أضواء
أ.د. عبد الله سعيد بن جسار الجعيدي
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 4 .. ص 10
رابط العدد 4 : اضغط هنا
نصوص الوثائق
(وثيقة1)
(صحيح عبدالله بن عمر القعيطي)
الحمد لله لما كان يوم الخميس و 12 في شهر ربيع آخر عام 1299(1) فقد حصل الاتفاق ما بين الدولة المكرم عبدالله بن عمر بن عوض القعيطي(2) ، والشيخ أحمد وأخيه عبد الله أبناء عبد الرحمن باعمر العمودي ساكنين ثله (3) بواسطة السيد أحمد بن حسين بن شيخ العيدروس ، والشيخ محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم بن قويره باوزير والاتفاق في صلاح مخارجت(4) المشايخ فيما يدعي به المكرم عبد الله بن عمر بن عوض على المشايخ من مساعدتهم مع الكسادي واستيلاه على ثله والسبب تقربت المشايخ فيما يضر آل عمر بن عوض ويصلح الكسادي ، وأجابوا المشايخ بأن مساعدة الكسادي وتقربته إلى ثله من قبايلهم بني حسن وعكبري ليس منهم وبعد ذلك طلبوا المتوسطين التكفاه (5) من المكرم عبدالله بن عمر بن عوض القعيطي ، ومن المشايخ أحمد وأخيه عبدالله أبناء عبدالرحمن باعمر وكفوا الكل من المذكورين السيد أحمد بن حسين بن شيخ ، والشيخ محمد بن عبدالله بأن ماعرفوه ونظروه فيما يصلح مابين بين المذكورين نظرهم قاطع حق، وشرع ، وفرع ،وليس عاد لأحد من المذكورين خيرته فيما استمدوه وعرفوه . جراء ذاك بحال الرضا والاختيار من غير إكراه ولا إجبار وكفى بالله شهيد.
توقيع الشهود
(وثيقة2)
الحمد لله وكفا: لما كان يوم الجمعة 13خلت من شهر ربيع آخر عام 1299هـ(6) الذي عرفوه المتكفيين وهم: السيد أحمد بن حسين بن شيخ العيدروس، والشيخ محمد بن عبدالله بن عبدالرحيم بن قويره باوزير. على ما تكفوا فيه مابين الدولة المكرم عبدالله بن عمر بن عوض القعيطي ، والشيخ أحمد وأخيه عبدالله أبنا الشيخ عبد الرحمن باعمر العمودي فيما ادعى به المكرم عبدالله بن عمر على الشيخ أحمد وأخيه عبدالله وفيما أجابوا به على الدعوى الذي عرف للمتكفيين بأن جميع ما بناه الكسادي من زبون (7) فهو إلى المكرم عبدالله بن عمر المذكور ، وفيما حصل من تقربت الكسادي ومساعدة المذكورين معه باطن أو ظاهر ، ومن جميع ما حصل من المشايخ من تقديم أو تأخير عرفوا للدولة المكرم عبدالله بن عمر بن عوض على المشايخ أربع حشامات(8) والحشامة مائة وعشرين قرش صح جملة ذلك أربعمائة وثمانين قرش شلوا المتكفيين حشامتين مائتان وأربعين قرش(9) .الباقي مائتين وأربعين قرش بنظر المتكفيين والذي عرفوه للشيخ أحمد ، وأخيه عبدالله على المكرم عبدالله بن عمر بن عوض المذكور بأن يعطي للمشايخ بيتهم الذي استبده الكسادي منه إكرام لهم وما كان للمشايخ من مال في ثله مشترى أو بهبة ونذيره من مالك يملكه فهو لهم وما كان مستبدينه من غير حقيقة منهم أو غيرهم ليس لهم ذلك ومرد ذلك للمكرم عبدالله بن عمر بن عوض القعيطي ، وعلى المشايخ الجهد في كل ما يصلح آل عمر بن عوض بن عبدالله القعيطي في قبايلهم ومن حيث يصل نفعهم قرب أو بعد ليس يعتذرون ويرون ما يصلح لآل عمر بن عوض كما يرونه لأنفسهم. هذا ما عرفوه ونظروه المتكفيين فيما يصلح بين المذكورين وعلى الكل الله حميل ، وكفيل بما شمل ذلك الخط وكفا بالله شهيدا
توقيع الشهود
(وثيقة 3)
وبعد لما كان يوم الأحد 15 خلة من شهر ربيع آخر 1299هـ(10) فقد حصل الطلاب فيما عاده متبقي من ناصفة الحشامة ، وهي الحشامتين مائتين وأربعين ريال(11) طلب الشيخ أحمد وأخيه عبدالله أبناء عبدالرحمن باعمر العمودي ومقدمين الذكر المتوسطين السيد أحمد حسين والسيد أبوبكر بن سالم آل العيدروس ، والشيخ محمد بن عبدالله، والشيخ عمر بن غوث آل باوزير ، ومبارك باسعيد باقديم ، ومن حضر في المجلس المسامحة فيما عاده متبقي وصار السماح للمشايخ ولمن ذكر ، ومن المكرم عبدالله بن عمر بن عوض المذكور وليس عاد بقي شي مما ذكر بطرف المشايخ المذكورين قال ذلك وأقر بما ذكر أعلاه عبدالله بن عمر بن عوض القعيطي
التحقيق والتعليق
عثرنا على هذه الوثائق الثلاث ضمن الأرشيف الخاص للمنصب الشيخ محمد حسين سعيد باعمر العمودي (شيخ قبائل العكابرة وبني حسن) وهي نسخ أصلية ، وقد نشرت الوثيقتين الأولى والثانية بحسب تسلسل تاريخها في ملاحق كتاب (المكلا عروس البحر الحضرمية )(12) ومصدرها المركز اليمني للوثائق بالمكلا رقم (33/8- 27/2) ووردت هذه الوثائق في سياق التناول التاريخي العام لموضوع الكتاب بعد التطورات السياسية التي شهدت سقوط مدينة المكلا بيد القعيطيين في نوفمبر عام 1881م، وليس بغرض دراستها وتحقيقها، وعند المقارنة بين نسخ وثائق المنصب العمودي وبين نسخ وثائق المركز اليمني لاحظنا اختلاف يسير بينهما فيبدو إن كل نسخة كتبت على حده وذلك لانعدام آلات النسخ وقتئذ لكنها احتفظت بمضمونها، وفي أرشيف المنصب باعمر العمودي وجدنا وثيقة ثالثة مكملة للوثيقتين، وتندرج في السياق نفسه ، لهذا رأينا من المناسب ضم هذه الثلاث الوثائق في إطار واحد لأنها من جهة تقدم إضاءات لمرحلة مهمة من تاريخ حضرموت وبخاصة لمدينة المكلا وأريافها، ومن جهة أخرى لوحدة موضوعها والسياق الزمني شبه المتصل إذ لا يفصل بين زمن توقيعها إلا يوم أو يومين وهو انقطاع اقتضاه طبيعة الاتفاق كما سوف نرى .
وفيما يتعلق بالجانب الشكلي في النشر فقد سمحنا لأنفسنا في النسخة المطبوعة للوثائق بالتدخل بتصويب بعض الأخطاء الإملائية بما لا يخل بنص الوثائق، ووضعنا علامات الترقيم ليسهل قراءتها ثم إننا حرصنا على نشر أصول الوثائق زيادة في الفائدة ولتسهل العودة إليها، والمقارنة بين النص المطبوع، والنص الأصلي.
وبالنسبة للمجال التاريخي لهذه الوثائق فإنها تعود إلى المرحلة التي شهدت فيها حضرموت احتدام الصراع السياسي بين القوي القبلية والسياسية المتنافسة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي وبخاصة الصراع بين القوة القعيطية الصاعدة ، وبين الإمارة الكسادية وحلفائها الذين وجدوا في المشروع السياسي القعيطي تقويضا لتحالفاتهم ومصالحهم ، وقد تناولت الأدبيات التاريخية الحضرمية تفاصيل هذا الصراع الذي تكلل بنجاح القعيطيين في السيطرة على مدينة المكلا ثم على كل مناطق النفوذ الكسادي في الساحل الشرقي لحضرموت ومنطقة دوعن ، وفي هذه الأوضاع التي شهدت بدايات ترسيخ دعائم الحكم القعيطي أبرمت هذه الاتفاقيات لتعزيز السيطرة القعيطية على مدينة المكلا وأريافها.
تضمنت الوثيقة الأولى الدعوى التي تقدم بها (الجمعدار) عبد الله عمر القعيطي على المشايخ آل باعمر العموديين، وذلك باتهامهم بمساندة الكسادي ضدهم، ورد آل باعمر الرافض لهذا الاتهام. ثم قبول الطرفين لحكم الوسطاء بشكل نهائي. أما الوثيقة الثانية فقد ورد فيها نص الحكم في القضية المشار إليها في الاتفاقية الأولى الذي جاء على النحو الآتي:
وشملت الوثيقة الثالثة تأكيد قبول القعيطي إسقاط ما تبقى من الغرامة على آل باعمر، وإذا اختزلنا موضوع هذه الوثائق بكلمات معبرة فإنها تدور حول موضوع واحد بمفاهيم ثلاثة : (الدعوى –الحكم – العفو ) وقد تعمد الوسطاء مرور الاتفاق على ثلاث مراحل أو وثائق لتأخذ العدالة مجراها – ولو بصورة شكلية- وإلى نهاية يبدو أنها متفق عليها ، وكما تعكس لنا هذه الطريقة في التقاضي وحل المنازعات بساطة المجتمع الحضرمي ، فإنها تشير إلى منظومة القيم الاجتماعية المتعارف عليها وأثرها القوي في تقريب وجهات النظر في مجتمع غابت سلطة الدولة عنه خارج المدن والحواضر لهذا كان الحكم أقرب إلى الاتفاق بين القعيطيين وآل باعمر أكثر منه دعوى يريد منها القعيطي إثبات حق يدعيه أو فرض شروط ملزمة. كما إنه اعتراف ضمني من آل باعمر العموديين وحلفائهم بالعهد الجديد الذي فرضه الانتصار القعيطي على أمير المكلا النقيب عمر الكسادي.
وقد زخرت الوثائق بمصلحات وألفاظ عامية لها دلالاتها في الثقافة المحلية مثل (مخارجت- الدولة المكرم- الشيخ – السيد- التكفاه – زبون – حشامات- قبايلهم- )..إلخ
وقد عرفنا بعض هذه الكلمات في الهامش، وتجدر الإشارة إلى دور الوسيط في حل المنازعات الذي تقوم به أسر من تراتبية سادة حضرموت، ومشايخها وذلك لما لتلك الأسر من مكانة اجتماعية معترف بها وتحترم وساطتها وقراراتها، وتحيل لفظة السادة غالبا في الثقافة العربية الإسلامية إلى من ينتسبون إلى آل البيت النبوي أما (مصطلح) المشايخ في حضرموت تشير إلى دلالة تراتبية للأسر التي ترفع أنسابها إلى الصحابة أو إلى الدوحة الهاشمية وهم يقومون بالدور نفسه الديني والتعليمي والإصلاحي في المجتمع. أما لفظة الدولة المكرم فهو لقب تفخيمي غير رسمي لكنه يحيل إلى مكانة افتراضية عليا في السلطة قبل أن يتخذ القعيطيين لأنفسهم اللقب الرسمي (السلطان) ابتداء من عام 1902م بموافقة السلطات البريطانية في عدن.
وتكمن الأهمية التاريخية لهذه الوثائق في الآتي:
1-أسست للبدايات الصحيحة في خطوات القعيطيين الطموحة في تحقيق مشروعهم السياسي وذلك بالتعامل المرن مع الجوار القبلي ورموزه لمدينة المكلا، وهي سياسة سار عليها القعيطيون في امتداداتهم الجيوسياسية لتوسيع نفوذهم في مناطق واسعة من حضرموت، ومما عزز من تلك السياسة اعتمادهم على رموز من سادة حضرموت ومشايخها الذين غالبا ما يتحركون في ذلك من أهداف إصلاحية واعية لأهمية وجود الدولة أو ما يرمز إليها في مناطق الأرياف.
2-سجلت تسليم بقايا الحكم القديم (الكسادي ) من أملاك وحصون في أرياف مدينة المكلا إلى الحكم الجديد (القعيطي) وهي بهذا أشرت عن بروز مرحلة جديدة في تاريخ حضرموت ببزوغ نجم أسرة حكم فتية ، وأفول أخرى.
3- حافظت نصوص الاتفاقيات على التوازن في العلاقات بين الأطراف فقد مزجت نصوصها بين التأكيد على هيبة الحكم الجديد واستحقاقاته، وإظهار مرونة قراراته (العفو عند المقدرة) وفي الوقت نفسه حافظت على رمزية منصبة المشايخ ومكانتهم بوصفهم واجهة اجتماعية من المهم كسبها أو في الأقل تحييدها وتشير النهاية السعيدة لهذا الاتفاق إلى حنكة المحكّمين ورؤيتهم المستقبلية في التركيز على ديمومة السلام المجتمعي لهذا حرصوا على سرعة التسوية بين الطرفين في ثلاث جلسات خلال أربعة أيام اقتضى السياق تقسيمها على ثلاث اتفاقيات – كما أشرنا – لتكتمل عناصر الاتفاق بالشكل المنطقي أو السلس وإذا ألمحت الاتفاقيات إلى رغبة عند آل باعمر العمودين للقبول بالأمر الواقع بما يحفظ كرامتهم ومكانتهم الاجتماعية فإن عدم تشدد الحكام الجدد وتنازلهم عن الغرامة المستحقة لهم ينطلق من رؤية سياسية سليمة تؤسس لما بعد هذا الاتفاق .
الهوامش