شخصيات
أ.د. محمد يسلم عبدالنور
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 4 .. ص 46
رابط العدد 4 : اضغط هنا
ترجمة المؤلف ([1])
أولاً: اسمه ونسبه:
هو: عبد الله (عبد حسين) بن حيمد مبارك بن عمر بن عوض بامعبد، وينتهي نسبه إلى الشيخ الولي محمد بامعبد (ت 671 هـ) صاحب عين با معبد الواقعة في حد حضرموت الجنوبي الغربي، ويلقب بأبي البشر.
ثانياً: ميلاده ونشأته:
ولد بمنطقة السويري الضاحية الجنوبية لمدينة تريم سنة 1303هـ، ونشأ نشأة حسنة وصالحة، وقرأ “القرآن” على المعلم عمر بن عبود باعطب، وحفظه عن ظهر قلب، ولعله أخذ مبادئ اللغة والحساب والفقه وأساسياته على شيوخ منطقته وللأسف لم تتحفنا المصادر بأكثر من ذلك.
ثالثاً: شيوخه ورحلاته العلمية ([2]):
في سنة 1320هـ أدخله والده رباط تريم، وأقام فيه سنة ثم رافق والده في السفر إلى السواحل -مهجر الحضارم الأول –وظل مع والده في هذه الرقعة الجغرافية المعروفة بجنوب شرق أفريقيا ولعل الهجرة كانت لغرض التجارة والعمل وظل بها إلى سنة 1325هـ حيث عاد ليلتحق من جديد بالرباط، ويقيم فيه سنتين.
في “رباط تريم” أخذ عن شيخه وأستاذه الشيخ عبد الله بن عمر الشاطري (ت1361هـ) وقرأ عليه في المختصرات الفقهية وغيره من شيوخ الرباط من أمثال الشيخ أحمد بن عبد القادر العيدروس (ت 1338هـ). وقد اتصل أيضاً بشيخه الشيخ شيخ بن عيدروس العيدروس (ت 1330هـ) من حين عودته من سنة 1325هـ حتى سفره إلى المناطق الشمالية من اليمن سنة 1328هـ، كما ارتبط بعلاقة وثيقة وحميمة مع شيخه الشيخ عبدالله بن علوي بن زين الحبشي (ت 1343هـ) حيث كان يتردد إليه في مسقط رأسه بثبي في صباه مرات؛ وكانت العلاقة الوطيدة بين شيخه ووالده الذي كان يستشيره في مهماته وأموره، كما رافق شيخه الحبشي سنة 1325هـ إلى سيئون لزيارة الشيخ الصوفي علي بن محمد بن حسين الحبشي (ت 1333هـ) وكان المترجم له كثير الجلوس والاعتكاف عند شيخه الحبشي، وأطول مدة مكث عنده ستة أشهر قرأ عليه في كتب متعددة تفسيراً وحديثاً وفقهاً وتصوفاً منها: “صحيح البخاري”، و”تفسير ابن عباس”، و”تفسير الواحدي ” و”التنبيه” و”لمهذب” للشيرازي، و”إحياء علوم الدين” للغزالي، و”المنح السنيه على الوصية المقبولية” للشعراني و”رسالة المعاونة” للحداد، و”عقد اليواقيت الجوهرية” للحبشي، كما انه قرأ على ابنه حسين (ت1368هـ) “ملحة الإعراب”.
في سنة 1327هـ خرج السيد مصطفى بن أحمد بن محمد المحضار (ت1374هـ) من دوعن لزيارة تريم ومآثرها وعلمائها وصحبه عدد من العلماء والمريدين منهم الشيخ أحمد بن حسن العطاس (ت 1334هـ) وكانت فرصة للمترجم وحسن حظه أن يلتقي بهم ويأخذ عنهم ويجيزونه مع آخرين، ولم يطل المترجم له الإقامة بتريم فقد ألزمه والده بالسفر إلى المناطق الشمالية والحرمين الشريفين لكسب العيش والأخذ والتلمذة على علمائهم، فخرج من تريم في 10 شوال سنة 1328هـ ووصل بندر ميدي في 15 من ذي القعدة الحرام من العام نفسه وظل بها حتى 22 من الشهر نفسه حينما أخذته ساعية بحرية ليصل مكة يوم عرفة مع طلوع الحجاج إلى مشعر عرفات ومن الله عليه بالحج وأقام بمكة حتى العاشر من محرم سنة 1329هـ، وفي هذه المرة زار الشيخ حسين بن محمد بن حسين الحبشي (ت 1330هـ) وأخذ عنه.
خرج المترجم له من مكة في العاشر من محرم سنة 1329هـ إلى جدة عائداً فوصل بندر ميدي وأقام بها مدة ، فالتقى بعدد من الشيوخ الحضرميين منهم عبدالله بن محمد بن عبود البار وعبدالله بن علي باسند العمودي إلى شهر ذي القعدة من العام نفسه حينما وصل والده برفقة السيد عبدالله بن علوي الحبشي (ت 1343هـ) وابنه حسين (ت 1368هـ) وآخرين قادمين من تريم لأداء فريضة الحج فرافقهم المترجم له ووصلوا مكة في الخامس من ذي القعدة وأدوا فريضة الحج، وكانت فرصة سانحة للمترجم له أن يأخذ ثانية عن الشيخ حسين بن محمد بن حسين الحبشي (ت 1330هـ) ويزوره في بيته بجرول بمكة ويستأجزه.
ظل المترجم له بمكة حتى فاتحة محرم الحرام سنة 1330هـ ليذهب إلى المدينة المنورة ثم ليعود مرة أخرى مع والده إلى المناطق الشمالية (تهامة) بندر ميدي ويقيما بها أشهراً ثم يتجها إلى حضرموت ليوصلا تريم في شعبان سنة 1330هـ وذلك قبل عشرة أيام من وفاة شيخه شيخ بن عيدروس بن محمد العيدروس الذي توفي في 26 شعبان سنة 1330هـ.
وبعد وفاة شيخه العيدروس يخرج با معبد من تريم متجهاً إلى حريضة لزيارة شيخه أحمد بن حسن بن عبد الله العطاس (ت 1334هـ) ويعرج قبل زيارته له على ذي صبح يزور السيد محمد بن الحسن بن صالح البحر الجفري.
ومن مشاهير علماء تريم الذين أخذ عنهم وقرأ عليهم المترجم له ، الشيخ محمد بن أحمد الخطيب (ت 1350هـ) حيث قرأ عليه المختصرات الفقهية و”التنبيه” للشيرازي و”الرسالة القشيرية”، والشيخ عبدالله بن أحمد بن عبدالله الخطيب (ت 1354هـ) فقد قرأ عليه في عدة علوم حديثاً وفقهاً وتصوفاً فمن جملة ما قرأ عليه: “الاقناع” للشربيني، و”الإحياء” للغزالي، و”التنوير في إسقاط التدبير” لابن عطاء الله، و”قوت القلوب” لأبي طالب المكي، و”شرح الحكم” لابن عباد، و”شرح قصيدة من ذاق شراب القوم يدريه” لابن علان ، و”منازل السائرين الى الحق عز شأنه ” لإسماعيل الأنصاري الهروي، و”بستان العارفين ” و”التبيان في آداب حملة القرآن” للنووي، و”الرسالة القشيرية” و”لابريز من كلام الشيخ عبدالعزيز الدباغ ” و”جواهر القرآن” للغزالي، و”مدارك المرام في مسالك الصيام ” للقسطلاني، و”بشرى الكئيب بلقاء الحبيب” للسيوطي، و”الوفاء بالعهود لأصحاب اللحود” للحفظي، و”ميزان الخضرية” للشعراني ، و”رياض الصالحين” للنووي، و”كتاب الشكر” للحافظ ابن أبي الدنيا، و”إكرام الضيف” للحافظ أبي إسحاق إبراهيم الحربي، و”حياة الأنبياء” للبيهقي، “والشفاء” للقاضي عياض، و”الإتقان في علوم القرآن” للسيوطي، و”اليواقيت والجواهر في عقائد الأكابر” للشعراني.
سافر المترجم له مرة أخرى إلى المناطق الشمالية من اليمن سنة 1338هـ ومكث بها إلى سنة 1340هـ وفي سفره هذا يتوفى والده حيمد بن مبارك بامعبد أول ربيع سنة 1338هـ، وبعد عودته نجده يقوم بزيارة لعدد من شيوخ وعلماء حضرموت في مناطقهم فاتجه شرقاً وزار الشيخ سالم بن حفيظ بن الشيخ أبي بكر بن سالم (ت 1378هـ) في مشطة، ثم يتجه غرباً ويبدأ بالغرفة لزيارة السيد حسين بن طاهر بن عبدالقادر الحبشي الذي كان قد اجتمع به في تريم، ثم يتجه إلى وادي عمد ويحط رحله بقيدون عند الشيخ عبدالله بن طاهر بن عبدالله الهدار الحداد (ت 1367هـ) ثم يتجه إلى القويرة لزيارة شيخه مصطفى بن أحمد بن محمد المحضار (ت 1374هـ) وكان يستأجز من هؤلاء الشيوخ.
وتشير تلك المصادر بأن المترجم له قد غادر حضرموت إلى المدينة المنورة سنة 1341هـ واجتمع بها بالسيد علي بن علي بن حسين الحبشي (ت 1354هـ) وكان قد قصد قبل ذلك ميدي والحديدة ، ففي الأخيرة اجتمع بالشيخ أحمد بن عبدالله بن أحمد المراوعي الأهدل بالمراوعة ولازمه ولم يفارقه طيلة وجوده بها لا صباحاً ولا مساء، كما اجتمع أيضاً بالشيخ محمد طاهر بن عبدالرحمن بن محمد بن عبدالباري الأهدل (ت 1347هـ) وأقام عنده ثمانية أيام وقرأ عليه “بردة البوصيري ” و”التبيان في آداب حملة القرآن للنووي” كما حضر معه مدارسة القرآن في شهر رمضان، واجتمع بالأولى بالشيخ يحيى بن عبدالله بن يحيى مكرم وقرأ عليه “صحيحي البخاري ومسلم”.
عاد بامعبد من الحجاز سنة 1342هـ ومر على المكلا واجتمع بالسيد حسين بن علي بن هود العطاس (ت 1345هـ) وتردد عليه وقرأ عليه كتاب “التنوير في اسقاط التدبير” لابن عطاء الله، كما تردد كذلك على السيد أحمد بن محسن الهدار (ت 1357هـ) الذي كان قد اجتمع به قبل ذلك في تريم، وبوصوله إلى تريم ومن سنة 1345هـ لازم شيخه عبد الله بن عيدروس بن علوي العيدروس ملازمة تامة ولم تفته غالب مجالسه ومدارسه حتى وفاته سنة 1347هـ والمترجم جالس عند رأسه.
ومنذ وفاة شيخه العيدروس سنة 1347هـ إلى سنة 1370هـ نجد أن با معبد كان متنقلاً بين اليمن (الحديدة) والحرمين الشريفين (مكة والمدينة) فقد غادر تريم متجهاً إلى المراوعة بالحديدة وحضر شهر رمضان عند شيخه أحمد بن عبدالله بن أحمد الأهدل (ت 1350هـ) سنة 1347هـ، كما زار كذلك شيخه محمد طاهر بن عبدالرحمن الأهدل (ت 1347هـ) وأقام عنده عشرة أيام، ثم اتجه إلى مكة واجتمع بالشيخ سليمان بن محمد الأهدل، ثم اتجه إلى الحجاز حتى سنة 1350هـ ليعود أدراجه إلى الحديدة مرة أخرى ليجتمع أيضاً بشيخه سليمان الأهدل، ولا ندري هل ظل المترجم له بالحديدة حتى سنة 1356هـ أم عاد إلى مسقط رأسه؛ لأنه في هذا العام قد التقى بالسيد عبدالله بن طاهر بن عبدالله الهدار الحداد (ت 1367هـ) عند قدومه من جاوة ولازمه بمكة وصحبه في خروجه من مكة إلى المكلا، وأثناء اقامة الحداد بالمكلا لزمه وقرأ عليه “الفتح الكبير” و”الجامع الصغير” للسيوطي بجمع يوسف النبهاني، و”التبيان في أقسام القرآن” لابن القيم.
وفي سنة 1358هـ اجتمع المترجم له بالسيد عيدروس بن سالم بن عيدروس البار (ت 1367هـ) في مكة ويقرأ عليه “رسالة المريد” للإمام الحداد، و”الأربعين العجلونية”، كما اجتمع بالمسجد الحرام بالشيخ مصطفى بن يوسف الحمامي المصري، ولعله مكث بمكة منذ هذا التاريخ فنجده أيضاً قد اجتمع مرة أخرى بالسيد البار سنة 1359هـ و 1364هـ و 1365هـ بل إلى ما بعد ذلك لأنه في سنة 1361هـ زار الشيخ محمد بن عبدالرحيم القادري الجيلاني ، بيته بالمدينة المنورة ،وزار كذلك بعد عام سنة 1362هـ عدداً من الشيوخ الوافدين إلى المدينة المنورة القادمين من خارجها أو المجاورين بها منهم الشريف المأمون المغربي، ومحمد المجتبى المغربي، وعبدالقادر بن توفيق بن عبدالحميد الشبلي (ت 1369هـ) الذي درس بالحرم النبوي، ويزوره مرة أخرى سنة 1365هـ، ومحمد عبدالباقي بن ملا علي بن ملا معين الأنصاري وكان يستأجز من هؤلاء الشيوخ.
وفي سنة 1367هـ يزور بمكة الشيخ أحمد بن أبي بكر التبر الحسني المغربي والشيخ محمد بن علي بن حسين المكي المالكي (ت 1367هـ).
وفي سنة 1371هـ يخرج بامعبد من المكلا ولعله حين قدومه من الحجاز ويسلك طريق وادي دوعن ويمر على القويرة لزيارة شيخه مصطفى بن أحمد بن محمد المحضار (ت 1374هـ) وهي الزيارة الأخيرة له، ويصل إلى مسقط رأسه تريم ويظل بها قائماً ملقياً عصا التسيار، إذ إن سنه الذي قارب السبعين لا يمكنه من الرحيل والهجرة عنها كما دأب من قبل وعهدناه في مسار حياته؛ متنقلاً من هنا وهناك، فيظل بتريم حتى وفاته.
رابعاً: صفاته وخلقه:
يشير كل من يذكر المترجم له بأنه كان يمتاز بنوع من الدعابة والظرافة ويميل إلى النكتة وخفة الروح التي صاحبت خفة الجسد، جعله محبوباً ومقرباً في مجتمعه فضلاً عند شيوخه وأقرانه، ويحكى عنه حكايات وظرائف ومواقف في هذا السياق؛ لا نطيل بذكرها.
خامساً: مؤلفاته:
للمترجم له عدد من المؤلفات والمجاميع هي نتاج رحلاته ومشواره العلمي وانتقاله من مكان إلى آخر وأخذه عن عدد من الشيوخ والعلماء سواء منهم على المستوى المحلي أم على مستوى اليمن أم العالم الإسلامي، وهي حسب ما وقفنا عليه في مكتبة الشيخ محمد بن سالم بن حفيظ (ت 1392هـ) التي آلت إليه بالشراء والمحفوظة لدى أبنائه، والمودعة صورة منها بمركز النور للدراسات والأبحاث؛ ولعل العلاقة الوطيدة والحميمة التي ربطت بين الأسرتين حافظت على نتاجه عند الأسرة الأخيرة، وهي على النحو الآتي:
1) نبذة في قواعد الرسم في التهجي وقواعد الكتابة.
2) سبيل المهتدين إلى معرفة أحكام الدين.
3) تحفة المريد بأخبار الرحلة إلى زبيد، وهو خلاصة رحلاته إلى زبيد حيث قدم فيه وصفاً جغرافياً وتاريخياً لهذه المدينة العلمية وما حوته من معالم أثريه وعلماء وشيوخ على مر عصورها حتى عصره وارتباطه بعلمائها.
4) منح القدوس في مناقب الحبيب عبد الله بن عيدروس العيدروس وهو في سيرة ومناقب وصفات شيخه الذي لازمه حتى وفاته سنة 1347هـ
5) مجموعة فوائد وإجازات تلقاها من شيوخه.
6) مكاتبات واردة إلى عبد حسين بن حيمد بامعبد وهي معظمها وصلت إليه وهو في المهجر وأكثرها من شيخه عبد الله بن علوي بن زين الحبشي (ت 1343هـ).
7) مجموع يحتوي على عجائب وغرائب وفوائد وحكم نثراً ونظماً جمعه لنفسه ولمن شاء من أبناء جنسه منقولة من عدد من الكتب والمجاميع الكلامية؛ وحوى كذلك بعض المسائل الفقهية مثل صلاة الخمسة الفروض ورأي القضاء الشرعي بالمكلا وردود علماء حضرموت عليها، وأخرى عن صلاة التسبيح لعبد الله بن أحمد بلفقيه.
8) مرآة النظر فيما لأبي البشر من مشايخ وذكر ما تيسر لبعضهم من شمائل وسير.
سادساً: وفاته:
ذكرنا سلفاً أن بامعبد خرج من المكلا سنة 1371هـ إلى مسقط رأسه تريم ماراً بدوعن وظل بالأولى إلى حين وفاته يوم الأربعاء 28 شوال 1378هـ، ودفن بمقبرة زنبل أمام قبة السيد عبد الله بن شيخ بن عبد الله العيدروس تحديداً عند الباب الجنوبي (البحري) منها محاذياً بالركن الجنوبي الشرقي، بجانب قبر الشيخ محمد بن سعيد الزبيدي في صف واحد (سلق) وقبره ظاهر، رحمه الله رحمة الأبرار وأسكنه فسيح الجنان.
اعداد
د. محمد يسلم عبد النور
استاذ التاريخ الاسلامي وحضارته المشارك .. جامعة حضرموت
([1]) مصادر ترجمته: مؤلفاته وما سمعناه عنه، الدليل المشير صـ 205، إدام القوت 66، لوامع النور 2/96.
([2]) لم نذكر جميع شيوخه، وانما ركزنا على أشهرهم ومن له علاقة وطيدة به أو ارتحل إليهم.