شخصيات
أ.د. محمد يسلم عبدالنور
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 26 .. ص 77
رابط العدد 26 : اضغط هنا
المقدمة:
تميزت مدينة عدن بحكم أهمية موقعها الجغرافي بتنوع الهجرات، التي وفدت إليها من مختلف مناطق الداخل والخارج، فأصبحت مدينة تاريخية جامعة شاملة، ضمت بين حناياها تاريخًا عريقًا لأناس ذوي أعراق وأجناس وألوان وأديان مختلفة، وعاشت في غالب تاريخها حالة من التسامح والتعايش والاندماج في مجتمعها، لم تشهدها مدينة إسلامية أخرى عبر التاريخ، وبحكم الامتداد الجغرافي مع المناطق القريبة منها – وأهمُّها حضرموت – فقد كان من الطبيعي أن تتوافد إليها من تلك المناطق المختلفة جماعات متنوعة الاهتمام والتخصص، فأصبحت تلك الجماعات مع مرور الزمن جزءًا فاعلًا من نسيج المجتمع العدني، المتشكل من ألوان الطيف شتَّى، ومن صانعي تطورها ونهضتها.
لذا فقد نظم مركز عدن للدراسات والبحوث التاريخية والنشر مشكورًا مؤتمره العلمي الثاني بعنوان: (دور الحضارم في عدن عبر التاريخ) في 18 أبريل 2019م؛ لإبراز الدور الكبير الذي قام به الحضارم في مدينة عدن، في كل مراحل تاريخها، وفي كل جوانبه الاجتماعية والدينية والاقتصادية والفكرية والسياسية؛ لاستلهام الدروس والعبر من ذلك الدور الإيجابي في حاضر مدينة عدن، وفي استشراف مستقبلها، وكان لنا شرف المشاركة في المؤتمر بهذا البحث، والموسوم بــ (الأثر العلمي والدور الديني للشيخان “الشاطري وباعوضان” في عدن في النصف الثاني من القرن العشرين الميلادي)، سائلًا الله التوفيق والسداد.
التمهيد:
يحسن بنا قبل الحديث عن الموضوع أن نعرف الرحلة أو الارتحال، وتعني: الانتقال من مكان إلى آخر لتحقيق هدف معين ماديًا كان ذلك الهدف أو معنويًا([1]).
والرحلة أنواع ومجالات متعدِّدة، فمنها: الرحلة الدينية، وتدخل في نطاق الرحلة لأداء الحج أو العمرة أو الرحلة في الدعوة إلى الله تعالى.
ومنها: الرحلة العلمية، وتشمل الرحلة في طلب العلم.
والرحلة الشخصية، كالرحلة للعلاج أو التجارة.
وربما يرتحل الإنسان لغرض ما لتحقيق هدف ما فيتجه إلى تحقيق أهداف عدَّة، أو تغيير هدفه إلى هدف ما.
تعد الدعوة إلى الله تعالى من أعظم العبادات وأجلها، قال الله تعالى: (ومَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الـمُسْلِمِينَ) [فصلت: 33].
وهو استفهام بمعنى المنفي المقرَّر، أي: لا أحد أحسن قولًا وكلامًا وطريقة وحالة من الداعي إلى الله تعالى بتعليم الجاهلين، ووعظ الغافلين والمعرضين، بالأمر بعبادة الله، بجميع أنواعها، والحث عليها، والزجر عمَّا نهى الله عنه، وقد جعلها الرسول صلى الله عليه وسلم شعارًا له([2])؛ امتثالًا لقوله تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيْلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيْرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الـمُشْرِكِينَ) [يوسف: 108].
وقد حث الإسلام على العمل والكسب الحلال؛ لأن فيه قوام الحياة، وهو السبيل إلى العيش الكريم، الذي يغني صاحبه عن المسألة، فقال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُوْلًا فَامْشُوْا فِيْ مَنَاكِبِهَا وَكُلُوْا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُوْرُ) [الملك: 15].
ولعل أول من ارتحل إلى عدن من الحضارم: عبدالملك بن محمد بن جديد (ت 614هـ)، وأخوه علي (ت 620هـ)، فأخذا بها عن القاضي إبراهيم بن أحمد القريظي، المتوفَّى أوائل القرن السابع([3])، ومنذ ذلك التاريخ توالت الرحلات والارتحال إلى عدن لأغراض شتى.
وفي القرن العشرين كان لكثير من علماء حضرموت أثر علمي ودور ديني في عدن، من أمثال الأخوين سعيد ومحمد ابني عوض باوزير، وسالم محمد باوزير، وعمر بن حسان عرفان، وعلي سعيد الزبيدي، وأحمد بن زين بلفقيه وغيرهم، وفي هذه الورقة العلمية اخترت شخصيتين، هما: الشاطري وباعوضان.
التعريف بالشيخ الشاطري([4]):
هو سالم بن عبدالله بن عمر بن أحمد الشاطري، والده عبدالله بن عمر الشاطري (ت1361هـ) عالم تريم في زمنه وشيخ رباطها العريق.
ولد بتريم حضرموت سنة 1358هـ/ 1939م.
تلقى العلم على يد كبار تلاميذ والده، من أمثال: العلامة علوي بن عبدالله بن شهاب (ت 1386هـ)، والعلامة محمد بن سالم بن حفيظ (ت 1393هـ)، والعلامة محفوظ بن سالم بن عثمان (ت1396هـ)، والعلامة عمر بن علوي الكاف (ت1412هـ)، والعلامة فضل بن عبدالرحمن بافضل (ت1421هـ)، والعلامة عبدالقادر بن أحمد السقاف (ت1432هـ).
رحل إلى مكة لطلب العلم سنة 1376هـ/ 1956م، ومكث بها أربع سنوات، وأخذ العلم على كبار علماء مكة، منهم: العلامة علوي بن عباس المالكي، والعلامة حسن بن محمد المشَّاط، والعلامة سالم بن طالب العطاس، والعلامة حسن بن محمد فدعق، والعلامة عبدالله بخاش، والعلامة عبدالحميد زكريا بيلا الأندونيسي، والعلامة محمد بن ياسين الفاداني، والعلامة عبدالله بن سعيد اللحجي، والعلامة حسن بن سعيد اليماني مفتي الشافعية بمكة.
عاد إلى عدن سنة 1381هـ/1960م وأقام بها (15) عامًا إلى سنة 1396هـ/ 1976م، وعمل بها مدرِّسًا ومعلِّمًا وخطيبًا في مساجدها ومدارسها، كما تولى وظيفة عقود الأنكحة.
تعرَّض لمحاولة اغتيال في عدن من قبل الحكم الشمولي أدت إلى إصابته إصابة بليغة.
عاد إلى تريم سنة 1396هـ/ 1976م، وافتتح للمرة الأولى رباط تريم، واستمر مدرِّسًا فيه إلى أن أغلقته السلطات الحاكمة سنة 1400هـ/ 1980م.
اعتقلته السلطات الأمنية حينها، فأودعته سجن أمن الدولة بسيئون، ثم نقل إلى سجن المنورة بالمكلا، ثم نقل إلى سجن الفتح بعدن حتى أطلق سراحه نهاية رمضان سنة 1401هـ/ 1981م، بوساطة الشيخ محمد عبد ربه الجنيدي.
غادر إلى الأراضي المقدسة، واستقر في المدينة المنورة، وعمل مدرسًا في رباط المدينة لمدة عشر سنوات، ثم عاد إلى تريم بعد الوحدة اليمنية سنة 1410هـ/1990م، وأعاد فتح رباط تريم، واستمر مدرِّسًا فيه مع عدد من الشيوخ، منهم أخوه حسن (ت1425هـ).
عمل محاضرًا في كلية الشريعة بجامعة الأحقاف، فضلًا عن إدارته لرباط تريم.
زار عددًا من البلاد الإسلامية، منها: إندونيسيا، وماليزيا، وسنغافورة، وبروناي، ودول الخليج، وأفريقيا، داعيًا وواعظًا وناشرًا للعلم.
لقب بسلطان العلماء، له عددٌ من المؤلفات، منها: الفوائد الشاطرية من النفحات الحرمية، ونظم بعض المسائل الفقهية، ونيل المقصود في مشروعية زيارة نبي الله هود، وقصة الاغتيال والاعتقال، وتحقيق بعض الرسائل.
عانى من كثير من الأمراض صابرًا ومحتسبًا، حتى توفي بالسعودية سنة 1439هـ/ 2018م.
نشاطه العلمي والديني وأثره في عدن:
بعد وصول السيد الشاطري إلى عدن سنة 1381هـ/ 1960م، قصد مسجد العيدروس([5]) للإقامة، ولعله كان مأوى القادمين إلى عدن ونُزُلَهُم، خصوصًا منهم الحضارم، وفي الأخصِّ منهم آل أبي علوي، الذين ليس لهم معارف يقصدونه، أو لا يحبون إثقال كواهلهم عليهم.
كانت وجهته عدن لطلب المعيشة بها، بعد أن أخذ قسطًا من العلوم الدينية والعربية في تريم أو الحجاز، فتمَّ تعيينه مدرِّسًا في المدارس الحكومية، بعد ما استشار في ذلك بالمراسلة السيد علوي بن عبدلله بن شهاب (ت 1386هـ)، والسيد جعفر بن أحمد العيدروس، وتزامن تدريسه بالمدارس الحكومية قيامه بالتدريس بالمساجد، وكان ذلك بداية انطلاقه في الدعوة إلى الله.
فكان أول ما بدأ دروسه العامة والخاصة بالمساجد في مسجد العيدروس في فترتين: الأولى بعد صلاة الفجر، والثانية ما بين المغرب والعشاء، وكان طلاب هذه الدروس هم طلاب المدارس الحكومية النظامية، مضافًا إليهم المستمعون من الأهالي، وتزداد أعدادهم يومًا بعد يوم.
وإلى جانب ذلك كان ينوب عن الشيخ علي بن محمد باحميش (ت 1397هـ) في خطابة الجمعة وصلاتها في مسجد العيدروس، وكان يقوم بالخطابة ارتجالًا، حتى توظف رسميًّا خطيبًا للجمعة في جامع باجنيد([6]) في خور مكسر، كما أسندت إليه وظيفة عقود الأنكحة في كريتر وخور مكسر، وبناء على ذلك خصَّصوا له حجرة في مدرسة بازرعة الخيرية ليباشر فيها إتمام إجراءات عقود الأنكحة([7]).
لهذا ازدادتْ معرفة الناس بالسيد لقيامه بهذه الأعمال الأربعة، وكثر الإقبال على دروسه وبخاصة من فئة الشباب، فاضطر أن يخصص بعضًا من ليالي الأسبوع في مساجد كريتر، فضلًا عن مسجد العيدروس، وأصبحت الدروس متنقلة في تلك المساجد، ولا يكاد مسجدٌ في كريتر إلا ويدرّس فيه([8]).
كان من ثمرة هذه الدروس أن تخرج عليه مجموعة من الشباب، تولوا وظائف الخطابة والإمامة في المساجد والتدريس في المدارس، ولم يثن السيد القلاقل والفوضى التي شهدتها عدن لإخراج المستعمر البريطاني من جنوب اليمن وقيام ثورة الرابع عشر من أكتوبر سنة 1963م عن مواصلة التدريس في المساجد، حتى استقلت عدن وجنوب اليمن سنة 1387هـ/ 1967م، فبلغ عدد طلبة المساجد من طلبة المدارس الإعدادية والثانوية أكثر من (300) طالب ممن يحضر إلى المسجد بكتبهم، فضلًا عمّن يحضر من المستمعين.
وبطلب من الناس تم نقل تلك الدروس إلى مسجد بالبلد، ولعلهم يريدون أن يكون جميع الطلاب في مكان واحد، فانتقلت الحلقة إلى مسجد بانصير([9])، في حافة القاضي، المأهولة بالسكان سنة 1972م فانتعشت الحلقة، وتكاثر عدد الطلبة، بما فيهم بعض المكفوفين، وتقرر الانتقال إلى وسط المدينة إلى مسجد الشيخ حامد([10]) بالزعفران، لأسبابٍ عدَّةٍ، أهمها: أن الدرس قبل صلاة العشاء يحضره الطلبة وغير الطلبة من الحاضرين لأداء صلاة العشاء جماعة، أما بعد صلاة العشاء فعلى الطلبة الصعود إلى الطابق الأول؛ لتتواصل صلاة العشاء في أرضية المسجد للمسبوقين ومن يأتي بعدهم من جيران المسجد والمتسوقين في شارع الزعفران([11]).
من هذا المسجد بدأ تجاوب الأهالي تجاه الطلبة عبر منحهم الدفاتر والكتب اللازمة، وقد استن السيد الشاطري طريقة تمكنه من إيصال تلك الهدايا إلى الطلبة المسجلين، ولذلك كان يعلن عقب السلام من الركعة الأخيرة بما معناه: على الطلبة الانتظار بعد الصلاة حتى يتم التسجيل ويتجنب عيون الحاسدين.
وجاءت ساعة الانتقال من مسجد حامد بالزعفران إلى جامع أبان([12])، فانتعشت الحلقة كثيرًا بعد أن التحقت وجوه جديدة؛ كونها انتقلت إلى محيط يعج بالساكنين، إلى جانب الحركة التجارية التي حوله، وتعدد وصول الهدايا للطلبة([13])، وفي شهر رمضان يقوم السيد الشاطري بالتذكير والوعظ من بعد الأذان إلى إقامة صلاة العشاء والتراويح([14]).
عندما تولى النظام الشمولي الحكم في عدن أزعجه تلك الأعمال الدينية، ومنها التدريسية التي يقوم بها السيد الشاطري، والشيخ علي بن محمد باحميش، ولعلَّ دروسهما كانت الوحيدة في عدن، فعملت على أزاحته وإقالته أولًا من وظيفة عقود الأنكحة سنة 1976م، ومع انتقال دروسه من مسجد أبان إلى مسجد حامد مرة أخرى واستمرار الشيخ باحميش بالتدريس في مسجد أبان والإقبال عليهما ولا سيما من الشباب، كل هذا لم يمنع النظام الشمولي الحاكم والقائمين عليه من ردعه من التدريس إلا باغتياله والخلاص منه.
ففي ليلة الخميس الثالث من ربيع الأول سنة 1396هـ الموافق لشهر مارس سنة 1976م ذهب السيد الشاطري إلى مسجد أبان بعد صلاته في مسجد حامد لحضور ختمًا للقرآن على روح السيد المرحوم أحمد بن علوي الحداد([15])، وكانت هناك سيارة مرسيدس بيضاء بلا رقم واقفة أمام مكتبة الثقافة ودكان آل جبران الملاصقين لمسجد أبان إلى يسار المصلى في الجانب الغربي، وعلى الشارع الرئيس الغربي (سوق البهرة) في مكان ممنوع الوقوف، ويسوقها رجلٌ مخمورٌ من يافع، قصير القامة، أسود، وكانت السيارة التي أتت بالسيد هي سيارة عبدالله أحمد باداود أحد طلبة السيد قد وقفت على الرصيف نفسه في جانب آخر، أي جانب الشارع الغربي، وبعد خروج السيد من المسجد، وعندما هم بالدخول إلى سيارة باداود تحركت سيارة المرسيدس بسرعة هائلة من مكانها إلى محل وقوف السيد، وكان حينها هناك شباب أشاروا لسائق السيارة بتحديد السائق وتعريفه بالسيد الواقف في الشارع، وقاموا بمنع الناس من الوقوف في وسط الشارع، فاتجهت السيارة نحو السيد بقوة وصدمته في أسفل العمود الفقري والجانب الأيمن فرفعتْه إلى أعلى وأوقعته أرضًا على جانب الرصيف، ومن قوة الصدمة انفصلت اليد من الكتف، وانكسرت ركبة الرجل اليمنى، وعندما علم السائق أن السيد لم يمت عاد المحاولة مرة أخرى غير أنه فشل وصدم بسيارته في الجدار فتجمهر المارَّة مع المرافقين وأحاطوا بالسيارة فهجموا على السائق بين صائح وغاضب، لكن السائق أشهر لهم مسدسه، وأنه مخمور حتى الثمالة([16]).
نقل السيد حالًا وفي إثرها إلى المستشفى الجمهوري في خور مكسر، فظل فيه ثلاثة أسابيع، وفيها تواصل التجسس عليه من قبل رجال الدولة، وتحول المستشفى إلى مزار يؤمه القاصي والداني للسؤال عن صحة السيد الشاطري.
بعد أن اندملت جروح السيد في رأسه وفي غيره ولم يبق إلا عودة الكتف والركبة استحسن أصدقاؤه إخراجه من المشفى وتمريضه ومواصلة علاجه في بيت الشيخ عوض أبي بكر الشقاع([17]) في دوره الأرضي، ومن ثم بدأ يتردد على الطبيب العربي الشهير مصعبين في الشيخ عثمان.
اضطر السيد بعد هذه المحاولة الفاشلة لاغتياله أن يقدم استقالته من وظيفة التدريس سنة 1976م، واتجه بعدها إلى تريم مسقط رأسه في رحلة دعوية أخرى لا تقل خطورة عن رحلته الأولى في عدن.
التعريف بالشيخ باعوضان([18]):
هو محمد بن علي بن فرج باعوضان، المكنى والشهير بأبي فريد.
ولد بتريم حضرموت سنة 1364هـ/ 1944م.
بدأ تحصيله العلمي بالكتاب (المعلامة) لتعليم القرآن الكريم وحفظه، بالإضافة إلى تعلم الخط والحساب.
التحق برباط تريم، فأخذ العلوم الشرعية من فقهاء تريم وعلمائها، من أمثال: العلامة محمد بن سالم بن حفيظ، والعلامة محفوظ بن عثمان، والعلامة محمد علي بن شهاب، والعلامة فضل بن عبدالرحمن بافضل، والعلامة عمر بن علوي الكاف، والعلامة حسن بن عبدالله الشاطري.
توجه إلى عدن سنة 1403هـ/ 1983م للعمل وكسب المعيشة، الذي تزامن ذلك مع توليه عقد الدروس العلمية في مساجدها.
من مؤلفاته: كتاب في أحكام الحيض، والوصية في علم المواريث.
يعمل حاليًا مدرسًا في رباط تريم، وفي كلية الشريعة بجامعة الأحقاف.
نشاطه العلمي والديني وأثره في عدن:
كان الشيخ باعوضان قد قصد عدن في ثمانينيات القرن الماضي، طلبًا للقمة العيش حاله حال كثير من الحضارم للهجرة والاغتراب الداخلي أو الخارجي للعمل والتكسب، وقد عمل بها معلم بناء وتبيلط (السيراميك)، ومن شغفه وحبه للعلم كان يقوي دراسته وعلمه باقتناء الكتب الفقهية وغيرها من العلوم، وشرائها من المكتبات للدرس بها في المساء (التعليم بالوجادة) حين يأوي إلى فراشه بعد انتهائه من عمله اليومي الشاق.
وفي سنة 1984م وعندما وجد الشيخ أمين سعيد باوزير نفسه بحاجة ماسة إلى مدرس يساعده في إلقاء الدروس في علوم الفقه والسيرة وغيرها على طلاب الحلقة القرآنية في مسجد العسقلاني([19])، فقصد الشيخ باعوضان، وكان قد تعرف عليه عند الصراف بامطرف، وكان قد سمع عن تحصيله العلمي الديني، وأنه أحد خريجي رباط تريم، وحافظ لكتاب الله، ودرس الفقه والأصول واللغة على كثير من علماء تريم، وأثنى عليه مشايخه، كما أذنوا له بالتدريس في الرباط، فتوجه إلى مسكنه في منزله الصغير، الذي يسكن فيه مع رفاقه في العمل في حافة حسين، فاستقبله الشيخ بوجه طلق بشوش، وابتسامة رقيقة، وكان في غاية التواضع – وهذا ديدنه – فأجلسه بجانبه، وشرح له باوزير مقصده وغرضه من الزيارة، فأبدى استعدادًا في الحال، وشجعه في العمل الجليل([20])، فكوَّنا بذلك ثنائيًّا مشتركًا، ومن هنا كانت الانطلاقة والشهرة للشيخ باعوضان، ويمكن أن نحدد المساجد التي تولى التدريس بها وأثره، في الآتي:
مسجد العسقلاني: تولى التدريس لطلاب الحلقة القرآنية في المسجد، فدرس لهم بعد المغرب في الفقه: كتاب مغني المحتاج للخطيب الشربيني (ت 977هـ)، والمنهاج للنووي (ت 676هـ)، وتحفة ابن حجر (ت 974هـ) وشروحها، ومشكاة المصباح في النكاح، والمقداح في علم النكاح، وفي الفرائض: خلاصة علم المواريث، وتكملة زبدة الحديث، لمحمد بن سالم بن حفيظ، وفي الحديث: تيسير المصطلح، ونخبة الفكر في مصطلح الحديث لابن حجر العسقلاني (ت 852هـ)، وفي النحو: الآجرومية (ت 723هـ) وشروحها، وقطر الندى لابن هشام (ت 761هـ)، وفي السيرة: السيرة النبهانية، ورسالة صغيرة في المنطق، وقد بدأت الحلقة بعشرة طلاب، ومن ثم ازداد عدد الطلاب حتى بلغ (50) طالبًا، وظل لعشر سنوات يقدم دروسه لطلبته في هذا المسجد.
مسجد الشيخ عبدالله([21]): وكانت الحلقة بعد العصر، واختصت بتعلم علم النحو، فدرس بها الآجرومية وشروحها، وشرح ابن عقيل، وقطر الندى لابن هشام، وكتابًا في البلاغة، وأحيانًا يقرأ في الفقه في كتاب إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول للشوكاني (ت 1250هـ).
مسجد بانصير: وكانت الحلقة بعد الفجر إلى موعد عمل الشيخ، وكانت حلقة متنوعة، برغبة الطالب الذي يحضر كتابه العلمي، ويعرضه على الشيخ، وغالبًا ما تكون في علم الفقه، فقد قرئ عليه المنهاج للنووي، وبشرى الكريم لباعشن (ت 1270هـ).
مسجد العيدروس: ودرس فيه كتاب أصول الفقه لمحمد مخلوف.
كانت هذه الدروس على مدار العام، ولا تتوقف إلا في مدة عودة الشيخ إلى بلاده من نهاية شعبان إلى بعد شهر رمضان، وأيضًا في إجازة عيد الأضحى، وأيام الجمع، واستخدم الشيخ في دروسه الوسائل التعليمية من السبورة والطباشير، وخاصة في تعليم الفرائض والمواريث.
كانت السلطة الحاكمة آنذاك متمثلة في النظام الشمولي (الحزب الاشتراكي) راضية عن نشاط الشيخ التعليمي؛ كونه غير مرتبط بالسياسة، في ظل تغير الظروف وانفتاح السلطة على العالم الخارجي.
تولى الشيخ التدريس في هذه المساجد محتسبًا دون أجر، بل وفي حادثة يرويها لنا أحد طلبته أن شخصًا أعطاه مبلغًا من المال (لعله دعمٌ له وتشجيعٌ على ما يقوم به) فما كان من الشيخ وبعد أداء الفريضة أن تكلم في الناس مغتاظًا من ذلك ومنزعجًا له، وأنه لا يحتاج إلى شيء من ذلك؛ كونه يعيش من كدِّ يده، منبهًا الناس إلى عدم تكرار ذلك.
قال عنه أحد طلابه بعد أن دَرَس في المعاهد الأخرى: إنه لم يذق حلاوة الدروس وشرحه في السنوات التي قضاها في المعهد مثل ما تذوقها من دروس الشيخ باعوضان، والتي لم تزل عالقة بذهنه، وإنه استفاد من الشيخ الكثير([22]).
تخرج على الشيخ عدد كثير ممن يقوم الآن بالخطابة والإمامة والتعليم الشرعي في مساجد عدن، أو من لهم إسهامات في المجتمع، ومن أشهر هؤلاء: عارف دحلان، وخليل سلام، ومحمود فارع، وزيد بن يحيى، ومعاذ غازي الشميري، ونضال صالح باحويرث، وجمال عبدالقادر عبدالغني، وحافظ إبراهيم، وعادل حسين، ووليد عبدالرزاق، وحسين علي باقشير([23])، ومحمد عبدالقادر بارجاء.
ومن خلال هذه الورقة تبين لنا دور بعض علماء حضرموت في عدن ونشاطهم العلمي والدعوي، وهو – أي النشاط – بحاجة أكثر إلى تسليط الأضواء عليه، وعلى غيرهم من العلماء في مدد تاريخية أخرى.
المصادر والمراجع
1.القرآن الكريم
باوزير: أمين سعيد عوض
2. من أبرز أعلام الدعاة والتنوير في عدن خلال مئة عام من الزمن، الطبعة الأولى 1429هـ/ 2008م، مركز عبادي، صنعاء.
3. حلقات القرآن الكريم ومجالس العلم في مساجد عدن، الطبعة الثانية، 1426هـ/ 2005م، مركز عبادي، صنعاء.
باوزير وبن وبر: أمين سعيد، عبد العزيز يسلم
4. أوراق ومشاهد من حياة الشهيد العلامة المجاهد علي محمد صالح باحميش وقطوف من سير معاصريه الأماجد، الطبعة الأولى، 1227هـ/ 2007م، مركز عبادي، صنعاء.
السعدي عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله (ت 1376هـ)
5. تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، تحقيق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق، الطبعة الأولى، 1420هـ/ 2000 م، مؤسسة الرسالة، بيروت.
الشاطري، سالم عبد الله (ت1439هـ)
6. نيل المقصود في مشروعية زيارة نبي الله هود عليه السلام، اعتنى به: علي محمد العيدروس، الطبعة الثانية، 1226هـ/ 2005م، مكتبة تريم الحديثة.
7. قصة مؤامرة الاغتيال والاعتقال، نسخو مصفوفة.
الصعيدي، عبد الحكم عبد اللطيف
8. الرحلة في الإسلام، مكتبة الدار العربية، القاهرة، 1412هـ.
عبد النور، محمد يسلم
9. الحياة العلمية في حضرموت في القرنين السابع والثامن للهجرة، الطبعة الأولى، 1430هـ/ 2010م، وزارة الثقافة، صنعاء.
([1]) الصعيدي: الرحلة في الاسلام صـ15.
([2]) السعدي: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان صـ749.
([3]) عبدالنور: الحياة العلمية صـ 233.
([4]) الشاطري: نيل المقصود صـ 239 ــ 249ــ باوزير: من أبرز أعلام الدعاة صـ71 ــ 74، وما سمعناه منه وعنه.
([5]) مسجد العيدروس: نسبة إلى أبي بكر العدني بن عبد الله العيدروس (ت914هـ)، وحصلت له توسعيات حديثة أخرها سنة 1992م (باوزير: حلقات القرآن صــ 24 ــ 33).
([6]) مسجد باجنيد: أسسه الشيخ سعيد عبد الله باجنيد، اعادت بنائه وتوسعته الجمعية الخيرية لمجموعة هائل سعيد أنعم سنة 1993م (باوزير: حلقات القرآن صــ 35).
([7]) باوزير وبن وبر: أوراق ومشاهدات صـ84.
([8]) الشاطري: قصة مؤامرة الاغتيال والاعتقال صـ 2ـ7.
([9]) مسجد بانصير: في قلب عدن بناه عوض بكران بانصير (ت 1354هـ) في مطلع القرن الرابع عشر، مسجد صغير (باوزير: حلقات القرآن صــ 186).
([10]) مسجد الشيخ حامد: بشارع الزعفران، نسبة إلى الشيخ حامد بن عبدالله بن علي بن حسين بن الشيخ علي بن أبي بكر بن عبدالرحمن السقاف (ت1094هـ) بناه أهل الخير بجوار فبره، وجرت له ثلاث توسيعات، أخرها الحالية حيث أدخل الضريح في المسجد (باوزير: حلقات القرآن صــ 41).
([11]) باوزير وبن وبر: أوراق ومشاهدات صـ85 ــ باوزير: حلقات القرآن صـ43.
([12]) مسجد أبان: من أقدم المساجد في عدن، أسسه الصحابي أبو موسى عبدالله بن قيس الاشعري، وشيده الحكم بن أبان بن عثمان (ت154هـ) وسماه باسم والده، وخضع للتوسيع والعمارة والتجديد مرات عدة، أخرها الموجودة حاليا من قبل الجمعية الخيرية لمجموعة هائل سعيد أنعم (باوزير: حلقات القرآن صــ 9 ــ19).
([13]) باوزير وبن وبر: أوراق ومشاهدات صـ85 ــ باوزير: حلقات القرآن صـ14، 17.
([14]) باوزير وبن وبر: أوراق ومشاهدات صـ85.
([15]) أحد العلماء المتخرجين من رباط تريم، وهو من أهل نصاب وقد هاجر فارا بنفسه من عدن الى مكة وتوفي بها في حادث اصطدام سيارة عند ما خرج الى المسجد الحرام للصلاة.
([16]) باوزير وبن وبر: أوراق ومشاهدات صـ86.
([17]) من مواليد سنة 1344هـ بمدنية المحفد محافظة أبين ونشأ نشأة صلاح وتقوى في أسرة اشتهرت بالفضل، وتلقى مبادئ العلوم الشرعية على يد والده واجهة البلاد وشيخها المنصب أبوبكر بن عوض الشقاع، ثم انتقل إلى عدن وعاش فيها قرابة ستين عاما ومارس خلالها مهنته التجارة مع نزاهة وعفاف واستقامة منقطعة النظير، حتى صار من أبرز الشخصيات الاجتماعية بعدن وكان منزله مفتوحا لجميع الناس الذين يجدون عنده قضاء لحوائجهم، واستعانة به في أمورهم واستشارة في شئونهم بصدر رحب ودماثة أخلاق، كما له الكثير من أعمال البر والإحسان، توفي سنة 2006م.
([18]) باوزير: من أبرز أعلام الدعاة صـ 152 ــ 154ــ وما سمعناه عنه.
([19]) مسجد العسقلاني: نسبة للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت 852هـ) الذي زار عدن سنة 800هـ و806هـ، وكان الشيخ البيحاني يلقي دروسه فيه، مما حدا بالبعض ان يطلق عليه اسم البيحاني (باوزير: حلقات القرآن صـ121).
([20]) باوزير: حلقات القرآن صـ133.
([21]) مسجد الشيخ عبدالله العراقي: بكريتر، من أقدم المساجد بعدن، أعيد بناؤه سنة 1418هـ (باوزير: حلقات القرآن صــ119).