أضواء
سالم الكثيري
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 29 .. ص 30
رابط العدد 29 : اضغط هنا
ذكر اسم سأكلان/ سأكلن/ سأكلهن (SKLN) في مجموعة من النقوش المسندية القديمة التي عثر عليها في ظفار واليمن [1]، وقد ورد اسم سأكلان في نصوص المسند لدلالات عدَّة: فتارة يذكر كاسم قبيلة، وتارة أخرى كاسم منطقة وموقع مكاني [2]. ويرى مكياش أن هذا الإسم لا يرد بهذه الصيغة في المصادر العربية بحيث يبين ماهيته [3]، وفي جميع الأحوال نجد أن أغلب المتخصصين والباحثين يؤكدون على أن سأكلان تقع في ظفار، ومرتبطة بأرض اللبان [4]، وأن أهلها كانوا يقطنون شرقي حضرموت وعمان [5].
وذهب بعض المؤرخين الغربيين إلى أن مسمى سأكلان استمر استخدامه إلى القرون الإسلامية الأولى، وأنه كان يطلق على السهل الرئيس في ظفار، وذلك من خلال ربطه مع اسم عوكلان، الذي ذكره ابن خرداذبة (توفي280هـ) [6]، وهي فرضية ضعيفة وينقصها الدليل، فالموقع الذي ذكره ابن خرداذبة يقع في الأغلب في شمال عمان، حيث كان بصدد ذكر المحطات الساحلية على الطريق من عمان إلى مكة فبدأها: بالمنازل، ثم فرق ثم عوكلان فساحل هباه أو مناه ثم الشحر [7]، فيلاحظ أن عوكلان لا تقع ضمن إقليم الشحر، ولعل ربطهم عوكلان بظفار كان بناءً على جعل الشحر الواردة في النص هي مدينة الشحر الحالية لا الإقليم!!
ويقابل اسم سأكلان/ سأكلن ويماثله في المصادر الكلاسيكية الإغريقية – والرومانية اسم سخاليت/ سكاليت/ سأكاليتس (Sachalitae/Sachalitas/Sachalites) [8] وهو كما يظهر تحريف من سأكلان [9]، وكانوا يقصدون به الإقليم الجغرافي الذي يبدأ بعد ميناء قنا بحضرموت حتى أرض اللبان شرقًا، كما أطلقوا الاسم نفسه على القبائل القاطنة فيه، وعلى الخليج المطل عليه والصحراء التابعة له [10]، ويرى المؤرخ ولفريد شوف في تعليقه على كتاب الطواف أن كلمة ساخاليتس/ سأكاليتس هي المرادف الهليني لكلمة ساحل جزيرة العرب، مشيرًا إلى أن ذلك يتفق مع الجغرافيين العرب الذين قالوا إن الشحر تمتد إلى ما بعد ظفار [11].
ويعود هذا المصطلح (سأكلن/ سأكلان) وفق بعض التقديرات إلى وقت مبكر من العصر الحديدي المبكر (قبل 500 ق.م)، أي بفترة أقدم من قدوم التجار من شبوة ومملكة حضرموت [12]، وقد ورد ذكر سأكلان في مجموعة من النقوش التي تعود لفترة مملكة حضرموت، وخاصة في عهد الملك يشهر إل يهرعش، والملك إل عزيلط، ونجد أن أغلب الإشارات تنصُّ على أن سأكلان أرض ومنطقة، وهي الأرض التي تقع فيها مدينة سمهرم، ومن الأمثلة على تلك النقوش [13]:
فنرى أن تلك النقوش التي تعود لمملكة حضرموت تركز على مصطلح أرض سأكلن/ سأكلان [15]، في حين تشير النقوش الحميرية التي تعود للأسرة اليزنية، كنقش حزمة أبي ثور الذي يعود تاريخه إلى 481م، ونقش ينبق47، و نقش حصن الغراب المؤرخ بعام 525م إلى اسم ساكلان كدلالة على قوم أو قبيلة، حيث ورد هذا الاسم اسمًا لقبيلة من القبائل التي مد اليزنيون نفوذهم إليها [16]، وذكر شعب سأكلان/سأكلن كأحد الشعوب المتحالفة معهم، وهو ما يجسد العلاقة التي ربطت بين اليزنيين وشعب أرض اللبان سأكلان [17]، ونتيجة لذلك نرى شعب سأكلان يرافقون اليزنيين ويشاركونهم في معاركهم العسكرية، وكذلك في بناء منشآتهم العمرانية خارج حدودهم [18].
أما عن تفسير معنى سأكلان/سأكلن فلا يعرف على وجه الدقة معنى هذا الاسم، وذهبت أسهمان الجرو إلى أنه اسم مركب من الحرف (س) اختصارًا لاسم إله القمر (س ي ن)، وكلمة (أ ك ل) تعني الغلال أو الغذاء، وبناء على ذلك يعني اسم سأكلن أرض غذاء الإله سين، ويقصد بذلك أرض اللبان [19]، في حين رجح حبتور أن سأكلن اسم لقبيلة نسبة لشخص يدعى (أ ي ك ل م) [20].
وحاول عدد من الباحثين الغربيين ربط اسم سأكلان بقبائل الإقليم المحلية، فذهب سبرنجر إلى أن المهرة هم المقصودون بالسأكلان، في حين يرى مولر أن سأكلان هو اسم الحكلي نفسه، وفي الجانب الآخر رجح جلازر أن هذا الاسم ما هو إلا إِشارة إلى الشحرة إحدى أقدم القبائل في الإقليم [21]، وهو الأمر الذي يقارب الإشارات التي ربطت اسم سأكلان باسم الشحر الإقليم التاريخي [22].
وتقترح أليساندرا آفانزين أن سأكلان قد تكون قبيلة غير محلية، وتشكل امتدادًا للمجال الثقافي العربي الجنوبي، المتمثل في ممالك حضرموت وغيرها من ممالك جنوب الجزيرة العربية [23]، وإذا صحت فرضية آفانزين فإن أقرب الأسماء المرشحة لتكون وراء تسمية سأكلن/ سأكلان: بنو الصقل، وهم قوم من بني نصر بن الأزد [24]؛ إذ إن بني نصر الأزديين لهم ارتباط تاريخي بمنطقة الشحر، فيذكر أن مازن بن الأزد بعث أخاه نصرًا إلى الشحر في الخيل والعدد، فدخلها وسمع له أهلها وأطاعوه ودفعوا له الإتاوة [25]، ونصّ الهمداني على أن كثيرًا من ولد نصر بن الأزد لحقوا بنواحي الشحر وريسوت [26].
واسم صقل يقارب: صكل/ سكل، ومع إضافة حرف الهاء والنون وهي أدوات تعريف في اللغة الحضرمية القديمة [27]، تصبح: صكلهن/ سكلهن/ سكلن)، وتظل هذه مجرَّد فرضية في حالة تأكد ارتباط سأكلان بأقوام من خارج إقليم ظفار، ونجد باللغة المهرية كلمة أو اسم “سيقل”، وهو نوع من المر، يستخدم في العلاج [28]، وقد عرف المر بأهميته الكبيرة في اليمن قديمًا، نظرًا لخصوصيته من خلال استخدامه في تركيب الأدوية والعطور في حضارات العالم القديم [29]، ونلاحظ قرب (سيقل) من سيكل/ سكل، فربما تم اشتقاق الكلمة من هذا الأصل، وخاصة أن منطقة جنوب الجزيرة العربية كانت مشهورة في العالم القديم بمواردها الطبيعية كاللبان والمر.
[1] حبتور، اليزنيون: موطنهم ودروهم في تاريخ اليمن القديم. ط1، دار الثقافة العربية، الشارقة:2002م، ص100، و:أسمهان الجرو، مصادر تاريخ مصادر تاريخ عمان القديم. ب- ط ، وزارة التراث والثقافة، سلطنة عمان: 2006م، ص103- 104.
[2] حبتور، اليزنيون، ص112.
[3] مكياش، عبد الله أحمد. أسماء القبائل في النقوش العربية الجنوبية، رسالة ماجستير، غير منشورة، جامعة اليرموك، الأردن، 1993، ص67.
[4] تاريخ عمان عبر الزمان، مجموعة مؤلفين، إصدار مكتب مستشار السلطان للشؤون الثقافية، سلطنة عمان، 2020، ج3، ص41، و: حبتور، اليزنيون، ص248، و: مكياش، مرجع سابق، ص68، و: الجرو، مصادر، ص100.
[5] اليمن إبان القرن السادس الميلادي، م.ج.لوندين، ترجمة محمد علي البحر، مجلة الإكليل، عدد1، س7، وزارة الإعلام والثقافة، صنعاء، 1988، ص121.
[6] LYNNE S. NEWTON AND JURIS ZARINS، DHOFAR THROUGH THE AGES AN ECOLOGICAL ، ARCHAEOLOGICAL AND HISTORICAL LANDSCAPE. MINISTRY OF HERITAGE AND CULTURE – OMAN;2017 ص42.
[7] ابن خرداذبة، المسالك والممالك، ص126.
[8] كلاوديوس، بطليموس. بطليموس والجزيرة العربية، تر: السيد جاد، تحرير عبد الله العبد الجبار، ط1، دارة الملك عبدالعزيز، الرياض: 2017، ص139، و: مجهول، الطواف حول البحر الاريتري، تر: أحمد إيبش، ط1، هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، 2014، ص52.
[9] عمان عبر الزمان، ج2، 42-43.
[10] العامري، معمر محمد عبد الواحد. موانئ حضرموت من القرن 3م حتى بداية العصر الإسلامي، ماجستير في الآثار، غير منشورة، جامعة صنعاء، 2019م، ص76.
[11] مجهول، الطواف حول البحر الاريتري، ص176.
[12] LYNNE S. NEWTON AND JURIS ZARINS، DHOFAR THROUGH THE AGES AN ECOLOGICAL ، ARCHAEOLOGICAL AND HISTORICAL LANDSCAPE. MINISTRY OF HERITAGE AND CULTURE – OMAN;2017، ص27
[13] مطهر، ذكرى عبدالملك. الموانئ اليمنية القديمة: دراسة تاريخية، رسالة دكتوراه، غير منشورة، جامعة عدن، 2008، ص147.
[14] مطهر، مرجع سابق، ص76.
[15] تاريخ عمان عبر الزمان، ج2، ص42.
[16] حبتور، اليزنيون، ص248.
[17] تاريخ عمان عبر الزمان، ج2، ص41-42.
[18] تاريخ عمان عبر الزمان، ج2، ص42.
[19] تاريخ عمان عبر الزمان، ج3، ص41، و: الجرو، الموانئ العماني القديمة، ص72.
[20] حبتور، اليزنيون، ص247.
[21] – JURIS ZARINS. PERSIA AND DHOFAR ASPECTS OF IRON AGE INTERNATIONAL POLITICS AND TRADE، G. D. Young ; M. W. Chalavas ; R. E. Averbeck، eds.، Crossing boundaries and linking horizons. Studies in Honor of Michael C. Astour. 1997، Bethesda ص643-644
[22] موجز دائرة المعارف الاسلامية ، ج15، ص
[23] – ALESSANDRA AVANZINI. THE HISTORY OF THE KHOR RORI AREA;NEW PERSPECTIVES. ARAICA ANTICA 1 ، 2002 ، ص12.
[24] الكلبي، هشام بن محمد. جمهرة النسب، تح: علي عمر، ج2، ط1، مكتبة الثقافة الدينية، مصر، 2010م، ص282.
[25] الأصمعي، عبد الملك بن قريب. تاريخ العرب قبل الإسلام، تحق: محمد حسن آل ياسين، ط1، الوراق للنشر، بيروت: 2009م، ص108.
[26] الهمداني، صفة جزيرة العرب، ص330.
[27] الجرو، أسمهان سعيد. الموانئ العمانية القديمة ومساهمتها في التجارة الدولية في ضوء الكتابات اليونانية والرومانية، ط1، النادي الثقافي، مسقط: 2011م، ص72.
[28] القميري، سالم لحيمر. المهرة القبيلة واللغة، ط1، مركز عبداي للدراسات والنشر، صنعاء، 2003، ص101.
[29] الجاويش، عبد الرحمن يوسف عبد الرحمن. الموارد الطبيعية في اليمن القديم: حضارة سبأ أنموذجاً، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة صنعاء، 2012، ص165.