل الشيخ بوبك علي النقيب مع ناجي أخيه وحسين إلى عند الإمام في صنعاء، وما نتج عن ذلك من ردود فعل بعد مسيرهم، وكذا مطالبته برجوع السوق، وأن الموسطة جميعًـا تراضوا على السوق، ما عدا الرشيدي فلم يوافق بعد. ويذكر مساعيَ للدولة القعيطية لغرض السلام والمناظرة.
وهذه نماذج فقط تبيِّن عظيم مكانته في عصره، وأنه ساد قومه بعلمه وحكمته ومصداقيته وعدله. وفي أرشيف أسرته الكثير من الشواهد والوثائق على ما قام به من أعمال كثيرة في إصلاح ذات البَيْنِ، وتحكيمه العادل بين الناس فيما شجر بينهم، وتهدئته للفتن التي كانت منتشرة بيافع، وفض الكثير من المنازعات، وعنايته بالمحتاجين من الأيتام والأرامل… إلخ.
مكانته في جيش السلطنة القعيطية:
من المعروف أن جيش السلطنة القعيطية قد تأسس على غرار جيش النظام الهندي القائم في حيدر آباد، وهذا يعود للعلاقة الوثيقة التي كانت قائمة بين السلطان القعيطي والهند، وظلَّ حالُه كذلك حتى أسند السلطان صالح بن غالب القعيطي مهمة تحديثه في عام 1936م إلى المستشار الإنجليزي إنجرامس. وقد بلغ تعداد الجيش غير النظامي في عام 1934م بين 1000 و1200، يقوده 11مقدّمًا، ووصل عام 1937م إلى 1400يافعي، غالبهم من يافع الجبل، مع مئات من عبيد السلطان، زَيُّهم القبلي، وسلاحهم البندقية والجنبية (الخنجر)، وهو أفضل من سلاح العبيد الذي تملكه الدولة.
ومن أولئك المقادمة كان الشيخ صالح سعيد بن علي الحاج، الذي كانت له علاقته الحميمة مع سلاطين الدولة القعيطية وأركانها، وكان في قوام جيش السلطنة غير النظامي رئيسًا أو مقدَّمًا على مجموعة من العسكر، كما تظهر لنا الوثائق من المراسلات والكشوفات الخاصة برواتب أولئك العسكر، ويتصدَّر اسمُه كشفَ الرواتب، التي عُهِد إليه بتسليمها لهم، وتبعًـا لمكانته العسكرية المرموقة فإن ماهيته الشهرية تتصدَّر أعلى رواتب العسكر جميعهم، بل تبلغ الضعف مقارنة بماهية كثيرين منهم، حيث كانت ماهيته تساوي 10 رُبِّيات شهريًا خلال السنوات 1330-1336هجرية (1912م- 1918م)، فيما بلغت سنة 1350هجرية (1931م) مبلغ 15 رُبِّية شهريًا، كما أمر السلطان بإجرائها لوكيله الشيخ عبد القوي بن صالح الجهوري مدة سفره من المكلا إلى يافع.
ومن حسن الحظ أن أرشيف آل علي الحاج قد حفظَ لنا سجلًّا يحتوي في طيات صفحاته كشوفات سنوية برواتب جماعته وحسابات أخرى، وبعملة الرّبِّيـَّة التي كانت متداولة حينها في الدولة القعيطية. وكمثال فقط في الجدول الآتي كشف رواتب العساكر بيد صالح سعيد بن علي الحاج للفترة من شهر ذي الحجة سنة 1333هـجرية/ الموافق أكتوبر 1915م إلى سلخ رمضان سنة 1334 هجرية/ الموافق نهاية يوليو1916م:
الرقم | الاسم | الراتب/رُبِّية | عدد الأشهر | الإجمالي |
1 | صالح سعيد بن علي الحاج | 10 | 8 | 80 |
2 | علي صالح بن علي الحاج | 7 | 8 | 56 |
3 | عبدالله علي بن علي الحاج | 2 | 8 | 16 |
4 | أحمد عبدالله بن علي الحاج | 5 | 8 | 40 |
5 | عوض حسين بن علي الحاج | 1 | 8 | 8 |
6 | عامر بن عمر بن علي الحاج | 6 | 8 | 48 |
7 | سالم بن عامر بن علي الحاج | 1.5 | 8 | 12 |
8 | عمر بن ناصر بن علي الحاج | 2 | 8 | 16 |
9 | محمد سالم بن علي الحاج | 5 | 8 | 40 |
10 | عبدالرب بن أحمد بن علي الحاج | 6 | 8 | 48 |
11 | عبدالله سعيد بن علي الحاج | 6 | 8 | 48 |
12 | صالح سعيد بن علي الحاج | 6 | 8 | 48 |
13 | سعيد بن حسين بن علي الحاج | 5 | 8 | 40 |
14 | سعيد عبدالله بن علي الحاج | 5 | 8 | 40 |
15 | مجمل أحمد بن علي الحاج | 5 | 8 | 40 |
16 | صالح بن مجمل بن علي الحاج | 5 | 8 | 40 |
17 | عبدالقوي بن عوض بن علي الحاج | 6 | 8 | 48 |
ونجد في كشف الرواتب أعلاه أن عدد العساكر من آل علي الحاج يبلغ 17 شخصًا من إجمالي عدد 30 عسكريًـا، أي إنهم يشكلون الغالبية، فضلاً عن كون بقية العساكر هم من المنتمين إلى يافع وإلى مكتب الموسطة الذي ينتمي إليه آل الحاج الحوثري، وتتفاوت نسبتهم في بقية الأعوام، لكنهم يتصدَّرون الغالبية فيها مقارنة بغيرهم، وهو ما يوضحه الكشف الآتـي للأعوام من 1330هجرية وحتى 1335هجرية:
عدد الأشهر والسنة حسب الكشوفات | عدد العسكر كامل | عدد آل علي الحاج منهم |
من القعدة 1330م إلى جماد آخر 1331م | 27 | 15 |
من رجب 1331- إلى رمضان 1332م | 19 | 10 |
من شوال 1332- جماد أول 1333م | 33 | 14 |
من الحجة 1333 – إلى رمضان 1334م | 30 | 17 |
من شوال 1334- إلى رجب 1335م | 41 | 14 |
ونستنج من ذلك أن قيادة جماعات العسكر غير النظاميين التي كانت تُسند لزعماء القبائل ورؤسائها لسهولة التعامل من قبلهم مع أبناء جلدتهم وتوجيههم والسيطرة عليهم، ومثل هذا الأمر لم يكن بدعة في جيش الدولة القعيطية، فقد كانت جيوش الفتح الإسلامي تقوم على أساس روابط النسب وصلة الدم، وكان لكل قوم أو قبيلة قائدها وزعيمها.
ومن أهم الوثائق ذات الصلة بعلاقته بسلاطين الدولة القعيطية، رسالة مؤرخة في 18من شوال سنة 1359هـ/ الموافق 18 نوفمبر1940م، من سكرتير الدولة القعيطية سيف بن علي البوعلي([1]) إلى مدير مالية الدولة بالمكلا، تفيد أن صالـحًـا بْنَ سعيد بن سالم بن علي الحاج قد طلب السفر إلى يافع، وبما أن ماهيته المقرَّرة (15 روبية) تجري من مادة الخيرية فقد أمر عظمة السلطان بإجرائها لوكيله الشيخ عبد القوي بن صالح الجهوري مدة غيابة.
ومن شواهد مكانته الاجتماعية الكبيرة، صلته المباشرة والشخصية بسلاطين القعيطي، ومنحه ثقتهم في أمور كثيرة، وثيقة إقرار مؤرَّخة بتاريخ 24 ربيع الأول سنة 1336هـ/ الموافق 7 يناير 1918م، من المحكمة الشرعية بالمكلا بتسلُّمه مبلغًا ومقداره 47 روبية وخمس آنات ونصف الآنة، مقبوضة بيده من دولة السلطان غالب بن عوض القعيطي باسم ورثة المتوفَّـى ناصر صالح السعيدي، وبتوقيع الحاكم الشرعي ببندر المكلا عبد الله أحمد رواف وشهادة آخرين.
كما كانت له المكانة العالية نفسها بين قومه في حضرموت، ومما يعزِّز هذا القول تلك الوكالات التي عُهِدَتْ إليه في بلد الديس، الأولى مؤرَّخة في 10 جمادى الآخرة سنة 1348هـ/ الموافق 12 نوفمبر 1929م، بصحيح نائب الشرع ببندر الشحر أحمد بن عوض المصلي، وتوقيع القعيطي، يوكلّه فيها بعض ورثة علي حسين بوبكر بن علي الحاج وهم منصر بن علي وفاطمة وزينة أولاد علي حسين وزوجته جميلة بنت ناصر سعيد للمكرم صالح سعيد سالم بن علي الحاج بقبض ما كان لهم من تركة مورِّثهم علي حسين ببلد الديس وغيرها وبيعه.
ووثيقة أخرى ذات صلة بالوكالة السابقة، مؤرخة في 29صفر1348هـ/ الموافق 6 أغسطس 1929م؛ إذ أقامه وأنابه الجمعدار سالم بن أحمد بن عبد الله القعيطي على تركة المرحوم علي بن حسين المذكور ببلد الديس وغيرها مما كان للميت من مال وعقار وديار ودَيْن، وأن يدَّعي ويحاكم وينازع ويقيم الحجج، ويدفع المعارض، ويستوفي الأيمان الواجبة، نيابة مفوَّضة صحيحة، وهذه النيابة معضّدة ومؤكدة للوكالة التي من ورثة المرحوم علي بن حسين المذكور، وبتصديق نائب الشرع ببندر الشحر أحمد عوض المصلي.
الخلاصة:
حينما كنت أصور تلك الوثائق والرسائل الخاصة بفترة عمله في المؤسسة العسكرية القعيطية وكذا سجلات رواتب العسكر التي دوَّنها بصورة شخصية في كراسة شخصية خاصة به، حرصًا على أمانته لإعطاء كل ذي حق حقه، ولأنها تعود إلى مطلع ثلاثينيات القرن الماضي، وتحديدًا من سنة 1331هجرية وحتى سنة 1336هجرية، فقد بدر إلى ذهني على الفور كتاب د.صادق عمر مكنون (تطور المؤسسة العسكرية في حضرموت ١٩٣٦-١٩٤٥م)، الصادر عن مركز حضرموت للدراسات التاريخية والتوثيق والنشر، وكما يتبين فالحد الزمني لما تعرض له هو الفترة من ١٩٣٦-١٩٤٥م، وهي المدة التي بدأ فيها تطوير المؤسسة العسكرية وتحديثها، وحدث لها تطور نسبي في المدة الزمنية اللاحقة حتى ١٩٦٧م، ولذلك فإن هذه الوثائق الجديدة تكتسب أهميتها الخاصة في كون غالبها تعود إلى الفترة الزمنية السابقة التي لم يتعرض لها د.مكنون، ولا شك أنها ستكون ذات فائدة له أو لغيره من الباحثين في توسيع الإطار الزمني للتاريخ العسكري، سواءٌ للسلطنة القعيطية خاصة أو لحضرموت عامة.
لقد عاصر الشيخ صالح سعيد اثنين من السلاطين، هما: السلطان غالب بن عوض، ونجله السلطان صالح بن غالب، وربطته بهما علاقة شخصية كأحد رجالات الدولة ومقادمتها المؤثِّـرين، ممن وضعوا لبنات السلطنة، فضلًا عن مكانته ودوره الذي تعرَّفنا عليه؛ فقد أظهرت لنا تلك الوثائق التي خلَّفها جوانب من مظاهر الحياة الاجتماعية، ومعلومات عن أسماء قادة عسكريين كالجمعدار سالم بن أحمد بن عبدالله القعيطي، والحاكم الشرعي لبندر المكلا عبدالله أحمد رواف، وكذا نائب الشرع ببندر الشحر أحمد عوض المصلي، وآخرين ممَّن ورد ذكرهم وخلَّد أسماءهم في تلك الوثائق التاريخية.
ختامًا أكرِّر شكري الكبير لآل علي الحاج، وفي مقدِّمتهم الشاب عبد الناصر حسين صالح سعيد بن علي الحاج، فتح قلوبهم قبل فتح خزائن وثائقهم التي وضعوها بين أيدينا للاستفادة منها؛ للكشف عن أحداث وشخصيات تاريخية كاد أن يطويها النسيان، ونأمل أن يقتدي بهم الآخرون فيبادروا إلى تقديم ما لديهم من وثائق ومراسلات تاريخية تكشف بعض ما غمض وخفي من تاريخنا المعاصر.
أ.د. علي صالح الخلاقي – أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية – جامعة عدن
[1] – هو الشيخ سيف بن علي بن ناصر بن حامد البوعلي، عماني الأصل أنتدب من تنزانيا التي كانت حينها تحت الانتداب البريطاني للعمل سكرتيراً للسلطنة في عهد السلطان صالح بن غالب القعيطي خلال الفترة 1939-1950م لخبراته ومهاراته الإدارية وتمكنه من اللغة الإنجليزية.