مركز حضرموت للدراسات التاريخية والتراث والنشر

الذي يتزوجك … ما له جزاء .. قالتْها سيئونية

كتابات

غالب صالح الحامد


المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 29 .. ص 101

رابط العدد 29 : اضغط هنا


تحنْ وترنْ وتضحك المشتحنْ

تعالوا نسلو مع جلسة الشاهي السيئونية

من أمتع اللحظات وأسعدها الجلسة الرومانسية السيئونية مع الزوجة، وعلى عدَّة الشاهي، بعد تناول الغداء، فوسادتان عن يميني وأخريان عن شمالي وبالمثل من خلفي، وأم البخاري ماثلة أمامي، فإن كنت سلطان زماني؛ فهي ملكة الأماني بعد أن أغلقت أبواب النوافذ السفلى خشية العيون، وتسرّب روائح معسّلة السري والدخون، أما صحن الحنظل وما يرافقه من لوز كوشان وبالدجر والحبيبة والصمبره مليان والباطاسة شملت كل الألوان أمامك بنت العم هي الحبيبة الأم، فهي الإنسان وحبات الحنظل، كل كبيرة منها تناشدني أن آخذها الأولى ليتطاير قشرها ليصل قرب من أهوى متجاوزًا عدة الشاهي التي تفصلنا، والبخاري بيننا يعطي خبر يهدر يتغتغ يفور ويتحرك ويهتز كرسي البخاري من أطرافه على نغمات الدان. حتى تُقْدِم هي على إسكات صوت البخاري بأن تغمر ذرات الشاهي الممزوجة ذات الشعرة الطويلة والحبات الصغيرة والعطري والشاكر التي بالبراد بالماء الفائر من البخاري بعد غسله منه أيضًا وتعيد فتملأ البخاري من جديد، أي تزيده ماءً، وتحمله وتقرِّبه منها، وتقرب منه وتنفض البخاري بأيديها، وبقوة يهتز معها جزء من جسدها وصوت احتكاك أُذُنَي البخاري مع ما تلبس بأصابعها، و ليتخلص الجمر الذي بالبخاري من الرماد الذي اكتساه، ويعود أحمر لتغطيه هي  بفحم صخر جديد، وتنفخ في البخاري من قبل ومن بعد بفمها وبصوت مسموع أُفَّ، وتتعمَّد أن يصلني رذاذ الرماد وهي ضاحكة؛ لتقول رذاذ الرماد مقابل قشر الحنظل المتطاير، وكلما زاد نفخها قوة أغمضتْ عينيها، فأداعبها قائلًا: احذري (لي تحن وترن وتضحك المشتحن)، فتقف مباشرة وبابتسامة لا حياء في الدين، وتُهدِّئ الأمور لتضع البرَّاد على قمة البخاري، وتغطيه جزئيًا  بقطعة منشفة، وقد بدأت أنا أشم نكهة الشاهي، وهنا لي تعليق لذكريات الشاهي (الفُن وأبو ولد)، وهي تشغل نفسها لتمسح الرماد، وتسرق النظرات؛ لتراقب ما يدور، علمًا أن وضع جلستها على الأرض والرِّجْل اليسرى معطوفة ومُسْدَاةً على الأرض في حين أنَّ الرِّجْلَ اليمنى معطوفة ومرتكزة، ونتحدث من الحديث ما لطف وماخف روحه وما كان ملائما مع جوّنا الرومانسي، فكلُّ شيء حولنا جميل، ويقطع البخاري صَمْتَنا ليعود فائرًا معربدًا؛ ليعطيها خبرًا أن تبعد المنشفة، وتكرّس الشاهي، أي: تسكبه مرارًا بفنجان وتعيده إلى وضعه بالبرَّاد وعلى البخاري على يمينها ليرسخ الشاهي. ما أروع تلك اللحظات! فهل رسخ الشاهي أو شبع رسوخ، يأتيني الفنجان منتصفًا بالشاهي، ويحمل ملعقة كعصا راقص الشبواني، وبجواره قصعة التعبور بحلاوتها كطاسة عدة الشبواني، وأول فنجان شاهي أول صبّة من القاطع تحمل وإياها لذعة الشاهي وكسرة الخرمة، وتشعر بذوق نقول عليه: طلع بالرأس، فيصدر عنك صوت لا إرادي أمَّ، وتشعر هي بإعجابك بها وبشاهيها، وما لمعان عينيك إلا رسول بينك وبينها، فتعود هي راغبة في تلطيف الأجواء وتتساءل ما هو جواب (الحاز با حزيلك يحن ويرن ويضحك المشتحن؟) وهنا أخذت الأجواء أكثر فكاهة ورومانسية، تتعمد فيها المرأة الإثارة، إما بكسر الضحكة الممدودة، أو حركة الرأس مع الشعر إلى الخلف، ومنهن من هي أكثر جرأة تتعمد تغيير هيئة جلستها لإظهار شيء من فتنتها.

     ها هو الجو غدًا مهيأ لأروي حكايات عادةً يرويها الأزواج لزوجاتهم، كحكاية المرأة السيئونية ومقولتها المشهورة: (من يتزوجش ما له جزاء)، ونتساءل معًا لماذا ما له جزاء؟! ولكن ليس من باب الفضول وإنما بهدف الإثارة تطول فتقول هي وبابتسامة مخفية: هل كانت باصليه الله يرحمها المرأة السيئونية صاحبة المقولة من يتزوجك ما له جزاء!  هل بقيت بسيئون أم غادرت إلى الحجاز؟ ومَنْ تزوجتْه هل كان متزوجًا؟ فأجيبها بأنها تزوَّجتْ السيد حسين قبلة السقاف، وأنه كان مزواجًا ليس غنيًّا، في حين وجد في باصليه مَنْ تقدِّر العلاقة الزوجية، تغدق عليه غذاءً غنيًّا بما لذَّ وطاب يفتح الشهية؛ حُبًّا في رجولته، حُبًّا في الحياة، وما عرف عنها من خفة الروح، وتتعمَّد الجرأة لإضحاك الآخرين وتسليتهم، فانتشرت تلك الحكاية: (من يعرِّس عليك ماله جزاء)! لماذا ماله جزاء؟ لكونه يقوم بالواجبات الزوجية المرجُوَّة منه وأكثر، فالمرأة لا تستغني عن رائحة الرجل، ولا الرجل عن روائح المرأة، فهو كثير الاشتياق لها.

     وهنا تقاطع الزوجة الحديث وتدير الشاهي من جديد بشيء من الغنج والتهنتاك، قال (أبوبكر التوي: خِلِّي قتلَنا بالتِّهِنْتَاك)، وتمد الشاهي بيدها (ولي با تلتقي يده بيدي) (يدير لي شاهيه بالقانون) (وبالكفوف الراوية ياعيطلي نسيتنا أهلي)، وكلما رمد جمر البخاري زادته فحمًا؛ حتى يصير كل جمرنا مخمودًا، ويتغسل البخاري مع عدة الشاهي ونضعه مقلوبًا أعلاه أسفله؛ لنضمن خُلُوَّه من قطرات الماء. أما غثر الشاهي مرورًا بالمتفله المزهرية وما بها من ماء فمن النافذة نجد له طريقًا، وليعلم الجيران أننا قد طفينا البخاري! وما أدراك ما البخاري؟!