جهود دلل شبام في إحلال السلام في حضرموت

أضواء

أ.جهاد برك نصير

كتبه /أ.جهاد برك نصير

سبقت معاهدة السلام في حضرموت التي يطلق عليها صلح إنجرامس سنة  1355هجرية الموافق 1937 للميلاد ، سلسلة من عقد الأحلاف في إطار السلطنتين القعيطية والكثيرية الحاكمتان آنذاك والقبائل . وكان لدلل شبام جهود ومساعٍ كبيرة وحضور بارز في عقد تلك الأحلاف بين السلطنات والقبائل؛ إذ ذكر الأستاذ عبدالعزيز بن علي بن صلاح القعيطي في كتابه” إحلال السلام في حضرموت” دراسة تاريخية لتجربة حضرموت في القضاء على الثأر القبلي (الطبعة الأولى سنة ٢٠٠٩ م الناشر  Arabian Publishing Ltd  )  ذكر  تلك الأحلاف وأرفق الوثائق التاريخية وتضمن الكتاب ١٧٠ وثيقة تاريخية من إجمالي ١٤٠٠ وثيقة ومعاهدة تم التوقيع عليها من قبل القادة المحليين؛ إذ انكبَّ الأستاذ عبدالعزيز القعيطي على الوثائق في المتحف البريطاني بلندن وأخذ يجمعها بهمَّةٍ وتدقيقٍ، ثم أخذ يجمع الوثائق الحضرمية وحصل على نصيب وافر منها .

  كان لدلل شبام دور بارز ومساعٍ حميدة لعقد تلك الأحلاف، والتي كانت ممهداتٍ ومقدِّماتٍ نحو إبرام معاهدة بحيرة أو ما يطلق عليها بصلح إنجرامس لإحلال السلام في حضرموت، ذلك الكم الكبير من الوثائق الخاصة بعقد الأحلاف يؤكد الرغبة الحقيقية لدى القادة المحليين في حضرموت لإحلال السلام عقب أن أنهكتهم الصراعات والثارات، سواءٌ فيما يتعلق بالسلطنات فيما بينها، أو فيما بينها والقبائل، أو فيما بين القبائل نفسها. وقد أورد السفير عبد العزيز القعيطي في كتابه هذا الأحلاف والمعاهدات القديمة موثَّقةً بنقولات من الوثائق التاريخية، والتي ذكر أنها تبدأ من سنة ١٣٠١ هجرية. إنَّ تلك الأحلاف والمعاهدات بدأت قبل هذا التاريخ إذ تؤكده وثيقة محرَّرة في يوم الأحد الثالث من رجب الحرام سنة ١٢٨٨ه‍ تحكي عقد حلف بين السلطنة القعيطية يمثلها صلاح بن محمد بن عمر بن عوض بن عبدالله القعيطي وسالم بن سليمان عن آل حنجرة آل مخاشن، وقد سعى لهذا الحلف وشهد وحضر عليه عمر سعيد لرضي ودلل شبام، وهم: علي محمد نصير، وعمر محمد نصير، ويسلم سالم القفيل، ولم ترد هذه الوثيقة في كتاب إحلال السلام في حضرموت، وفي السنوات اللاحقة كان يمثل الدولة القعيطية في التوقيع وإبرام الأحلاف والمعاهدات عبدالله وعوض أبناء عمر بن عوض بن عبدالله القعيطي ومنصر بن عبدالله بن عمر بن عوض بن عبدالله القعيطي وكذلك حسين بن حامد المحضار .

وقد نصت هذه الأحلاف والمعاهدات على أنه حلف على الطيب والنقاء والصدق والوفاء والمخوَّة، مما يشير إلى أن هناك أزمة ثقة وتطمينات بين القوى السياسية والعسكرية الحضرمية المتنازعة، وأنه حلف دم وفرث وشائم ولائم حلف مترث يورثه الحي بعد الميت حتى يشيب الغراب ويفنى التراب ويرث الأرض وارثها .

     ومن الأحلاف والمعاهدات سواءٌ القديمة منها أو تلك التي أبرمت قبيل صلح انجرامس بحسب ما قسّمها السفير القعيطي في كتابه إحلال السلام في حضرموت، والتي كان لدلل شبام مساعٍ حميدة ودور بارز في صنعها ما يأتي :

 الأحلاف والمعاهدات القديمة:

* حلف آل عل بن عبود بن سعيد وثيقة محررة الثلوث منتصف شهر جمادى الأولى سنة ١٣٠١ه‍ـ.

* حلف العوامر آل مطرف وثيقة محررة يوم الأحد ١٣ شهر جمادى الأولى سنة ١٣٠١ه‍ـ.

* حلف العوامر الحضر والبدو وثيقة محررة في ٢٢ جمادى الآخرة سنة ١٣٠١ه‍ـ.

* حلف آل محمد بن علي آل سلطان من آل حريز وثيقة محررة يوم الخميس في ٢ من شهر صفر الخير ١٣٠٥ه‍ـ.

* حلف آل جعفر وآل عبد القوي العوامر حضر وبدو وثيقة محررة في ٧ من جمادى الأولى سنة ١٣٠٧ه‍ـ.

* حلف الأشراف آل خالد وثيقة محررة في ٢٢ من جمادى الأولى سنة ١٣٠٨ه‍ـ.

* حلف آل عليمي وآل جابر وثيقة محررة في ٧ من صفر الخير سنة ١٣٠٩ه‍ـ.

* حلف آل جعفر بن طالب وثيقة محررة يوم الأحد ١١ من شهر شوال سنة ١٣٠٩هـ.‍

* حلف آل عل بن سعيد وثيقة محررة يوم السبت ٧ من رجب سنة ١٣٠٩ه‍ـ.

* حلف آل شملان وآل عون يوم الجمعة في ٤ من شعبان سنة ١٣٠٩ه‍ـ.

* حلف آل يماني وآل مرعي بن طالب وثيقة محررة يوم الثلاثاء في شهر ذي القعدة الحرام سنة ١٣٠٩ه‍ـ.

 – المعاهدات والأحلاف قبل صلح إنجرامس:

* حلف آل خميس وثيقة محررة يوم الربوع ٢٣ شعبان ١٣٣٥هـ.‍

* حلف آل كوير في هينن وثيقة محررة ١٨ رجب ١٣٣٥ه‍ـ.

* حلف الدولة آل عبدالله وآل عمر والعوامر وغيرهم وثيقة محررة في شوال ١٣٣٦هـ.‍

* حلف آل منيف وآل جابر وثيقة محررة ٢ محرم ١٣٣٧ه‍ـ.

* حلف آل عامر وآل جابر وثيقة محررة ٢ محرم ١٣٣٧ه‍ـ.

* حلف آل طالب وآل يماني وثيقة محررة ٥ صفر الخير ١٣٣٧ه‍ـ.

* حلف آل منيباري وثيقة محررة شهر محرم ١٣٣٧ه‍ـ.

* حلف بلعليمي الجابري وثيقة محررة فاتحة شهر صفر الخير ١٣٣٧ه‍ـ.

* حلف آل كده وثيقة محررة يوم الثلاثاء ١٨ شهر شعبان ١٣٣٩هـ.‍

* خطاب من الحكم مبارك بن محمد بن منيف بن عامر بن عجاج النهدي إلى السلطان علي بن منصور الكثيري محرر في ٩ ذي الحجة ١٣٥٥هـ‍ يوافق فيه على الإصلاح، ويذكر جهود الدلل سعيد محفوظ وسعيد حيمد ال نصير (وثيقة مرفقة).

ومن أبرز مقادمة وأعيان ورجال الدلل في شبام الذين شهدوا وحضروا على هذه الأحلاف والمعاهدات في فترات تاريخية:

 عمر محمد نصير ، علي محمد نصير ، محفوظ محمد نصير ،  يسلم سالم القفيل ، محمد عوض ظويفر (أسرة آل ظويفر لم تعد موجودة حاليًا في شبام ربما أنهم هاجروا إلى نجد أو عمان)، عبود بن سعيد القفيل ، أحمد سعيد باشن ، سالم محمد نصير ، صالح عوض فريج ، سالم بن سعيد حم ، عمر حيمد القفيل ، أحمد بن سالم القفيل ، سعيد سالم نصير ، محيندان عمر نصير ، عمر عبيد محيسون ، علي صالح القفيل ، عمر أحمد القفيل ، عوض سالم نصير ، عوض بكار خميّس ، سالم عبيد محيسون ، محمد أحمد مصعب (أسرة آل مصعب لم تعد موجودة حاليًا في شبام انتقلوا إلى سيئون وساحل حضرموت) ، عبيد علي محمد نصير ، بكار عمر حيدر ، حيمد سالم نصير ، امبارك محفوظ محمد  نصير ، مردوف امبارك سعيد حم .

وثائق وكتب :

     يلاحظ أن تلك المعاهدات والأحلاف وعددها (١٩) معاهدة والمذكورة أعلاه والتي بين السلطنات والقبائل في المنطقة، والتي توسط وسعى لإبرامها الدلل في مدينة شبام، ومدَّتها من سنة ١٣٠١هـ‍ إلى سنة ١٣٠٩هـ،‍ وهي الأحلاف والمعاهدات القديمة وكذلك المعاهدات والأحلاف قبل صلح إنجرامس من سنة ١٣٣٥هـ‍ إلى سنة ١٣٣٩هـ ‍ وما لحقها من خطابات ورسائل بين السلطنات والقبائل حتى سنة ١٣٥٥هـ.

     إنَّ مثل هذه الأحداث المتعلقة بالأحلاف والمعاهدات التي ترمي لإخماد الفتن والصراعات في ظل وضع قبلي مسلح مضطرب كان لابد أن يكون لها ذكر في الكتابات التاريخية المعاصرة لتلك الأحداث ممن كتبوا في تاريخ حضرموت في تلك المرحلة، ولم أقف إلا على ما كتبه المؤرخ سالم بن حميد الكندي  (ت١٣١٦هـ)‍ في تاريخه المسمى بــ(العدة المفيدة)؛ إذ ذكر في بضعة أسطر ثلاثةً من تلك الأحلاف والمعاهدات، ففي حديثه عن حوادث عام ١٣٠١هـ‍ (وفي هذه المدة ورد حمود بن عوض بن سالمين المنيباري العويني إلى بلد شبام وجماعته ، واحتلف هو ومنصر القعيطي وكساهم وأعطى حمود المذكور رأس خيل ، وذلك منه جزاء للدولة).

     (وفيها شهر جماد أول ورد البخيت بن ناصر بن مطرف العامري واولاده إلى بلد شبام أيضًا، وحالف القعيطي ، وكذلك جعفر بن عامر ، وجماعته ال علي بن عبود ال سعيد حالفوا القعيطي عسى طي ذلك لهم خير).   

     ولم يذكر ابن حميد الوسطاء والسعاة في تلك الأحلاف الثلاثة، وهم بعض أفراد القبائل ومقادمة وأعيان الدلل في شبام على غير عادة ابن حميد عندما يكون الوسطاء والسعاة من فئة اجتماعية معينة (خصوصًا من آل باعلوي).

     ويذكر ابن حميد في أحداث سنة ١٢٧٤هـ‍، – وهي سنة المناصفة في حكم شبام بين الكثيري والقعيطي الآتي ذكرها في السطور اللاحقة –  أن الشريف حسين الخالدي من أشراف آل خالد قُتِل في القطن على يد يافع، ويبدو أن هذا لبسٌ في الأسماء وقع فيه ابن حميد؛ إذ تذكر وثيقة الحلف المحررة بتاريخ ٢٤ جمادى الأولى سنة ١٣٠٨هـ‍ بين الأشراف آل خالد والسلطنة القعيطية ، الموقعين على هذا الحلف، وهم (الشريف حسين بن عبد الرحمن بن محسن الخالدي عنه وعن كافة الأشراف آل خالد ومن في كفلهم ومن في صفهم والدولة المكرم منصر بن عبدالله بن عمر بن عوض القعيطي حال كونه قائمًا عن والده المكرم الدولة عوض بن عمر بن عوض وعن أخيه المكرم حسين بن عبد الله بن عمر بن عوض عنهم وعن كافة آل عوض بن عبدالله ومن في صفهم ومن في كفلهم وعن كافة يافع واحتلفوا وتعاهدوا وتواثقوا بعهد الله) وكان الوسطاء لعقد هذا الحلف سالم أحمد الخلاقي، أحمد بن صالح بن حسن بن سالم الكربي، والدلل علي محمد نصير، محفوظ محمد نصير، صالح بن عوض فريج، سالم عبيد محيسون وعمر حيمد القفيل ، حضر وكتب ما ذكر عبدالله سعيد بافضل .

     والشاهد هنا هو أن الشريف حسين بن عبدالرحمن بن محسن الخالدي كان حيًا حتى سنة ١٣٠٨هـ‍ ولم يقتل سنة ١٢٧٤هـ‍ بحسب رواية ابن حميد، ويذكر المؤرخ صلاح البكري (ت١٤١٢هـ) في كتابه (تاريخ حضرموت السياسي) أن ابن الشريف حسين الخالدي قتل على يد يافع في المعركة التي دارت بينهم في القطن سنة ١٢٧٤هـ،  وليس الشريف حسين نفسه .

 المناصفة في حكم بلد شبام :

     يقول الشيخ سالم بن حميد الكندي في أحداث شهر جمادى الأولى سنة ١٢٧٤هـ‍ بعد أن حشد القعيطي وكافة يافع قواتهم وأخذوا حصن سعيدية نحو السيطرة على شبام: (والآن الأمر قد تم على ناصفة شبام للجمعدار عمر بن عوض بواسطة أولاده، وثمن ذلك دراهم كثيرة، وواسطتهم الحبيب عمر محمد الهدار).

      وفي الصفحات اللاحقة: (وأخذوا أمواله وإجلاء أصحابه – أي: أموال وأصحاب السلطان منصور بن عمر الكثيري  –  من البلد شبام تسويلاً لهم من الشيطان اللعين، لكونه بينه وبينهم عهود الله ومواثيقه على التراخي والتعاضد بحضور بعض السادة العلوية على كتاب الله تعالى، وأن ما مضى منه في جناب يافع ومنهم في جنابه ساقطًا وكذلك كل دعوى لهم في بيوت وغير ذلك في بلد شبام، مسكوت على جميع ذلك، وكتبت خطوط بينهم في ذلك والواسطة الحبيب عمر بن محمد الهدار بن الشيخ بوبكر بن سالم).

     يذكر ابن حميد هنا أن هناك وثيقة كتبت بين الطرفين على مناصفة الحكم في شبام بين الكثيري والقعيطي، غير أن هذه الوثيقة لم تنشر، وأن الواسطة الحبيب عمر بن محمد الهدار، ورغم أن المؤرخ ابن حميد الكندي كان معاصرًا للحبيب عمر بن محمد الهدار المذكور غير أنه لم يذكر تاريخ وفاته. وتذهب بعض الكتابات المتأخرة أن وفاة الهدار المذكور كانت سنة ١٢٧٢ه‍ـ، أي إنه توفي قبل عامين من مناصفة الحكم في بلد شبام.

     المؤرخ عبدالرحمن بن عبيدالله (ت ١٣٧٥ه) في مؤلفه إدام القوت يقول عن المناصفة في بلد شبام سنة) ١٢٧٤هـ) حتى ضاقت نفسه – أي السلطان منصور بن عمر الكثيري – فباع ناصفة شبام الغربية للسلطان القعيطي بعد أن حذره الحبيب عمر بن محمد – يقصد به عمر بن محمد بن سميط – وقال له : إن في هذا هلاكك، قال له :لقد ضاق الناس وواحد ولا جماعة) يتحدث المؤرخ بن عبيدالله هنا عن النصيحة التي قدمها الحبيب عمر بن محمد بن سميط للسلطان منصور بن عمر الكثيري ((ت ١٢٧٤هـ) ولم يذكر أن الواسطة كان الحبيب عمر بن محمد الهدار . وبين المؤرخين ابن حميد وابن عبيدالله هل كان يعني ذلك أن الحبيب عمر بن محمد بن سميط كان ينصح السلطان منصور بعدم بيع الناصفة في البلد شبام، وأن الحبيب عمر بن محمد الهدار كان يسعى في الوساطة للبيع؟!

     يضعنا هذا التضارب أمام فرضية أن الواسطة في مناصفة الحكم في بلد شبام هي شخصية اجتماعية أخرى، كانت معاصرة لتلك الأحداث، وهو عمر محمد نصير، خصوصًا وأن هناك وثائق مماثلة لأحلاف ومعاهدات واتفاقات سعى لها وشهد بها وحضر عليها عمر محمد نصير، منها وثيقة محررة في ٣ رجب سنة ١٢٨٨ه‍ السالفة الذكر (وثيقة مرفقة) والتي تحكي الحلف بين السلطنة القعيطية وآل مخاشن والمقدم عمر محمد نصير (ت ١٢٩٠هـ‍ تقريبًا) هو مقدم قبيلة آل نصير، حِلَّان بلد شبام وكافة دلل شبام وكان يوقّع على الوثائق عن سائر آل نصير، منها وثيقة محررة في شهر رمضان سنة ١٢٨٧هـ‍ من محفوظات قبيلة آل نصير حِلَّان بلد شبام، وهي وثيقة تحكي جانبًا من تنظيم العلاقات التجارية في سوق شبام التجاري، وتوزيع مهام السوق بين آل نصير وآل القفيل وآل مصعب، والقوافل التي يورّدها بدو المشقاص الوافدون إلى سوق شبام التجاري من (مهرة ومناهيل وحموم ومسهلي بن كثير وعلي بن كثير وهم من فروع آل كثير البادية في ظفار)، وتذكر الوثيقة اسم عوض أحمد مرضاح وهو أحد مرجعيات الحكم في شؤون القوافل والتجارة (وثيقة مرفقة) .

يتبين أن بعض المؤرخين المعاصرين البارزين قد أغفلوا بعض الحقائق، ووقعوا في لبس التسميات، وأن هناك أكثر من محطة تاريخية في تاريخ حضرموت تحتاج لإعادة قراءة.