كتابات
إيمان العولقي
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 29 .. ص 106
رابط العدد 29 : اضغط هنا
” حققتُ فتحًا
حزتُ وثيقة التسجيل
فارتاح بالي من جميع النواحي
في صدر وطني الحبيب
رضاعتي: التقاليد التاريخية المجيدة
تهويدتي: الحضارة والثقافة …
ارتاح بالي من جميع النواحي“
شعر: فروغ فرخزاد
ترجمة من الفارسية إلى العربية: فكتور الكك.
اقتبستُ تلك الأبيات من القصيدة الهجائية الشهيرة «يا أرضاً مرصعةً بالجواهر» للشاعرة الإيرانية فروغ فرخزاد في ديوانها الرابع «ميلاد آخر»؛ إذ تكشف من خلالها عن قلقها الدائم تجاه ممارسات السلطة في بلدها لإبقاء مواطنيها تحت السيطرة، وترخي العنان لشفافيتها الصادقة في سرد مشاهد تصويرية عن الوضع المزري للحالة الاجتماعية والاقتصادية للشعب الإيراني في عهد الحكم البهلوي البيروقراطي (1925-1979م).
في عصر إيران الحديث، يرتسم المشهد الثقافي لها كأنشط عصورها وأغزرها إنتاجًا وأصالة إبداعية باستقلالية فكرية ملحوظة، وحاضرة بقوة في بلدان المشرق والعالم.
ولطالما عُرفت إيران، بلاد فارس، بشعرائها الغنائيين، أمثال حافظ الشيرازي، وعمر الخيام، والفردوسي صاحب الملحة الفارسية الشهيرة «الشاهنامه».
فإن ما يتعلق ببدايات القرن العشرين، حيث سطعت أسماء لامعة في مجالات الشعر والقصة والسينما، وبما أن الشعر هو الأب الفعلي لجميع الفنون فقد كان ولازال الحظ الأوفر لأدباء إيران من بقية الأجناس الأدبية.
القراءة الأولى للنص الشعري تمثل قراءة استطلاعية عن قرب؛ إذ يقرر بعدها القارئ هل يعيد تكرار ما سبق أم يجعله طيَّ النسيان.
وعن الشعر الفارسي في المجمل لم يسبق لي أن قرأت بتمعن أي ديوان فارسي فضلًا عن أعمال شعرية كاملة، فقرَّرت في مطلع هذه السنة أن أطَّلع على شعر فروغ فرخزاد؛ إذ يمثل الشعر الفارسي بطابعه الحداثي المعاصر، وأذهلني بعدها ما تكشف لي من وراء تلك القصائد المكثفة المشاعر والدقيقة الوصف.
وفي اعتقادي الراسخ تجاه نصوص الحداثة وما بعدها، فإن الكاتب، رجلًا أو امرأة، له مغزى محدد وواضح، وأنْ لا سبيل لفهمه أو في الأقل لإتاحة المجال لمقاربة التفسيرات المفاهيمية لمعاني نصوصه إلا بتتبع إشارات النص ورمزياته إن وجدت، وفي بعض الأحيان ربطها بشواهد من تجاربه الحياتية.
ولحسن الحظ، بالنسبة لفروغ فرخزاد، وقعت على كتاب الناقد الأمريكي في الآداب الفارسية مايكل هلمان المخصص لها ولقصائدها بعنوان: «امرأة وحيدة وأشعارها، فروغ فرخزاد».
يستعرض الكتاب حياة فرخزاد استنادًا إلى أبياتها الشعرية، كقصيدة غنائية من لحظة الميلاد إلى الصبا والشباب وبدايات قرظها للشعر، ثم زواجها المبكر بقريب العائلة «برويز شابور»، وثمرة هذه الزيجة المكللة بطفلها «كاميار»، ثم الطلاق وانخراطها الفعلي في المشهد الثقافي، وخلال تلك الأحداث تتابعت إصدارات دواوينها الشعرية.
وحازت أشعارها استحسان عددٍ من النقَّاد في الوسط الإيراني.
فقد أكَّد الناقد رضا براهني أن شعر فرخزاد قد وضع أسس «الثقافة الأنثوية» في الشعر الفارسي.
ومن ناحية أخرى ذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك؛ إذ يعزون نجاح شعر فرخزاد يأتي من كونها امرأة فحسب.
وتوضح فرخزاد القيمة الحقيقية لشعرها بقولها في إحدى المقابلات الإذاعية:
”إذا كنت أعتقد أنه بصفتي امرأة يجب أن أتحدث عن أنوثتي طوال الوقت؛ فإن هذا سيشير إلى نوع من الركود وقلة النضج، ليس فقط كشاعرة بل كإنسانة؛ لأن هنالك اعتبار مفاده أن الفرد يحضن الأوجه الإيجابية من وجوده أو وجودها بطريقة ما ليتمكن أو تتمكن من الوصول إلى مستوى محدد من القيم الإنسانية. الأساس هو أن نكون بشرًا“.
ويعد عام 1959م نقطة تحول في نشاط فرخزاد الثقافي، بالإضافة إلى استمراريتها في الإنتاج الشعري، سافرت إلى إنجلترا لدراسة اللغة الإنجليزية وإنتاج الأفلام. وكان فيلم «حريق» أول تجربة إنتاجية لها بعد عودتها إلى طهران. وسافرت أيضًا عام 1962 إلى ألمانيا للمشاركة في دورات تدريب سينمائية.
أنتجت بعدها عددًا من الأفلام الوثائقية القصيرة، وكان أشهرها فيلم « البيت أسود – « The house is black، الذي نقلت فيه مشاهد حية من مستعمرة الجذام من منطقة تبريز، ومن ثم قررت تبني الطفل حسين بموافقة والديه من المقيمين في المستعمرة.
وفي عام 1965م، أنجز المخرج الإيطالي برناردو برتولوشي فيلمًا مدته ربع ساعة عن حياتها.
توفيت الشاعرة الإيرانية فروغ فرخزاد في الثانية والثلاثين من عمرها، جراء جروح في رأسها بعد حادث أليم لسيارتها سنة 1967م. وقد تركت أثرها الذي لا يمكن محوه في الشعر الفارسي الحديث.
وفي عام 1974م نُشرت مجموعتها الشعرية الخامسة والأخيرة: «فلنؤمن بقدوم فصل البرد».