إبداع
علي سالم الشرفي
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 29 .. ص 112
رابط العدد 29 : اضغط هنا
“في حقبةٍ غابرةٍ هرب البشرُ الأوائلُ من صنفٍ جديدٍ سائر، آتٍ من وراء الظِلال، كان صنفًا شديدَ الوحشية، أكلوا الصغار، وامتصوا دماءَ النساء، وسلخوا الرجال ورموا رؤوسهم لكلاب الجحيم السائرة معهم.. وخلالَ ألف عامٍ كانوا قد اجتاحوا الوديان والسهول، وأبادوا البشر..
كان الصنف الآخر أبناءَ الأرض الحقيقيين، لم تتنفَّسْ رئاتُهُم هواء الفردوس من قبل، وكانوا يرون أبناء الهابِطَيْنِ من السماءِ ليسوا أكثر من حيواناتٍ متعاليةٍ شبيهة..
أنهت ألف عام من المطاردة الوحشية أبناءَ آدم السماويين، ولم يتبقَّ من آثارهم ما يدل على أنهم خطوا يومًا على وجه الأرض، واندثرت أصواتهم ولغتهم الناعمة، وانطفأتْ تلك العيونُ الماسيَّةُ إلى الأبد، تحت ضربات هراوات الحديد والنار..
في إحدى رسوم تلك الحقبة قبل ستين ألف سنة، يظهر أحد الوحوش وهو يمسك بأداةٍ غريبة بيده اليسرى، كانت نايـًا، وبيده اليمنى يدُقُّ عنقَ آخر امرأة سماوية، كانت آخر من بقي من سلالةِ الجنة.. ثم تتوالى تلك الرسوم /الوحش يأكل ما تبقى من الجسد.. /الوحش يقذف بالجمجمة في النار.. /الوحش يربط خصلاتٍ من الشعر الذهبي على قمة رمحه.. /الوحش يقبض على الناي.. /الوحش يجري أنفاسه في الناي.. /الوحش يتأمل الناي متعجبًا.. /الوحش يعزف بالناي وهو يغادر المغارة.. /الرمح وحده.. / الوحش يلتقط الصور الفوتوغرافية للرسومات.. / الوحش يكتب هذه القصة.. / والوحوش تقرأها الآن..