ملف العدد
عوض سالم بن حمدين
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 24 – 25 .. ص 77
رابط العدد 24 – 25 : اضغط هنا
الحمد لله حمدًا يليق بجلاله، والصلاة والسلام على النبي محمد وصحبه وآله
وبعد
فنشكر القائمين على هذه الندوة المباركة مركز حضرموت للدراسات التاريخية والتوثيق والنشر، والشكر موصول لنادي متطوعون على هذه البادرة، التي كانت أمنية للأستاذ سالم مفلح رحمه الله، فأصبحت بمثابة الوصية؛ فقد كان ينادي بمناقشة ما طرحه من أفكار واجتهادات في مسار تصحيح التاريخ الحضرمي، ذلك التاريخ الذي طالما وصفه المرحوم مفلح في كثير من أطروحاته بالمزور ووقف طويلًا مفندًا ذلك التزوير والعبث، وأشار إلى بعض تلك المصادر المزورة، والتي يعدها البعض مصادر رئيسة في التاريخ الحضرمي كشنبل، وبافقيه، وباسنجلة، والنور السافر، والعدة المفيدة، وعلى الرغم من هذا الطرح الجريء ومحاكمة هؤلاء المزوِّرين للتاريخ الحضرمي وماحققوه من هذه الكتب وما كتبوه من تدليس وتلبيس. لقد أفرد مفلح لعلوي بن طاهر في كتابه التزوير صفحات خاصة به، وكأني به يشير إليه بأصبع الاتهام بأنه تولَّى كِبرَ ذلك العبث، ووجهة نظر الأستاذ مفلح هذه تحترم. ولقد طلب أثناء حياته من يعارضها أو يناقشه إيَّاها غير أن الكل آثر الصمت، حتى أتت هذه الندوة، ولعل فيها ما يحقق أمنيته أو وصيته بالأحرى.
عندما نتناول ما استعرضه الباحث سالم فرج مفلح في كتابه المثير (التزوير واستلاب الهوية الملف السري للاستعمار البريطاني) للفحص والنقد يصعب علينا تجاوز من أشار إليهم بأصابع الاتهام وهم (العلويون)؛ إذ ارتبطت كتابة التاريخ الحضرمي بهم منذ أن انفردت حضرموت بكتابة تاريخها، فهم جعلوا أنفسهم الأوصياء والورثة الشرعيين للموروث الحضرمي؛ إذ الغالب من تأليفهم والبعض هم من قام بجمعها ونسخها عبر فترات.
يقول الأستاذ: محمد عبد القادر بامطرف رحمه الله: «لقد كان منهج الكتابة التاريخية عند بعضهم الإعجاب والتقليد الأعمى، أو التعصب، أو الشوفينية المضحكة، أو المماحكات الإقليمية الضيقة، أو المذهبية الممقوتة، ومع ذلك فإننا لا ننكر فضلهم في تقديمهم لنا معلومات لا تخلو من فائدة إنسانية. رغم إنهم صبوها في قوالب جامدة مستساغة في عصورهم ومناسبة لحياتهم وعقلياتهم .. لكنها مع التقادم فقدتْ قيمتها إذ إنها لم تعد متمشية مع مفاهيم عصرنا ومرفوضة في مجال ثقافتنا المعاصرة» ملاحظات على الهمداني ٣٣.
إن ما قاله بامطرف هو نفسه ما أتى به مفلح .. بل ذهب إلى أبعد من هذا؛ إذ حاكم ذلك التاريخ المزور، ووقف على عواره، داعيًا إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذا التاريخ المشوَّه قصدًا، غير أن الأستاذ سالمًا رحمه الله تعالى قد تبنَّى في دراسته منهجًا جديدًا مغايرًا للمنهج السائد في الكتابة التاريخية، فجاءت طريقته بخلاف المعتاد.
فلمْ يسلِّمْ رحمه الله لكل ماورد قياسًا على المريدين، والذين يطلب منهم التسليم دون نقاش، كما قال الحداد:
وسلم لأهل الله في كل مشكل ** لديك لديهم واضح بالأدلة
إذ غالب المؤرِّخين المُحْدَثِين لا تخرج مؤلفاتهم عن سرد الحوادث سردًا عامًّا دون تحليل أو عمق أو تصويب، وقد قال ابن هاشم في كتابه (تاريخ الدولة الكثيرية صفحة ٣٦): «وبعد فقد ألزمنا على أنفسنا في هذا الكتاب أن نكتب ما عثرنا عليه في كتب التاريخ من أخبار القوم، مجرَّدةً من الملاحظات والانتقادات والأخذ والرد والتحليل والتركيب … ولست أجد لي حقًا في مؤاخذتي أشخاصًا على سلوك سلكوه أناخت على علله وأسبابه السنون، ودفنت مبرراته ومسوغاته طوال القرون».
يقول الأستاذ أحمد عوض باوزير منتقدًا رأي ابن هاشم هذا بقوله: “ونحن لا نقرُّ السيد «ابن هاشم» على هذا النحو من التفكير، وسواءً أكانت المبررات صحيحة أم غير صحيحة فإننا كنا نتوقع أن يعمد إلى «المعول» لنبش الحقائق وغربلتها، وأن يبرأ من تلك الشفقة والرحمة؛ لأنها لا تجدي في منطق الوقائع التاريخية ولا تفيد كثيرًا”.
وهل هذه شفقة ورحمة من ابن هاشم؟!، أم عجز؟، أم وراء الأكمة ما وراءها؟!
إن الأستاذ سالم فرج مفلح رحمه الله لم يكن سباقًا إلى التشكيك فيما دُوِّنَ من تاريخ حضرموت، وإنما هناك مَنْ سبقه وإن كان بالإشارة إلى ذلك، غير أن مفلحًا رحمه الله خاض المحضور، ولم يبالِ بممنوع العبور، فاتخذ منهجًا تميز بالصراحة والوضوح لفحص النصوص التاريخية، وطريقة نقدها، وهو يختلف تمامًا عمَّن سبقه. فدراسته لموضوع التزوير جاءت من الأهمية بمكان؛ فهي دراسة في حقيقة الأمر، قصد منها لفت انتباه الباحثين والمحققين وكل من يتعامل مع التوثيق دراسة وتحقيقًا إلى عدم التسليم بكل ما يقع تحت أيديهم، بل لابد من التحقيق والتوثيق.
إن ما يميِّز مفلحًا من غيره هو إيراده للنص، ثم يقوم بقراءته وتحليله واستعراض ما استنتجه، فلا يكتنف ما قدمه مفلح الغموض مثل البعض، وترك المجال واسعًا لمخالفيه في تقييم ما يطرحه رحمه الله ؟!!
ففي مسألة التزوير واستلاب الهوية
يورد علوي بن طاهر الحداد نصًا في كتابه (الشامل) عندما أخبره شيخه أحمد بن حسن العطاس عن أنساب بعض القبائل الحضرمية على غير المعهود لديهم.
فكان رد الحداد: إنكم ذكرتم في الرسالة، أي كتاب «السفينة المجموعة» أنهم آل فلان؟
فرد شيخه: ذلك لقب وضعها لهم سلفنا تفاؤلًا!! ونسبهم كما ذكرته لك!!.
من هذا النص نستشف أن السلف سبقوا الخلف إلى استلاب الهوية ووضع الأنساب للحضارم!!
أليس هذا النص الذي أورده علوي بن طاهر كالنص الذي أورده في كتابه (جني الشماريخ) و(الشامل)، وبنى مفلح عليه دراسته «إن الأخلاف لمَّا رأوا في سيرة الأسلاف ما ينكرونه منهم اليوم عمدوا إلى إخفاء أكثر المصادر التاريخية وإفنائها»، كافٍ للكشف عن المدى الذي سلبت هوية تلك القبائل من السلف ومن تبعهم في ذلك!!.
ولكي تقف تلك القبائل بعد ذلك في منطقة الضبابية على مزيد من التتويه فقد سلبت منها هويتها الحقيقية ولم تعد تتقبلها، وفي المقابل فإنَّ الباحث المتجرد الجاد غير قادر على إثبات لهم الهوية، التي انتحلها لهم السابقون «السلف»، فهل هنالك ضياع واستلاب أكثر من هذا؟!!
وهاك نماذج من هذه القبائل: فآل باعباد مثلًا: هل هم من تجيب كندة كما قال بامطرف؟ أوهل هم موالٍ لبني أمية كما قال أحمد بن حسن العطاس في رسالته؟ أم هم بنو أمية كما هو السائد لديهم؟ وهل يطمئن القلب لهذه الرسالة المجموعة في الأنساب بعد أن رأينا إجابته لعلوي بن طاهر مارأينا؟!!
وآل باوزير أيضًا هل هم عباسيون كما هو السائد لديهم؟ هم وآل باجابر وآل باشيخ وآل إسحاق كما في الإدام؟ أم هم برامكة كما ذكره صاحب الدشتة؟ أم هم من نسل عبد القادر الجيلاني كما نقل ذلك علوي بن طاهر عن باحسن في تاريخه؟ ثم قال: (أي علوي بن طاهر) مشكِّكًا: “كل هذا قيل، ولكن لم نرَ لشيءٍ من ذلك مستندًا في كتاب قديم يمكن أن يوثق به، والتاريخ نقل ورواية”. وكأني به يقول لا يهمُّني الأمر!!
ومن الكتب القديمة لدى القوم (تاريخ شنبل) المزعوم الذي وصف «راشد بن شجنعة بالفهدي الأوسي الأنصاري»، وكذا صاحب (البرقة المشيقة) يصف «ابن أبي الحب بالشعيثي أو الثعيني القرشي». كل ذلك يصب في مسألة خلط الأنساب القبلية من خلال إهمال توثيقها المقصود، كما يقول الأستاذ مفلح وتتويه القبيلة نفسها.
وبالوقوف على نص في (الشامل) عن التتويه ذاته من غير تصريح، وإنما ذكر بعبارة قال بعضهم «وقالوا في نسب آل فهد آل راشد ولاة تريم بأنهم فهديون أَوْسِيُّونَ أنصاريون مع أنهم من بني فهد يعود نسبهم إلى حضرموت». وقال باحنان: “وأغرب السيد شنبل إذ قال: إنهم أوسيون أنصاريون، والصحيح إنهم من كندة”، فشتَّانَ بين تحليل الباحث مفلح فيما توصل إليه من التناقض في جمع النسب القرشي بالحميري والتصريح بأنه في شنبل المزعوم، وهذا الكتاب من الكتب المنحولة، التي أنشأها العابثون في التاريخ الحضرمي في حد قول مفلح رحمه الله، والجدير بالذكر أن صاحب الشامل أورد لنا نصًا بمثابة القاعدة “إن صنيع من يجمع بين القرشي والحميري فإنه يجمع بين الحمق والكذب” حينما تحدث عن نسب آل طاهر، ولا أرى التفريق بين آل طاهر وآل فهد في هذا الأمر !!
ولذا اهتم باحنان بضبط أنساب كندة، وتعقب قاصدًا علوي بن طاهر؛ إذ النص موجودٌ في جني الشماريخ، غير أنه لم يجرؤ على ذكر اسمه، وإنما قال: “…وإنما أهتممت بضبط أنساب الحضارم؛ لأني رأيت بعضهم قد صرح بأن كندة ومن في حضرموت في القرون الأولى قد فنوا إلا بقايا خاملة أو مشهورة قليلة لائذة بالجبال وأن الموجودين الآن قبائل جديدة…”. فتأمل هذا الكلام الخطير جدًا فحضرموت خالية من أصل أبنائها، فإذا صح شيء منه فمصيبة، وإن لم يصح فالمصيبة أعظم؛ إذ يدخل الأمر هنا في باب التزوير، وإلا فأين مستنده وهو الذي يقول التاريخ نقل ورواية!
وهناك جانب لا يقل أهمية وهو إخفاء الكتب والوثائق والموروث بشكل عام، والإبقاء على ما يخدم هؤلاء العابثين من وجهة نظرهم ككتب المناقب والكرامات.
يقول الأستاذ سالم رحمه الله: «إن كتابه هذا يهدف إلى كشف وتعرية الجرائم التي مارسها الاستعمار في حق شعوب المستعمرات، في المجال الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي من حيث استهداف تلك الشعوب وطمسها، وتأزم تطورها ونهضتها في جميع المجالات».
إنَّ الناظر في الكتاب سيجد مصداق هذا القول فيما قصده رحمه الله.
فنظرة مفلح للملف السري للاستعمار ليست مباشرة وإنما تتمثل في ذلك التخادم بين الاستعمار والسادة؛ فقد توافقت مصالحهم، أي الاستعمار والسادة، وكونهم الطبقة الاقطاعية الفاعلة، وكان تواصلهم بالإنجليز {الاستعمار} تواصلًا مباشرًا؛ إذ لا يمكن الانجليز التواصل مع عموم الحضارم، وكانت هذه العلاقة قائمة على مصالح الطرفَيْنِ؛ بوصفِ السادة هم من يديرون دفة الحكم لا السلاطين الذين لا يفقهون في كثير من قضايا الحكم شيئًا، “وقد اختلف السلطان غالب مع وزيره حسين بن حامد، ورفض الوزير توجيهات السلطان، فاعتكف الوزير المحضار في بيته فترة من الزمن، فكان لابد أن يرضخ السلطان لإرضاء الوزير؛ لأنه لا سلطة للسلطان عليه، فأمر تعيينه وإقالته هو شأن بريطاني، لا علاقة له بالسلطنة والسلطان، فكان أن رضخ السلطان للوزير، فزاره في بيته، فقال الوزير مخاطبًا السلطان من مصدر قوة:
صاحبي عيِاب ونا ماعبت به *** صلي معه من حيث ما صلى إمام
ونا معي شيخ الجهة مقطور به *** مانا حقيبة بانطرح فوق السنام
ومن تلك الأبيات نعلم أن الوزير المحضار كان اختيارًا بريطانيًا (شيخ الجهة)، وليس قعيطيًا، وهو يفتخر بذلك، فلهذا لا سلطة للقعيطي عليه فهو (ليس حقيبة با تنطرح فوق السنام) مفلح التزوير واستلاب الهوية 174.
لقد ساعد الاستعمار العلويين عندما أسهم في منع دخول الإرشاديين إلى حضرموت رغم إعلان الإرشاديين أن منظمتهم تربوية ثقافية “وقد وقف المستعمر مع الرابطة العلوية في وجه الإرشاديين، وربما وصفهم بالإرهابيين والمخرِّبين وذلك لتوافق مصالحه مع العلويين”. ثم انظر لما قاله ابن عبيد الله في اتفاق الإنجليز مع السادة، على ضرب أحد رموز الحركة الإرشادية عبيد صالح بن عبدات في الغرفة، فقد وقَّع ستون من العلويين على فتوى تبيح ضرب ابن عبدات بعد أن تحرَّج الإنجليزي في ضربه دون مبرر. وقال ابن عبيد الله من قصيدة له:
ولما تولى الأجنبي قيــــــادهم *** أرادوا به عزل ابن عبدات الكمي
إلى أن قال:
وما كان رأي المستشار اجتلابه *** ولكنه فيما رووا راي مسلم
فقال لهم لابد لي من مبرر *** تكون عليه عهدة الهالك الرمي
وستون في سيئون أمضوا وثيقة *** تبرر من قتل النفوس المحرم
يشير ابن عبيد الله إلى توافق القوم مع الإنجليز، والإنجليز كانوا أدهى؛ إذ طلبوا مبررًا للرمي.
وهم طوع الاستعمار، يتمثل همُّهم الوحيد في تشويه الحقائق وطمس ماضي حضرموت، وبناء مجدهم على أنقاضه، حتى يتسنَّى لهم إقناعنا بجهلنا، وبضرورة قبول حياة الذل والمسكنة والهوان. والشيء بالشيء يذكر فقد صوَّر ذلك الأستاذ محمد عبدالقادر بامطرف في مسرحيته ((سور الشحر)) بأن السلطان عوض بن عمر القعيطي أمر مَنْ ينادي في أزقَّة الشحر وأسواقها أن يخرج الناس لبناء السُّور وتكسير السور القديم سُخْرَةً، باستثناء السادة والبانيان، مما جعل باعرَّام يتنكر في هُوِيَّته طلبًا للإعفاء، فجلس على دكَّة داره باللباس البانياني … ونحن نعلم من هو الأستاذ بامطرف ومعرفته بالمستعمر، ولاشك في أنه استلهم مشاهد تلك المسرحية من واقع كان سائدًا في حضرموت إذْ إن أسماء شخصيات المسرحية كلها حقيقية لأشخاص من سلاطين وحاشية ورعايا عايشوا تلك المرحلة، لقد استلب القرار السلطاني باعرام هويَّته، وأرغمه على أن يتخلى عن لباسه الأصلي ليعفى من العمل، ولما سأله السلطان لماذا لم تختر السادة؟ فقال له باعرام: لو وقعت سيد باتقوم القيامة علي!! فقال له السلطان من السادة؟ قال: لا … من إخواني وعيال عمي المساكين، ناس تربَّوا على الذل والمسكنة !!
يقول هنز هولفريتز في كتابه (اليمن من الباب الخلفي صفحة ٤٧): «ويحكم عدد من الأمراء الإقطاعيين الذين يلقبون بالسلاطين منطقة حضرموت، وإن لم يكن لهم شأن يذكر في إدارة دفة الأمور فيها، فسيطرتهم تقتصر على العموم على قصورهم الضخمة الرائعة، حيث يقضون حياة ممتعة ومريحة مع وزرائهم ومستشاريهم ورجال بطانتهم.
أما حكام حضرموت الحقيقيون فهم خمسة من أسرة آل الكاف، وهي أسرة من التجار، تنحدر من أعرق الأسر النبيلة في البلاد، وهؤلاء يديرون حركة الاتحاد في البلاد كلها». ويقصد بالاتحاد سلطنات جنوب الجزيرة العربية. وبمناسبة ذكر الكاف أذكر أن الملكة اليزابيث كرَّمت الوحيد أبوبكر بن شيخ الكاف في حفل مشهود بالوسام الملكي، والذي لم يكرم به أحد غيره في القطر الحضرمي.
وفي كتاب (ملوك شبه الجزيرة العربية) للضابط الإنجليزي هارولد يعقوب صفحة ٤٠٩ يقول: «…والسادة رغم كل شيء هم الذين يحكمون بالفعل في حضرموت، وهم الذين يديرون حاجات مريديهم بطريقة فنية، أخدام أو «خدم» وسلطتهم تلك متمتعة بخصائص الحكومة الدينية أو الكهنوتية … وتحديدًا في سنة ١٩١٦م كان انتخاب بعض الرجال الذين وقع الاختيار عليهم من سنقفورا؛ ليتم إرسالهم إلى حضرموت من أجل العمل على شراء الزعماء العرب كل من حضرموت ثم في اليمن على وجه الخصوص…»، فيا ترى مَنْ هم الزعماء الذين وقع عليهم الاختيار؟!! لا أدري!!
يذكر ابن عبيد الله رحمه الله كما في الإدام ص٣١٩ على سبيل اللطافة قال: “كنا يومًا نتذاكر مساعدة فلسطين، فقال لنا بدوي من آل كثير اسمه محمد بن سالمين، ولِمَ هذه المساعدة؟ قلنا له: إن اليهود يريدون الاستيلاء على بلاد العرب. فقال: أوليس النصارى مثل اليهود، وقد سعى بعضكم أيها السادة في بيع حضرموت عليهم، والثمن مع ذلك منهم لا من النصارى”، فكان جوابًا مسكتًا..!!! وفيه إشارة لمعاهدة الحماية.
فهذا موقف واحد من مواقف عامة الخلق في حضرموت أورده ابن عبيد الله تجاه عموم السادة وعلاقتهم بالمستعمر، فكان جوابه مسكتًا، ولكنه في الكتاب نفسه بدافع العصبية ينقض هذا بقوله: «…ولكن العامة بسلامة قلوبهم ونشأتهم على الفطرة وانقيادهم بسوق الطبيعة – أقبلوا عليهم (أي على السادة) إقبالًا عظيمًا، وكيف لا وهم أوَّلُ مَنْ عرفوا من العترة الطاهرة، وقد قيل:
يقولون ما بال النصارى تحبهم
وأهل النهى من أعرب واعاجم
فقلت لهم إني لأحسب حبهم
سرى في قلوب الخلق حتى البهائم
ويؤكد قول هينز ما قاله أحمد بن محمد المحضار في رحلته إلى الحج مع مجموعة من السادة عندما سألهم حاكم أبو عريش عن أمراء بلادهم، فقالوا له: إن أحدهم «قعيطي» من حمير، والثاني «كثيري» من همدان اقتحمتهم عينه ولامهم على خضوعهم لمن سواهم، فقال له المحضار: “إنما هم خدم لنا، والأمر أمرنا وتمثل بقول القائل:
ملوك على التحقيق ليس لغيرنا
من الملك إلا رسمه وعقابه
والأمثلة والشواهد كثيرة استعرض الأستاذ سالم مفلح البعض منها في كتابه التزوير، وفي ختام هذه النقولات والتي أتينا بها من مظانها ولم يكن لنا إلا النقل فنرجو أن تنزل باردة على قلوب المتلقِّين غير قاصدين منها إلا البحث عن الحقيقة ويفيد المتلقي كثيرًا بالرجوع إلى تلك المظان وإلى كتاب الأستاذ سالم مفلح.