تعليم البنات بتاربة

درايسات

عوض سالم غريبان

تمهيد:

      ينظر الإسلام إلى المرأة نظرة سامية، فقد رفع مكانتها، وجعل الجنة تحت أقدام الأمهات، فقال الرسول (r): ((الجنة تحت أقدام الأمهات))، وساوى الإسلام بينها وبين الرجل في التكاليف الشرعية: العقيدة والعبادات قال تعالى: [فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ] {آل عمران/195}

      إن موقف الإسلام من المرأة موقف متقدم مقارنة بالشرائع الأخرى، فقد أعطى الإسلام المرأة حقَّها في الملكية والتصرف والانتفاع، هذا الحق الذي كانت شرائع أوربا وقوانينها إلى عهد قريب تحرم المرأة منه.

       و لقد شهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) وكبار الصحابة لذلك فقال: (صلى الله عليه وسلم): ((طلب العلم فريضة على كل مسلم))، وهو حديث عام يشمل الجنسين معا الرجال والنساء كأكثر الآيات والأحاديث.

       ومن خلال قراءة متأنية لتاريخ المرأة في ظل حضارة الإسلام من عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم)، والصحابة والتابعين وحتى يومنا هذا نجد كثيرًا من مشاهير العلماء قد أخذوا علمهم عن نساء عالمات فاضلات، من أمثال أم المؤمنين عائشة، وحفصة (رضي الله عنهما)، ومن أمثال فاطمة بنت المنذر، وحفصة بنت سيرين، والشيخة سلطانة بنت علي الزبيدية (رحمهن الله)، وغيرهن كثيرات، ومن هؤلاء الإمام السخاوي، وابن الجوزي وغيرهما.

       إن هناك من الكتب التي ألفت مبيِّنةً المراتب العالية التي بلغتها المرأة في بلاد العرب والمسلمين، ولم تبلغها نساء الغرب، ويكفي أن تقرأ طالبة العلم اليوم من كتب أحمد خليل جمعة الدمشقي عن النسوة العالمات الفاضلات:

  • نساء مـن عـصــر النــبوة .
  • نساء من عصر التابعــين .
  • نـســـاء مــــن الأنـدلــــس .
  • نساء من المشرق العربي .
  • نـــســــاء مــــن التاريـــخ .

             ومن الكتب التي كتبت عن نساء شاعرات يمكن لنا قراءة كتاب (شاعرات العرب) لـ : (عبد البديع صقر)، الذي يضم بين دفتيه حوالي (244) شاعرة من عصور مختلفة.

            إننا نرى في شعر المرأة ذلك التميز، إذ لا نراها تتكسب بقول الشعر كما يفعل الرجال، كما أن منهن من تميزن بجودة الشعر، ومنافسة الشعراء الكبار، مثل: الخنساء، وليلى الأخيلية، والفارعة، وسكينة بنت الحسين..

         إن واجبًا يقع على الفتيات اليوم، وهو مواصلة تعليمهن ليأخذن القدوة من سِيَر أمهات المؤمنين، والنساء الفاضلات، فتكون منهن الأم الصالحة المربية للأجيال التي تربي فتحسن التربية، وتكون منهن المبدعة في مختلف المجالات العلمية والأدبية والفنية..

      قال الشاعر المصري:

               الأم مــدرســـة إذا أعــددتـــهـا              أعـــددت شعــباً طيب الأعــراق

               الأم روض إن تعهــــده الحــيا              بالــــري أورق أيــمــا إيــــــراق

               الأم أســتـاذ الأســـاتــذة الألــى              شـغــلت مآثــرهـم مـدى الآفــاق

وكوني أيتها الفتاة أنت التي استصرخها شاعرنا التريمي الأستاذ / محمد بن أحمد الشاطري :

              عـلموني فصلاح النـشء بــــي              وابـدءوا بـــي قــبـل تعلــيم الأب

              فـأنـا الــمدرسـة الأولــــــى ولا              يــسلك التــلميذ إلا مذهـــــبــــــي

              عـلموني فــزمــانــي ضــائـــع               وهــو أغلـى من نفيــس الذهــب 

          إننا نراك أيتها الفتاة اليوم غير فتاة الأمس، التي كان يحيطها سياج كثيف من الجهل، فأخذتِ حقك من علوم الدين، ومن التربية الفاضلة، وتنوَّرتِ بنور العلم، وصِرتِ تسيرين واثقة الخطى، فانتفع بك وطنك.

        إن لدينا من الشواهد الماثلة على صحة ما نقول، فمن هذه المدرسة فقط مدرسة السيدة فاطمة الزهراء للبنات بتاربة من وصلن إلى مراتب الأمهات الفاضلات اللاتي يقمن بواجبهن تجاه بيوتهن، ومنهن غالب المعلمات اللاتي يقمن بالتدريس في هذه المدرسة، ومثلهن يدرسن في ثانوية البنات بتاربة.

      ومن هذه المدرسة أيضًا اللاتي واصلن دراستهن العليا داخل الوطن وخارجه، وتخرجن من كلية الطب، ومن كلية البنات، ومن كلية التربية، ومن المعاهد، واليوم منهن معيدات في جامعة سيئون (كلية التربية، وكلية البنات).

    ومن إحصاء تربوي قمت به في العام الدراسي 2017/2018م فإن عدد اللاتي يدرسن في الجامعة في ذلك العام من بلدتي الطيبة ما يقارب (100) دارسة، موزعات في الكليات والمعاهد كما هو موضح في الجدول الآتي:                        

الكليةالمعهدالعدد
التربية 40
البنات 39
القرآن 8
 معهد المعلمين5
العلوم التطبيقية 3
المجتمع 2
 معهد العلوم الصحية1
الإجمالي 98

التعليم الأهلي بتاربة

أولا – تعليم البنات في الكتاتيب :

        أذكى الإسلام جذوة العلم والمعرفة، فنهض التعليم نهضة مبارك طيبة، وقد اتخذت المساجد في العهد الإسلامي كمدارس يتلقى فيها الدارس العلم اتباعًا لنهج الرســــول (صلى الله عليه وسلم)، ((بجلوسه عقب الصلاة في حلقة يعلم فيها تعاليم الدين الحنيف))([1]).

        ولمكانة التعليم فقد اهتم به الرسول الكريم واقعًا وسلوكًا عندما جعل فداء أسرى قريش ممن حذق الكتابة بأن يعلم عشرة من صبيان المسلمين.

        ويمكننا القول: إن الكتاتيب هذا النمط التعليمي التراثي تعد القنوات الأولى التي من خلالها نفذت الأجيال إلى مراحل تعليمية أخرى استشرافًا لمستقبل أفضل.   

        والكتّاب (مفرد): مشتق من الجذر (كتب)، وجمعه كتاتيب، استخدم للدلالة على التعليم، وعلى موضع التعليم كذلك، ويطلق عليه (العُلمة)، حيث يتعلم الناشئة، وللدور الذي يضطلع به المعلم، وفي شمال اليمن يطلق عليه (المعلامة).

        وترجع نشأة الكتاتيب إلى المرحلة الإسلامية الأولى، وقد اهتمت بتعليم الناشئة (الأطفال) القرآن الكريم واللغة العربية (القراءة والكتابة)، ومبادئ الحساب، وما تزال الكتاتيب تؤدي دورها ورسالتها في بلادنا وفي كثير من الأقطار العربية والإسلامية رغم انتشار التعليم النظامي في يومنا هذا. والكتاتيب ((تخصصت لتعليم الأطفال لما نهى عنه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من عدم جواز تدريس الأطفال بالمساجد لتنزيه المساجد والمحافظة عليها))([2]).

        لقد ظهرت هذه الكتاتيب إما ملحقة بالمساجد وسميت (مقصورة)، أو في المساجد نفسها، أو بعيدًا عن ذلك، كأن تكون تحت المسجد أو تحت بيوت المعلمين أو فيها، أو تكون غرفًا قائمة بذاتها.

        ومن الكتاتيب في القديم ما اعتنى معلموها إلى جانب تعليم البنين باهتمامهم بتعليم البنات القرآن الكريم والقراءة والكتابة والفرائض والسنن ومبادئ الحساب، وهناك من المعلمين من استقل بتعليم البنات. وتجدر الإشارة إلى الدور الإيجابي للمرأة بأن شاركت في التعليم في الكتاتيب حيث قامت بعض النساء بفتح كتاتيب (عُلَم) خاصة بتعليم البنات، وإن كانت ظاهرة خاصة ومحدودة في بعض القرى والأرياف أو المدن لكنها ظاهرة تدعو إلى الإعجاب.

        وفي منطقة تاربة وجدت مثل هذه الكتاتيب وقد استمرت فترة من الزمن تؤدي رسالتها في معزل عن اختلاط البنين بالبنات.

نماذج من الكتاتيب المختلطة:

ومن كتاتيب تاربة التي اهتمت بتعليم الجنسين: البنين والبنات، والذين يقومون بالتعليم فيها معلمون:

– كتّاب المعلم عبد بن سالم بن عمر شاؤوش، وموقعه في الشحرة بالبلاد بتاربة تحت بيتهم.

– كتّاب المعلم رجب بن عوض الدقيل، وموقعه في البلاد بتاربة، وله كتّاب آخر وموقعه في وادي بن سلمان في فترة سابقة.

  • كتّاب المعلم خميس بن بكيّر بن عبدون، وموقعه في البلاد بتاربة تحت بيت (بن علي) شرق مسجد صالح بن عمر أبو فطيم.
  • كتّاب المعلم مبارك بن عوض باقيمة، ومـوقـعـه في سـحـيـل محسن بتاربة تحـت بيته.
  • كتّاب المعلم جمعان بن سعيد فتحان، ومـوقعه في سـحـيـل محـسـن بـتـاربـة تحـت بيته.
  • كتّاب المعلم سعيد بن عوض بن سلمان، وموقعه في وادي بن سلمان بتاربة تحــت بيته.
  • كتّاب المعلم علي بن سعيد باجبير وابنه أحمد، وموقعه في حوش بيتهم في حراد بتاربة.
  • كتّاب المعلم عبيد بن عوض بن جراب، وموقعه تحت بيته، وفي دار وقف سعيد سالم بافنع في السحيل القبلي بتاربة.
  • كتّاب المعلم محمد علي باجبير، وموقعه في بيت سعيد بن عبد الشيخ بن كرثيم العامري في ديار آل كرثيم بتاربة.
  • كتّاب المعلم هادي بن عوض بن سعد باجبير في ديار آل غريّب تحت البيت الذي سكنه الواقع في الناحية الشمالية لديار آل غريب.
  • كتاب المعلم سالم سعيد بن كبري العامري، وموقعه في تاربة تحت بيته في سمل بشرمة.
  • كتّاب المعلم عمر بن سالم بن عبيدون في القارة بتاربة، وقد وقفت على عدد الدارسين في كتابه في عام 1977م، وكان عددهم (41): ذكور (32) من الذكور، و(9) من الإناث([3]).

  ومن هذه الكتاتيب التي اخترتها كنماذج نستطيع تسجيل وملاحظة الآتي:

أولًا – أن هذه الكتاتيب غالبها قد جمعت تعليم الجنسين (البنين والبنات).

ثانيًا – أن المادة التي تدرس هي: القرآن الكريم، والسنن والفرائض، القراءة والكتابة، ومبادئ الحساب في بعضها.

ثالثًا – أن تعليم البنات مع البنين يتم حسب المستويات: اللوح الصغير، واللوح الوسط، واللوح الكبير.

رابعًا – أن التربية الفاضلة والأدب والأخلاق هي التي تسمو على غيرها عند التعليم في هذه الكتاتيب.

خامسًا – أن نسبة المتعلمات من عدد المتعلمين جميعًا حوالي الربع تقريبًا.

سادسًا – أن نموذج تعليم البنات في معزل عن البنين كان عند المعلم رجب بن عوض الدقيل تحت بيته في البلاد بتاربة.

الكتاتيب الخاصة بتعليم البنات:

  • كتّاب في بيت عبد الرحمن المعلم عام 1346هـ، والمعلمة في هذا الكتّاب هي من آل باشراحيل من خارج تاربة، وعدد المتعلمات حوالي 25 متعلمة([4]).

 – أما المادة التي تدرس في هذا الكتاب فهي: القرآن الكريم، وحفظ جزء (عمّ)، وفقه العبادات، والقراءة والكتابة.

كتّاب المعلمة السيدة رقية بنت عيسى بن يحيى :

  • موقع الكتاب: في البلاد في بيتهم (بيت زوجها السيد سهل بن حسين أبي فطيم)، بجوار مسجد النور بتاربة – البلاد.
  • المادة التي تدرس هي: القرآن الكريم وحفظ قصار السور، والعبادات، والقراءة والكتابة، والحساب.
  • عدد الدارسات في كتابها حوالي: (30) دارسة.

  من السيرة الذاتية للمعلمة:

– الاسم : رقية بنت عيسى بن محمد بن يحيى.

– محل الميلاد: تريم – محافظة حضرموت.

         – تاريخ الميلاد: 1930م.

– المؤهل العلمي: أكملت المرحلة الابتدائية بمدرسة جمعية الأخوة والمعاونة بتريم سنة 1943م.

– معلمة كتّاب خاص بالبنات بتاربة – البلاد.

– تقدمت إلى نظارة المعارف بالدولة الكثيرية بطلب التوظيف بمدرسة البنات بتاربة في عام تأسيسها الأول 1970/1971م، وذلك حسب رسالة مؤرخة بتاريخ 10/7/1390هـ الموافق 11/9/1970م.

 – وفاتها: يوم الأحد بتاريخ 17رمضان 1417هـ الموافق 26يناير 1997م.

كتّاب المعلمة مريم (حمامة) بنت المقدم عبد بن عوض بالليل:

  • تلقت تعليمها على يد المعلم عبد بن سالم شاؤوش، وأخيه عوض.
  • يساعدها في التعليم: زوجها محفوظ مبارك سالم بالليل، وابنتها.
  • موقع كتّابها في البيت الكبير لآل بالليل الواقع في الشحرة من البلاد، ثم تحولت إلى مسجد بئر الشحرة (مصلى للنساء) لقدم البيت الكبير التابع لآل بالليل.
  • عام التأسيس للكتاب: حوالي عام 1357هـ / 1938م، واستمرت تعلم حوالي 40 سنة.
  • الدارسات في هذا الكتّاب من مناطق تاربة: البلاد، شرمة، مسيب، ديار آل غريب، ديار آل كرثيم، سحيل محسن. 
  • عدد المتعلمات حوالي (60) متعلمة.
  • المواد التي تدرس هي: القرآن الكريم وحفظ قصار السور، والعبادات، والقراءة والكتابة.
  • فترة الدراسة: صباحًا وعصرًا.
  • الأجرة المحددة على كل متعلمة شهريًا: على كل متعلمة في اللوح نصف شلن، واللاتي في المصحف على كل واحدة شلن فقط.
  • توقف كتابها لكبر سنها، وضعف النظر في السنوات الأولى للتعليم النظامي الحكومي للبنات بتاربة.
  •  

     كتّاب ابنة الشيخ أحمد بن عبد القادر الزبيدي: وقد تلقت هذه المعلمة تعليمها على يد والدها. وموقع كتّابها في السحيل القبلي بتاربة في بيت والدها.

    أما المادة التي تدرس فهي: قراءة القرآن الكريم، وحفظ جزء (عمّ)، والفرائض والسنن، والقراءة والكتابة، ومبادئ الحساب.  

          وعند الحديث عن التعليم الخاص للبنات ما قبل التعليم الأهلي والحكومي تجدر الإشارة إلى أن السيد محمد بن حسين بن عبد الله بن شيخ الحبشي قد مكث في الخمسينيات من القرن الثالث عشر الهجري لمدة سبع سنوات في سحيل محسن بتاربة ينشر العلم والدعوة، وتشير الرواية الشفهية إلى أن زوجته كانت تنشر العلم والدعوة بين البنات والنساء في هذه البلدة.


([1]) أحمد علي الحاج محمد، التعليم اليمني جذور تشكله واتجاهات تطوره / دار الشوكاني للطباعة والنشر – صنعاء – صفحة (27).

([2]) المرجع السابق.

([3]) التعليم الأهلي بعد الاستقلال رسالة بتاريخ 10/10/1977م بملف سير التعليم بمدارس مركز سيئون رقم 102/س/76/77.

([4]) الراوية إحدى الدارسات تاريخ ميلادها 1339هـ , ووفاتها يوم الثلاثاء بتاريخ 10ربيع أول 1434هـ  .