حوار
خالد أحمد القحوم
حوار أجراه/ خالد أحمد القحوم
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 29 .. ص 44
رابط العدد 29 : اضغط هنا
مقدمة
البحر وما أدراك ما البحر؟ البحر وآه من البحر.. هو رقعة جغرافية مائية بالطبع من كوكبنا الأرضي، وهذه الرقعة تمثل الثلاثة الأرباع من سعة هذا الكوكب.
هذا البحر كان وما يزال على مر العصور والأزمان شيئًا حياتيًا مهمًا لجميع الأمكنة والأيام، ولكنه لحضرموت المكان والإنسان شيءٌ يفوق حدَّ الأهمية لاعتبارات كثيرة، في زمن مضى كان فيه هذا البحر سبيلًا، تمكَّن من خلاله الإنسان الحضرمي الوصول إلى العوالم الإنسانية القابعة في أصقاع الأرض شرقًا وغربًا بهدف التمازج والتناغم مع شعوب تلكم الأصقاع، والإفادة والاستفادة من التراث الإنساني على مختلف أنواعه ثقافيًا فكريًا واقتصاديًا واجتماعيًا.
من أجل ذلك (امتطى) الإنسان الحضرمي هذا السبيل ليحقق هذا التمازج والتناغم، مستغلاً الهبة الربانية التي قدمت لحضرموت، هدية رائعة تمثلت في وجودها على ضفاف شواطئ مفتوحة على مياه البحر العربي، ومتواصلة مع مياه المحيط الهندي؛ بصفته أحد أشهر المحيطات، التي تشهد الحركة الملاحية البحرية الأوسع في النطاق العالمي.
وفي وقت مضى وتولى كان البحر المكان الأفضل، بل كان المكان المتاح للتنقل والسفر، وتبادل الاحتياجات الحياتية الإنسانية المعيشة، وفي الوقت ذاته كانت السفينة الوسيلة المهمة لتحقيق هذا الهدف الحياتي.
ونتيجة طبيعية لهذا الأمر وهو الوجود الحضرمي المكاني الاستراتيجي البحري في قلب العالم امتد الساحل الحضرمي طويلًا، على اختلاف الامتداد وفقًا للتقسيمات الجغرافية والتاريخية السياسية لمختلف التكوينات السياسية، التي حكمت وسادت على تلكم السواحل، أدى الإنسان الحضرمي دورًا إنسانيًا حياتيًا مهمًا، وهو يمخر عباب هذا العالم الجغرافي البحري، عبر الوسيلة المعروفة (السفينة).. فكانت هناك الكثير والكثير من الحكايات التي تستحق أن تروى، وتستحق أن توثق للإسهام في مواصلة إبراز الصور المختلفة لتلكم الأدوار التي أداها (رجال البحار) نعم.. فهم رجال بكل ما تعنيه الكلمة من معنى؛ لأن البحر كما قلت وما أدراك ما البحر؟
له من الأهوال والمخاطر الأشياء الكثيرة لا يمكن أن يتصدى لها إلا الرجال.
قال الشاعر الكبير / حسين أبوبكر المحضار في هذا المنحنى:
للبحر أهوال قد نحنه عارفينه ** كم فيه ندخل ونخرج من حيث جينه
طال السفر طولت وامتدت سنينه ** كلما استمر الزيب جاء عاكر وطوفان
ولكن حضرموت برجالها البحارين الملاحين العظام كانت فخورة بهذا التعامل مع البحر وأهواله، من خلال السيرة العطرة والرائعة للكثير من الملاحين (النواخذة) في المقام الأول، ثم الملاحين الآخرين العاملين على ظهور السفن، كل السفن التي صالت وجالت في بحار العالم ومحيطاته، وكل أولئك أبلوا بلاءًا حسنًا، وقدموا للعالم نماذج عملية مهنية ناجحة في فنون هذه المهنة، تفوق العشرات من ربابنة المدن التي تاخمت البحر، وهي بروم، والحامي، والديس الشرقية، والشحر، والمكلا، وغيرها.
من أولئك نقدم لكم الربان النوخذة المكلاوي / فرج بخيت سالم بن سعدون، الذي اشتغل بهذه المهنة، بل وتدرَّج على سلّم أعمالها المختلفة، من أولها (صغير درك) وهو في سن الثامنة، إلى أن وصل إلى الصرنج وهو مساعد النوخذة وتوجها بأن يصبح نوخذة، وقد عمل في هذه المهنة أكثر من ثلاثين عامًا من عمر الزمن كان خلالها رجلًا بحريًا خالصًا.
والعلم / فرج بخيت سالم بن سعدون هو آخر النواخيذ (المحترمين) الحضارمة، الذين خاضوا غمار البحار على السفن، التي كان لها الصيت الأكبر في هذا المجال الحياتي المهني.
ولأنه آخر النواخيذ أصبح من الواجب علينا أن نقدمه عبر هذا الحوار المستفيض الطويل الذي تحدث فيه عن الكثير ممَّن صال وجال تلك البحر، وما يتعلق بالأسفار وكل ما يجري في تلكم الأسفار.. وكان دليلنا إلى هذا السفر الإعلامي التبياني الرجل المكلاوي الأصيل، المهتم بالشأن الحضرمي عامة والشأن المكلاوي خاصة / بهاء الدين عبدالرحمن بكير، الذي سعى جاهدًا ومخلصًا في التهيئة والترتيب لهذا الحوار، وأن سعيه سوف يرينا أشياء من التاريخ الحضرمي الأسفاري البحري.
– تبدأ تباشير العمل للسفر البحري بأن يقوم النوخذة باختيار الطاقم العامل معه، وهم يكونون في كثير من الأحيان معروفين لديه.
وبالطبع فإن النوخذة يختار بعناية فائقة هذا الطاقم الذي سيعمل معه، ويجب أن يكون هذا الطاقم متجانسًا ومتفاهمًا، تسود بين الجميع روح الأخوة والمحبة، فالعمل شاق، والرحيل البحري يتطلب القوة والصبر.
– بشكل عام وكما هو متعارف يتكون الطاقم من النوخذة وهو الربان القائد، والصرنج مساعد النوخذة، والسكونية الأربعة، ووكيل وظيفته إخراج المصروف والمساعدة، والكاتب (الكراني) ومهمته تسجيل أموال الناس وكتابتها في السفينة، وصاحب الدقل، وغواص مهمته تفاقد السفينة وحبالها في البحر، والفنان الذي يتولى شل الأصوات من أجل الترفيه للبحارة والمسافرين وشد أزرهم في سفرهم الطويل، ولا ننسى الطباخ الذي يقوم بطباخة الوجبات الثلاث: الفطور، والغداء، والعشاء، لجميع من تحملهم السفينة.
– الفطور صباحًا السادسة تقريبًا، والغداء ظهر الواحدة، والعشاء الخامسة قبل المغرب.
(ابتسم ثم أجاب: عليهم بما لديهم مما يحتفظون به من مؤن وأكل شخصي والانتظار إلى الصباح لليوم التالي).
– بعد ذلك يقوم النوخذة بأخذ مبالغ مالية من مالك السفينة، ويقوم بإعطاء هذه المبالغ لأفراد الطاقم، الذي سيعمل خلال الرحلة البحرية، وهذه المبالغ عبارة عن (تقاديم)، ويتم هذا الأمر بالطبع قبل شهر من الانطلاق، وهو كما هو معلوم شهر سبتمبر باعتبار أن أشهر الخريف التي قبل سبتمبر هي أشهر موج، وشهر سبتمبر يسمى بداية (فتوح البحر) وتبدأ الرحلة تقريبًا في منتصف شهر سبتمبر.
ونقدم وصفًا للرحلة المتجهة إلى الشرق من المكلا إلى البصرة.
ثم سنتحدث ونقدم وصفًا لرحلة أخرى متجهة إلى الغرب من المكلا إلى الرويس في شمال السعودية، مرورًا بعدن والموانئ اليمنية.
– نذهب من المكلا إلى فوَّه، ثم بعد الوصول نقوم بتهيئة المؤنة والأغراض (السيمان)، الذي سنحتاجه خلال الرحلة، ونتجمع نحن مع بعض ربابنة السفن ونواخذتها الآخرين من بعض المناطق الأخرى إذا ما أردنا أن نذهب في رحلة (سنيار)، أي رفقة كما يقال، ونجتمع في بروم، وهناك في بروم مكان معروف لدينا نقوم فيه بالتهيئة الخاصة لأمورنا البحرية، وتكون جميع السفن والسواعي واقفة في مكان (الدحس) في بروم، ثم نقوم بنقل كل (السيمان) وما نحتاجه في الرحلة إلى السفينة عبر القوارب الصغيرة، ونقوم بترتيب ذلك، ثم يكون المبيت في السفينة، وفي الصباح نقوم ونعمل تركية للصنبوق، ونأتي بالغرمان مع الدقل، ونقلب الصنبوق، ثم نقوم بالتقشير، أي إخراج الشوائب والأوساخ العالقة به خلال الثلاثة الأشهر التي كان خلالها ذلك الصنبوق واقفًا في البحر.
كما قلت في اليوم الأول (نقشر) الصنبوق، وفي اليوم الثاني (ندعكه)، أي نقوم بإخراج الأوساخ منه، ثم نقوم بتجليس الصنبوق، ثم نأتي بالدقل ونقوم برفعه ونحن نستمع ونستمتع ببعض الأصوات الغنائية التراثية، ثم نهيئ الطرح، وهو ما يسمى (البرونصى) من الجانين، أحدهما للشمال والآخر للزيب، وهما نوعان من أنواع الرياح البحرية، ثم يعلن النوخذة السفر، ويعلم الطاقم العامل معه بالانطلاق من بروم إلى المكلا؛ بالطبع لأن الانطلاق الفعلي سيكون من المكلا من مينائها، وفي المكلا نقوم بجمع كميات من الأحجار (وباد) للساعية، أي ترزينها به؛ للمحافظة على ثباتها، ثم نقوم بتعبئة الماء في التوانك من الصنبور الخاص بالصنابيق، وهو موجود في الميناء، ويستخدم هذا الماء للشرب، ويؤكد النوخذة المسير والانطلاق من المكلا، ويعلم طاقم السفينة بهذا الأمر؛ ليكونوا على الاستعداد للسفر، وأن يكونوا موجودين في الصنبوق من بعد المغرب، وتنطلق من ميناء المكلا قبل الفجر، أي مع حدود الساعة الرابعة صباحًا مع الريح البري إلى ميناء القرن في الديس الشرقية، ويتوقع وصولنا هناك في مغرب ذلك اليوم، ونواصل جمع الأحجار، ووضعها في الصنبوق؛ ليزداد رسوخًا وثباتًا، وإذا وجدنا هناك صنبوقًا آخر يود السفر أخذناه معنا (سنيار)، ثم نمضي إلى منطقة / يخوت / في المهرة، وهناك نتزود بالماء أيضًا، ونتواصل مع بعضنا، ونتأكد من استكمالنا لعملية التزود بالماء من جميع صنابيق وسفن / السنيار/، وننطلق مع الريح البحري الساعة الثانية عشرة صباحًا، ونمر على مناطق العقاب وشرولين فوق قشن، وإذا أردنا شيئًا من قشن دخلنا إليها وإلا واصلنا المسير إلى جزيرة / درية /، ثم نمضي إلى منطقة / صقر/، ومنها إلى حصوين، ثم إلى خيصيت، ثم إلى / رأس فرتك / وهناك (نجوّش) إلى (غبة قمر)، وهي غبة غليظة الريح متواصل منها، وأمواجها عاتية، وهي مكان مهم، وفي هذه الغبة تغوص السواعي وهي خارجة من كور حمار إلى رأس فرتك، وتمتد هذه الريح إلى شروين، ثم إلى نشطون، وبعدها / قغران / ثم ضبوت / وهناك نخرج إلى المنطقة للراحة والتأكد من أمور الصنبوق، ثم إلى خبور، وبعدها / محافيف/ وهناك يخرج بعض الركاب لعمل بعض الإجراءات الخاصة بالسفر، كاستخراج الجوازات الخاصة بالسلطنة المهرية والأوراق المعتمدة للسفر والدخول إلى دولة الكويت.
ثم نذهب إلى (الفيدمة) و(الفتك)، وبعدها (منطقة جاذب)، وفي جاذب نستريح وهناك يستقبلنا / آل بازنبور، وننطلق من جاذب إلى حوف، ثم ضربة علي، وبلكوت، وكور حمار وفيها الغطافة مكانية باتجاه عمان، وفيها (تجوّش) إلى رخيوت، ثم ريسوت، ثم إلى ظفار، وهناك مرورًا بمناطق طاقة، وسدح، والحافة، ثم صور، ومسقط العاصمة العمانية، ثم ينس الباطنة، ثم مطرح وهي مكان آمن للسواعي والصنابيق، ثم ميناء كلباء، ونواصل إلى خور فكان، وتتم أيضًا عمليات صيانة وتصفية السواعي إن أراد النوخذة ذلك وإلا فيواصل الإبحار وفي خورفكان نجلس هناك للاستراحة، ثم المرور على رأس الخيمة، ثم الشارقة، ثم أم القوين، ونمر على بعض الجزر الموجودة في الخليج العربي، ومنها أم النمل، وطنب الكبرى، وطنب الصغرى، وهناك أيضًا ميناء دبي، ونمر على قطر، والبحرين، ثم الكويت مرورًا بجزر فيلكا، وبوبيان، وأوها، ثم خور الزبور، ثم أم قصر في العراق، وجبل أبو الرجال، وجزيرتي خارج وقيس، ثم ندخل إلى العشار، ويأخذك (التك) إلى هذا الميناء وهو البصرة، وعند الوصول يتم ربط الصنبوق وتثبيته وأنت موجود داخل الخور الكبير الخاص بالميناء، في البصرة تتجمع كل الصنابيق التي تريد تحميل التمر من العراق إلى وجهاتها المختلفة في كل البلدان: اليمن، وعمان، والإمارات، وقطر، والبحرين، وفي هذه الأثناء تتم عملية الاقتراع على أخذ النصيب المطلوب من التمور من خلال الوكلاء التجارين الموجودين هناك، الذين يمثلون التجار في كل تلك البلدان المذكورة؛ وذلك للاستباق للتحميل، ويتم نقل التمور إلى اليمن: وهي موانئ المكلا، وعدن، والحديدة، وكذلك إلى أفريقيا، ومن التجار المكلاوين لبضاعة التمور هنا في المكلا آل باعوم وآل باغويطة.
– من ثلاثة أيام إلى أسبوع؛ حتى نتمكن من تحميل البضاعة، وتصفية الحسابات، والأمور المالية، ويتولى الوكيل المعتمد للتاجر هذه الأمور المالية المتعلقة بالبضاعة المشتراة.
– نقوم بنقلها إلى الميناء، ونقوم ببيعها من خلال وكلاء التجار الموجودين في البصرة، أو في المدن التي نذهب إليها، وقيمة هذه الأحجار تكون ملكًا لنا نحن طاقم الساعية.
– بعد ذلك نعود أدراجنا ونبحر من البصرة عائدين إلى المكلا.
وفي بعض لأحيان إذا ما تطلب الأمر عمل صيانة للصنبوق والساعية فإننا نذهب إلى خور بوشهر في إيران، وهناك توجد ورشة كبيرة للصيانة يحتضنها خور كبير وواسع ترى فيه البواخر والصنابيق والسواعي واقفة على جوانبه، فإذا أردنا الصيانة فإننا نمكث هناك حوالي 25 يومًا.
– هناك في البصرة أو في أي ميناء نحمل منه يقوم وكيل التاجر بإعطائنا نصف قيمة الأجرة، وعندما يصل إلى المكلا يتم إعطاؤنا وتسليمنا النصف الآخر من قيمة أجرة نقل البضاعة.
– أنواع الحبوب المختلفة، الذرة، والمسيبيلي، والقمح المصنوعة المطبوخة بالتنانير خبزًا، مع التمر، والسمك الذي يتم اصطياده من البحر، وكذا الأرز مع السمك، ويتولى وكيل السفينة تزويد الطباخين بالمقادير المختلفة من المؤن الغذائية بحسب حجم الموجودين والمسافرين على ظهر الصنبوق.
– من حضرموت نحمل معنا الليمون الجاف، والتنمباك، والنورة، والأحجار التي نستخدمها في تثبيت الصنابيق والسواعي وتزينها.
– طبعًا أهم بضاعة وأبرزها كانت التمر من مدينة البصرة، وفي إحدى رحلاتنا أخذنا حمولة جلود من جدة في السعودية إلى ميدي في اليمن؛ لاستخدامها في صناعة الأحزمة المختلفة، ومن ميدي حملنا حبوب الذرة والمسيبلي والدجر إلى مدينة عدن، وهذا على سبيل المثال؛ لأن هناك بضائع مختلفة ومتنوعة كنا نحملها على الصنابيق والسواعي من وإلى موانئ المدن كافة، التي نمر عليها خلال رحلاتنا المتواصلة.
– طبعًا أطول الرحلات البحرية كما هو معروف هي الرحلات المتجهة إلى الهند، وقد مكثنا خلال إحدى الرحلات إلى هناك أكثر من شهرين، ونحن نصارع الأمواج.
– نقوم بتغسيله وتكفينه، ثم نصلي عليه صلاة الجنازة المعروفة في الشرع، ونأتي بمجموعة من المسامير نضعها على رجليه اليمنى واليسرى وهذه المسامير مهمتها أن تغوص به في البحر، ونقوم بقبره في البحر من خلال إخراجه على رجليه وهذا عرف للذي يموت في البحر؛ فإنه يدفن بالبحر؛ لأن في كثير من الأحيان تكون هناك مسافات بعيدة إلى البحر.
– لا.. لا يوجد أطباء أو صيادلة، ولكن يوجد كبت صغير، فيه بعض الأدوية الخفيفة، كأدوية المغص، أو الآيدين لعلاج الجروح، وأحيانًا نستخدم الحلوى الحضرمية، ونقوم بحرارتها ثم يأكلها المريض، وهذه تساعد على فك الألم الموجود لديه، والشافي الله.
– هذا سؤال مهم يا / خالد/، نعم هناك محكمة تنعقد جلساتها إذا وجد هناك خلاف، أو حدث يستحق الحكم فيه مثلما قلت، وأعضاء المحكمة تتكون من:
النوخذة، ومساعده الصرنج، وكاتب السفينة، هؤلاء ينظرون في القضية المطروحة أمامهم، فيصدرون أحكامهم؛ بهدف إحقاق الحق، ومعاقبة الشخص المعتدي، ويتم تنفيذ هذا الحكم دون استئناف أو مراجعة، ويكون الحكم بربط المعتدي في الدقل لمدة معينة، وبالطبع يتم تنفيذ الحكم، وفي كثير من الحالات يتم التصالح والتصافي بعد ذلك بين المتخاصمين.
– مثلما قلت لكم إن هناك فنانًا أو منشدًا؛ ليتم اعتماده ضمن الطاقم العامل في السفينة، ومن أبرز الفنانين الذين أخذناهم معنا في هذه المهمة، وما زلت أتذكرهم الفنان الكبير / سعيد عبدالمعين/ من الشحر، والفنان / مفتاح راشد /، ويكون هذا الفن خلال أوقات التسلية والترفيه، هذا الأمر مهمٌ عندما تأتي بعض المناسبات، بالذات العيد السعيد، ونحن في موانئ تلك المدن؛ فإننا نقوم بمشاركة أهالي هذه المدن أفراحهم بالمناسبات العيدية، وكان الأهالي يتجاوبون ويفرحون معنا وبنا.. وأتذكر هذا التناغم معنا، وكان عند وصولنا إلى ميناء مدينة صور في عمان والمعاملة بالمثل، فالسفن والسواعي التي تصل إلينا هنا في المكلا من البلدان المختلفة؛ فإنهم يؤدون هذا العمل الفني الغنائي، ويتشاركون مع الأهالي في المكلا من خلال تقديم فنون بلدانهم، وهذا الأمر كما هو معلوم خلقَ تزاوجًا فنيًا وغنائيًا بيننا وبينهم.
– أوه.. أوه.. أوه.. طبعًا من غير شك تعرضنا لأهوال.. وكل الذين عملوا في هذا المجال المهني، كان لهم نصيب من تلك الأهوال، وهذا بحر.. والبحر معروف بالأهوال.
– ما زلت أتذكر.. ولن أنسى تلك الحادثة التي تعرضنا لها، وفيها شفنا الموت كما يقال، ومن أبرزها الأهوال التي تعرضنا لها فوق مكان / بارتيلا / من مرباط إلى صور في عمان، عندما واجهنا ضربة بحرية قوية نتيجة لإعصار، والحمد لله كانت النجاة حليفنا، ثم تعرضنا أيضًا في رحلة بحرية أخرى، وبعد أن أنزلنا نصف حمولة سفينتنا في مسقط بعد عودتنا من البحرين في طريقنا إلى ظفار، وفي ظفار من الضرورة العبور بين الفحل ومصيره، وهناك واجهتنا ضربة أخرى أدت إلى تكسير ساعيتنا، ففي المساء صحينا على تنبيهات والدي النوخذة بالقيام من النوم، وهو يقول لنا: اصحوا.. اصحوا، الصنبوق سوف يتكسر، نتيجة الريح الشديدة، فصحونا من النوم، ولم نستطع فعل أي شيء، فجاءت موجة عاتية أخذت الصنبوق، ورمت به إلى القشار، وكنا نود الذهاب إلى ظفار لإفراغ النصف المتبقي من حمولة الصنبوق، على أساس أننا سوف نواصل مسيرنا وإبحارنا إلى الهند، والحمد لله نجونا بأنفسنا ولكن تعذر علينا الذهاب إلى الهند.
– لقد زرت عددًا من مدن الموانئ التي أبحرنا إليها شرقًا وغربًا في عمان والإمارات والبحرين وقطر والعراق والسودان والكويت وإيران والهند شرقًا وكذا عدن والسعودية وأرتيريا وجيبوتي والصومال والموانئ اليمنية المعروفة، ولكنني أعجبت كثيرًا ولفت انتباهي مدينة / بومباي/ الهندية؛ فكل شيء فيها جميل ومؤثر ورائع، وبومباي تعد مدرسة رائعة للنواخيذ من وجهة نظري.
– نعم.. وقد تعلمت في مدرسته فنون هذه المهنة وأصولها، وتدرجت من أول مهمة بحرية وهي صغير درك.. حتى أصبحت نوخذة مثله.
– نعم… والحمد لله.. وكما قلت لكم لقد كان والدي بخيت بن سعدون رجلًا من رجالات البحر في حضرموت، وهم كثر، وتشهد لهم البحار التي خاضوا غمارها بالكثير من الأعمال الرائدة، وكانوا أبناء بحر كما يُقال، من كل المدن التي تلتحف الشواطئ: المكلا، وبروم، والشحر، والحامي، والديس الشرقية، وقصيعر، وغيرها.
– أتذكر تلكم الحادثة التي من نتائجها تمت عملية الاستعانة بوالدي، فقد كانت هناك سفينة الميمون، التابعة لرجل الأعمال التاجر عمر باسويد، وكانت راسية في ميناء عدن، وهي تقوم بتحميل البضائع المختلفة؛ بهدف نقلها إلى المكلا، ومن ضمن هذه البضائع خمس سيارات، وكانت الساعية على الرصيف، ولم ينبه بحارتها ونوخذتها لها عند (فكوك) البحر، فما كان من البحارة إلا أن قاموا بتدكية السفينة بجدار رصيف الميناء، من جانب والجانب الآخر كانت الفساسي وهي الأعواد التي يتم بها ترفيد السفينة أيضًا؛ لأنه عندما فك البحر لحق (هيراب) الساعية في قاع البحر، وعندما انتهت حالة الفك البحري، وطلع الماء اعتدلت الساعية، وعندما عاد نوخذة الساعية في هذه الرحلة من مكتبي الجوازات والجمارك ووجد الساعية ملتصقة بجدار الرصيف، لم يتحمل وأصيب بحالة نفسية وصرخ (مال الناس مال الناس- مال الناس).
وبهدف الإنقاذ وإرجاع الساعية إلى المكلا تم الاستعانة بوالدي / بخيت بن سعدون/ للقيام بهذه المهمة.. وقد أخذني والدي معه في هذه الرحلة؛ إذ سافرنا بالطائرة من مطار الريان إلى مطار عدن، ثم توجهنا إلى ميناء عدن، وتفقد الوالد حالة الساعية وأبحرنا بها عائدين من عدن إلى المكلا بعد أن استوفينا كافة الإجراءات؛ بهدف العودة إلى ميناء المكلا، وقد تسلم والدي هذه الساعية مؤقتًا حتى اعتمدوا لها نوخذة جديدًا آخر، وهو / أحمد باهيال / فقمنا بتسليمه الساعية رسميًا.
– لقد كان التاجر عمر باسويد يريد تسليم والدي / بخيت بن سعدون / الصنبوق الآخر، الذي كان قيد الإنشاء من آل بن ربيد؛ بهدف قيادته والعمل عليه، وهو الصنبوق الذي أطلقوا عليه اسم / جهد الكريم /، وقد عملنا في هذا الصنبوق أنا ووالدي فترة من الزمن، وخضنا به بحارًا مختلفة شرقًا وغربًا، وهو أي صنبوق المسمى بـ / جهد الكريم / يعد من الصنابيق الصغيرة.
– اشتغلت على الكثير من الصنابيق وتوليت قيادتها، ولكن أهمها بالطبع صنابيق الميمون، وخميان، وجهد الكريم، وهي الصنابيق التي يملكها رجل الأعمال والتاجر المكلاوي / عمر باسويد ، ولعل صنبوق خميان وهو من الصنابيق الكبيرة يتميز بالسرعة، كما عملنا أيضًا على ظهر الصنبوق الشهير الذي يملكه رجل الأعمال والتاجر المعروف أيضًا باشنفر واسمه / سهالة الباري، وكان هذا الصنبوق يتميز بالشكل الرائع والجميل.
– نعم.. نعم.. نعم.. ومن غير شك، فهناك الكثير من الصنابيق والسواعي تكسرت بعد اصطدامها بالنتوءات البحرية والجزر.
عندما يشتد الريح الواصل من البر فيدفع بالسواعي بصورة لا تتصورها.
فهل تصدق؟! لقد دفع بنا الريح في مضيق هرمز إلى أبو الرجال مسافة ثلاثة أيام قطعناها في ساعتين، وأبو الرجال هذا جبل كبير تتساقط منه الثعابين من الجبل إلى الساعية مباشرة؛ لأننا ملتصقين بالجبل، وظللنا طوال الليل نبعد الثعابين عن الساعية بالمجاديف، وفي الصباح جاء للإنقاذ وأخذنا، وهناك عملنا إجراءاتنا المعتادة في صيانة الساعية.
– هناك أمارات متعددة نستطيع من خلالها معرفة اقترابنا من البر، ومنها وجود أنواع معينة من الطيور، وكذلك وجود بعض النباتات البحرية، وأيضًا وجود بعض الأنواع من الأسماك والحيتان.
– نتقي بأنفسنا في حالة هطول الأمطار بالطرابيل الموجودة لدينا، ونقوم بنصب هذه الطرابيل على جانبي الساعية، وبالتالي تتم عملية تغطية هذه الساعية على شكل منحيين من خلال التغطية الكاملة من الفتحة الإمامية حتى الشتري في خلف الساعية، وفي هذه الحالة تكون الساعية مصانة بالكامل، ويهطل المطر وأنت في مأمن منه، وبعد انتهاء المطر نقوم برفع الطرابيل بعد أن تجف.
– نعم.. يا ابني.. ولكنها ممتعة وجميلة بأحداثها وبكل ما فيها من صعوبة، وبعد ذلك تأتي مسألة التعود على هذه الحياة الصعبة، التي تؤكد لك طبيعة الحياة بشكل عام، وربنا سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: (لقدْ خلقْنَا الإنسانَ في كبدٍ)، ولقد عشت أكثر من نصف عمري لا، بل عشت أكثر من ذلك في البحر في الصنابيق والسواعي، التحفنا السماء غطاءً، وظهور تلكم السواعي فرش، والحمد لله رب العالمين.
– بالطبع ننطلق من المكلا إلى بروم، ثم إلى بيرعلي وبلحاف وخورة، وهناك جزيرة اسمُها البيضاء حصن بلعيد وعرقة، ثم إلى أحور والوادي ومقاطين، وهذه الأماكن البحرية نمر عليها ونحن نرى البحر أمامنا، ثم إلى مساجلة وحصن بن رشيدة وسيلان وشقرة، ثم نصل إلى عدن، وهناك تتم عمليات الصيانة الدورية ونضع الأحمال التي معنا ونأخذ الأحمال التي يتم الترتيب لأخذها من عدن، وهي في مجملها بضائع غذائية مختلفة، ننقلها إلى المخا، ثم ننطلق من التواهي إلى البريقة والغدير، ونمرُّ على عمران وفقم ومنطقة خرز، ثم إلى رأس العارة، فننطلق من هناك إلى باب المندب، وهناك اتجاهات: أحدها إلى جيبوتي، وآخر إلى البحر الأحمر، وموانئ ارتيريا، والموانئ اليمنية المختلفة، والموانئ السعودية.
وفي باب المندب هناك الجزيرة المعروفة والشهيرة وهي جزيرة ميون على طريق الشيخ سعيد؛ بهدف الولوج إلى البحر الأحمر، وهناك يوجد فنار لإرشاد السواعي والسفن في المساء، ونتجه صوب ميناء المخا، وهناك اتجاه آخر للإبحار إلى عصب الميناء الأول في ارتيريا، وهناك جزيرة أعلى عصب اسمها جزيرة فاطمة.. وكما قلت تخرج من باب المندب إلى المخا ثم ذباب، ويوجد بها ثلاث موانئ: نخل العبيد، وخور الصومالي، ورأس الزيادة، ومجرى هذا الإبحار تسمى / نعش ناقة / وإذا أردنا إنزال حمولة البضائع ندخل إلى المخا، ثم نواصل إبحارنا باتجاه الموانئ اليمنية الأخرى صعودًا إلى الموانئ السعودية شمالًا، فنمر على مكان يسمى / يختل / ونلاقي جزيرة أبو زهر، ثم الخوخة، ونواصل المسير إلى المتجاملة، وتوجد بها ثلاث جزر، هي: حلب، وحنيش، وزقر، وهن بين الضفتين اليمنية والأريتيرية، وفي زقر يوجد فنار بحري إرشادي أيضًا، ثم نتجه إلى الحديدة ومجراها من زقر إلى البوبية، ثم إلى الغاطس ليأخذك المرشد أو أمير البحر إلى الميناء؛ لتأخذ مكانك بين السفن والسواعي التي تريد الرُّسُـوَّ على الميناء، ثم نذهب إلى ميناء رأس عيسى في طريقنا وإبحارنا إلى ميناء جدة فنمر بمكان يسمى الخضر، وهناك جزيرة فوق رأس عيسى تسمى رشة، ثم (نجوّش) لنأتي على بلاد اسمها القرية، ثم نمضي إلى ميناء الصليف، ثم إلى الخوبة، ثم اللحية وجزيرة جبل الطير والصواقع وجزيرة الزبير وجزر العولتين وغراب والعواشق والأطباق وفرسان، وهي جزر غير مأهولة بالسكان، ولكنها عبارة عن تجمعات للصيادين، ثم نمر بالعتم والعزم وحرض وصبيه وبوعريش، ثم خيزان والبركة والقحمة والتنفذة، ثم الميناء الأشهر جدة إلى ينبع، ثم إلى الميناء الأخير في السعودية وهو ميناء الرويس… ثم نعود بالإبحار عبر الطريق ذاته، وكنا نتواصل خلال إبحارنا مع وكلاء التجار المعروفين نشعرهم بأننا جاهزون لنقل بضائعهم إلى مختلف موانئ المدن التي سنمر عليها في حال ذهابنا أو إيابنا من وإلى تلكم الموانئ المختلفة.
– هو خط واحد أو مجرى واحد، ثم يختلف المجرى فوق جزيرة ميون أو ما يسمى بالسوابع ونجومها ما بين / الجوزاء والتيه /، وتلك الجزر هي سبع جزر، ثم ندخل إلى رأس جاف، ثم إلى رأس بير، وهناك منارة إرشادية تعطيك إشارة للطريق إلى هناك مرورًا بجزيرة رأس السكوتي، وهي جزيرة مرجانية القريبة من ميناء جيبوتي.
هناك في ميناء جيبوتي نجد الشخصية المعروفة / عيشيت /، وهو الوكيل الرسمي المعتمد آنذاك للتجار ورجال الأعمال الحضارم؛ بهدف قضاء الأعمال التجارية لهم، وميناء جيبوتي يعد استراتيجيًا ومهمًا، لذلك فحركة البضائع المختلفة من وإلى هذا الميناء كبيرة وواسعة ومتواصلة، تصور أن هذا الميناء يستقبل في بعض الأوقات حوالي مائة ساعية، تكتض بها مياه هذا الميناء المهم، وقد أسهمت الإجراءات التجارية المبسطة والقليلة الثمن والأجرة في اجتذاب حركة النقل التجاري البحري في هذا الموقع العالمي المهم، فكان هناك تنافس كبير بين ميناء جيبوتي وميناء عدن في تلك الفترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. في باب المندب يتطلب عناية خاصة من السكوني والصرنج في قيادة دفة الصنبوق والساعية؛ لأن الرياح خطيرة، وإذا غفل السكوني فإن الصنبوق أو الساعية سيكون مصيره الاصطدام.
– كنا نستخدم الفوانيس اليدوية الاعتيادية والمعروفة في ذلك الزمن، وهذه الفوانيس تُشعل بواسطة وقود القاز (الكيروسين).
– لا.. لا.. ليس هناك أماكن مخصصة للأفراد، فكلنا موجودون على ظهر الصنبوق أو الساعية (وحيث ما تجي طرح فراشك ونم).
ألم أقل لك إن الحياة كانت صعبة جدًا خلال الترحال عبر البحر آنذاك.
ولكن عندما تكون الشمس قوية فأننا نحتمي منها بـالطرابيل.
– هي حياة نقضيها في رمضان مثلها مثل الأيام الاعتيادية، فإذا دخل الشهر الكريم، وعلمنا به فإننا نصوم كالمعتاد، ونصلي بالطبع كالمعتاد، ونأكل وجباتنا المعتادة الفطور والعشاء والسحور، ونقتضي بالنجوم عند اعتمادنا على تحديد وقتي الإفطار والإمساك في كل يوم.
– انتهت رحلتي مع البحر عندما تم تنفيذ التأميم للمنشآت والوسائل البحرية في عام 1971م، وآخر رحلة لنا كانت ضمن الرحلات التي قمنا بها على سفينة التاجر باشنفر، وكنا ننقل خلال هذه الرحلات مادة الإسمنت بين مينائي مصوع في أرتيريا والحديدة في اليمن، والرحلة الأخيرة كانت من ميناء مصوع إلى ميناء عدن، وهناك في عدن علمنا بقرار التأميم للوسائل البحرية المختلفة وكنا على ظهر سفينة / سهالة الباري / كما قلت لكم، وهي مُلكٌ لرجل الأعمال التاجر محمد عبدالله باشنفر.
– صعد على ظهر سفينتنا رجال الانتفاضة أو التأميم في ميناء التواهي وذلك عصرًا، وقالوا لنا إن هذه السفينة مؤمَّمة وهي أصبحت ملكًا لكم، وسَـلًّمُونا أعلامًا خاصة بالتأميم، ووزَّعوا علينا قطعًا من الأسلحة الخفيفة، طبعًا لكل قطعة سلاح بـ (آلي)، وكان النوخذة في هذه الرحلة الربان / خميس نصيب باخوار / وكنت أنا أعمل مساعدًا له (صرنج).
فقال الربان / خميس باخوار/ لرجال التأميم: يا أخواني هذه السفينة صاحبها ومالكها التاجر / باشنفر/.
فقالوا له: نحن نقول هذه السفينة تم تأميمها وهي الآن ملك لكم، وهذه السفينة ضمن السفن والسواعي التي تأميمها من قبل الحكومية، وعددها قرابة الخمسين سفينة وساعية، وبعد ذلك أخذوا بضاعة الإسمنت وأفرغوها من الساعية إلى سيارات ولا ندري إلى أي جهة أخذوا البضاعة، وبهذه الطريقة خرج رجل الأعمال / باشنفر/ من العملية كما يقال / ليس/ وخسر الساعية والبضاعة في وقت واحد والحمد لله على كل حال، وكان معنا على ظهر الساعية الأخ / محمد قاسم الكلدي ، وهو بحار من طراز ممتاز، وعاش معظم عمره بحارًا، وقد تم اعتماده ضمن المسؤولين عن الشؤون التنظيمية في الجانب المالي، وتم طبعًا إنشاء عدد من المنشآت البحرية الوطنية في القطاع العام، وقد أشاروا لي لأقوم بقيادة الساعية، والذهاب بها إلى دبي؛ لإحضار بضاعة لست أدري ما هي، ولكنني اعتذرت وفضّلت العودة من عدن إلى المكلا، بعد أن تسلمت رسالة عبر الأخ / محمد عمر الكسادي، مفادها أن والدي عليه رحمة الله تعالى، مريض في المكلا ووالدتك أيضًا سقطت وكُسرت يدها، وكنت أنا للأسف / هايمًا، وغير مستقر، وبعيدًا عن الأهل، فشعرت بغصة في قلبي، فذهبت أنا و/ محمد الكسادي / إلى الإدارة التنظيمية بهدف طلب الإذن للسفر إلى المكلا ووافق / محمد قاسم الكلدي، فعدت إلى المكلا، والتقيت بالوالد والوالدة، وكانا في حالة صعبة، وعندما التقيت بالوالد احتضنني وبكى؛ لأنني كنت غائبًا لفترة ليست بالقصيرة، وذهبت وأحضرت غداءً من مطعم / باحداد ، وبعد أن أكلنا الغداء تخابرنا عن أحوالنا، وصعب عليّ حالهما، عندئذ اتخذت قراري الحياتي الصعب والجميل في الوقت ذاته، وهو البقاء إلى جانبهما ورعايتهما في ظل وضعهما الحياتي الصعب كما قلت، وهو من أجمل قرارات حياتي؛ فقد كنت الوحيد لهما، لأن أخي الآخر كان مسافرًا في الكويت ومهاجرًا، قضى هناك أكثر من خمسين عامًا.
نعم.. لقد كان لهذا الحدث العائلي الخاص أثر خاص في حياتي.. فقلت في نفسي إن وجودي مع والدي ووالدتي هو (الخير والبركة) في الدنيا والآخرة.