ترجمة
محمد سالم قطن
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 1 .. ص 64
رابط العدد 1 : اضغط هنا
قبل خمسين عاماً ، جرى منح المحسن الكبير ورجل السلام السيد أبي بكر بن شيخ الكاف وسام رتبة فارس الإمبراطورية البريطانية تقديراً للخدمات الجليلة ذات النفع العام التي قام بها في حضرموت .
جون دوكر الذي خدم كضابط سياسي في المنطقة قبل الاستقلال ، يقدم في هذا المقال تحية إجلال وتقدير لذكرى هذا الفارس .
أبوبكر بن شيخ الكاف ينتمي لأسرة وافرة النجاح من عائلات أسياد تريم، هذه الأسرة التي جمعت ثروة ماديه هائلة من التجارة ومن امتلاك العقارات في سنغافورا وغيرها من جزر الهند الشرقية الهولندية .
ولد في سنغافورا عام 1890 م ، لكنه قضى الجزء الأكبر من حياته في وادي حضرموت، وأيضاً أنفق الجزء الأكبر من ثروته في سبيل توطيد السلام بين ربوع حضرموت، كما كان واسع التأثير على السلطات البريطانية في عدن، وهو الذي أقنعها على أن تأخذ بعناية واهتمام مسألة رفاهية حضرموت ،بلده الأصلي.
في عام 1934 م تم إرسال هارولد انجرا مز في زيارة استطلاع وتحرٍّ لحضرموت، كما عاد (أي انجرا مز) إليها مرة أخرى عام 1936 م ليعمل مع السيد أبي بكر والحكام المحليين ( القعيطي والكثيري) في إقناع القبائل التي تعيش على الدوام داخل دائرة الاقتتال والحروب فيما بينها ، للقبول بهدنة عامة لمدة 3 سنوات، لقد أدى التأثير الشخصي مع الإنفاق السخي للسيد أبي بكر إلى إنجاح المفاوضات التي قادت إلى تحقيق الصلح العام والهدوء في أنحاء القطر الحضرمي وإرساء دعائم أمنه المستقبلي واستقراره .
قبل هذا الحدث، كان السيد أبوبكر يباشر مشروع شق طريق من ساحل حضرموت إلى داخلها ، ممولاً معظم التكاليف من جيبه الخاص ، بما فيها المبالغ التي دفعت لتعويض رجال القبائل عن النقص في العائدات التي يحصلون عليها من قوافل جمالهم التي يعملون عليها في النقل ، قبل إدخال النقل بالموترات ( السيارات) كما كان السيد أبوبكر عاكفاً على تسيير وتحسين أداء المستشفى والمدرسة في تريم , وهذه المستشفى وتلك المدرسة ممولتان بالكامل من قبل عائلة الكاف وتقدمان الرعاية الصحية المجانية والتعليم المجاني للسكان المحليين .
وفي عام 1938منح السيد أبوبكر لقب كومبانيون أوف بريتش امباير سي بي اي نظير خدماته العامة .
وعن أهمية دوره في عملية صنع السلام بحضرموت، تم تأكيد ذلك عبر عريضة مرفوعة شهد عليها ووقعها تسعه وتسعون شخصيه من وجهاء الحضارمة في تاريخ مبكر من عام 1938م . الأمر الذي اضطره إلى تأجيل عزمه المقرر للسفر إلى الخارج تخوفاً من احتمال أن يتسبب غيابه في تعريض الصلح والسلام الذي ساهم هو شخصياً في إرسائه بحضرموت للخطر.
كان السيد أبوبكر يتمتع بروح استقلالية ولا يتردد عن الصدع برأيه فعندما رقي إلى فارس الإمبراطورية كي بي أي عام 1953 م ،أعلن تخليه عن هذه المرتبة معلقاً على ما كان يقتضيه البروتوكول في ذلك الوقت – في إشارة إلى أن البريطانيين يسلبون باليد ما يمنحونه باليد الأخرى, كما ظهر كلا الوسامين كي بي اي و سي بي اي على الترويسة الخاصة بمطبوعات مؤسسته التجارية .
وفي عام 1954 م جرى الاحتفال رسمياً بمنحه وسام فارس الإمبراطورية كي بي اي من قبل جلالة الملكة إليزابيث خلال زيارتها الأولى والوحيدة لعدن. وفي الحفل تم استثناؤه من شرط من شروط البروتوكول ؛ يقضي بالركوع أمام جلالتها، فقد أوضح السيد أبوبكر للجميع وقتها بأنه كمسلم لا يستطيع الركوع إلا لله وحده .
كان السيد أبوبكر مبجلاً في حياته الشخصية باعتباره مسلماً تقياً ورجلاً صادق العهد والوعد, كما أُسعد بزوجة تتمتع مثله بسمعة ومكانة مرموقتين .
كتب عنه انجرامز مطولاً في كتابه :” شبه الجزيرة العربية والجزر” تناول حياة السيد أبي بكر منذ أوائل ثلاثينات القرن العشرين وحتى وفاته عام 1965م .
الرحالة الغربيون والرسميون ومن ضمنهم أنا، استفدنا من حكمته وتعاونه وحسن ضيافته .
كنت في سيئون يوم وفاته، حيث اجتمع مئات المشيعين من كل أنحاء حضرموت ، لإلقاء النظرة الأخيرة عليه وتقديم احتراماتهم .
وقد انضممت شخصياً لتلك الجمهرة الحاشدة خلف جنازته . وفي مراسم دفنه قرعت الطبول وناحت النساء على الشرفات بالعويل والنحيب .
لقد كان صباحاً حاراً ذلك اليوم في سيئون ، وقد علا الغبار وارتفع في الهواء الساكن. وأخيراً تجمعنا في القصر الطيني لزوج ابنته السيد مشهور بن حسن الكاف للتعبير عن حزننا وتقديم عزائنا لأفراد العائلة .
وباستثناء السلطان صالح بن غالب القعيطي توفي عام 1958 م لا توجد شخصية في ذلك الجيل بمحمية عدن تقارن بالسيد أبي بكر. فقد كان عطوفاً ومحسناً كبيراً ، سيظل اسمه معطراً بالذكرى الطيبة إلى مستقبل بعيد.