توقيع قلم .. ” قُرّب حطبك وماك وزرقك على مولاك “

توقيع فلم

أ.د. عبد الله سعيد بن جسار الجعيدي

     يحث هذا المثل الشعبي (التفاؤلي – الإيماني) على الأخذ بالأسباب، مع الثقة بأن رزق الله وعطاءه آتٍ لا ريب فيه، وهو خطاب أو دعوة من طرف لطرف آخر أو من طرف لنفسه.

     وقُرّب أو (حُرّب) فعل أمر (نصائحي) مسالم، وتاريخيًا يرتبط المثل بالمجتمعات الفقيرة أو الأسر ذات الدخل المحدود، المرتبط رزقها بالعمل اليومي، لكنه كغالب الأمثال غادر فكرته المباشرة، وتغلغل في بعض تفاصيل حياة الناس، الذين يستحضرونه لتوجيه المسارات، وغرس بذرة الأمل، وتعزيز الطمأنينة.

     ويشير المثل إلى ثنائية تكاملية  (الحطب والماء)  (الرزق على الله) الأولى فكرة حاضرة منتظرة، والثانية رؤية غائبة قادمة، لكن عند  قراءة المثل بالبعد الإيماني العميق سنجده كتلة واحدة متداخلة، خاصة عند أولئك المتوكلين على الله، الموقنين بقدرته على الاستجابة، فاستعداد هؤلاء (بالماء والحطب) يسبقه اعتقاد راسخ في دواخلهم بأن الرزق بيد الله، وأن السعي إليه هو أمر الله، وفي صيغة مقاربة يقال في الأثر: “منك  الحركة ومني البركة”، ولهذا يأتي عندهم (الحطب والماء)؛ بوصفه فكرة لاحقة عكس ظاهر المثل، الذي يتقدم فيه الحطب على الرزق، ولأن درجات الإيمان متفاوتة عند (المؤمنين)، فإنه تتراوح لديهم المسافة بين ثنائية المثل بحسب قوة الإيمان العامر في القلوب، ففي الحد الأدنى نجد من  يعوِّل على الأسباب، ويغفل عن  ذكر رب الأسباب.

    وصيغة المثل ودلالاته  قابلة للاستمرار في الثقافة الشعبية، ليس فقط من حيث شعريته، وسلاسة نطقه، بل أيضًا لأنه صار نصيحة حكيمة لا غنى عنها للطامحين في تغيير حياتهم إلى الأفضل، وذلك بالتقاط الفرص، التي غالبًا لا يفوز بها إلا من هيَّأ نفسه وإمكاناته  في المسارات الصائبة، فعلى سبيل المثال تجد زملاء في تخصص معين، أو مرحلة دراسية معينة، وفجأة يذاع إعلان للتنافس على منحة دراسية، أو وظيفة مرموقة خلال مدة معينة، وبشروط متاحة، فمن هو مستعد بالمتطلبات والشهادات المطلوبة (الحطب والماء) يكون حظه بالفوز أوفر، ولهذا فإن النجاح كما هو أولًا توفيق رباني، فهو أيضًا استعداد ذكيٌّ، وتنظيم يقظ، ورؤية واضحة.

    وإذا عرَّجْنا بالمثل في حاضر حضرموت وتاريخها نجد رغبة ملحَّة عند الحضارمة للاستفادة من خيرات بلادهم الربانية، وتوحيد كلمتهم، لكنْ تكمنُ مشكلة الحضارمة العابرة للعصور ليس في قلة الحطب، ولا في ندرة المياه، ولا من نقص في إيمان عندهم؛ إنما العلة في فارق توقيت الاستعداد لتقريب (الحطب والماء)، فتارةً لا يكونون مستعدين الاستعداد المنظم، وتارة يتحركون  بعد فوات الأوان، وتارة يتزوَّدون بماء مكشوف، وبحطب بالي، وهكذا حالهم سنين بعد سنين، وأعوامًا بعد أعوام، في دوَّامة أنهكتْهم، ولا مجالَ للخروج منها إلا بقلوبٍ طاهرة، وعقولٍ متحرّرة، وباستعدادات محسوبة بدقة مكانًا وزمانًا، أما رزق الله فهو الحقيقة الثابتة، والذي سيناله من قُدّر له، واستحقَّه بجدارة.