د. عبدالقادر باعيسى - رئيس التحرير
د. عبدالقادر علي باعيسى .. رئيس التحرير
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 31 .. ص 3
رابط العدد 31 : اضغط هنا
لدينا في حضرموت تقليد واضح هو أننا ننشر الكتاب أو نترجمه بعد مرور فترة طويلة على تأليفه، وهذا ما حدث مع كتاب الأستاذ المرحوم محمد عبدالقادر بامطرف (التصادم الطبقي في حضرموت) الذي نشر بعد أكثر من خمسين سنة على تأليفه، وكتاب (الطبقية والسياسة) للأستاذ عبدالله البجره الذي ترجم ونشر بعد مدة طويلة من تأليفه، وللأستاذ بامطرف نفسه لقاء مع الصحفي المرحوم عزيز الثعالبي أوصى بأن ينشر بعد وفاته، وفي أحد أعداد مجلة حضرموت الثقافية حوار مع المرحوم فيصل العطاس (النعيري) أوصى بأن ينشر بعد موته، ويعود ذلك لأسباب متعددة منها أننا نحب الكلمة ولا نحب أن نكون أصحابها إلا إذا متنا، وفي ذلك دلالة على مستوى من النقد أو الرفض لدى الذات الكاتبة تقدمه بصيغة فردية يخشى كاتبه أو ناشره أن يتصادم مع الاتجاهات السائدة في حضرموت في أي مجال كان، مما يشير إلى أن المسافة لدينا بين الكاتب والاتجاهات السائدة مازالت متقاربة، فلم يغادر الكاتب بعد مكانه بشجاعة لإنجاز مسافته بصورة خاصة به على ما فيها من مبادرات، فمرجعية الأصوات العامة مازالت قوية، ومازالت الذوات الكاتبة تصارع من أجل تحقيق ذاتها بصعوبة.
وعليه فإن إشارات التحول مازالت لدينا في بداياتها، ومازال السياق الزمني الذي نعيشه سياقاً تقليدياً على كافة الصعد السياسية والاجتماعية والفكرية والأدبية والثقافية.
وهي كتابات ذات جودة عالية من حيث مضامينها، وصفاء التفكير والتأمل الذي أرسلت في أثنائه، ولعل الكاتب أو المتحدث يحاول في موقف آخر تبرئة نفسه من المسؤولية وتحميلها آخرين مازالوا على قيد الحياة، وأنه لا يكتب للماضي بل للمستقبل لكي تتجنب الأجيال مزالق وقع فيها، ويقدم آراءه لرسم المستقبل، ولكنه يرغب في الإعلان عنها بعد أن يموت! ولعل الخلل يكمن في أنه يمس أشخاصاً مازالوا على قيد الحياة، حتى لئن لم يذكرهم بالاسم فإن مجموعة المواقف والأحداث تشير إليهم بصورة غير مباشرة، وفي العادة يميل الكاتب- المتحدث إلى تمجيد ذاته، وإعطائها منزلة أرفع، وتبرئتها من الأخطاء.
والنتيجة المؤلمة هي أننا نحب أن نذهب خارج وجودنا بعيداً عن الحياة بكل زخمها ومواقفها في الواقع الفكري والاجتماعي والثقافي.. كما في هذه الكتابات، وهو أسلوب في الثقافة موجود لدينا، ومن معاني الأسلوب في اللغة الطريق، ولعل عدداً من رموزنا الأحياء يعكفون الآن على كتابة مذكراتهم لتنشر بعد الموت، فآمل وأرجو ألا يمتد هذا الطريق طويلاً.