ملف العدد
أ.د. محمد يسلم عبدالنور
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 24 – 25 .. ص 42
رابط العدد 24 – 25 : اضغط هنا
المدخل:
صدر عن دار حضرموت للدراسات والنشر وبنفقة مؤسسة أحفاد العباس للتنمية كتاب: قضايا تاريخية من حضرموت من التاريخ السري للاستعمار البريطاني (التزوير واستلاب الهوية) للباحث سالم فرج مفلح (رحمه الله) الطبعة الأولى، 2021م في (391 صفحة)، وقد أثار الكتاب لغطًا بين الباحثين والدراسين، وانقسموا فيه على قسمين: مؤيد ومعارض، رغم أن المعلومات والأفكار في هذا الكتاب لا تعبر بالضرورة عن الناشر، فهي تعبر عن المؤلف.
جاء هذا الاصدار ليؤكد من جديد ما ذهب إليه المؤلف في مؤلفه الأول الصادر سنة 2006م الموسوم بـ: حضرموت بين القرنين الرابع والحادي عشر للهجرة بين الاباضية والمعتزلة مشروع رؤية، والقضية التي ناقشها المؤلف في كتابيه واحدة تتمحور في تعرض تاريخ حضرموت الإسلامي كله من تزوير وتحريف وتشويه لحقائقه على يد الأخلاف([1]).
وبما أن حديثنا هنا ما جاء في كتابه الثاني، حري بنا إن نستعرض ولو سريعا ما حوى دفتيه.
فقد جاء في ثلاثة أبواب: الأول منها عن المصادر التاريخية الحضرمية (تأملات نقدية أولية حول المصادر التاريخية الحضرمية) وأزمة المعرفة التاريخية الحضرمية، وسوف نفرد بالحديث عن ذلك في ورقتنا هذه.
أما الباب الثاني: فعن المسألة العقائدية والفقهية والاجتماعية، وتتلخص فكرة هذا الباب في أن حضرموت لم تعرف التحول إلى المذهب السني الصوفي وسيادته إلا في القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) في عهد السلطان الكثيري بدر بن عبدالله أبو طويرق (ت972هـ).
والباب الثالث والأخير عن المسألة القبلية، وفيه كان الحديث عن أنساب بعض القبائل الحضرمية على غير المعتاد والمتعارف عليه.
والحديث عمَّا جاء في الكتاب كله وتفنيده يطول ويطول، وحسبنا هنا أن نأخذ جزئية واحدة للمساحة والزمن المحدد لذلك، ولعلها تكفي لما جاء في الكتاب.
هذا فضلا عمَّا ورد في الكتاب من مغالطات علمية، واستخدام ألفاظ غير بحثية كالهدم والنسف والتدمير، وإطلاق الأحكام المسبقة، والتناقض وعدم فهم المعلومة التاريخية أو لنقل عدم اطلاعه ومعرفته بجميع المعلومات في الحدث الواحد.
ما أشار إليه مفلح في الباب الأول من كتابه وكما أشرت إلى ذلك مسبقًا وهو ما تعرض له تاريخ حضرموت الإسلامي كله من تزوير وتحريف وتشويه لحقائقه على يد الأخلاف الذي اطلق عليهم المؤرخ علوي بن طاهر الحداد (ت1382هـ) في كتابه “جني الشماريخ” إن الاخلاف رأوا في سيرة الاسلاف ما ينكرونها فعمدوا على إفنائها وإخفائها([2]).
هؤلاء الأخلاف ــ كما يقول مفلح ــ كانوا مرتبطين بالاستعمار البريطاني وخططه الرامية لتدمير الهوية الوطنية للشعب الحضرمي، مثل ما تفعله الحركة الاستعمارية الأوربية الغربية بالشعوب المستعمرة، كما فعلت مع شعب الجزائر وغيرها.
كما اتهم الاستعمار البريطاني بإعدام النتاج المعرفي الحضرمي، واصطناع نتاجًا آخر بديلًا عنه مشوَّهًا ومزوَّرًا، والتي نعتها بالتزوير والاستلاب، بل ورمى أصابع الاتهام إلى من قيام بهذا التزوير والوضع والتأليف هو المؤرخ الحداد.
هذا وليثبت مفلح صحة كلامه أورد لنا خمسة نماذج لمصادر من تاريخ حضرموت ادَّعى أنها مزورة، هي: تواريخ: شنبل، وبافقيه، وباسنجلة، وابن حميد الكندي، والعيدروس؛ إذ يرى أن هذه المصادر الخمسة من تاريخ حضرموت تم إعدادها في مطلع القرن الرابع عشر الهجري فترة الاستعمار البريطاني، في ظل حكومة القعيطي والكثيري([3])، وهي فترة تأسست فيها حركة الإرشاد في إندونيسيا سنة 1914م.
ولعلنا هنا قبل أن نبدأ في التفنيد أن نشير إلى أن مفلحًا قد تناسى أو نسي مصادر تاريخية حضرمية أخرى، مثل: الجوهر الشفاف للخطيب التريمي (ت855هـ)، والبهاء لابن حسان (ت818هـ)، والبرقة المشيقة للشيخ علي بن أبي بكر (ت895هـ)، والدر الفاخر لباجمال (ت1019هـ)، فهل يشملها ذلك التزوير الذي ادَّعاه مفلح على غيرها من تواريخ حضرموت.
وسنكتفي في التواريخ المزورة التي ذكرها بتاريخ واحد وهو أساس هذه التواريخ وأقدمها وربما نشير من هنا وهناك إلى ذكر البعض الأخر.
تاريخ شنبل: طعن مفلح في هذا المصدر من وجوهٍ عدَّةٍ، سواءً كان في التاريخ نفسه أو تسميته أو عنوانه المضطرب، أو في انتساب التاريخ إلى مؤلفه، أو شخصية المؤلف غير المعروفة والمجهولة، أو في نسخ ذلك التاريخ، أو في حوادثه وما جاء فيها من تناقض بحسب فهمه – الخاطئ ـ وبحسب ما أخذه وتعقبه على محقق الكتاب (عبدِالله محمد الحبشي).
1- ادعى أن شخصية المؤلف غير معروفة ومجهولة وإنما أشهره مؤلفه المنسوب اليه، والتناقض في أسم مؤلفه، واستهزاءه بلقبه شنبل ، وان اللقب يعني النعال ، وانه لا يوجد من ينعت بهذا في فروع أسرة آل أبي علوي([4])، الى غير ذلك من ادعاءاته، التي سنفندها جملة وتفصيلًا.
فالمؤرخ هو: أحمد (ت920هـ) بن عبدالله بن علوي شنبل بن حسن بن أحمد (ت عدن 821هـ) بن محمد أسد الله (ت778هـ) بن حسن الترابي (ت 721هـ) بن علي بن الفقيه المقدم محمد بن علي باعلوي (ت653هـ) ونمسك القلم هنا لشهرة ذلك النسب عند العام والخاص.
وحسن بن أحمد في عمود نسب مؤرخنا هو جد آل شنبل بالمخا وزيلع ومكة([5]).
وشنبل بفتح الشين المعجمة وسكون النون وفتح الموحدة([6])، وتعني قبله ورشفه وثاغمه ولثمه بمعنى واحد، وبنو شنبل بطن من العلويين بالحجاز([7]).
يعني لا نعال ولا حذاء ولا غيره، ولعل مفلحًا قد أخذ اللفظة من المجتمع العدني ويعنون بها النعال ولعل اللفظة هندية المصدر.
ترجم لشنبل عدد من المؤلفين فضلًا عمَّن ذكره([8])، وليس حجة من لم يترجمه واحد كالعيدروس مثلًا في “النور السافر” عدم وجود الشخصية.
ومن خلال استعراض نسب المؤرخ يتبين لنا بجلاء نسبته إلى قبيلة السادة آل أبي علوي، أما ادعاء مفلح([9]) بأن الشلي لم ينسبه إلى آل أبي علوي، فهذا من المضحك؛ لأن كتابه “المشرع الروي” خاص بتراجم آل أبي علوي، ولو اطلع على اسم الكتاب لتأكد من ذلك، فهو كما هو مرقوم في طرة الغلاف بـ: المشرع الروع في مناقب السادة الكرام آل أبي علوي.
ويحتج مفلح بعدم وجود أسرة شنبل في فروع قبيلة آل أبي علوي، وإننا لا نجد منهم إلا المؤرخ المزعوم ووالده وابنته المزعومين([10])، وهنا نوضح أمورًا غابت عنه:
أن أسرة شنبل من الأسر العلوية، وهي من أعقاب علي بن الفقيه المقدم، كما بينت ذلك في عمود النسب، وهناك أربع أسر مع أسرة شنبل هي من أعقاب علي بن الفقيه المقدم نفسها، وتعرف بالشينات الخمس، وهي: الشاطري، وباشيبان، والشيبة والحبشي([11]).
وأما إنه لا يوجد بوادي حضرموت اليوم من يحمل اسم أو لقب شنبل، فهذه أيضًا ليست حجة على عدم الوجود، فالأسرة موجودة وأعلامها كذلك معروفون في كتب تراجم السادة أل أبي علوي كما سأبينه لاحقًا، وهم أيضًا ما زالوا موجودين في الحجاز حتى القرن الثالث عشر الهجري كما ذكر المرتضى الزبيدي([12])، وربما انقرضوا بعد ذلك، أو دخل مسمى فرعهم في فرع آخر من فروع آل أبي علوي، كما أن هناك فروعًا أخرى من أسرة أبي علوي غير موجودة اليوم، ولا يدل هذا على عدم وجودهم، ومنهم: باشيبان، وكريسان، وباصرة، وباسندوة، والشلي، وغيرهم.
كما إنه ظهر من هذه الأسرة عددٌ من الأعلام ليس فقط المؤرخ ووالده وبنته؛ إذ تذكر المصادر منهم: عمه أبوبكر بن علوي شنبل (ت جدة 906هـ) ([13])، وأخاه علوي بن عبدالله المنقرض، وعمَّيْهِ أيضًا محمد بن علوي الذي أعقب بالحبشة وأوسه وزيلع، وحسين بن علوي الذي رحل إلى زيلع، وجاور بمكة، وتوفي بها سنة 932هـ([14]).
2- التاريخ ونسخه وطباعته: أشار الشلي إلى أن شنبل ألَّف تاريخًا مفيدًا في بابه، جمع فيه لطائف تاريخية، وأحكامًا شرعية، وفوائد بارعة ومواعظ نافعة([15])، كما وجدت نسخ من التاريخ في المكتبات الحضرمية، فهذا التاريخ – إذن – قد أثبت النسبة إلى مؤلفه، وربما إن الشلي لم يحسن وصف هذا التاريخ، ويعذر على ذلك؛ لعدم اطلاعه عليه، وإنما كان ينقل عنه بواسطة والده، الذي ينقل عنه كثيرًا.
ونستطيع أن نصف هذا التاريخ بانه تاريخ مختصر وعام لتاريخ حضرموت وحوادثه، واستطرادات إلى تاريخ اليمن والعالم الإسلامي، مرتب على السنين (التاريخ الحولي)، يبتدئ الموجود منه (النصف الأخير من سنة 501هـ إلى سنة 920هـ، وليس خاصًا بحضرموت فقط؛ فأول خبر فيه وفاة ابن المعلم الواسطي([16]).
هل لهذا التاريخ مسمى وعنوان معين؟
لعلنا نقول إن المؤلف سمى تاريخه بتاريخ شنبل استنادًا إلى أقدم نسخة منه، وربما كانت هذه التسمية أيضًا من وضع النساخ؛ لعدم وضع المؤلف تسمية له([17])، كما وضعوا له تسمية التاريخ الأقدم الأكمل، ولعل هاتين التسميتين كافيتان له، فلا نحتاج إلى تسمية ثالثة والتي أطلقها عليه محققه وهي (تاريخ حضرموت).
فلا ضير من التسمية الأولى؛ فهناك كتب في التراث الإسلامي نسبت إلى مؤلفيها؛ لشهرتهم، رغم أن لها مسمى وضعه له مؤلفوه.
ونسخ هذا التاريخ كثيرة بمسمَّيَيْنِ، أقدمها نسخة المؤرخ علوي بن طاهر الحداد، التي نسخت سنة 1032هـ، برسم علي بن أحمد بن عيسى الكثيري، والمحفوظة في مركز النور للدراسات والنشر، التابع لدار المصطفى للدراسات الإسلامية بتريم، وظلت مفقودة إلى أن تمكن المركز من امتلاكها في خطة مساعيه، الرامية للحفاظ على التراث الحضرمي، وتصوير معظم المكتبات الحضرمية، رغم أن مالكها (الحداد) أشار إليها في كتابه الشامل([18])، وهي التي مسمَّاها النصف الأخير من تاريخ السيد شهاب الدين أحمد بن عبدالله بن علوي الشهير بشنبل، وتبدأ كما تبدأ به جميع النسخ من بداية القرن السادس الهجري، وواضح من المسمى أن هناك نصفًا آخر (الأول) ينتهي بنهاية القرن الخامس الهجري، وقد استفاد منه الحامد في تاريخه([19])، وهو إلى الآن ضائع ومفقود.
كما إن هناك نسخًا أخرى خُطَّت في القرن الرابع عشر الهجري، اتخذ بعضُها مسمى التاريخ الأقدم الأكمل، بعضها بخط محمد بن عوض بافضل (ت 1369هـ)، وبعضها الآخر بخط عبدالله بن حسين رحيم بافضل (ت1400هـ) في مكتبات الاحقاف للمخطوطات بتريم، ومكتبة أحمد بن حسن العطاس بحريضة، وليس في مسمى هذه النسخ (تاريخ حضرموت).
وبهذا ينتفي ادعاء مفلح أن كل نسخ هذا التاريخ تنتمي إلى القرن الرابع عشر الهجري، وهي إما مجهولة الناسخ وإمَّا لها ناسخ معاصر([20]).
طبعات تاريخ شنبل:
طبع تاريخ شنبل ثلاث طبعات: الأولى كانت سنة 1415هـ/1994م المعروفة بطبعة شماخ المنفق عليها، والثانية كانت سنة 2003م عن مكتبة صنعاء الأثرية وهي طبعة مصورة من الأولى، والأخيرة عن مكتبة الإرشاد، صنعاء 2007م، وكلهن بتحقيق عبدِالله محمد الحبشي، وجعل له مسمًّى آخر رسمي هو (تاريخ حضرموت)، كما هو شأنه في الإتيان بمسميات عناوين كتب تاريخية حضرمية([21]).
جاءت الطبعة الثالثة منه بعد أن زار الحبشي مركز النور، وعثر به على نسخة التاريخ الأصل أو الأم، مما اضطر إلى إعادة طباعته؛ ليجعلها كما قال أصلًا للتحقيق.
ولسنا هنا في مقام تقييم تحقيق الحبشي لكتاب شنبل أو غيره، وبالأخص الطبعة الأولى التي اعتمد عليها مفلح، ووجد بها من الإخفاقات والتناقضات التي كان الأَوْلَى بالمحقق أن يعمد إلى تبيينها وتوضحيها كما في خبر ولادة المؤلف؛ حيث جعل الناسخ شنبلًا اسمًا لوالد المؤلف، وليس لقبًا لأسرته([22]). وحادثة سنة 900هـ([23])، وحادثة سنة 913هـ([24])، وقيام الدول الكثيرية الثلاث في حضرموت([25])، ولسنا هنا في مقام نقد التحقيق وما اعتراه من إخفاقات استند إليها مفلح في ادعاءاته.
أما إن شنبلًا لا يذكر وفاة بعض معاصريه، أو إنه يختصر أسماء الأعلام الحضارم في تاريخه، فالأول ليس حجة على عدم اصطناع التاريخ؛ فلربما إنه نسي، أو تعمَّد ذلك، أو إنه نهج منهجًا هم خارج نطاق ذلك، وأما الاختصار فربما إنه لم يكن له معرفة بنسب علماء حضرموت من غير أسرته، أو لشهرتهم، أو إن المصدر الذي أخذ منه اختصر في هؤلاء وأطنب في اولئك.
ولعلنا لا نطيل بإيراد تفاصيل أخرى بقدر ما نوجه دعوة لطلاب الدراسات العليا بالقيام بإعادة تحقيق النصوص والحوادث الحضرمية ودراستها في تاريخ شنبل؛ كون الحوادث الأخرى الإسلامية واليمنية قد نالت في مصادرها من العناية والتحقيق والدراسة.
ولعلنا نكتفي هنا بهذه الملاحظات عن شنبل وتاريخه وادعاءات مفلح عليه، ولو تتبعنا كل ما أورده لاحتاج منا إلى وقت وجهد يطول، وربما نفرد ذلك بالتفصيل في مناسبات قادمة.
أما التواريخ الأربعة الأخيرة، فكل ما قلناه عن شنبل كافٍ لدحض ما ادعاه عليه، ففي تاريخ الطيب بافقيه مثلًا فإن الراجح لدينا في تاريخ وفاته أنها في سنة 1040هـ، وليس كما يذهب إليه بانها في سنة 1001هـ أو في سنة 1011هـ؛ لأن ميلاده سنة 970هـ وكل من ترجم له لم يشر إلى وفاته شابًّا، كما إنه اعتمد في تاريخه على كتاب تاريخ النور السافر للعيدروس (ت1038هـ)، والعيدروس قد فرغ من كتابه سنة 1012هـ.
كما أن كناب النور السافر للعيدروس الذي ادعى مفلح أنه شخصية مجهولة، وأن أول من ترجم له هو الشلي في السنا الباهر، ثم نقلها المحبي في خلاصة الأثر، وإن ثقافته ولغته هندية فكيف له أن يكتب تاريخًا باللغة العربية؟!([26]).
فنقول على وجه السرعة – وإن كان الأمر يحتاج إلى تفصيل في ذلك لا يسمح له الوقت المحدد -: إن العيدروس شخصية حقيقية؛ فهو: عبدالقادر بن شيخ (ت990هـ) بن عبدالله (ت 944هـ) بن شيخ (ت 919هـ) بن عبدالله العيدروس (ت865هـ) بن ابوبكر السكران (ت821هـ) بن عبدالرحمن السقاف (ت819هـ)، ونكتفي بذلك لشهرة نسب السقاف، ترجم لنفسه في كتابه النور السافر؛ فهي أول ترجمه له، عدد فيه أسماء كتبه، وغالبها باللغة العربية، ومعلوم أن كتاب النور السافر قد طبع ثلاث مرات: أولها ببغداد سنة 1934م، والثانية ببيروت سنة 1985م، والثالثة عن دار صادر سنة 2001م، وأقدم نسخة له هي نسخة خطت له سنة 1015هـ ومحفوظة في مركز النور، فهو بهذا ــ أي تاريخه ــ ثابت النسبة إلى مؤلفه.
وكون المؤلف لغته وثقافته هندية ويصعب عليه تأليف كتابه باللغة العربية، فلعل هذا من المضحك؛ فمعظم كتبه باللغة العربية، فليس من المستحيل عليه تعلمها وإتقانها والتأليف فيها، فوالده حضرمي هاجر إلى الهند، واللغة والثقافة الإسلامية بها منتشرة، كما إننا نجد عكس ذلك من كان حضرميًا وهاجر إلى بلاد المهجر، فأتقن لغته ولغاته، وألف فيها، من أمثال العالم والفقيه والأصولي أبوبكر بن عبدالرحمن بن شهاب (ت1341هـ)، الذي ألف باللغة الأوردية، والعالم والمفتي المؤرخ علوي بن طاهر الحداد (ت1382هـ) الذي ألف باللغة الملايوية.
وهناك قضايا أخرى في كتاب مفلح تثير الجدل والرد عليه، من مثل عدم سيادة المذهب السني الصوفي في حضرموت إلا في القرن العاشر الهجري، في عهد السلطان بدر أبو طويرق، وعهد الأباضية بها، ومسجدا الخوقة والحمام (الحمام في عرف أهل وادي حضرموت هو المكان المسقوف من المسجد والمعد للصلاة في فصل الشتاء خلاف المكان الآخر المعروف بالضاحية المخصص للصلاة في فصل الصيف، وليس كما فهمه مفلح بأنه مكان التبول والاستنجاء)، وأيضًا مقتلة النائب الأيوبي في عدن عثمان الزنجيلي لعلماء تريم سنة 576هـ، التي تذكر بأنها مذبحة أُعِدَّت لعلماء تريم، وكل من أتى من الباحثين والدارسين أكد عليها بدون تردد، والأمر بعد التمحيص والبحث كان خلاف ذلك، كما أوضحته في رسالتي للدكتوراة([27])، كما نترك أمورًا وقضايا أخرى في الكتاب سوف يتناولها الباحثون في هذه الندوة.
ولعلنا نعذر الأستاذ مفلحًا (رحمه الله) على ذلك؛ لقصور باعه وعلمه عن هذه الحقائق والمعلومات التاريخية، ولكنه يؤاخذ على الإفصاح عنها ونشرها، والشاعر يقول:
إذا ما قتلت الشيء علما فقل به ** وإياك والأمر الذي أنت جاهله
والهدف من هذه المتابعة ليس التجريح، بل التصحيح لأمور تاريخية، ربما بتقادم السنين تأخذ صبغة الصحة والاحتجاج، وأرجو ألا يجدني القارئ في ما قلته منحازًا لغير الحق، ولا يؤاخذني إذا وجد في كلامي بعض العبارات التي لا تروق له، فإن طبيعة الكلام النقدي غالبًا ما تكون جامدة، كما لا يظن بكلمة خرجت مني سوءًا إن تجد لها في الخير محملًا على ما يقوله سيدنا عمر بن الخطاب، وكم تمنيت أن يكون ذلك النقد والتفنيد والمتابعة على لسان غيري ولكفاني مؤنة الرد.
والله الموفق للصواب الذي نرومه دومًا.
(الصور المرفقة للموضوع اغلفة الكتب: كتابي مفلح، تاريخ شنبل، وباسنجلة، وتاريخ الكندي وتاريخ الطيب بافقيه، والمشرع الروي، والسناء الباهر، والنور السافر، جني الشماريخ والحياة العلمية وصور من نسخ مخطوط شنبل)
([1]) مفلح: التزوير واستلاب الهوية 7.
([2]) هذه العبارة هي من كلام شيخ الحداد: السيد أحمد بن حسن العطاس (ت1334هـ) وعنى بالأخلاف أبناء الحضارمة الذين صاروا سنة وكان أسلافهم إباضية فأخفوا وأفنوا كل ما استطاعوا محوه عن تلك الحقبة، وغريب تحميل البعض لهذه العبارة ما لا تحتمله مع شدة وضوحها (الحداد: جني الشماريخ 33 ).
([3]) مفلح: التزوير واستلاب الهوية 128.
([4]) مفلح: التزوير واستلاب الهوية 18، 19، 23، 26.
([5]) محمد ضياء شهاب: تعليقات شمس الظهيرة 451.
([6])الشلي: السناء الباهر 124.
([7]) المرتضى الزبيدي: تاج العروس 29/299.
([8]) الشلي: المشرع الروي 2/67، السناء الباهر 124 ــ محمد ضياء شهاب: تعليقات شمس الظهيرة 451.
([9])التزوير واستلاب الهوية 54.
([10])التزوير واستلاب الهوية 26.
([11])الشاطري: المعجم اللطيف 110.
([14])ضياء شهاب: تعليقات شمس الظهيرة 451.
([15])المشرع الروي 2/67 ــ السنا الباهر 124.
([17])إذ لو وجد النصف الأول من هذا التاريخ لاهتدينا إلى مسماه، لأنه يعتاد ان يذكر المسمى في مقدمة المؤلف لكتابه.
([18])الشامل (طبعة برس6) (طبعة مركز حضرموت بتحقيقنا 1/258)
([20]) التزوير واستلاب الهوية 20.
([21])على سبيل المثال: تاريخ الشحر للطيب بافقيه (1999م) وتاريخ حضرموت لابن حميد الكندي (2003م) وتاريخ الشحر لباسنجلة (2006م).
([24]) المصدر نفسه 227 ــ مفلح: التزوير واستلاب الهوية 31.
([26]) مفلح: التزوير واستلاب الهوية 113، 115.
([27])الحياة العلمية في حضرموت في القرنين السابع والثامن للهجرة 113.