أضواء
صالح مبارك عصبان
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 30 .. ص 37
رابط العدد 30 : اضغط هنا
غيّبت بعض كتب التاريخ الحضرمي جوانب مهمة، كانت جزءًا من أحداث وتحوُّلات شهدتْها حضرموت في فترات زمنية، أو اكتفت بالإشارة إليها باقتضاب، وينطبق هذا على المجرى العام للتاريخ الحضرمي أو بعض أعلامه وشخصياته.
وفي القرن العشرين الميلادي حصل تحول كثير في الشأن الاجتماعي نتيجة لظروف وتأثيرات خارجية، أهمُّها أثر التحويلات المالية للمهاجرين، التي أحدثتْ تغييراتٍ في وسائل العمل الزراعية، وبناء المدارس الأهلية، وانتقال أفكار التجديد والإصلاح بتأسيس الأندية الثقافية والجمعيات، ((إن إقامة الجمعيات والمدارس الحديثة وإنشاء الصحف في مهاجر الحضارم، وخاصة في جنوب شرق آسيا، كان أحد وسائل الثورة على الجمود الفكري والبدع والخرافات والتقاليد البالية))[1] .
الجمعيات والعمل التعاوني بتريم:
تعافت حضرموت تدريجيًا بعد سنوات من الحروب والفتن والصراعات، وبرزت ملامح أعمال منظمة في الحكم والشأن السياسي، بتكوين السلطنتين القعيطية والكثيرية، وتهيأت الأسباب الداخلية والخارجية لظهور الجمعيات والعمل التعاوني بجهود المهاجرين الحضارم، ورجال التربية والثقافة في الداخل، وفي تريم تأسست جمعية الحق عام 1333هـ / 1915م، وجمعية الأُخُوَّة والمعاونة عام 1350 هـ / 1928م، وجمعية نشر الفضائل عام 1340 هـ /1921م، ووقفت أمامها جبهات المعارضة التي ترى في كل جديد وطارئ خروجًا عن الخط العام الذي ألفتْه، وتهديدًا لوجودها من حيث الوجاهة والتصدر والظهور.
واهتمت تلك الجمعيات وغيرها من الأندية الثقافية بتأسيس المدارس والأندية الثقافية والصحف، وشركات المساهمة في الزراعة والتجارة وسن قوانين تنظم بعض مظاهر الحياة الاجتماعية، كعادات الزواج، وحصر المواليد، والشؤون البلدية، وأسهمت إلى حد ما في إيقاظ الوعي والتحرر من قيود الجهل والانغلاق والانعتاق.
فتكونت تلك الجمعيات والمنتديات الفكرية والتجمعات الوطنية – ولأول مرة – وإلى حد ما على أساس فكري، أو مهني (لا طبقي أو سلالي) حسب تعبير الأستاذ عبدالقادر محمد الصبان، واتجه بعضها إلى نقد الظواهر الاجتماعية السيئة والعادات البالية والوجود الاستعماري[2].
أثمرت البعثات التي أرسلتها جمعية الأخوَّة والمعاونة إلى الشام والعراق، ونشاط المهاجرين الفكري والتربوي في جنوب شرق آسيا، وتأثُّر المهاجرين عمومًا بحركات التحرير، والأفكار التجديدية ومشاهدة العمل النقابي والتعاوني في العالم، أثمر هذا وغيره من العوامل إلى تأسيس (جمعية العمال)، و(جمعية المزارعين)، والسطور الآتية تلقي الضوء على هاتين الجمعيتين، ولعله أول عرض مكثف عنهما.
جمعية مزارعي تريم الزراعية:
لا يمكن الحديث عن جمعيات المزارعين بوادي حضرموت دون الإشارة إلى حمود باضاوي، هذه الشخصية التي بدأت الخطوات الأولى للتنظيم المهني للمزارعين، وأتت هذه الثمرة عبر جهود بذلها مع نخبة من زملائه، ففي عام 1364هـ / 1944م خرج المزارعون في مسيرة بمدينة سيئون إثر زيادة في الضرائب المفروضة عليهم، تلتْها مظاهرات في مناطق أخرى، اعتُـقِـل بعدها الزعيم باضاوي وتمَّ نفْيُه إلى (غيل بن يمين)، وفي عام 1368 هـ / 1948م تكونت جمعية المزارعين بسيئون، ومن أهداف هذه الجمعية انتعاش الزراعة، وتحسين حالة المزارع، وأصدرت السلطات قرارًا بإغلاقها، وأعيد نشاطها مرة أخرى عام 1959م، ويحسب لهذه الجمعية خطوتها الجريئة في وحدة مزارعي وادي حضرموت، الذي تتقاسمه السلطنتان القعيطية والكثيرية، وبهذه الخطوة تم تجاوز الحدود الوهمية التي فرضها المستعمر البريطاني، وبدأ المزارعون يَعُونَ أهمية وجود كيان ينظم عملهم، ويدافع عن حقوقهم، كما طالبت الجمعية بإعطائها مسؤولية بيع مادة (الديزل) للمزارعين؛ إذْ أنشأت السلطات (المنظمة الوطنية لبيع المحروقات)، واحتكرت توزيع محروقات شركة (شل)، وبدأ النزاع بين المزارعين والمنظمة، انتهى في 23يناير 1961م، إلى مقاطعة المنظمة لمدة شهر واحد، والإضراب عن العمل في الزراعة، وبعد مفاوضات أدَّت إلى تخفيض سعر الديزل ورفع الإضراب، كما قدَّمت الجمعية مقترحات للسلطات بتمثيل المزارعين في المجالس البلدية، وإصدار قوانين تنظم العلاقة بين المالك والمزارع، وفي إبريل قاطعت الجمعية وفروعها محروقات شركة (شل)، التي تباع بواسطة (المنظمة الوطنية)، بسبب تعنُّتِ الشركة ورفضها تخفيض سعر المحروقات، مما اضطر الشركة إلى إرسال مندوبها (كوبر) من عدن إلى سيئون وتريم لمحاولة التوصل إلى حل.
وفي عام 1962م تحوَّل اسمُها إلى جمعية المزارعين المحدودة، وفي عام 1963م تشكَّلت (اللجنة العليا لجمعيات العمال والمزارعين)[3].
ابتداءً شارك بعض مزارعي تريم وضواحيها في جمعية المزارعين، التي تأسَّست بسيئون عام 1959م، واستمر النشاط، وعقد اجتماع بتريم في بيت عبدالقادر بن أبي بكر المشهور المعروف بـ(جيلاني مشهور)، واتخذت فيه قرارات مهمَّة، وفي عام 1962م تولَّى كُلٌّ من عبدالقادر المشهور، ومبارك سليمان بامؤمن مسؤولية فرع الجمعية بتريم.
ثُمَّ حصل تغيير في الاسم خلال سنوات عملها، ولكنْ ظلَّ الهدف من إنشائها هو جمع المزارعين في إطار ينظِّمهم ويحقِّق مطالبهم، ففي العام 1965م ظهر في مخاطبات الجمعية اسم (جمعية المزارعين بتريم)، وفي العام 1966م تحوَّلَ الاسم إلى (هيئة المزارعين بتريم)، واستمر إلى عام 1968م؛ إذ وجَّهت الهيئة خطابًا إلى مأمور المديرية الشمالية (سيئون) للمطالبة بالمصادقة على دستور (جمعية المزارعين التعاونية بتريم)، ويبدو أن أمر المصادقة قد تأخر؛ ففي عام 1971م كانت مراسلات الجمعية توقع بـ (هيئة المزارعين المنحلة)، وفي عام 1972م بـ(جمعية المزارعين التعاونية بتريم).
النظام الاداري والمهني:
تشير وثائق الجمعية إلى نظام إداري ومالي، سارت عليه منذ تأسيسها عبر دستور ولوائح داخلية، حدَّدت الأهداف، وشروط العضوية، والحقوق، والواجبات، واختصاصات النشاط، فعلى سبيل المثال وجهت الجمعية خطابًا إلى مأمور المديرية الشمالية (سيئون) بتاريخ 11 شوال 1388 هـ الموافق 30 / 12 / 1968م مرفقًا به دستور الجمعية، ومن الأهداف التي وردت فيه: (( بث روح التعاون بين المزارعين وجمع كلمتهم، العمل على رفع مستواهم ماديًا وفكريًا، العمل على حل مشاكلهم، والمطالبة بحقوقهم المشروعة في حدود القانون والنظام، تكوين اللجان التعاونية، الاتصال بالهيئات الزراعية والمنظمات لغرض تطوير وتحسين حالة المزارع، وطرق الاستثمار))، وحدد الدستور هيئات الجمعية وكيفية انتخابها، ومهامها، ومهام الموظفين والشؤون المالية، وحل الجمعية وتصفية أمورها.
وفي هذا الشأن أظهرت وثائق الجمعية توقيعات وأعضاء الجمعية العمومية في انتخاباتها السنوية تفويض الهيئات الادارية المتعاقبة، ففي عام 1965م فوض الأعضاء كُلًا من: عبدالقادر بن أبي بكر المشهور (جيلاني)، ومبارك بن سليمان بامؤمن، وعلي بن سعيد بكير، وعلي بن حيمد بكير، كهيئة إدارية. وفي عام 1967م فوَّضوا عبدالقادر بن أبي بكر المشهور، وسالم بن سعيد بارجيب، وسالم بن رجب بكير، وعلي بن سعيد بكير. وفي عام 1968م فوَّضوا علي بن سعيد بكير، وجيلاني المشهور، وسالم بن سعيد بارجيب، وكرامة بن حيمد بامؤمن، وعثمان بن عبيد بن شملان، وناصر بن طالب التميمي، وكرامة بن عبيد الجليل، ومحفوظ بن كرامة التميمي، وعبدون بن عوض بريشان. وفي عام 1969م تم تفويض عبدالقادر بن أبي بكر المشهور، وعلي بن سعيد بكير، وسالم بن سعيد بارجيب، وكرامه بن حيمد بامؤمن، ومبارك بن كرامة عصبان، وخميس بن ناصر التميمي. وفي عام 1970م فوضوا عبدالقادر بن أبي بكر المشهور، وعلي بن سعيد بكير، وسالم بن سعيد بارجيب، وسالم بن رجب بكير. وفي عام 1972م فوضوا سالم بن سعيد بارجيب، وعلي بن سعيد بكير، ومبارك بن كرامة عصبان، وعبدالله بن سعيد التميمي، وعبيد بن سعيد ربيحان.
ومن اللوائح التي أنجزتها الجمعية:
– لائحة (نظام وقوانين الزراعة المعمول بها في تريم)، واحتوت على صيغة عقود واتفاقيات تنظم العمل الزراعي كالمخابرة والمخالعة، وحقوق المالك والمزارع وواجباتهما، وأرسلت إلى السلطات للمصادقة عليها.
– (لائحة مواجهة أضرار المواشي لمزارع المزارعين)، وقد أُعِدَّت بعد تفاقم الأضرار الناتجة عن إتلاف الزراعة بسبب المواشي، وكتبت عام 1968م.
– لائحة (حقوق وواجبات عمال منظمة توزيع المحروقات).
– اتفاقية بين الجمعية و(المنظمة الوطنية لبيع الديزل) بسيئون عام 1387هـ /1967م لتحمُّل الجمعية مسألة بيع الديزل بتريم، وكان يباع في براميل في أحد المباني، ثم عبر عدَّادات يدوية في موقع في مدخل مدينة تريم.
– محاضر تحكيم وصلح بين المزارعين والمُلَّاك، أو بين المزارعين أنفسهم، أو بين المزارعين والبادية.
ومن الملفات والسجلَّات المتعلقة بالعمل الإداري:
– أسماء الأعضاء وعدد أسهمهم.
– محاضر اجتماعات الهيأة العمومية والهيأة الإدارية.
– ملف شكاوى المزارعين ورسائلهم.
– البرقيات المرسلة إلى الهيئات الرسمية وغيرها.
– ملف المراسلات: وفيه الرسائل الواردة من الجمعية، والصادرة إليها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر رسائل متبادلة بين الجمعية وجمعية المزارعين بسيئون، واللجنة الشعبية بتريم ومحافظ المحافظة الخامسة (حضرموت).
أما الجانب المالي فقد حظي باهتمام خاص، وانتظم بموجب نظام محاسبي متقدِّم، توجد به دورة مالية لحسابات الصرف والإيراد، والمستودعات، ويقوم (مكتب بافضل للمحاسبة والمراجعة) – باعتباره هيأة محاسبية معتبرة قانونيًا – بمراجعة الحسابات الختامية وإقرارها، ومن الوثائق المتعلقة بهذا النظام:
– كشوفات المساهمين، مُبيَّنًا فيها عدد الأسهم وقيمتها.
– حساب منظمة توزيع الوقود.
– أرصدة استلام أرباح الجمعية وتوزيعها.
– حسابات الدُكَّان التجاري.
– أرصدة مشتريات (مضخات – قطع غيار …).
– حساب الحراثات.
– حساب الأصول الثابتة والصندوق.
– حساب البراميل الفارغة.
– كشوفات توزيع الزكاة.
– سجلات الأصول والجرد السنوي.
– الحسابات الختامية.
وبعد الاستقلال عام 1967م حاولت نقابة عمال الإنشاء والبناء والتعمير التدخل في أعمال الجمعية وإلزامها بالانضمام للنقابة، وتبادلت معها رسائل عدَّة تبيِّن وجهة نظرها، ومما جاء في رسالة موجهة من الجمعية: ((… من هذا البيان – أي بيان النقابة – يتضح أسلوب التهديد والإلزام بالدخول في النقابة، وهذا يتعارض نصًّا ورُوحًا مع باب العضوية في دستور النقابة، الذي ينصُّ بحق الاختيار والرغبة دون الإلزام بالاشتراك))، وتؤكد الرسالة تأييدَها لثورة 14 أكتوبر1963م: ((… وفي نفس الوقت نؤيِّدُ الثورة ونؤكد بضرورة توحيد الحركة العمالية، ونعتبر أنفسنا مجندين لمعركة البناء والتقدم وخدمة جمهوريتنا الفتية)). وفي عام 1972م حدثت الانتفاضات الفلاحية عبر قانون (الإصلاح الزراعي)، وتم الاستيلاء على الممتلكات ومنها منظمة توزيع الديزل، والجسَّامات وغيرها، وأسدل الستار على تاريخٍ مشرِّفٍ لجمعية، تحسب لها الريادة في تنظيم العمل الزراعي بصورة مهنية قانونية إدارية تعاونية، يشهد لذلك ما تركته من وثائق عدَّة[4].
جمعية العمال التعاونية بتريم
إثر الحراك العمالي بمدينة المكلا عاصمة السلطنة القعيطية، وجهود الزعيم العمالي حمود باضاوي في وادي حضرموت، تكوَّنت جمعية العمال بمدينة سيئون عاصمة السلطنة الكثيرية عام 1960م، وفي تريس عام 1961م ومناطق أخرى، وافتتحت مدارس للأطفال، وأخرى لكبار السن، منها مدرسة القرن عام 1961م، ومدرسة تريس عام 1965م. وفي عام 1962م أوردت صحيفة الرائد خبرًا مفاده أن كثيرًا من العمال والمزارعين يفكِّرون في تكوين نقابة عمالية لهم، تضمُّ مختلف أصحاب الحرف والأعمال، في كُلٍّ من سيئون وتريم وغيرها من المناطق[5]، ثم تأسست (رابطة العمال الحضارم) عام 1963م، وفي عام 1964م تم تشكيل لجنة عليا لجمعيات العمال والمزارعين، ووقع على وثيقة التأسيس مندوبو ست جمعيات، وكانت صحيفة الرائد قد عرّفت بتلك المنظمات قائلة: ((إن الحركة النقابية ليست حركة سياسية، فهي مجرَّد تضامن وتعاون وثيق بين أصحاب المهنة الواحدة))[6]، وفي عدد آخر حذَّرت الصحيفة من أن تتعرَّض الجمعيات التعاونية العمالية لانحراف في نشاطها قائلة: ((ونحن في الوقت الذي نحرص على تنظيم الكتل العمالية نخشى أن تتعرض هذه الحركة لشيء من شطحات القيادة الحزبية المتزمِّتة، إننا نؤمن بضرورة اتحاد وتنظيم هذه الجماهير العريقة العاملة وتوجيه فعالياتها نحو تحقيق مطالبها العادلة المشروعة، ولكننا ننادي بفصل الحركة العمالية عن الحساسيات السياسية والحزبية والتيارات العقائدية والمذهبية ضمانًا لسلامة سيرها))[7].
وفي تريم تداول عدد من الشخصيات الرأي بتكوين كيان لهم يحقق أحلامهم؛ لتطوير بلدهم، ومشاركةً في رفع الوعي عبر فتح المدارس، وتنظيم المحاضرات، والدفاع عن حقوقهم، متأثرين بما شاهدوه أو سمعوه عن دور المؤسسات والجمعيات والنقابات في الخارج، وما يتمتع به المواطنون في بلدان أخرى من حرية التعبير والمساواة في الحقوق والواجبات، ودور التعليم في نهضة الأمم، واقترحوا فكرة إنشاء جمعية تعبِّر عن طموحاتهم لخدمة أهالي مدينتهم تريم، ومن أهم الشخصيات التي حملت هذه الفكرة: سالم عمير مصيباح، وحميد سعيد الدوح، ود. عبدالقادر عبدالله الكاف، ومحفوظ صالح باحشوان، وكرامة مبارك سليمان بامؤمن، وغيرهم، وتمَّ عقد مشاورات مع عدد من المثقفين، وبدأوا بالتعريف بالفكرة وأهدافها، وقاموا برحلات إلى سيئون والمكلا لهذا الغرض، ثم وجَّهوا نداء لأبناء تريم لدعم الفكرة[8]، ونشرت صحيفة الطليعة هذا النداء تحت عنوان (نداء إلى أبناء تريم في الداخل والخارج)، ومما جاء فيه ((إن الأمم تسعى لما فيه الخير والتقدم والنجاح والرقي، وخير الوسائل واتباعًا للوصول إلى هذا الهدف، هو التضامن والتعاون والتكاتف والاتحاد، وقد ندب إلى هذا الكتاب والسنة، وحث عليه الشرع والدين، حيث قال تعالى في كتابه المبين: ((واعتصموا بحبلِ اللهِ جميعًا ولا تفرَّقُوا))، وقال صلى الله عليه وسم : ((المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا))، ومن أجل هذا الهدف النبيل اجتمعت إرادة (إخوان لكم) بالغَنّاء الحبيبة لتأسيس (جمعية العمال التعاونية بتريم)، ومن أغراض هذه الجمعية وغاياتها بثُّ روح التضامن والتعاون ونشر التعليم بين صفوف العمال الأميين، ومبادئ المساواة بين أعضائها خاصة، وبين أبناء الشعب عامة … واجتمع أيضًا لفيف من شباب الغناء فأسَّسوا لهم ناديًا رياضيًّا تعاونيًّا … وقد نالت كل من الهيئتين الناهضتين تأييدًا شعبيًا من هيئات أخرى هناك، كجمعية الأخوة والمعاونة ونادي الشباب))، وطالب النداء أبناء تريم بمد يد العون والمساعدة للجمعية والنادي[9].
والمقصود بالنادي هنا، النادي الأهلي الذي أصبح نشاطه مرتبطًا بالجمعية. وفي 23 يناير سنة 1963م تم تسجيل الجمعية لدى الحكومة الكثيرية برقم (34) تحت اسم (جمعية العمال التعاونية بتريم)، وصادقت السلطات على قانون الجمعية، ونشرت صحيفة الرائد خبر التأسيس قائلة: ((نالت جمعية العمال التعاونية في الآونة الأخيرة مصادقة الحكومة على قانونيتها، وقد سجل هذا القانون وبمقتضى ذلك سمح لها بمزاولة نشاطها، غير أنه ألغيت بعض مواد قانونها، ومن أبرز المواد الملغاة (المطالبة بالمساواة)، وقد أكدت قيادات الجمعية أن الغرض من إنشائها رفع مستوى العامل وصيانة حقوقه وتهيئة فرص العمل، وأنها لن تكون طرفًا في إثارة النعرات العنصرية والطائفية))[10]. وبعد الحصول على الترخيص بدأت الجمعية بمزاولة نشاطها، وكثَّفت من حملات التعريف بها، ونشرت بيانًا في صحيفة الطليعة، جاء فيه: ((في خضم التناقضات والأوضاع السيئة الاجتماعية والاقتصادية والمفارقات اللاإنسانية التي يعيشها شعبنا الأَبِيُّ في حضرموت خاصة والجنوب عامة، تنادى أفراد من أبناء تريم، حز في نفوسهم الأبية الألم من هذه الحالة، فاجتمعوا ودعوا إلى تشكيل جمعية تكتل الجماهير الكادحة على أسس سلمية من التضامن والتعاون والاحترام، وهكذا شملهم الشعور المشترك بإقامة حياة أفضل لكل مواطن مهضوم الحق، وجمع قلوبهم الإحساس المتبادل لتكون لهم إرادة حرة ومشاركة فعالة))[11]، وتضمَّن البيانُ بعض أهداف الجمعية، ومنها: نشر التعاليم الاسلامية النبيلة في تحقيق أماني الشعب في حياة كريمة، الدفاع عن المصالح والحقوق المشروعة للجماهير الشعبية بكافة الوسائل الإيجابية القانونية. ويشير الأستاذ عوض مبارك بامؤمن إلى أنَّ عددًا من المثقفين والعمال والفلاحين أسسوا الجمعية، وسجل في عضويتها عند التأسيس قرابة 40 عضوًا، من أهمهم المحامي محمد عمر الكاف وكرامة مبارك سليمان، ود. عبد القادر الكاف، وعوض مبارك سليمان بامؤمن (رئيس الجمعية)، ومحمد عبيد بلدرم (سكرتير الجمعية)، وسليم يوسف، وأحمد عوض باعيسى، وسالم عمير مصيباح، وعلي سعيد بكير، وحميد الدوح [12].
انتظمت انتخابات هيئاتها بصورة تنافسية، ففي مايو1965م انتخبت هيئة إدارية جديدة برئاسة الأستاذ كرامة مبارك بامؤمن، والدكتور عبد القادر الكاف نائبًا للرئيس، وعضوية محفوظ صالح باحشوان، ومحمد بلدرم، وسليم يوسف، وعوض كرامة الرميدي، وسالم عمير مصيباح، ومحمد عمر الكاف، وعمر عواض[13]. وفي مسار عملها المهني والتوعوي تكفل الأعضاء بدفع رسوم شهرية لتسيير العمل، واتخذت مقرًّا لها لتنظيم النشاط وعقد الاجتماعات وإلقاء المحاضرات من قبل أعضائها البارزين، ومنهم مبارك كرامه سليمان بامؤمن، وعلي عقيل بن يحيى، وقامت بشراء جهاز عرض سينمائي لعرض أفلام توعوية في تريم وشبام والقطن والحوطة، كما فتحت لها حسابًا في البنك الأهلي لضبط أمورها المالية، وأصدرت صحيفة (صوت العمال)، ونشرة داخلية تطبعان (بالروينو.
وتوسعت أهدافها لتوحيد جهود الجمعيات والمؤسسات الأخرى بوادي حضرموت، وتوجَّه وفد من أعضاء الجمعية إلى سيئون، وفي عضويته أحمد عوض باعيسى، وسليم بن يوسف، وسالم عمير مصيباح، ومحفوظ الحسين، وعوض عبيد باسلمة، وأحمد حميد بامحيمود، وعلي عقيل بن يحيى، للمشاركة في اجتماع (الهيئات العمالية والزراعية بسيئون وتريم)، وألقى الأستاذ علي عقيل محاضرة عن دور الحركة العمالية في معركة النضال العربي، وأهمية توحيد الجهود العمالية والتعاونية، وممَّا قال فيها: ((إن حركتنا العمالية ليست ضد فئة معينة بالذات، وإنما هي ضد الظلم والسخرة والاستغلال من أي فئة كانت … إننا نحكم بلا دستور يسنُّه الشعب، ويستغل مقدراتنا نفوذ الحكم وقوة المال، فتثرى في مجتمعنا في الساحل والداخل طبقة قليلة على حساب الأغلبية الفقيرة الساحقة))[14]، وأكد الاجتماع على أن من أهداف تجمع الحركة العمالية نصرة المظلوم ومحاربة الظلم.
وكأي حدث طارئ ومكون غير مألوف لم تسلم الجمعية من قوى معارضة لتوجهاتها، سواءً من القوى التقليدية التي تتخوَّف من كل جديد، أو مؤسسات أخرى منافسة، و لم تسلم أيضًا من النقد، ومن ذلك مقال في صحيفة الرائد بعنوان (بعثيون في قيادة جمعية العمال)، للصحفي إبراهيم الكاف، جاء فيه: ((كلنا نعرف، وتأكَّد لنا أن هناك عناصر بعثية في جمعية العمال بتريم، وهذه العناصر هي التي تمسك بزمام الأمور، وتسيّر الجمعية، وتتصرف في أمورها الإدارية بعد الرئيس كرامة مبارك سليمان، الذي تفيد الأخبار كلها بأنه ليس بعثيًا من قريب أو بعيد …، وجمعية العمال بتريم لا ننكر أنها قامت من أجل رفع مستوى العامل في حضرموت، وكافحت واستمرت في طريق نضالها، إلا أننا نود أن نهمس في أذن رئيسها السيد كرامة سليمان بأن دخول عناصر من حزب البعث في الجمعية – ليس هذا فحسب بل أنهم عينوا في قيادتها – نقول إن مثل هذه الخطوات تعتبر خطوة إلى الوراء، بالرغم من حسن نية الرئيس ومحاولته لدفع الجمعية إلى الأمام بالطريقة التي يؤمن بها))[15].
غير أن إدارة الجمعية ردَّت على المقال بمقال (عمال، لا بعثيون في قيادة جمعية العمال)، نشرته الصحيفة في العدد (179)، ومما جاء فيه ((نشر الأخ إبرهيم الكاف في العدد (174) من الرائد الحضرمية أخبارًا ملفَّقة مغرضة عن جمعية العمال التعاونية بتريم، ولا نريد في هذه اللفتة أن ننتقد الأخ إبراهيم لأنه لم ينشر فكرة تستحق النقد، كما أنه لم يسجل وقائع لها دلالتها وقيمتها الموضوعية، إنما نريد فقط أن نصحح مفاهيمه الخاطئة.
يا أخ إبراهيم، إن كنت تجهل فاعلم أن الذي يمسك بزمام الأمور في جمعية العمال هم أعضاء إدارتها الحائزون على ثقة الهيئة العامة للجمعية، وقد آلوا على أنفسهم خدمة أهداف الجمعية وتحقيق أغراضها، والعمال أعضاء الجمعية، أعرف أكثر من غيرهم بالمصلح من المفسد))[16].
المشاركة في العمل الوطني:
للجمعية إسهام في خدمة قضايا الوطن والمواطنين، وعملت مع الجمعيات والهيئات الأخرى بمدينة تريم على التحرُّك سويًّا لتقديم المطالبات بتحسين وضع المدينة، وتوفير الخدمات، وإصلاح نظام الحكم، وفتح المدارس، وإصلاح الطرقات، وتابعت صحيفة الطليعة هذا النشاط؛ إذ نشرت في أحد أعدادها متابعة إخبارية تقول فيها: ((تُبدِي هذه الأيام جمعية العمال نشاطًا ملحوظًا برئاسة الأستاذ الجامعي كرامة سليمان بامؤمن، وقد أعدَّت العُدَّة لفتح صفَّينِ لتعليم الكبار ليلًا لمكافحة الأُمِّيَّةَ بين قطاعات العمال … كما تُبدِي الجمعيَّةُ اتصالات هامة مع الهيئات المماثلة حول موضوع البترول ومعاملة الشركة للعمال الحضارم معاملة قاسية ووضع قوانين للعمل بها))[17].
وفي نوفمبر 1963م تداعَت المكونات الشعبية بتريم لعقد (مؤتمر شعبي)؛ لوضع خطة لإيجاد نهضة بالمدينة، وتم تشكيل لجنة تضم تلك المكونات – ومن ضمنها جمعية العمال – لمقابلة السلطان الكثيري، وضمَّ الوفدُ كُلًّا من عبدالله عمر الكاف، وكرامة مبارك سليمان، ومحمد عبدالرحمن الجنيد، وعمر بن أحمد الشاطري، وأحمد عوض باعيسى، وعلي عقيل بن يحيى، ومحمد عمر الكاف، وقدَّم الوفد مطالب أهالي تريم بتطوير التعليم والتوسع فيه، ورفع المستوى الصحي، ودراسة أوضاع المجلس البلدي، ووضع قانون يمثِّل فيه أهالي تريم في المجلس تمثيلًا صحيحا[18]. وتفاعلًا مع المد القومي والثورات العربية شهدت مدينة تريم احتفالًا بمناسبة انتصار تلك الثورات ونيل الحريات، فأقام نادي الشباب في أبريل 1963م حفلًا بمناسبة انتصار الثورات الشعبية في العراق وسوريا والجزائر واليمن، تحدَّث فيه مندوبو جمعية الأُخُوَّة والمعاونة وجمعية العمال والنادي الرياضي بدَمُّون والنادي الأهلي بتريم، وفي السنة نفسها استضافت جمعية العمال وجمعية الأخوة ونادي الشباب، عمر سالم باعباد؛ لتقديم وجهة نظره عن الأوضاع السياسية، وما يحمله من أفكار لتأسيس حزب سياسي[19]، ووقعت الجمعية على بيان الهيئات الشعبية بتريم الصادر في 31 أكتوبر 1965م، الذي استنكر إلقاء قنبلتين على المظاهرات الطلابية في سيئون والمكلا احتجاجًا على زيارة المندوب السامي البريطاني إلى حضرموت.
وبعد ثلاث سنوات من عملها، قام وفد من الجمعية بزيارة مدينة المكلا في نوفمبر 1965م برئاسة سالم عمير مصيباح، فقابل وزير السلطنة القعيطية والأمين العام لنقابة عمال البناء والتعمير وعددًا من التجار والعمال، بغرض إعطاء معلومات عن إنجازات الجمعية في مختلف الجوانب، ومنها الجانب التعليمي من خلال فتح مدرسة أهلية للصغار وصفوف لتعليم كبار السن، وتشكيل لجنة لجمع التبرعات لتلك المشاريع[20].
تسارعت الأحداث على الساحة السياسية وارتفعت وتيرة المقاومة السياسية والعسكرية ضد الاستعمار البريطاني، ووصلت قضية الجنوب إلى أروقة الأمم المتحدة التي أصدرت قرارات بحق تقرير المصير وتصفية الاستعمار، ونشطت الخلايا السياسية لاستقطاب أعضاء وعناصر لبرامجها وأهدافها، وعبر أسلوب التوعية وجدت الهيئات الشعبية فرصة للانتقال إلى مرحلة متقدمة في حراكها الوطني، والمشاركة في هذا الجهد بالضغط على السلطنتين لإطلاق الحريات، والوقوف ضد محاولات بريطانيا إجراء عمليات شكلية لإعطاء استقلال منقوص، تمثل في التهيئة (لمؤتمر لندن الدستوري)، الذي روَّجت له بوصول وزير المستعمرات البريطاني إلى الجنوب وزيارة حضرموت، وأقرَّت الهيئات بتريم في يونيو 1964م تشكيل لجنة تحضيرية للاتصال بالأندية والمنظمات العمالية للدعوة لعقد مؤتمر شعبي لإصدار بيان سياسي يرفض ويشجب أيَّة قرارات تصدر عن (مؤتمر لندن الدستوري)، الذي يهدف حسب تصريحات وزير شؤون المستعمرات البريطاني إلى مناقشة مشروع الاتحاد الدستوري حول الاستقلال، غير أن الغرض الرئيس هو منح استقلال مُزيَّف للتحايل على قرارات الأمم المتحدة، وقد عقد المؤتمر واتخذ قرارًا بمنح الاستقلال للاتحاد الفيدرالي عام 1968م، ورفع السيادة عن عدن تدريجيًا مع بقاء القاعدة العسكرية، وتوجيه الدعوة إلى يافع العليا وسلطنات القعيطي والكثيري، والمهرة للانضمام إلى الاتحاد الفيدرالي [21].
شاركت جمعية العمال في (مؤتمر الهيئات الشعبية بتريم وسيئون)، وحاولت السلطنتان منعه وتهديد بعض أعضائه، وكان مقررًا عقدُه في منطقة دمُّون، وبسبب ملاحقة السلطات عقد في منطقة (البَدع) شمال ثبي، التابعة للسلطنة القعيطية بتاريخ 4 يونيو1964م، واتفق أعضاء الوفود على البيان، وفي أثناء الاجتماع حاصرت الشرطة مقرَّ الاجتماع، وداهم (قائم منطقة دمون) للمنطقة القعيطية المقرَّ وأمر بفضِّ الاجتماع[22].
مثّل هذا المؤتمر أكبر تحدِّيًا شعبيًّا للسلطات الاستعمارية وركائزها، ولقي تغطية إخبارية من الصحافة المحلية وإذاعة صوت العرب بالقاهرة، وتنديدًا من الأحزاب والنقابات، وكان رد السلطات المحلية متشنِّجًا؛ إذ أقدمت على إقالة الأستاذ علي عقيل بن يحيى من إدارة مدرسة النهضة بسيئون، عقابًا له؛ إذ كان أحد أعضاء جمعية العمال الذين سعَوا بجِدِّيَّةٍ لعقد المؤتمر، وأصدرت الأحزاب والقوى الوطنية بياناتٍ تستنكر هذا التصرف، ومنها بيان (اللجنة التحضيرية للاتصال الشعبي بحضرموت) وحزب الشعب الاشتراكي والصحف واللجان النقابية، وخرجت مظاهرة شارك فيها عدد كبير من المواطنين وطلبة المدارس بدعوة من جمعية الأخوة وجمعية العمال ونادي الشباب والنادي الأهلي، وصفتْها صحيفة الطليعة بأنها أروع مظاهرة شعبية، وذلك في سبتمبر 1964م، وحمل المتظاهرون لافتات تطالب برحيل المستعمر البريطاني وأعوانه من العملاء والخونة والسماح للمعلمين المصريين بدخول حضرموت بعد منعهم من السلطات الاستعمارية، ومما جاء في بعض اللافتات شعارات (ثقافة عربية لا استعمار ولا عبودية، افتحوا الباب للثقافة العربية، من الأحقاف إلى النيل لبَّيكَ عبدالناصر، يسقط المخطط الثقافي)، ثم تُلِيَتْ برقية مبعوثة من المتظاهرين إلى الأمانة العامة للجامعة العربية ووزير المستعمرات البريطاني تستنكر منع دخول المدرسين المصريين إلى حضرموت[23].
أزعجت المظاهرات وتنامي الحركة الوطنية المستعمر وركائزه، فبعث وزير مستعمراته (جرين وود) إلى مدينة سيئون بتاريخ 3 ديسمبر 1964م لمحاولة ضم حضرموت إلى الاتحاد الفيدرالي، وانتهزت الهيئات الشعبية بتريم الفرصة لإيصال رسالة له تحدِّد موقفها من مجمل المستجدات، وأرسلت وفدًا ضمَّ عن جمعية الأخوة والمعاونة أحمد زين بلفقيه، وعمر أحمد الشاطري، وعن جمعية العمال د. عبدالقادر الكاف، وسالم عمير، ومحمد عمر الكاف، وعن نادي الشباب حسين عبدالله الكاف، وعبدالله عمر الكاف، وعن النادي الأهلي حامد الحداد، وصالح باغريب، واعتذرت هيئات سيئون عن مناصرة هذا الوفد بإيعاز من السلطة الكثيرية، وسلَّم الوفد مذكِّرةً للوزير البريطاني قدَّم فيها شرحًا لوجهة نظره حول الأوضاع السياسية بغياب الدستور والقوانين التي تصون الحقوق والحريات، والشأن الاجتماعي وما فيه من تخلُّف وفقر وجهل وأمراض، ولخَّصت المذكرة المطالب الشعبية بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة الخاصة بشعب الجنوب، وإطلاق الحريات العامة بما فيها حرية تأسيس الأحزاب والنقابات وإطلاق سراح السجناء السياسيين، وإجراء انتخابات حُرَّة ونزيهة.
حينما شعرت جمعية العمال أن صراع الأحزاب السياسية سيؤدي إلى إضعاف تحركات القوى الوطنية وتشتُّت جهودها تبنَّتْ تأسيس (تجمع وطني) لهذه القوى بمدينة تريم يجمع قياداتها ويوحد أهدافها[24].
فحدث ما كانت تتوقَّعه الجمعية فبدأت حِدَّة الخلاف تشيع، وبرزتْ قُوَّتان لكل منهما أنصار، وهما جبهة التحرير والجبهة القومية، ووصل هذا الاستقطاب إلى حضرموت، وطرأت موجة جديدة من التجمعات الشعبية، تحمل طابع ذلك الانقسام، ففي 25 مارس 1966م دعا نادي الشباب بسيئون إلى عقد (مؤتمر الهيئات الشعبية بالمنطقة الكثيرية)، حضره من تريم وسيئون ممثلو جمعية العمال، وهيئة المزارعين، ونادي الشباب والنادي الأهلي، والجمعية الكثيرية الشنفرية، وهيئات أخرى، ومن القرارات التي أقرها المؤتمر، رفض المقترحات الدستورية جملة وتفصيلًا، واعتبار (جبهة تحرير الجنوب اليمني المحتل) الممثِّل الوحيد لشعب الجنوب، وعلى بريطانيا أن تتفاوض معها، وعدم الاعتراف بأي قرارات أو نتائج مصيرية تصدر عن تفاوض السلطات فيما بينها أو بينها وبين مَنْ يُسمَّون (أعيان البلاد)، ويجب أن يقول الشعب كلمته في كل قرار مصيري بشكل مباشر، وتوحيد الشعب في القطاعين الكثيري والقعيطي والمهرة، ورفض أي هيئات عنصرية، واعتبار حضرموت جزءًا من الجنوب ومعارضة أي حركات انفصالية، ورفض أية اتصالات سياسية بين السلطات ومقادمة القبائل أو أية شخصيات مع أي طرف خارجي[25].
وعلى الجانب الآخر عقد بمنطقة دمون وبتاريخ 5 أبريل1966م اجتماع سُمِّي (باجتماع اللجان العاملة بالمنطقة الشرقية للسلطنة القعيطية)، فنتج عنه قرارات، منها: رفض المقترحات الدستورية جملة وتفصيلً، ووضع ميثاق وطني للمرحلة الانتقالية، واعتبار الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل الممثِّل الشرعي لشعب الجنوب وعلى بريطانيا التفاوض معها لتحقيق الاستقلال، وإجراء انتخابات مباشرة لقيام مجلس مؤقت، وتم اختيار لجنة لمتابعة نتائج اللقاء من كلٍ من: فيصل بن العبد بن شيبان، محمد عوض بن شملان، قيس العبد التميمي، أحمد ضياء بن شهاب. وجاء عقبه مؤتمر بالمنطقة الكثيرية بمدينة سيئون للقوى الشعبية للتنديد بتصرفات السلطة الكثيرية بمنع التجمعات الشعبية وملاحقة قياداتها، وأعلنت أن تلك التجمعات هي إحدى السبل لتوعية جماهير الشعب بواجباتهم تجاه الأحداث، وأيَّد هذا المطلب مؤتمر شعبي بمنطقة دمون في يونيو 1966م، وشجب ممارسات السلطنة الكثيرية[26].
وفي إحدى المسيرات الجماهيرية بتاريخ 10 سبتمبر 1966م بمدينة سيئون المندِّدة بزيارة المندوب السامي البريطاني، أُلقِيَتْ قنبلة على الجماهير، أُصِيبَ فيها بعض الطلاب بجروح، كما خرجتْ مسيرة بعد ذلك في مدينة المكلا تستنكر ما حصل بسيئون فألقيت قنبلة أيضًا أودتْ بحياة الطالب خالد بن هامل، واتُّهِمَ حزب الرابطة بإلقاء القنبلة، وفي 31 سبتمبر1966م عقدت (الهيئات الشعبية بتريم) اجتماعًا بحضور جمعية العمال ونادي الشباب والنادي الأهلي للوقوف على تلك المستجدات، ورفضت تلك التصرفات الهوجاء، ولأول مرَّة تصدر جمعية الأُخُوَّة والمعاونة بيانًا منفصلًا يندِّد بتلك الأحداث[27].
نشرة صوت العمال:
أصدرت الجمعية في عام 1964م نشرة تحت عنوان (صوت العمال)، وأشادت صحيفة الطليعة بهذه النشرة في العدد (257)، قائلة: ((أصدرت جمعية العمال التعاونية بتريم نشرة دورية أسمتها ( صوت العمال ) وقد اشتملت النشرة على عدد من الموضوعات والأخبار وتناولت بالتحليل قضايا العمال وشئونهم العامة… إن (صوت العمال) وهي تعكس تطلعات الطبقة الكادحة في حياة كريمة لهي خطوة من أجل إيقاظ المارد، الذي ظل سنين يرزح تحت قيود العبودية والجهالة والاستغلال، ولقد آن لعمالنا أن يكون لهم صوت مُدَوٍّ يدافع عن حقوقهم، ويصون مكاسبهم ويوفي أجرهم)).
ثمَّ توقف إصدار النشرة بعد سنتين من إصدارها بسبب القوانين والشروط المجحفة – كما وصفتها الجمعية – المقيِّدة لحرية النشر والكتابة والتعبير، واضطرت إلى إصدار نشرة داخلية بالاسم نفسه (صوت العمال)، ومما توفر من أعداد هذه النشرة العدد رقم (21) الصادر في شهر ذي القعدة 1385هـ الموافق مارس 1966م، ومن خلال موادِّه يمكن التعرف على اهتمامات النشرة وسياستها العامة، ففي كلمة العدد أشارت إلى هدف من أهداف جمعية العمال، ألا وهو نشر الوعي بين أعضائها وعموم المواطنين: ((ولقد حرصت الجمعية في توعية أعضائها من خلال الندوات والجلسات العامة، وهي جزء من حملات التوعية التي قامت وما تزال تقوم بها، أن تربط المشكلة الخاصة للعمال بالمشكلة العامة للوطن كمنطقة مجزَّأة مستعمرة يقيدها الدخلاء بقوانينهم الجائرة ومعاهداتهم غير المتكافئة، ويعيث فيها عملاؤهم فسادًا، تحميهم السلطات الاستعمارية وقاعدتها العدوانية في عدن من الجنوب المحتل، وليس العمال بهذه المنطقة إلا جزءًا نضاليًّا أساسيًّا من هذا الشعب العربي، الذي يناضل لإزالة الوجود الاستعماري وقواعده زوالًا حقيقيًّا))[28].
ومن اهتمامات النشرة: قضايا الحركة العمالية، وجاء في إحدى صفحاتها مقالٌ تحت عنوان (توحيد الحركة العمالية)، جاء فيه: ((لمواجهة الظلم والاستبداد والاستغلال اقترحت – جمعية العمال بتريم – تأسيس اتحاد جمعيات العمال بوادي حضرموت وأعدت دستورًا لهذا الاتحاد))، وأشارت صحيفة الرأي العام إلى هذه الخطوة بإيراد تغطية للقاء الذي عقد في سيئون بتاريخ 23 مارس 1964م، وحضره وفد عن جمعية العمال بتريم، وألقى عبدالقادر الصبان كلمة عن جمعية المزارعين بسيئون أشاد فيها بدور العمال في الحياة العامة، كما ألقى أحمد عوض باعيسى نائب رئيس جمعية العمال بتريم كلمة، وأخرى لعلي عقيل بن يحيى، حدَّد فيها الصراع القائم اليوم في المجتمع بأنه ينبغي أن يتعدى الطور القديم في التنافس القبلي والعائلي، إلى وضع صحيح، وهو محاربة الظلم والاستغلال من الجميع، ونوقش في الاجتماع دستور اتحاد الجمعيات العمالية والفلاحية بوادي حضرموت التي حضرت الاجتماع، وهي جمعية سحيل سيئون، وجمعية البلاد، وجمعية المزارعين، وجمعية العمال بتريم.
وعن الأخبار جاء في النشرة ((استضافت الجمعية علي عبدالرحمن الأسودي نائب رئيس الاتحاد العالمي بعدن، الذي حضر اجتماع جمعيات العمال بوادي حضرموت، كما اتصلنا بالمؤتمر العمالي بعدن لمساعدة عمال حضرموت كجزء من عمال الجنوب المحتل باعتبارهم يشكلون قوة نضالية، لها ثقلها في المعركة المصيرية ضد الاستعمار البريطاني)).
وفي الشأن الوطني نشرت مقالًا بعنوان (المقترحات الدستورية ورفض الشعب لها)، قالت فيه: ((لا دستور لشعب إلا ما تسنده وتضعه جمعية تأسيسية ينتخبها الشعب انتخابًا حُرًا مباشرًا، يضع فيها ثقته، ثم تقدم ما أنيط بها من دستور يقترحه الشعب، والمقترحات الدستورية (لدولة الجنوب العربي) المزعومة التي وضعها مِمَّن يُسَمَّون (خبراء إنجليز)، يرفضها شعب الجنوب رفضًا باتًّا)).
وتابعت النشرة جهود الجمعية في التحضير لمؤتمر الهيئات الشعبية، الذي عقد في (مسجد البَدع)، المندِّد بمؤتمر لندن الدستوري، وأشارت إلى حضور مندوب الجمعية اجتماع الهيئات الوطنية بتريم، الذي عقد في عام 1964م، بحضور الأستاذ شيخان الحبشي، وقدَّمت الجمعية مشروعًا لميثاق الوحدة الوطنية بين المكونات الحضرمية، وفي جانب المتابعات الاجتماعية نشرت جهود الجمعية في خدمة محيطها الاجتماعي ومن ذلك، فتح دُكَّانٍ تعاوني؛ لتلبية احتياجات الأعضاء، وافتتاح صفٍّ دراسي لمحو أمية كبار السن، وافتتاح صفَّيْنِ دراسيَّيْنِ لطلاب المرحلة الابتدائية، ثم افتتاح مدرسة باعتماد منهج الحكومة الكثيرية، ومدارس الكويت، والدعوة لحل مشاكل الحويف وتداعياتها، وإصلاح أوضاع المجلس البلدي بتريم، وسن قانون لانتخاب أعضائه بدلًا من التعيين، والمطالبة بتعبيد طريق (تريم – سيئون) وغيرها من المدن.
وفي 17 سبتمبر 1967م أعلنت الجبهة القومية جناح حضرموت إسقاط سلطنتي الكثيري والقعيطي، وتكوين اللجنة الشعبية العليا لإدارة المحافظة، وتم حظر نشاط جمعية العمال التعاونية بتريم، كغيرها من الهيئات الأخرى، بعد أن دخلت البلاد في صراعات جديدة، أدَّت إلى سيطرة (الصوت الواحد)، وإقصاء شركاء العمل الوطني.
[1] -أحمد عوض باوزير ، علي أحمد باكثير ، سنوات في جاوة وحضرموت ،مجلة الحكمة ، عدن العدد 135 فبراير 1987م ص22.
[2] – عبد القادر الصبان ، نشؤ الحركة العمالية وتطورها ، الحكمة ، عدن العدد102 ديسمبر 1982ص43-44.
[3] – للمزيد ينظر عبد القادر الصبان ، الزعيم العمالي حمود باضاوي ، وكتاب حركات في المنطقة للمؤلف نفسه ، صحيفة الرائد ، المكلا العدد 16 يناير 1961م العدد77أبريل 1961م العدد 80 مايو 1962م.
[4] – أخذت أكثر المعلومات من بقايا أرشيف الجمعية ، الذي اطلعني عليه الأخ سعيد علي سعيد بكير ، وأمدني بمعلومات أخرى باعتباره أحد موظفي الجمعية.
[5] -صحيفة الرائد ، المكلا العدد 96، سبتمبر1962م
[6] – المصدر السابق العدد 65، يناير 1962م
[7] -المصدر نفسه العدد 168، أبريل 1964م
[8] – معلومات مستقاة من أحد مؤسسي الجمعية ، سالم عمير مصيباح في ديسمبر 2020م
[9] – الطليعة العدد 178، ديسمبر 1962م
[10] – الرائد العدد 113، مارس 1963م
[11] – الطليعة العدد 191، مارس 1963م
[12] – عوض مبارك سليمان ، الإيلاف في تاريخ الأحقاف، جامعة عدن ط1 ، 2010م ص163
[13] – الطليعة العدد 301، مايو 1965م
[14] -المصدر السابق العدد245 أبريل 1964م
[15] – الرائد العدد 174 ، يونيو 1964م
[16] – المصدر السابق العدد 179، يوليو 1964م
[17] – الطليعة العدد 202 يونيو 1963م
[18] – المصدر السابق العدد 226 ، نوفمبر 1963م ، الرائد العدد 147 نوفمبر 1963م
[19] – الطليعة العدد 195، أبريل 1964م ، الرائد العدد 119 أبريل 1963م
[20] – الطليعة العدد 330
[21] – تنظر الطليعة العددين 252، 254، يونيو 1964م، العدد 257 سبتمبر 1964م
[22] – للمزيد ينظر د. صالح أبوبكر بن الشيخ أبي بكر ، تريم بوابة الفكر القومي العربي في اليمن ، دار حضرموت للدراسات والنشر المكلا ط1 2020م والطليعة العدد 253 يونيو 1964م ، العدد 256 يوليو 1964م
[23] – الطليعة الأعداد 254، 256 ، 265، 1964م ، الرائد العدد 175 يونيو 1964م
[24] – المصدر السابق العدد 279 ديسمبر 1964م ، العدد 285 يناير 1965م
[25] – المصدر نفسه ، العدد 345 ابريل 1966م
[26] – نفسه العددين 348 ، 352 ، 1966م
[27] – نفسه العدد 369 يناير 1966م
[28] – نشرة صوت العمال ، العدد (21) مارس 1966م