أضواء
سالم محمد بجود باراس
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 4 .. ص 26
رابط العدد 4 : اضغط هنا
تعد الحصون من أهم المعالم الأثرية لمعظم قبائل حضرموت ؛ إذْ يُعَدُّ حصناً حصيناً ضد أي هجوم مباغت من قبل أي قبيلة أخرى ، فقد كانت القبائل في ذلك العصر تعيش صراعات وتناحراً قبلياً وثارات ، لذا كان لزاماً على كل قبيلة أن تبني لها حصوناً تحتمي بها من الهجمات المباغته أو لأي طارئ كان ، وتعد حصون نوح وسيبان على مرتفعات هضبة حضرموت من أهم تلك المعالم الأثرية التي لم يتطرق لها باحث أو مؤرخ قد قمت بهذا الأمر منذ سنوات بكتابة كل ما أستطيع من عاداتهم وتراثهم وتقاليدهم وأشعارهم وللاطلاع انظر كتابنا الموسوم ( المقدم الشاعر سعيد بن سالم بانهيم المرشدي وشعراء آخرون وعادات وتقاليد من سيبان) .
معالم أثرية :
من أهم تلك الحصون الأثرية حصن الخضراء الذي يتوسط قرية الخضراء ، وهي إحدى قرى مرتفعات هضبة حضرموت مديرية دوعن ، وتبعد عنها حوالي 45 كيلومتراً ، ويسكن هذه القرية الصغيرة آل باصريح من آل سيبان . ويبلغ سكانها قرابة 500 نسمة. وغالب بيوت هذه القرية من طابق واحد ، وتكاد تكون هذه سمة في كل مرتفعات هضبة حضرموت من دوعن إلى (رأس حويرة )، وتبنى من مادة (القرف ) بفتح القاء والراء وهي مادة جيرية متحجرة تستخرج من الهضاب بنية اللون شبه صلبة، وأما سقف بيوتهم فمن مادة ( الصروف ) وهي مادة جيرية متحجرة تستخرج من الجبال تشبه ألواح خشب الكنتر ، وبدأت هذه المهنة تختفي ، وذلك بعد أمطار 2008م فقد تأثرت الكثير من البيوت فتم الاستعانة بالكنتر الخشبي والإسمنت لسقف بيوتهم ، فرب ضارة نافعة .
وجميع موادهم من أرضهم كالطين ويتم خلطه (بالذياد ، والتبل ) وهي من مخلفات المحاصيل الزراعية مثل حبوب (الطهف ) والقمح ، تستخدم مع الطين لتعطي متانة وقوة للمبنى .
ويعد حصنها من أجمل الحصون وأروعها من حيث التصميم والمتانة والقوة والجمال ، وقد بني عام 1560 م وله قصة تاريخية يتداولها مقادمة وشيوخ آل باصريح وهم من قبائل آل سيبان ذات الصيت والشهرة والتاريخ العريق ، وقد ذكرت هذه القصة في مجلة شعاع الأمل العدد 159 لعام 2015م، وهذا نصها ( وهناك حصن الخضراء الذي تم بناؤه عام 1560م على يد المقدم حمد بن ريشان باصريح المرشدي السيباني وهو من أروع وأجمل الحصون الأثرية وأقواها وأمتنها ، ويعتبر تحفة في التصميم والهندسة المعمارية في ذلك الزمان ولبناء هذا الحصن قصة يتداولها الناس تشبه قصة قصر الملك النعمان مع المهندس المعماري سنمار والتي ذهبت مثلاً ( جزاء سنمار ) تقول القصة : إن آل سيبان حرصوا عند بنائهم لهذا الحصن ، أن يكون تحفة متفردة ولا يماثله أي حصن مهما كلف الأمر ، فجاءوا بعبد من أمهر المعالمة ( البنائين) ولما شارف على إكماله سألوه : عمَّ إذا كان يستطيع بناء أجمل منه ؟ فقال : نعم .
فتهامس القوم وأضمروا قتله فوراً فأخذوا يرتجزون ( وأعط المعلم ما طلب ، وأعطه من لحم الجلب ، وأعطه دفره وانقلب) ثم رموه من قمة الحصن فسقط صريعاً…) .
حصن الخضراء :
في شهر فبراير 2017 م التقيت بأحد مقادمة آل باصريح الشيخ عبدالله حسن باحكم باصريح – وهو من قبيلة آل سيبان التي لها تاريخ موغل في القدم – ففتح لنا باب الحصن الواقع جهة الغرب ، والذي يعتبر تحفة نادرة ، فهو مصنوع من شجرة السدر ، ولازال منذ بنائه صامداً ، وبه نقوش وزخرفة تدل على مهارة صانعها في ذلك الوقت ، وعند ولوجنا الحصن شاهدنا درجاً بطول ذراعين وعرض ذراع ، وأول ما يلفت انتباهك غرفة صغيرة على يمينك ، وأخرى على يسارك ، وعدد طوابق هذا الحصن أربعة طوابق وعدد درجاته 80 درجة ، وفي كل طابق أربع غرف صغيرة ، منها ماهو مخزن للطعام ، ومنها ماهو للسكن والحراسات وللضيوف ، في أعلى الحصن توجد قبة قال الشيخ عبدالله بأنها تسمى ( قبيبة) تقع مباشرة فوق الدرج بعرض مترين وطول ثلاثة أمتار ولها باب من جهة الشرق ، وفي سطح الحصن توجد فتحات في الجهات الأربع ، لرمي الحجارة لأي عدو يحاول مهاجمة الحصن ، ويوجد فوق سدة الحصن مباشرة فتحة تشرف من كل طابق على السدة مباشرة ، مهمتها صد أي هجوم للعدو سواء بالحجارة أو بالرمح ، لمنعه من كسر أو تفجير سدة الحصن .
توجد في كل جوانب الحصن فتحات تسمى ( العكر ) بضم العين والكاف ، على شكل مثلث تعتبر قمة الهندسة والإبداع فلها خصائص حربية لمواجهة العدو من كل الاتجاهات ، بحيث يصعب على المهاجم إصابة المتمترس بالحصن ، حتى ولو كان يمتلك قناصاً حديثاً ، وذلك لميلانها بأشكال هندسية عجيبة صممت لهذا الغرض ، فالحرس المرابطون في الحصن هم المسيطرون على كل مهاجم ، فهم يرون في كل الاتجاهات ، والعدو عاجز عن رؤيتهم ، العكر من الداخل بطول 45 سم وعرض 36 سم تقريباً ، ومن الخارج على شكل مثلث قاعدة المثلث بعرض 20سم وبطول حوالي 12سم .
وتحيط بالحصن فتحات مربعة للتهوية ودخول الشمس والضوء لكل حجرات الحصن والدرج ، طول هذه الفتحات 30سم وبعرض 22 سم ، وهذا يدل على عبقرية البنائين ومهارتهم في ذلك العصر ، وتعتبر هذه الهندسة المعمارية تراثاً وتاريخاً يستحق الدراسة من قبل المهتمين بهذا التاريخ العريق .
عيدان الحصن كلها من أشجار أرضهم ما عدا (الصم) بضم الصاد فهو يجلب من منطقة روبة مديرية حجر على الجمال والحمير ، وكذلك جذوع النخل تجلب من دوعن وحجر وغيرها من المناطق التي تشتهر بزراعة النخيل ، وما تبقى فمن أرضهم مثل : (عود السدر ، الضرور ، الصرح ، القرض ، الصر) وهي عيدان صلبة تقاوم كل عوامل الطبيعة ، ولازالت رغم كل تلك السنين قوية ومتينة. وكانت تقطع هذه العيدان في فصل الشتاء ، كي لا تدخلها (الأرضة ) ويظل قوياً شديد الصلابة والمتانة .
وقال الشيخ عبدالله بن حسن باصريح : بأن أجدادنا يجعلون الإبل ترتقي الحصن محملة بالزاد والطعام والذخيرة ، حتى الطابق الأخير. .
وفي كل طابق في الحصن ، هناك مساحة عند الدرج تقدر بخمسة أذرع ، خصصت للضيوف وللحراسات الليلية ، وعقد الاجتماعات والمشاورات في كل شؤون القبيلة ، وتقابل هذه المساحة فتحة تقدر 45 سم طولاً وبعرض 45 سم تشرف مباشرة على السدة من كل طابق من طوابق الحصن تسمى ( مرادم) ومفردها ( مردم )، لذلك ترابط الحراسات عندها لصد أي هجوم على سدة الحصن إما برميه بسلاح ( بو فتيلة) وهو أقدم سلاح قديم ، أو رميه بالحجارة ، أو استخدام (الغريز ) وهو الرمح .
ومساحة الحصون كلّها تكاد تكون متقاربة في المقاييس (فحصن الخضراء ) مساحته كالتالي :
8 متر طولاً وبعرض 8 أمتار وأما الارتفاع فـ 12 متراً .وهكذا بقية كل حصون نوح وسيبان ما عدا حصن لبنة فهو في اعتقادي أقرب ما يكون لقلعة، وهو الوحيد المغاير عن كل الحصون في مناطق قبائل نوح وسيبان فمساحته تقريباً الطول 14 متراً والارتفاع 12 متراً وأما العرض 8 أمتار .
تم بناء الحصن من مادة ( القرف ) وتم اختيار مادته ونوعيته بدقة كبيرة من قبل المعلم ، فيختار (القرف) ذو النوعية الصلبة والقوية ، وكل مساكن مرتفعات هضبة دوعن من هذه المواد سواء بيوتهم أو حصونهم ، أو السرين وهي غرف تستخدم لحفظ طعام المواشي أو كحضيرة للأغنام والدواب لتحفظ من الوحوش الضارية ، وكانت تستخدم كسكن لهم قبل عشرات السنين ، وارتفاع هذه السرين لا يتجاوز المترين وبطول 12 متراً وعرض مترين ، فلا تكاد تستطيع تقف فيها إلا منحني الظهر .. والسرة التي تحت الحصن وتبعد عنه 3 أمتار بنيت مع بناء الحصن للضيوف والعمال وعقد المشاورات القبلية في ذلك الوقت .
حصن الدهماء :
هو أحد حصون آل سيبان قام ببنائه آل باصريح عام 1664م وتم ترميمه عام 2002 م على يد الشيخ المرحوم سالم بن أحمد باصريح .
وقد عملنا استطلاع عن قرية الدهماء في مجلة شعاع الأمل العدد 159 لعام 2015 م فليرجع إليه لمن أراد المزيد من المعلومات عن هذه القرية .
ويسكن قرية الدهماء قبيلة آل باصريح ومشايخ آل باراس ويبلغ عدد سكانها 400 نسمة ، وتبعد عن دوعن 50 كم، ومجمل بيوتها من طابق واحد وتنطبق عليها أوصاف قرية الخضراء التي تبعد عنها قرابة 10 كم .
وعلى بعد 4 كم جهة الشرق يوجد حصن آخر لقبيلة سيبان في قرية صرب القديمة وقد قام ببنائه آل بلعجر السومحي، ويٌعَدُّ معلماً من معالم التراث السيباني، وقد بني عام 1664م، علماً أنَّ هذين الحصنين حصن الدهماء وحصن قرية صرب القديمة تم تصويرهما من قبل أحد الرحالة الأجانب عام 1931م .
حصن آل سيبان :
حصن آل سيبان أشهر من نار على علم ، يجهله الكثير من هذا الجيل الجديد ، لذا كان لزاماً علينا تدوين هذا التاريخ والتراث الأصيل، واشتهر الحصن باسم القرية فيقال له : ( حصن بريرة الحصن )، ويعتبر حصن آل سيبان الحد الفاصل بين قبيلة الجماسرة ( نوح ) وقبيلة آل سيبان ، ولقد اشترك في بناء هذا الحصن كافة آل سيبان ، ويعتبر معلماً أثرياً مهماً يحكي حقبة من تاريخ آل سيبان ، ويعتبر تحفة بحكم موقعه الفريد المطل على تلة صغيرة وبنائه الجميل ، فلقد كلف الحصن قبيلة آل سيبان جلب عيدانه من منطقة (روبة ) مديرية حجر ، وقد تكفل بذلك العمل الشاق عبدالله عبيد باراسين من آل سيبان الملقب باسم ( بن عبيد ) بفتح العين والباء وتشديد الياء مع الفتح ، حيث اشتهر هذا الرجل بقوة عجيبة في الجسد، وصيت لا يضاهيه أحد حيث قام هذا الرجل بحمل عيدان ( الصم ; بضم الصاد ) على إبله من هذه المنطقة البعيدة ، وكان يملك إبلاً قوية لهذا العمل الشاق ، واشترط أن تكون له غرفة خاصة في أعلى الحصن مكافأة لجهده بعد اكتمال بناء الحصن ، ولازالت غرفة باراسين مشهورة ليومنا هذا ، وتم بناء الحصن عام حوالي 1555م .
ويبلغ سكان قرية بريرة الحصن 250 نسمة ، كانت معظم هذه القرى تعج بساكنيها ولكن نتيجة للهجرة للمدن ، ولعدم توفر الأعمال بأريافهم ولعدم وجود الخدمات العامة ، ولكن يظل القلب والعقل معلقاً بعشه ومسقط رأسه وإن كان الجسد هناك نتيجة ظروف قاسية .
ويسكن هذه القرية آل السومحي ، وشيوخ آل بن مالك، وتبعد عن دوعن حوالي 47كم .
وذكر الشعراء بريرة في أشعارهم فقال الشاعر :
كم لي ونا خائل شروج أبريرة **
وارجع مغب ما شربي إلا من حنور **
وبريرة في اللغة العربية هي حبوب الأراك الحمراء وهي صغيرة ، ومعظم الطيور تتهافت على أكلها ، وهي طبياً فاتحة للشهية ولها فوائد كثيرة.
قرية الحيسر
قرية الحيسر تعتبر الثانية من حيث عدد السكان كثافة بعد قرية لبنة، حيث يبلغ عدد سكانها 2500 نسمة، وتبعد عن دوعن حوالي 45كم من جهة الجنوب، وتبعد عن قرية الخضراء 3 كم فقط، وسكانها هم من آل بارشيد بفتح الشين وهم من قبائل نوح .
يوجد بها عدد من الحصون الأثرية التي بنيت عام حوالي 1664 م .
ولقد امتدح الشاعر المرحوم علي سعيد السومحي حصونهم في أحد الأعراس فقال :
وسلام لك يا حصن محكوم العكر **
يا ذي سواسك مستقلة للبرود**
والناس لمع الناس والكون اعتمر**
والبرد يحتاج الحطب من كل عود **
(والعكر ) بضم العين والكاف هي الفتحات التي تحيط بالحصن وقد شرحناها في حصن الخضراء.
أهم معالم القرية
مجمل بيوت أهل الحيسر من طابق واحد وتمتاز بكبر مساحتها وروعة تصميمها وتنسيق شوارعها ، ويوجد بها مدرسة بنيت عام 1965 م وتم تجديدها على حساب أهل الخير والصندوق الاجتماعي عام 1997م، وعدد الطلاب الدارسين فيها 400 طالب . ويتوسط القرية مسجد الجامع الذي بني عام 2005م وتضم قرية الحيسر ستة مساجد إضافة إلى الجامع الكبير الذي بناه رجل الأعمال فيصل بن زعيبان ويتسع لأكثر من 800 مُصَليٍّ .
وينتشر بقرية الحيسر عدد من الدكاكين الصغيرة لتلبي حاجات المواطنين وأشهرها على الإطلاق (دكان باحميش ) فهو أشهر من نار على علم للغريب وعابر السبيل، ففيه كل ما يحتاج إليه المواطن من كل القرى المجاورة من مواد غذائية ومواد كهرباء وأعشاب طبية وغيرها ، وأهل باحميش عرفوا بالكرم وحسن الضيافة للغريب وعابر السبيل ، وهم معروفون بأخلاقهم وحسن تعاملهم مع الجميع .
وعلى بعد عدة أمتار توجد (محطة باجحيش) ودكانه لقطع غيار السيارات، وبهذا يوجد شبه اكتفاء للخدمات الضرورية بقرية الحيسر .
خدمات طبية
تعتبر عيادة الدكتور عبدالله أحمد بارشيد الملقب ( باقديم) الحاصل على تمريض مهني ، خدمة جليلة يقدمها لقريته وعمل إنساني لكل المرضى ، ويديرها وحده، ففيها صيدلية ومختبر وغرفة ترقيد ، ويستفيد من هذه العيادة الخاصة أكثر من 15000 مواطن من كل القرى المجاورة ومن بطون الأودية والجبال والسهول ، وله جهود جبارة في خدمة كل الناس إلى جانب عيادة أسنان التى تم افتتاحها عام 2014 م للدكتور عمر باحميش.
ولا ننسى الطبيب العربي لتجبير الكسور محمد علي بارشيد الملقب ( باعمر) الذي عالج الكثير من المرضى مجاناً لوجه الله . وهذه القرية هي مسقط رأس التاجر المقاول المعروف عبدالملك محمد بن مالك صاحب مؤسسة وشركة ابن مالك للمقاولات.
أهم أسواقهم
انتشرت أسواق أسبوعية في معظم مناطق محافظة حضرموت ، منذ التسعينات وواضح أنها جاءت من شمال اليمن لتضع بصمتها في جنوبه .
ذكر الكاتب محمد بن صويلح في استطلاع في مجلة دوعن العدد 14 لعام 2015م بعنوان ( دوعن الأرض والإنسان) فقال ما نصه : ( تقام بوادي دوعن أسواق أسبوعية أهمها سوق الثلاثاء ( سوق الثلوث ) والذي يقام بمنطقة مدهون بالوادي الأيسر ، وسوق الأربعاء ( سوق الربوع ) ويقام بمنطقة بضة بوادي دوعن الأيمن والذي تأسس عام 1993م والذي كان سابقاً سوقاً سنوياً ويعتبر أكبر سوق يقام بالمديرية…) .
وإضافة لما ذكر الكاتب هناك سوق الإثنين بالفرضحة الذي أقيم حوالي عام 1995م ويبعد عن الحيسر 4 كم فقط، وهو سوق للجلب ( المواشي ) والخضروات وقضاء الحوائج للمواطن من أطعمة وملابس وكل ما يطلبه من متطلبات الحياة تجده هناك .
وهناك سوق السبت بالضليعة وغيرها من الأسواق الأسبوعية المنتشرة في طول البلاد وعرضها .
لبنة وحصنها الكبير
قرية لبنة من أكبر القرى على هضبة مرتفعات حضرموت بدوعن حيث يبلغ سكانها 5000 نسمة حسب إحصائية عام 2008م، وسكانها هم آل بارشيد، وتبعد عن دوعن حوالي 55 كم، وتبعد عن الحيسر قرابة 4 كم فقط .
التسمية : حيث جاء في قاموس المعاني اللبنة : واحدة اللبن قالب مربع أو مستطيل مضروب من الطين يستعمل للبناء .ولبنة : ذات لبن وشاة لبون بمعنى ذات لبن كثير وغزير .
ولست أستبعد أن تكون سميت لبنة لجمال بيوتها واهتمامهم بطليها بالطين الأبيض من الداخل والخارج كلما تعرضت للأمطار أعيد ترميمها. فالناظر إليها يشاهد لؤلؤة بيضاء تتلألأ، ويعكس بياضها لوناً فضياً فيخالط أشعة الشمس فيضفي جمالا على جمال ومنظراً خلاباً .
وأول ما يشد زائر القرية الكبيرة حصنها الكبير ، الذي يخيل للزائر بأنه قلعة لشكله الجذاب رغم تصدع بنائه ، وأعتقد أنه بني في زمنٍ يسير يظهر سرعة بنائه، لذلك لم تُراعَ فيه صلابة البناء واختيار مواده، وقد بني عام 860 هجرية .
وعلى جهة الجنوب تقع عينك على (حصن السرين ) الذي بني عام 860 هجرية وقد أثرت عليه السنون فانهار الجزء العلوي منه عام 1340 هجرية وتم ترميمه في عام 1421هجرية .
ويتوسط قرية لبنة مسجد الجامع الذي جدد سنة 2004م ويتسع المسجد لأكثر من 1500 مُصَلٍّ ، وعلى مسافة من المسجد الجامع تم بناء مدرسة للبنين عام 1962 م وجددت عام 2012م، وتعتبر من المدارس القديمة بأرياف مديرية دوعن، ويدرس فيها 700 طالب ، وعلى بعد أمتار منها توجد مدرسة للبنات وقد بنيت في التسعينات لتلحق الفتاة بزميلها الطالب وتنهل من نبع العلم وتقضي على التخلف والجهل، وعدد الطالبات بهذه المدرسة 400 طالبة .
وعلى ربوة تم بناء مستوصف لبنة عام 2005م وتم افتتاحه رسمياً عام 2013 م بطاقم طبي متواضع جداً لا يتجاوز عددهم سبعة أفراد ومديرهْ الدكتور عبدالله أحمد بارشيد، ويستفيد من هذا المستوصف أكثر من 15000 مواطن من كل قرى المناطق المجاورة، بل حتى من مديرية حجر رغم شحة الإمكانات .
حصن ظمأ للجماسرة
حصن ظمأ أحد الحصون القديمة للجماسرة وهم من قبيلة نوح ، ويبعد حصن ظمأ عن قرية الحيسر 1 كم فقط وهو منفرد على هضبة، ويبدو عليه تصدعات وهدم، وبني تقريباً عام 850 هجرية ، وعلى ذكر الجماسرة فقرية الخضراء واقعة في أرضهم ولكن تم وهبها لباصريح ، ولذلك قصة مفادها أن كلاً من الجمسري وباصريح تزوج أخت الآخر وصار بينهما صهارة وقرابة ، ودارت الشهور فرزق الجمسري بمولود من أخت باصريح ، فلما علم بذلك (قهواه بجمل ) .. (والقهوة ) بالعرف القبلي هي البشارة سواء كانت نقوداً أو أي شيءٍ يدخل السرور للطرف الآخر . ودارت الدائرة فرزق باصريح من أخت الجمسري بمولود ، فانتشر الخبر بين الناس أن باصريح كانت قهوته للجمسري جملاً ، وكان الجمل في ذلك الوقت أغلى ما يباع ويوهب ، فتشاور الجماسرة وكانوا يمتلكون أراضي شاسعة وكبيرة ، ولابد من رفع رؤوسهم عند القبائل ، فذهب الجمسري لباصريح وقال له : ( بالأمس قهويتني ببعار ( بعير ) بضلوعه .. واليوم أنا أقهويك شعب بفروعه.. ) . ووهب له شرج الخضراء الذي كان أرضاً ميتة ، فأحياها بعد ذلك وأصبحت ملكاً من أملاك آل باصريح .
ومن أهم المقادمة الذين يتمتعون بذاكرة حديدية لعاداتهم وتقاليدهم المقدم أحمد سالم سويد باصريح وهو أحد مقادمة آل سيبان، انظر اللقاء الذي أجريناه معه في مجلة شعاع الأمل العدد 146 لسنة 2014م .
عادات وتقاليد موروثة
تكاد تكون معظم العادات والتقاليد متشابهة في مرتفعات هضبة حضرموت كلّها بين القبائل الشيوخ جميعها وكل طوائف المجتمع . فإكرام الضيف وعابر السبيل ، وإغاثة الملهوف ومشاركة الناس أفراحهم ومواساتهم عند حزنهم وخاصة عند تقارب المسافات هي صفات تعتبر من النخوة والقبولة التي ولدت وعاشت معهم .
التحاكم لمقدم القبيلة في كل شؤون حياتهم هو روح تماسكهم وسر قوتهم .
ولكل قبيلة قوانين ونواميس يتحاكمون إليها في السراء والضراء لتنظيم شؤون حياتهم ، وفض النزاعات بين وبين القبائل الأخرى ، ولمزيدا من المعلومات عن هذه القوانين والنواميس القبلية، انظر مقالنا في مجلة شعاع الأمل العدد 150 لعام 2014 م بعنوان ( قبائل سيبان تحت المجهر وعادة حسن والجويد ماذا تعني وما مضمونها ؟!!) .
بهذا نكون وضعنا لمحة شاملة عن حصون قبائل نوح وسيبان وعاداتهم وتقاليدهم واستطلاع وبحث وتاريخ ملم بكل مناطقهم التي توجد بها حصونهم ، ليأخذ القارئ فكرة شاملة عن هذه القبائل التي تعتبر من القبائل ذات الشهرة والصيت في حضرموت ، وما هذا إلا فيض من غيض من هذا الإرث التاريخي الأصيل.
أهم المصادر والمراجع :
* كتاب ( المقدم الشاعر سعيد بن سالم بانهيم المرشدي وشعراء آخرون مع عادات وتقاليد من سيبان ) .
* مجلة شعاع الأمل العدد 159 لعام 2015 م .
* مجلة دوعن العدد 14 لعام 2015 م .
* مجلة شعاع الأمل العدد 146 لعام 2014 م .
* مجلة شعاع الأمل العدد 150 لعام 2014 م .