متابعات
صالح سعيد بحرق
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 1 .. ص 8
رابط العدد 1 : اضغط هنا
إعداد: صالح سعيد بحرق
تصوير: طاهر ناصر المشطي
توطئة:
إن الكتابة عن الفقيد سعيد عبد الرب الحوثري تجتاحها رياح السياسة والنضال الثوري والعمل التطوعي الاجتماعي والصحفي الانتقادي لتلقي بظلالها على حياته المتشعبة في الديس وعدن وأوغندا والكويت لنجد أنفسنا في نهاية المطاف إمام عدة تجارب للفقيد وكما قال الأخ سعيد احمد بن اسحاق: (إن سعيد عبد الرب لم يحمل بين جوانحه شخصية واحدة فقط بل إنه تعيش في روحه عدة شخصيات) وذلك في الكلمة التي ألقاها في حفل التأبين بصالة ثانوية الصديق للبنين بالديس الشرقية.
مدخل:
إن شخصية سعيد عبد الرب كما تبدو لنا عجيناً غريباً من الإصرار والتحدي والإخلاص لقضايا الوطن، وهو شخص لايقتنع بالسهل من الامور بل يسعى الى ما هو اصعب منالاً منها ذلك لان روحه متعطشة دوما الى الافضل والاحسن لشعبه ومما يدل الى ذلك في حياته الشخصية انه ولأسباب عائلية لم يستطع اكمال دراسته الابتدائية فهاجر الى افريقيا حيث يعمل والده من اجل مساعدته يقول الأستاذ عبد الحافظ عبد الرب الحوثري عن هذه الفترة ضمن مذكراته عن سعيد عبد الرب:
(اكمل المرحوم الصف الرابع بمدرسة الديس الشرقية ولكنه لم يحضر الامتحان النهائي الذي يؤهله للالتحاق بالمدرسة الوسطى بغيل باوزير وذلك لعجز والده، لذلك اضطر الى السفر الى افريقيا للوقوف الى جانب والده الذي كان يعمل في اوغندا وذلك عام 1948 مضحياً بمستقبله التعليمي للقيام بأعباء الاسرة ومكث فيها حتى عام 1956 ليعود الى الوطن للزواج).
اغتراب ومواقف وخصال:
ولاشك إن الاغتراب المبكر لهذه الشخصية قد أضفى عليها نوعاً من الصلابة واتخاذ القرار الذي تميز به سعيد عبد الرب لاحقا اثناء عمله السياسي فقد قد كان طموحاً يسعى إلى التغيير وشجاعاً يصبو الى تحقيق امنيات الوطن يقول عنه الأخ عمر جبران في مذكراته التي تجمعه به:(في شهر يونيو 1969 جمعتنا الظروف لنعمل في جهاز اداري هو قيادة المديرية الجنوبية كما هي التسمية آنذاك ومركزها مدينة الشحر وامتدادها من الشحر جنوبا حتى صحراء ثمود شمالا ومن شحير غربا حتى سيحوت شرقا) ويضيف عمر جبران قائلا: (وخلال تلك الفترة التي عملنا فيها معاً كان فقيدنا (أبو أنور) مثالا للإداري والسياسي والوطني الممتاز وذلك من خلال تعامله مع مواطنيه وقضاياهم وتعامله مع من حوله وما يحظى به من احترام فكان مثالاً للإنسان والمسؤول المتسامح لا يحمل ضغينة على احد. كان عفيف النفس نظيف اليد والملبس) وعن صلابة مواقفه يستطرد الأخ عمر جبران في هذه المذكرات: (كان وعي أبي أنور المبكر وادراكه للمخاطر التي كانت تحدق بالثورة وبالوطن جعلته لا يتوانى عن قول الحقيقة وان يجهر بالتحذيرات من القادم الذي يهدد الوطن) .
سعيد عبد الرب في عدن وبدايات انطلاقاته الصحفية:
اضطر سعيد عبد الرب ان يذهب الى عدن للعمل عند التاجر باشنفر كاتباً ثم انتقل إلى عند العيسائي واثناء وجوده في عدن لم ينس النشاط السياسي فاخذ يكتب في الصحف وكان العمل السياسي في عدن آنذاك في اوجه.
يقول الأستاذ عبد الحافظ عبد الرب الحوثري في مذكراته عن هذه الفترة: (اشترك الأخ سعيد في أثناء وجوده في عدن بحركة القوميين العرب التي تحولت فيما بعد الى الجبهة القومية فقد كان الفقيد منذ صغره شغوفا بالعمل السياسي والصحفي وبالحركات السياسية).
سعيد عبد الرب في مذكراتهم:
ويسلط الأخ محمد سعيد باغزال مزيداً من الأضواء حول شخصية أبي انور فيقول في مذكراته عن الفقيد:
(لقد كان رحمه الله ذا قلب كبير اتسع حبه لكل الناس كما كان يحظى بتقدير من عرفه عن قرب أو عن بعد، لما عرف عنه من انشطة اجتماعية وثقافية وكان ذا علاقات اجتماعية واسعة وكان يحب الكتابة في الصحف ومن طباعه عدم المهادنة والتزلف وقد كان صريحا في مواقفه خاصة فيما يتعلق بشؤن المواطنين).
محمد سقاف الهدار:
وعن المزيد من علاقاته الاجتماعية يقول الاخ الصحفي المعروف الأستاذ محمد سقاف الهدار:(عاش سعيد عبد الرب فترة في مدينة الشحر عندما كان سكرتيراً لمأمور مديرية الشحر بمعية زميله ورفيق دربه في النضال والتضحية الاستاذ العزيز المناضل عمر احمد جبران والذي كان وقتها يشغل مأمور المديرية .
علاقاته الاجتماعية:
وخلال تلك الفترة كوَّن سعيد عبد الرب علاقات اجتماعية اخوية غاية في التكامل والانسجام مكنته من نسج صداقات حميمية ودية مع الكثير من شرائح المجتمع وخاصة المثقفين واعضاء ومشجعي ورياضيي نادي كوكب الصباح وشباب الجنوب .
الدكتور الجريري وكلمة إنصاف:
وتجتمع في مذكرات الدكتور سعيد سالم الجريري كل هذه المناقب والمواقف التي أشرنا إليها حيث يقول في لغة غاية في الاشراق والبيان عن الفقيد سعيد عبد الرب: (مضى كغيمة هامسة وهو الصاخب في ذروة صمته. هل أيقن أن الزمان يستمرئ مخاتلة رمادية فآثر أن يتخفف مما ناء به عمراً كاملاً؟).
ويضيف الجريري فيقول: (مازال صدى صوته يتردد في كياني مستفيضاً في شاغل عام في الغالب او شكوى من تجاهل او تهاون ممن كان يأمل منهم تفاعلا مع شؤون الديس العامة ولاسيما الثقافية والتراثية) .
الأستاذ محمد سالم قطن الديس بدون أبي أنور:
أما الأستاذ محمد سالم قطن فيتساءل قائلا: ( حتى أنا لم استطع تخيل الديس الشرقية بدون الراحل سعيد عبد الرب وبدون الراحل محمد عبدالله الحداد وبدون الراحل عبدالله الوحيري..الطريق إلى وادي عمر أصبح شاقاً وعراً) .
مسك الختام واصدق الكلمات الخالدة:
أما الفنان أنور سعيد الحوثري فقد ترك كلمات تقطر ألماً في وداع والده حيث سكب لنا هذه المفردات النابضة بالوفاء والمحبة: (يغسلني الحزن قليلاً وينثر من حولي تراتيل الوداع ويفتش الوجد عن وردة أخرى في دموعي فلا يجدني واتنفس من وداعي في نفحات همي.
ما ألذ الوجع حين يهطل من قلب شغوف وما أمر السؤال عن فراغ في أفق الليالي، لن أبكيك يا أبتاه فانت اقدس من ملح الدموع وأنت أكبر من حلم السنين) .
الجذير بالذكر إن الفقيد سعيد عبد الرب قد انضم إلى الجبهة القومية سنة 64م بعد اندلاع العمل المسلح على يد المرحومين محمد محفوظ باحشوان و هو مناضل وطني بارز وعبد الرحيم غوث باوزير.
و عند سقوط المناطق في يد الجبهة القومية في 17 / 9 / 67م تشكلت قيادات إدارية عسكرية سريعة لاستلام المناطق من السلطة القديمة وإدارتها، و قد تم تكليف الفقيد سعيد عبد الرب برئاسة اللجنة الشعبية في مديرية الشحر بدرجة مأمور المديرية و عضوية محمد على مخارش ومحمد سعيد باغزال وقيادة عسكرية من علي العامري وعبد الرحيم غوث باوزير . و بعد 30 نوفمبر 1969م تم تعيينه مديراً إدارياً لمديرية الشحر بإشراف المرحوم عبد الباري قاسم الذي كان يداوم في مديرية الشحر لفترة وجيزة.
كل هذه المعلومات وغيرها جاءت في مذكرات الفقيد سعيد عبد الرب التي قرئت بعض أوراقها في الندوة التأبينية التي نظمتها جمعية التراث والآثار بمديرية الديس الشرقية، و هي الندوة التي شملت ثلاثة محاور:
المحور الأول عن سيرة الفقيد الذاتية قدمها الدكتور عبد الباسط الغرابي.
و المحور الثاني عن كتابات الفقيد الصحفية و ضرورة تجميعها في كتاب للأستاذ سعيد أحمد بن اسحاق.
و المحور الثالث حول نضالات الفقيد قدَّمة صديقه المناضل عبد الله حسين الطفي ..
كما اشتملت الندوة على مشاعر أخرى اشترك في نثرها معظم الحاضرين. كما شهدت مديرية الديس حفلاً تأبينياً في قاعة ثانوية الصدِّيق في الديس الشرقية اشتملت على كلمات وقصائد أشادت بمناقب الفقيد وأدواره الاجتماعية والسياسية، أهمها كلمة صديقه المناضل عمر محمد بن الشيخ أبوبكر الذي أثار الحزن في قاعة التأبين بدموعه الصادقة.