أضواء
حسين محمد بن جابر بن همام
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 29 .. ص 24
رابط العدد 29 : اضغط هنا
مقدمة
لقد كانت الوثيقة التاريخية وما زالت مصدرًا مهمًا تستند عليه الدراسات والبحوث؛ كونها شاهدًا قويًا على مجريات الفترة التاريخية التي وثقتها وكتبت فيها. ومن خلال الوثائق يستنبط الباحث معلوماته التي يخرجها بعد دراسة مادة علمية صحيحة المصادر وقوية المعلومة وتمحيصها. ولا عجب إن كانت الوثيقة التاريخية الواحدة مصدرًا يسهم بقوة في إخراج عدد من الدراسات المختلفة في اتجاهاتها ومناهجها البحثية.
وخلال الصفحات القادمة سوف نحاول بكل يسر تسليط الضوء والوقوف على واحدة من أهم الوثائق التاريخية التي تحاكي تاريخ الدولة القعيطية وبداياتها، بل تمثل جزءًا مهمًا من تاريخ حضرموت والوطن، وهذه الوثيقة هي وثيقة الاتفاق والحلف بين الدولة المكرم عوض بن عمر القعيطي وإخوانه وقبيلة آل بن عمر باعمر. وبدورنا سوف نحاول القراءة بين سطور الاتفاقية، والوصول إلى فائدة، نحسب من خلالها أن نخرج بمعلومة، تسهم في تبسيط المشهد لتلك الحقبة التاريخية المهمة من تاريخ حضرموت.
ومن خلال هذا المقال سوف نعرض الدور التاريخي الذي شهدته مدينة غيل باوزير، من خلال تطورات الأحداث بعد سقوط إمارة آل بن بريك في الشحر؛ إذ إنه من المعلوم تبعية غيل باوزير- وقتذاك – للسلطة التي تحكم الشحر، وذلك من خلال الوقوف على وثيقة الحلف والاتفاق الذي جمع بين السلطان عوض بن عمر القعيطي وإخوانه وآل بن عمر باعمر، تلك الوثيقة المهمة التي تم صياغة حروفها في مدينة غيل باوزير، وقد شهد على بنودها مناصب آل باوزير أصحاب السلطة الروحية والكلمة الفاصلة في المنطقة.
أولًا: لمحة حول الأحداث التي سبقت الاتفاق بين الدولة القعيطي وقبيلة آل بن عمر باعمر:
لقد سبق وأن حاول آل كثير استعادة الشحر لملكهم، وبذلوا من أجل ذلك الغالي والنفيس، وجرت أحداث تجرَّعوا خلالها الكثير من الخسائر، ولكنهم بهجومهم عليها سنة 1283هـ / 1866م تمكنوا من السيطرة عليها بقيادة (السلطان غالب بن محسن الكثيري، الذي حاصر مدينة الشحر من كل مداخلها البرية ([1])، وتحقق لهم النصر بعد أن لحقت الهزيمة بالأمراء آل بن بريك الذين لم يجدوا بُـدًّا من الرحيل عبر المكلا ومنها إلى خارج حضرموت، وبذلك أسدل الستار على مرحلة من مراحل التاريخ السياسي للمنطقة، حيث سلمت الراية مجدَّدًا للدولة الكثيرية. وتمثل مدينة الشحر ونواحيها بالنسبة لهم أهمية كبيرة؛ كونها ميناء ذا خصوصية من بين الموانئ المتفرقة على الشريط الساحلي للبحر العربي([2]). وبعدما تمكن آل كثير من هزيمة آل بن بريك وسيطرتهم على الشحر، توجهت أنظارهم مباشرة نحو غيل باوزير، التي كانت بالأمس هي الأخرى داخلة في نفوذهم وسلطتهم قبل استقلال يافع بها. وأول خطوة اتخذها آل كثير بعد وصولهم إلى غيل باوزير أنهم جددوا علاقتهم مع قبيلة (آل بن عمر باعمر)([3]). لكن ذلك لم يدم طويلًا؛ حيث دارت الدوائر، وتمكنت يافع من استعادة الشحر من قبضة آل كثير بعد الهجوم عليها بقيادة القعيطي في 24 من ذي الحجة من السنة نفسها([4]).
في (24 من ذي الحجة سنة 1283هـ) الموافق (1866م)، هاجمت قوة كبيرة الشحرَ من جميع جهاتها وجرت بينها وآل كثير حوادث، لم يستطع خلالها آل كثير الصمود سوى يومين، ثم استسلموا وانسحبوا من المدينة، وبذلك تم ليافع النصر، ودحر القوى المعادية ووجودهم في المنطقة، وقد سبق ذلك اتفاق على أن تصبح الشحر ملكًا للقعيطي بعد توافقٍ جرى بين الجمعدار القعيطي والنقيب صلاح بن محمد الكسادي(([5]، وبهذا تكون الشحر قد دخلت في مرحلة جديدة من تاريخها السياسي([6]).
ثانيًا: اتفاقية الحلف بين الدولة المكرّم عوض بن عمر القعيطي وإخوانه وبين قبيلة آل بن عمر باعمر سنة 1286هـ /1869م:
رقم الوثيقة :
نوع الوثيقة : حلف
مكان صدور الوثيقة : غيل باوزير
حالة الوثيقة : جيدة
مصدر الوثيقة : وثيقة منشورة
التاريخ الذي كتبت فيه الوثيقة : 27/ ربيع أول / 1286هــ
نص الوثيقة :
((الحمد لله ، لما كان يوم الخميس وسبعة وعشرين في شهر ربيع أول سنة 1286هـ الستة والثمانين ومائتين وألف اتفقوا الآتي ذكرهم: دولة بندر الشحر المحروسة بالله تعالى الدولة المكرم عوض بن عمر بن عوض بن عبدالله القعيطي وإخوانه عبدالله وصالح أو من يقوم مقامهم، وآل عمر باعمر، وهم: بوبكر بن أحمد بن محمد بن بشر وعبود بن سالم المردوف وأحمد بن عبدالله بن عمر بن مساعد وعلي بن محمد بن علي بن شداد وسعيد بن عبدالله بن محمد بن شداد المكنى البعوض وعمر بن أحمد بن حصن ومحمد بن عبدالله بن عمر بابكر وعبدالله بن سعيد بن عمر بن شداد وأحمد بن سالم بن سعيد بن محمد بن شداد وسالم بن عبدالله بن سعيد بن محمد بن شداد آل عمر باعمر، شلوا وتحملوا آل عمر باعمر المذكورين للدولة المكرم عوض بن عمر بن عوض ولإخوانه بعهد الله الوثيق وميثاقه الشديد حلف على دم وفرث وشايم وتبعة وسمعة على كاين من كان حيث كان، وخصم الدولة المكرم عوض بن عمر وإخوانه خصمهم، وصديقه صديقهم، ومقربين الخير لآل عمر بن عوض ومبعدين الشر عنهم، وأن يرون لهم ما يرونه لأنفسهم، وأماكن آل عمر باعمر أماكن الدولة المكرم عوض بن عمر المذكور وإخوانه ومن يقوم مقامهم، وهم في التبعة والسمعة للدولة المذكور ومن يقوم مقامه في رتب وسراح، ليس يعتذرون بعذر بعد أو قرب، وشالين بقطع كل تبعة لكل خصم للدولة المكرم عوض بن عمر المذكور وإخوانه، وليس يواصلون الخصم أو يواشلونه ويقطعون لمادته من كل الوجوه، وشلوا وتحملوا آل عمر باعمر المذكورين على حسب العوايد السابقة أرض الدولة المذكور، وهي أرض الدمنة غيل باوزير ونواحيه، وشالين أيضًا بكل منفعة وصيانة للأرض المذكورة، وإن حد جاء خصم على الغيل ونواحيه وأحدث حادث يد آل عمر باعمر على المعتدي قبل يد الدولة المكرم عوض بن عمر، وما كان لآل عمر باعمر من كيلة في الأرض المذكورة وكلما يعتادونه من الدول السابقة بحق مبلغه لهم الدولة عوض بن عمر المذكور حسب ما هم سارحين عليه ومستمدين وأيديهم مرتبة عليه، والحلف المذكور على حال ومال ودم وفرث، جرى ذلك بين المذكورين بالرضى والخيرة ، والله خير الشاهدين)).
حضر بذلك وكتبه بيده : السيد محمد …. عبدالله بن أحمد بوبكر بن سالم
حضر بذلك : عبالرحيم بن عبدالله بن عبدالرحيم بن يعقوب باوزير
حضر بذلك : عبدالرحيم بن محمد بن سالم بن عبدالله بن يعقوب باوزير
حضر بذلك : عبدالرحمن بن محمد بن سالم بن يعقوب باوزير
حضر بذلك : محمد بن عبدالله بن عبدالرحيم بن عبدالصمد بن قويرة باوزير
حضر بذلك : عمر بن غوث بن عبدالرحيم زغفة باوزير
حضر بذلك : عوض بن أحمد بن عبدالله بن شيخان باوزير
حضر بذلك : سعيد بن عبدالله بن عوض بن شيخان باوزير
حضر بذلك : عوض بن غوث بن عوض فقية باوزير
حضر بذلك : حمد بن شيخ بن عمر بن قويرة
شهد بذلك وكتبه الفقير : سالم بن عبدالصادق بن قويرة باوزير
وصف الوثيقة:
عبارة عن لوح ورقي واحد متوسط القطع، تم شغل وجه واحد بحيث تغلب الكتابة على أكبر مساحة من الوجه المشغول في اللوح، عدد الأسطر بعد الحمد لله عشرون سطرًا، والأسطر من (1-6) فصَّلت توقيت الاتفاق وتاريخه، وشملت ذكر طرفي الاتفاق، في حين أن باقي السطور هي الخاصة ببنود الاتفاق وصيغته، وما دون ذلك تواقيع من يهمهم الأمر ومناصب آل باوزير أصحاب الحل والفصل والسلطة الروحية في غيل باوزير، وجاء توقيع السلطان عوض بن عمر القعيطي وإقراره على ما شملته السطور في أعلى يسار اللوح.
أهمية الوثيقة:
أهم النقاط التي نصت عليها الوثيقة:
عندما سقطت إمارة آل بن بريك في الشحر على يد آل كثير سنة 1283هـ / 1866م، توجهت أنظارهم نحو مدينة غيل باوزير؛ كونها تمثل أهمية كبير بالنسبة لهم؛ إذ إن موقعها يمثل حلقة وصل بين مدن ساحل حضرموت وواديها، ولا ننسى أن مدينة غيل باوزير خلال تاريخها كانت تتبع السلطة التي تحكم الشحر؛ ذلك لأن الشحر تمثل الميناء والسوق الوحيد الذي يعتمد عليه سكان الغيل في معيشتهم، فهي تتأثر بكل الأحداث التي ترتبط بمدينة الشحر. وكذلك أن فيها حلفاء وأصدقاء تاريخيين وهم قبيلة آل بن عمر باعمر، وهي القبيلة التي تمثل أقدم كيان مسلح يستقر في غيل باوزير، وعليه عمل آل كثير على تجديد العلاقة مع آل بن عمر باعمر، وتأمين مدينة غيل باوزير.
ولكن ذلك لم يدم طويلًا؛ إذ سقطت الشحر في يد القعيطي، وانسحب منها آل كثير، وحتمت الضرورة هنا لخضوع الغيل لسلطة القعيطيين؛ إذ بادر السلطان عوض بن عمر القعيطي بإرسال ساطة لعقد اتفاق مع قبيلة آل بن عمر باعمر.
ويمكننا تلخيص الأسباب التي دعت القعيطي إلى عقد الحلف مع قبيلة آل بن عمر باعمر في الآتي:
ووفقًا لما سبق نجحت الوساطة، وأرسل القعيطي نائبًا له في غيل باوزير وهو (عنبر بن عبيد الرباكي)، وتم عقـد الاتفاق في يوم الخميس 27 محرم 1286هــ بحضور رؤساء آل بن عمر باعمر ومن يقوم مقام الدولة القعيطي وأصحاب الوجاهة والمناصب آل باوزير أصحاب السلطة الروحية في المنطقة.
ملخص :
في الصفحات السابقة حاولنا جاهدين الوقوف على وثيقة الحلف والاتفاق بين الدولة القعيطي وقبيلة آل بن عمر باعمر، التي تم عقدها في 27 محرم سنة 1286هـ، ذلك الاتفاق الذي تم بحضور رؤساء آل بن عمر باعمر ومن يقوم مقام الدولة القعيطي وحضور مناصب المشايخ آل باوزير الذين تنسب لهم الغيل، وفيه دلالة على احترام الطرفين المتحالفين لمكانتهم ووجاههتم في المنطقة، ولقد جاءت الوثيقة في لوح متوسط القطع، تم شغل وجه واحد بالكتابة، وقد وضحت الوثيقة البنود التي تحالف عليها الطرفان وقد تم تفصيلها سابقًا، وضمَّت تواقيع شهود الاتفاق ومن حضره، وجاء توقيع الدولة القعيطي وإقراره على الاتفاق في أعلى يسار الوثيقة. وحاولنا خلال القراءة الوقوف على الأسباب التي دعت لعقد الحلف بين الطرفين، ويمكننا اعتبارها أسبابًا تستدعي عقد الحلف والاتفاق؛ حفظًا لأمن المنطقة ومصلحة كل طرف، آملين أن نكون قد وفقنا في ذلك.
المراجع والمصادر:
[1] ) هو السلطان غالب بن محسن بن أحمد بن محمد بن علي بن بدر بن عبدالله بن عمر بن بدر أبو طويرق، كان باعث حياة الدولة الكثيرية في دورها الثاني، ولايته العرش في الفترة ما بين (1282 ـ 1287هـ) – (1865 ـ 1870م).
[2]) باحسن : عبدالله بن محمد بن أبي بكر جمل الليل: ( نشر النفحات المسكية في أخبار الشحر المحمية ) . دراسة وتحقيق: د. محمد يسلم عبدالنور، تريم للدراسات والنشر، تريم، الطبعة الأولى 1431هـ – 2010م ، ص470. وباوزير: سعيد عوض، صفحات من التاريخ الحضرمي، مطابع دار الكتاب العربي، مصر، الطبعة الأولى 1373هـ 1954م، ص 188. وجروان: عدنان أحمد سالم، مدينة غيل باوزير دراسة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية (1355 ـ 1387هـ) – (1936 ـ 1967م)، دار الفالحين للطباعة والنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى 1433هـ ـ 2012م، ص72.
( [3]انظر ابن حميد: سالم بن محمد بن سالم، تاريخ حضرموت المسمى العدة المفيدة الجامعة لتواريخ قديمة وحديثة، تحقيق: عبدالله محمد الحبشي، المجلد2، مكتبة الإرشاد، صنعاء، ط1، 2003م، ص248.
[4]) انظر الجوهي، خالد حسن: إمارة آل بن بريك في الشحر (1165 ـ 1283هـ) – (1751 ـ 1866م)، دار الوفاق للدراسات والنشر، عدن، الطبعة الأولى 1431هـ ـ 2010م.
[5]) بامطرف: محمد عبد القادر، في سبيل الحكم، دار حضرموت للطباعة والنشر، حضرموت، المكلا، ط1، 2008م، ص 70. ومرجان: سامي ناصر، الإمارة الكسادية في حضرموت، دار الوفاق للدراسات والنشر، عدن، الطبعة الأولى 1433هـ ــــ 2012م، ص165-166.
[6]) باوزير: سعيد عوض، صفحات من التاريخ الحضرمي، المرجع السابق، ص229. وباحسن، النفحات المسكية، ص 470. وجروان، ص72.