من مذكرات المرحوم الأستاذ التربوي عبدالقادر محمد باحشوان .. نائب مدير عام التربية والتعليم م/ حضرموت الأسبق

كتابات

عبدالقادر محمد باحشوان

للحقيقة والتاريخ لكاتب (شيء من تلك الأيام)

ليسمح لي زميلي الدكتور محمد بافقيه أن أتطاول وأحمل القلم مسطراً بعض الملاحظات المتواضعة على بعض ما ذكره بشأن النقاط الآتية في هذه العجالة وأنا يعلم الله مضطر كل الاضطرارا لما أقدمت عليه ومدفوعاً إليه بدافع توضيح الحقيقة ليس إلا لما قد يعنيني فيما كتبه الدكتور فلربما سطر قلمه سهواً بطريقة أو بأخرى، وإنني لأصرف النظر عن تساؤلات القراء ودهشتهم بل استغرابهم على مختلف مستوياتهم الثقافية حول ما كتبه الدكتور بافقيه ربما دون قصد، بل يستغرب الجميع ويتساءل عما يقصده الكاتب ويهدف إليه من تلك الحلقات التي تجمع خليطاً من المواضيع والأفكار تاركاً الحقائق الهامة جانباً، بل يذهب بعضهم إلى عدم تصديق أن تلك الكتابات في (شيء من تلك الأيام) هي من كتابة الدكتور بافقيه سواءً من حيث الصياغة واللغة والأسلوب أو من حيث الأفكار التي تتضمنها تلك الحلقات التي لا رابط بينها على الإطلاق. فقد جرى الحديث عن:

1- نشوء أول مدرسة وسطى في حضرموت،

ومن الملاحظ دائماً في كتابات الأخ الدكتور محمد بافقيه السابقة أن يؤرخ لنشوء أول مدرسة وسطى في حضرموت بأنها كانت بغيل باوزير خارقاً المرحلة الأولى التي مرت عليها المدرسة الوسطى قبل انتقالها إلى غيل باوزير لسبب لا يعلمه إلا أولئك الذين درسوا فيها بالمكلا قبل انتقالها إلى الغيل. لذا فهذه المرة الأولى التي يعترف فيها المؤرخ الكاتب الدكتور محمد بافقيه، غير أنه واضح من صياغته لهذه الحقيقة أنه فعل ذلك على مضض. وبما أنني كنت أحد الطلبة في ذلك الوقت من عام1940م تقريباً فإن المرحوم الشيخ القدال سعيد القدال لا كما قال الكاتب (القدال) هكذا (حاف) بلا شيخ بلا مرحوم مضيفاً له تفصيلاً لا لزوم له أو هو على حد تعبير الأستاذ لطفي السيد إضافة غير ذات موضوع لا تقدم ولا تؤخر في شيء وتلك العبارة المضافة هي بالنص (وهو ناظر مدرسة أولية في سنكات من مناطق السدندوة قريباً من بورتسودان على خط السكة الحديدية) طبقاً لأنها واضحة الفرصة بأنها شيء في نفس يعقوب للتقليل من شأن الرجل الذي على يده تم إدخال التعليم الحديث في حضرموت وليس تجربة (معهد بخت الرضا) كما قال الكاتب وهو أي الكاتب الدكتور محمد بافقيه كان إحدى ثمار ذلك التعليم الذي أدخله المرحوم الشيخ القدال سعيد القدال عندما قام في أول خطوة لتعليم تلاميذ الصفوف العليا من مجمع المدارس الابتدائية الحكومية التي كانت تحتل (حصن الشيبة) بالمكلا الذي يحتله اليوم مجمع أقسام المالية، فعند غربلته بحسب المستوى شكل صف أولى لأول مدرسة وسطى في حضرموت كنت من بين تلاميذ ذلك الصف، ولأن هذا المجمع عبارة في الأصل عن عدة مدارس ابتدائية حكومية تم تجميعها كما يبدو في عهد السلطان صالح بن غالب القعيطي فقد كان لهذا المجمع هيئة إدارية مكونة من الشيخ عبدالله الناخبي والمرحوم الشيخ عبدالله باعنقود وأخي عمر باحشوان لذلك نقل بعض الصفوف إلى ما تسمى بدار الماركيت جنوب شرق مسجد عمر مكوناً منها مدرسة ابتدائية من أربعة صفوف على نظام السلم التعليمي في السودان آنذاك وعيّن مديراً لهذه المدرسة أخي عمر باحشوان وعُيّن الشيخ عبدالله الناخبي مديراً لبقية صفوف المجمع كمدرسة ابتدائية أخرى في نفس حصن الشيبة في بادئ الأمر. وعُيّن المرحوم الشيخ عبدالله باعنقود مدرساً للغة العربية والدين الإسلامي في المدرسة الوسطى الناشئة، وأتى بتلاميذ المدرسة الانجليزية مكوناً من تلاميذها الصف الثاني بهذه المدرسة الوسطى، ونقل مديراً لمدرسة الانجليز وعينه مديراً للمدرسة الوسطى الوليدة، وكان من بين تلاميذ هذا الصف الثاني الأخ الدكتور محمد عبدالقادر بافقيه كما أشار في إحدى حلقاته. ثم استدرك فأقول إن مدير المدرسة الانجليزية هو المرحوم المستر إبراهيم سوجان مسلم من أصل هندي.

واستمرت المدرسة الوسطى في حصن الشيبة لفترة ثم جرى نقلها إلى دار المحضار المشرفة على ما يسمى (بالدورة) في وسط سوق المكلا قريباً من مقبرة يعقوب.

2- أول امتحان نقل في المدرسة الوسطى،

وللحقيقة والتاريخ أقول إن أول امتحان نقل في المدرسة الوسطى الآنفة الذكر كان قد عقد في نهاية 1941م وبداية 1942م وكان شخصي المتواضع أول الفائزين، وكان معنا الأخ المرحوم أحمد فرج باظفاري عندما نقلنا رأساً من صف أولى إلى صف ثالثة لنلتقي بالأخ محمد بافقيه في صف واحد . ولكن للحقيقة والتاريخ لا أذكر وضع المرحوم أحمد فرج باظفاري في هذا الامتحان، ولربما للحقيقة لم يحضره لغياب عند أهله بالشحر غير أنني اعترفت أنه لو حضر الامتحان لربما حاز بالمركز الأول حيث إنه في نهاية الصف الثالث عندما عقد الامتحان فاز المرحوم أحمد فرج باظفاري وكان الفرق بيني وبين المرحوم أحمد باظفاري أكثر من 30 علامة، بينما بيني وبين الأخ محمد بافقيه 9 علامات فقط، وقد علق المرحوم أحمد فرج باظفاري على هذه النتيجة قائلاً ربما عن تواضع منه (إذن لم يذهب ثمن القاز الذي حرقناه سدى يامحمد) وأذكر أن المرحوم والدي قد لامني على مجرد أن يكون الفرق بيني وبين الأخ محمد بافقيه. وأذكر تماماً أنني في تلك السنة لم أكن أحضر الحصتين الخامسة والسادسة لمعالجة في المستشفى، كما أنه وللحقيقة والتاريخ كنت لا أحضر الدراسة طيلة فصل الخريف لانتقال كل العائلة إلى خارج المكلا وأترك للقارئ حرية قبول هذا التقرير أو رفضه مؤكداً أن المرحوم أحمد فرج باظفاري لا يشك أحد في حدة ذكائه وخلفيته التعليمية من جيبوتي إضافة الى كبر سنه نسبياً.

إن أول مسرحية تمثل بالمكلا أو حضرموت على الإطلاق هي مسرحية حرب البسوس أو المسلسل سيد ربيعة وقام بإخراجها المرحوم الشيخ القدال نفسه بمساعدة المرحوم الشيخ عبدالله باعنقود وأسند دور كليب للمرحوم صالح بايمين الذي كان أكبر الطلبة سناً بالمدرسة وبالصف الثاني المنقول من المدرسة الانجليزية ودور المسلسل وهو أخو كليب اسند أساساً للمرحوم عبدالرحمن باعمر غير أنه اعتذر عن قيامه الدور نظراً لأنه كان مدرساً في ذلك الوقت بالمدارس الابتدائية وليس طالباً فأسند إلى شخصي المتواضع دور المسلسل بدلاً من المرحوم عبدالرحمن باعمر، ويبدو أن الاختيار الأول لكل من الدور كليب والمهلهل قد تم في الأصل على أساس نوع من الضخامة في الجسم بالإضافة طبعاً إلى عوامل الإجادة الأخرى، ولذا فلا أدري لماذا وقع علي الاختيار وكنت في ذلك الحين نحيل الجسم، ومثل دور جساس قطعاً شخص آخر لا كما ذكر الأخ الدكتور محمد بافقيه بأنه هو الذي قام بدور جساس. وإن كان لا يحضرني اسم الذي كان السبب في قيام الحرب بين قبيلتي بكر وتغلب حيث قتل الملك كليب بسبب قتل كليب ناقة عمته البسوس على ما أذكر. ومن هنا يتضح أن أول مسرحية تمثل في حضرموت هي ما ذكرت هنا وليس شيئاً آخر وقد مثلناها نحن الطلبة في ساحة القصر أمام السلطان صالح وجمع غفير من الناس.

وانطلاقاً من هذا السياق أقول وللحقيقة والتاريخ إن ثاني مسرحية تمثل بالمكلا وحضرموت قاطبة هي مسرحية الأمين والمأمون، قام بتمثيلها مدرسو المدارس الابتدائية أيضاً من إخراج الشيخ القدال أو بمعنى آخر تحت إشرافه وقام بدور المأمون المرحوم الشيخ محمد قرينون وبدور الأمين المرحوم السيد عبدالله الجيلاني.

بعد ذلك قام المدرسون أيضاً بتمثيل مسرحية (رجل الأوهام) وأسند دور البطل للمرحوم الطالب صالح بايمين وهو دور رجل الأوهام وأخرج المسرحية واشترك في تمثيلها المرحوم الشيخ عوض عثمان مكي أول مدرس سوداني يأتي إلى حضرموت بعد مجيء المرحوم الشيخ القدال حيث أخرج أي عوض عثمان هذه المسرحية، وأذكر من المدرسين المشتركين في التمثيل المرحوم الشيخ محمد ريس ومن الطلبة في دور صغير جداً وهو مجرد ترديد جملة واحدة، ومعنا كما عرف آنذاك اصطلاحاً مجنون والطالبان المرحوم سالم بازياد وعمر بايعشوت، وأستطرد فأقول ثم قام طلبة المدرسة الوسطى بتمثيل مسرحية الأمين والمأمون بعد أن مثلها قبلهم الممثلون كما ذكرت سلفاً وهنا أخرجها المرحوم الشيخ عوض عثمان مكي وقام بدور المأمون المرحوم أحمد فرج باظفاري وقمت أنا بدور الأمين. كما أن هناك تمثيلية محلية قصيرة أخرجها المرحوم القدال ويظهر أيضاً أنه هو الذي ألفها ومثلها طلبة المدرسة الوسطى. وأذكر منها جملة كنت أقولها وهي ( دعونا نذهب الحرشيات لنأكل أشهى الثمرات مما يسمى بالطيبات).

ومن هنا يتضح تماماً كيف بدأ التمثيل المسرحي منطلقاً من المدرسة الوسطى الوليدة لا من غيرها ومن ذكرت من الأشخاص هم الذين فعلاً قاموا بالتمثيل لأهم أدوار المسرحيات لذا أصبح تذكرهم سهلاً مستدركاً إلى القول بأن هنالك تمثيلية عن النابغة الذيباني أسند فيها دور البطل وهو النابغة الذيباني للأخ محمد بافقيه غير أنني لا أتذكر شيئاً بالتفصيل عن أسماء الأشخاص الآخرين الذين اشتركوا في التمثيل ولا كيف وأين تم عرضها، وللأسف الشديد بعد هذه الفترة وبالتحديد في يناير 1943 غادرت البلاد إلى السودان في منحة دراسية بمعهد التربية بالدويم الذي كان يسمى عند التحاقي به كلية المعلمين وتطور إلى معهد التربية في أثناء دراستي به لا معهد بخت الرضا كما ذكر الكاتب الدكتور محمد بافقيه وهذا ما سأتعرض له موضحاً في الأسطر القادمة.

ومادام الشيء بالشيء يذكر كما يقولون فإنني والأخ المرحوم أحمد باظفاري كنا في الأصل مسافرين معاً في هذه المنحة من عام 1943م وكانت امتعتنا قد نقلت إلى السفينة الشراعية منذ صباح أحد الأيام، وهي السفينة التي ستقل المرحوم الشيخ القدال وعائلته على أمل أن نصعد إلى السفينة مساء ذلك اليوم للإبحار ليلاَ. فإذا ببرقية عاجلة من والد المرحوم أحمد باظفاري يذكر فيها عدم موافقته على سفر ابنه، لذا أنزلت وأعيدت أمتعتنا إلى البر وغادر المرحوم الشيخ القدال وعائلته متوجهين إلى عدن لينزلوا فيها انتظاراً لباخرة تقلهم إلى السودان. وبعد أيام من وصول المرحوم الشيخ القدال إلى عدن أبحرت لكي ألحق به وحدي وهذا الذي حدث.

ولذا فإنه بعد نهاية 1942م وبداية عام 1943 حين غادرت البلاد متوجهاً إلى السودان ليس من حقي أن أناقش أو أبدي أي ملاحظة عن التمثيل المسرحي وما أدراك ما التمثيل في حضرموت فالكاتب محمد بافقيه أعرف به.

فقط عندي ملاحظة يسمح لي بها الدكتور محمد بافقيه وهي أن المرحوم الدكتور الموسيقار محمد عبدالوهاب لم يغن أو يلحن أغنية (جبل التوباد) التي غناها الأخ الدكتور محمد بافقيه وإنما غنى من مسرحية مجنون ليلى لشوقي أغنية أخرى وهي تلك التي يقول فيها والد ليلى مخاطباً قيس (جئت تطلب ناراً أم جئت تشعل البيت ناراً) كما أنه لم يغن ولم يلحن أغنية جبل التوباد.

وأترك هنا جانباً موضوع التمثيل والإخراج المسرحي خلال فترة انتقالي بالتدريس بتلك المدرسة الوسطى الوحيدة بغيل باوزير التي يؤمها الطلبة من كل اتجاه في حضرموت للدراسة بالنظام الداخلي وذلك بعد تخرجي مباشرة من معهد التربية بالسودان لمدة أربع سنوات. انتقلت بعدها مدرساً مسؤولاً عن إنشاء أول مدرسة وسطى للبنات كتجربة أولى للتعليم الأوسط للبنات وخصصت للتجربة طالبات مدرسة بنات البادية بالمكلا. أقول أترك ذلك جانباً حتى لا أتهم بتمجيد الذات.

4- نادي اتحاد الطلبة

هكذا كان اسمه للحقيقة والتاريخ فإن الأخ محمد بافقيه هو الذي أسسه آنذاك في عام 1940/ 1941م وذلك في إحدى غرف منزله بالطابق الأرضي وهو الذي قام بتعيين نفسه رئيساً وعين سكرتيرا ناصر سيف بن علي ال بوعلي وعين شخصي المتواضع مساعداً للسكرتير ونحن قد رضينا بهذا الاختيار.

والذي أذكره تماماً أنه كان من المفيد للطلبة أن يتجمعوا في بيت أحد زملائهم بدلاً من التجمع في المقاهي التي كان ارتيادها شبه محرم أدبياً في ذلك الوقت والأخ محمد كان قليل الخروج من بيته . ولذا كنا سعداء بالاجتماع مع بعضنا لقطع الوقت في مكان آمن من الزلل ونحتسي الشاي الذي كان يقدمه لنا صاحب البيت. ولم يكن لنا نشاط واضح غير الاجتماع وتبادل أو تجاذب أطراف الحديث. غير أنني لسبب لا أذكره اختلفت مع الأخ محمد بافقيه كما يحدث غالباً لمن كانوا في سننا 14- 15 سنة فاستقطب أغلب الطلبة وكونت ما أسميناه (بالحزب الوطني) وأذكر أنني عينت الأخ حسين عمر شيخان سكرتيراً معي. وبذا أصبح نادي الطلبة الذي كان يرأسه الأخ محمد بافقيه أغلب أعضائه من المدارس الابتدائية وأرى أنه لا داعي لذكر الأسماء هنا منعاً للإحراج. وأستدرك أن مقر حزبنا كان بيت المرحوم عوض سعيد باعويضان. وهذه هي الجمعية التي أشار إليها الأخ الدكتور محمد بافقيه في حلقته الخامسة والعشرين من (شيء في تلك الأيام) عندما ذكر بالنص “ولكنني أذكر أن جمعية أخرى قامت واتخذت لها مقراً بدار قريبة من دارنا وقد وقفت تلك الجمعية أيضاً” غير أن كلا المنظمتين لم يستمر بسبب النزاع الذي كان يحدث بين الفريقين في الشارع فاستدعانا المرحوم الشيخ القدال إلى بيته وبحضور المرحوم الشيخ عوض عثمان مكي وحل الناديين وأحل محلهما ما يسمى (بالجمعية الأدبية) كنشاط يزاوله الطلبة بالمدرسة في غير وقت الدوام وبهذا أسدل الستار على كلا الناديين. ولا أريد أن استطرد وأطيل في هذه النقطة سوى بالقول بأنني قد قلت الشعر في هذه الفترة وكتبت المقالة القصيرة واشتركت بأدوار البطولة في التمثيل المسرحي كما أسلفت من خلال هذه الجمعية الأدبية التي كان يشرف عليها أستاذ اللغة العربية بالمدرسة المرحوم الشيخ عبدالقادر باعنقود. وكانت المدرسة الوسطى آنذاك شيئاً جديداً ملفتاً للأنظار ومحل اهتمام المسئولين وعلى رأسهم المرحوم السطان صالح بن غالب القعيطي الذي كان يهتم بحضور تمثيليات المدرسة على المسرح في ساحة القصر، كما أن الطلبة يشتركون بعرض ألعابهم ومسابقاتهم وأذكر من هذه المسابقات مسابقة في حل بعض المسائل الحسابية وذلك في حفلة من حفلات الأعياد بساحة القصر ففزت بالجائزة الأولى وقدرها (روبيتان) وفاز بالجائزة الثانية الأخ صالح محمد الناخبي وقدرها (روبية واحدة).