دراسات
طاهر ناصر المشطي
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 4 .. ص 89
رابط العدد 4 : اضغط هنا
تمهيد :
لم تحظ المنطقة الساحلية من حضرموت بالدراسات الأثرية الكافية لسبر أغوارها و دراسة تاريخها ، إلا منذ فترات متأخرة ، و إلى فترة قريبة جداً ، لم يكن يعرف من موانئ حضرموت القديمة سوى ميناءين فقط هما ميناء قنا ( عر ماوية ) ـ الميناء الرئيس لدولة حضرموت و لجنوب الجزيرة العربية في تلك الفترة الذي بدأت دراسته منذ عام 1983 إلى 1991م ، عندما قامت البعثة الأثرية اليمنية السوفيتية بأعمال الحفر و التنقيبات [1] . ، و ميناء ( سمهرم / خور روري / Moscha ) في إقليم ظفار و هو الميناء الثاني لدولة حضرموت القديمة بعد ميناء قنا ، الذي بدأت دارسته منذ عام 1952م عندما شرعت بعثة أمريكية للآثار في أعمال الحفر في موقع خور روري ثم البعثة الإيطالية و أخيراً البعثة الفرنسية حوالي سنة 2000م . لم يعرف عن موانئ حضرموت القديمة غير هذين الميناءين فقط ، حتى ميناء الشحر ( لسعا ) الشهير لم يتم اكتشافه إلا سنة 1995م من قبل البعثة الفرنسية [2].
إلا إنه في الفترة بين عامي 1996-1999م ، أجريت مسوحات واسعة على الخط الساحلي الحالي من حضرموت و المهرة ، بين مدينة الشحر والحدود العمانية ، ود راسات أخرى على سواحل سلطنة عُمان ، وقد أجريت هذه الدراسة كجزء من برنامج الدراسة على موانئ المحيط الهندي، و هو برنامج معتمد من قبل شعبة علم الآثار والأبحاث في العلوم الاجتماعية التابعة لوزارة الشؤون الخارجية الفرنسية (DGCID) ، و كانت هذه المسوحات بمسئولية الباحثة الفرنسية الدكتورة أكسل روجيل ( Axelle Rougeulle ) ، من المركز الوطني للبحث العلمي ـ وحدة الأبحاث المشتركة ( CNRS – UMR 8167 ) ، بمعمل العصر الإسلامي الوسيط ، و بدعم من وزارة الشئون الخارجية الفرنسية ( الإدارة العامة للتعاون الدولي و التنمية ) ، و المركز الوطني للبحث العلمي برنامج موانئ المحيط الهندي ، وبالتعاون مع الهيئة العامة للآثار والمتاحف اليمنية ( صنعاء و المكلا ) [3] . و كان من نتائج هذه الدراسات اكتشاف العديد من الموانئ القديمة التي كان بعضها نشطاً خلال فترة حضارة جنوب الجزيرة العربية و العصور الإسلامية المبكرة ، و من أهم هذه الموانئ : ميناء شرق الشحر ( لسعا ) ، ميناء الشحر الإسلامي ( فترة العصور الوسطى ) و موانئ شرمة ، و المصينعة ، و حيريج ، و خلفات ( خلفوت ) ، و شروين ، و كدمة يعرب ( يروب ) ، … و غيرها من الموانئ . إلا إن ميناء حيريج كان أكثر هذه الموانئ حظاً من حيث عدد البعثات التي أجريت الدراسات الاستقصائية عليه بالمقارنة مع الموانئ الأخرى.
فما هي حيريج إذن ؟؟
حيريج أم المشقاص :
وصف صاحب كتاب : ( النسبة إلى المواضع و البلدان ) مدينة حيريج في القرن العاشر الهجري و ما قبله قائلاً عنها : هي بلدة مشهورة على ساحل البحر ، بحر ظفار، وهي أم المشقاص [4]، و فيها محمد الحشريت وشيوخهم الأشعثيون من كندة من ذرية الأشعث بن قيس بن معدي كرب الحضرمي ، وفي حيريج بندر يقصده أهل الهند ومقدشوه ويتوسمه[5] أهل الشحر وحضرموت ويحمل منه الكندر[6] و الصيفة[7] إلى عدن وبربرة وجُدّة، وإلى كل جهة ، ذكرها القاضي مسعود.[8].
هكذا كان بندر حيريج قبل القرن العاشر الهجري يعج بالحركة و النشاط الاقتصادي بين أقاليم حضرموت و المهرة و ظفار و موانئ المحيط الهندي ، كما كان مسرحاً للصراعات السياسية و العسكرية بين حكام هذه الأقاليم . وهو اليوم أطلال و خراب، يشهد على ذلك العصر في خجل و استحياء خاصة و قد تغيَّرت الكثير من ملامح المكان مع تقادم الزمان بفعل عوامل التعرية سواء بوساطة الأمواج أو السيول أو الرياح الأمر الذي أثر على جيومرفولوجية الموقع تأثيراً كبيراً بما في ذلك طمسها للكثير من الآثار و المعالم .
و لإبراز تاريخ هذا الميناء الذي كان له دور مميز في تاريخ حضرموت و المهرة قمنا برحلة بحثية ميدانية إليه لدراسته و استطلاعه ، و ذلك للتحقق من موقع قرية آل بالحاف و وادي ( بالحاف ) ، الذي دار جدلٌ حول موقعه ، و أنه كان المسمى لوادي الديس الشرقية [9] ، فكانت هذه الرحلة ، حيث كان انطلاقنا من مدينة الديس الشرقية يوم السبت تاريخ 10 يناير 2015م ، و قد شاركنا في هذه الرحلة رئيس جمعية التراث و الآثار بالديس الأخ جمال سالم قرنح ، و مجموعة من شباب بيت نمور من منطقة يضغط و هم الأستاذ أحمد كناش النموري المنسق لهذه الرحلة و الأخ السائق عوض أحمد محمد النموري و الأخ صالح أحمد محمد النموري المساعد بالإضافة إلى أخيكم الفقير إلى الله كاتب هذه السطور طاهر ناصر المشطي . وبهذا نتقدم بالشكر الجزيل لجميع الأخوة المرافقين لتحملهم عناء السفر خلال هذه الرحلة. كما نتقدم بالشكر الجزيل لمرشدنا الوالد علي بن محمد بن زين من قرية ذرفات الذي طاف بنا على قطاعات بلدة حيريج و مقابرها و حصنها و بقية أجزائها ، كما نشكر الباحث علي سعيد باكريت [10] على استضافته لنا في منزله ، و على المعلومات القيَّمة التي قدمها لنا ، كما نشكر مرافقنا داخل مدينة سيحوت الأخ أحمد سعد مسمار ، و منسقنا داخل سيحوت الأخ أحمد محسن السقاف . كما بحثنا أيضاً عن المصادر القديمة و الحديثة التي تحدثت عن هذا الميناء بما فيها نتائج البعثات الأثرية الألمانية و الفرنسية و كتب تاريخ حضرموت . و كانت النتيجة هذا البحث المتواضع الذي نأمل أن نصدره في كتيب إذا أتيحت لنا الفرصة، و قد أوجزناه في الآتي :
موقع الميناء :
يقع ميناء حيريج بمحافظة المهرة إلى الشرق من مصب وادي المسيلة ( عيص المسيلة ) بمسافة 8 كم ، و على بعد 4 كم إلى الغرب من سيحوت عند تقاطع دائرة العرض 15°11′ 39” شمال خط الاستواء ، مع خط الطول 51°12′ 32″ شرق جرينتش ، بين واديين صغيرين ، أحدهما شرقي يسمى وادي ( طيكر ) حيث تظهر آثار الميناء على الضفة الغربية منه عند المصب ، و الآخر غربي و يسمى وادي ( ذرفات ) الذي تقع على ضفته الشرقية قرية ( ذرفات ) و التي تبعد عن ميناء حيريج بحوالي واحد كيلو متر باتجاه الجنوب الشرقي.
أما حدود الموقع كما هو مبين من الخريطة المرفقة ، يحده من الشمال خط الإسفلت الدولي الطريق الواصل بين سيحوت و الشحر حيث يبتعد الجزء الشمالي من مقبرة حيريج عن خط الأسفلت بحوالي 200 متر فقط ، و من الجنوب . يحدها البحر و خور ( خليج ) صغير قديم قد امتلأ اليوم بالإرسالات الغرينية التي أرسبتها الأودية المجاورة ( المسيلة ، ذرفات ، طيكر ) ، و هي اليوم عبارة سبخات ، و من الشرق وادي ( طيكر ) و من الغرب وادي ذرفات .
أهمية الموقع :
تكمن أهمية ميناء حيريج في الآتي:
و هذه الأهمية ساعدت على الاتصال و التبادل التجاري بين وادي حضرموت و ميناء حيريج وبقية الساحل من خلال القوافل التجارية التي تنقل البضائع من سواحل المهرة عبر وادي المسيلة ( بالحاف ) إلى وادي حضرموت و العكس ، التي ربما وصلت من وإلى شبوة . وبذلك أصبحت حيريج همزة الوصل بين سكان وادي حضرموت وساحل المهرة و حضرموت من جهة و بينهما و المحيط الهندي من جهة أخرى .
الاستكشافات الأثرية للميناء :
اكتشف الميناء لأول مرة من قبل فريق روسي يترأسه الدكتور الكسندر سيدوف Dr. Alexander Sedov و ذلك عام 1990م ، و نظراً لقصر مدة إقامة الفريق الروسي في الموقع ظلت هذه الاكتشافات دون أي نتائج تذكر لدرجة عدم قدرة الفريق من التحقق بدقة من تاريخ المكتشفات السطحية و الاسم المحلي لها ، و في يناير كانون الثاني عام 1993م قام الفريق الألماني برئاسة Burkhard Vogt الذي كان يعمل على الهضاب الجنوبية المرتفعة من حضرموت بجولة قصيرة إلى مصب وادي المسيلة. وخلال ساعتين من البقاء في هذا الموقع تم فيها التعامل مع ما تبقى من البلدة الحضرية التي غطت جميع أنحائها بالكتل من الفخار والأواني الحجرية وغيرها من القطع الأثرية الأخرى، سرعان ما أدرك الفريق وبوضوح أن تاريخها يرجع إلى العصور الوسطى. التي لا يعرف عنها إلا القليل جداً من الآثار الإسلامية في هذه المنطقة. و من ثم تم دراستها لفترة وجيزة في عام 1993م من قبل فريق من معهد الآثار الألماني في صنعاء، و كان موقع الميناء الوحيد من كل هذا الساحل الذي قد تم رصده قبل بداية عمل البعثة الفرنسية في المنطقة، فقد كان الميناء مؤرخا في الفترة بين القرنين الرابع عشر إلى السابع عشر الميلادي ، و حدد الميناء المذكور في نصوص ذلك الوقت باسم ( حيريج / حيرج / Khayrig ) ، و قد تم دراسته في أثناء الاستكشافات الأولية للبعثة الفرنسية لعام 1995م ، ومن ثم دراسته مرة أخرى في عام 1996م [15].
وصف الميناء :
عند الدخول إلى الموقع الواقع جنوب شرق قرية ذرفات، تشعر بعظمة المكان، فالمقبرة لا تبعد عن خط الإسفلت الدولي سوى أمتار معدودة ، و هي مقبرة عظيمة جداً بها آلاف القبور الإسلامية فتشعر هنا بهيبة المكان و أنت تمر على آلاف الأموات في هذه القبور الصامتة … ، و بالاتجاه جنوباً تلاحظ آثار المباني و أساساتها ماثلة للعين مبعثرة هنا و هناك و بئر معطلة ، ثم تلة مخروطية موقع حصن حيريج الشهير في ذلك الزمان ، و آثار المسجد و عند اقترابك من موقع الميناء التي قد طمرته الرواسب تشم نسمات البحر فتشم معها عبق التاريخ و تحس بعظمة المكان .
تقول الدكتورة أكسيل روجول : ميناء حيريج هو موقع كبير جداً يمتد على مساحة تصل إلى أكثر من ثلاثين هكتارا على طول الضفة اليمنى لمصب وادي طيكر Ṭīkar أحد الأودية الكبيرة نسبيا [16] ( انظر الشكل ).
و عندما زارها عالم الآثار الألماني Burkhard VOGT سنة 1993م شبهها بميناء العصور الوسطى المتأخر في ( جلفار ) بإمارة رأس الخيمة. حيث قال : عند دخولي إلى الموقع لأول مرة اندهشت للغاية من خلال هذا الضرب من التشابه مع ميناء العصور الوسطى المتأخر في جلفار بإمارة رأس الخيمة. فهو مثل جلفار وهذا هو أفضل وصف للوضع العام لهذا الموقع الجديد [17] .
أقسام الميناء : ينقسم الميناء إلى أجزاء هي :
ترى الدكتورة أكسيل روجول إن ساحل حيريج يبدو أنه قد تشكل فيما مضى على خليج امتلأ اليوم بالرمال ، و يشكل زاوية قائمة عند مصب الوادي ، يعزل تلة مسطحة كبيرة موازية للبحر، مساحتها على وجه التقريب حوالي 9 هكتار ( انظر خريطة) ، قد تشكلت بالفعل في ذلك الوقت من العصور الوسطى ، و هذا الخليج يمكن أن يكون بمثابة الميناء ، أو على الأقل حماية طبيعية للمدينة المثبتة على شبه الجزيرة ( شكل خريطة اكسل ) .
و موقع هذا الخليج قد امتلأ اليوم بالرواسب السيلية التي أثرت عليها ملوحة البحر مما حولها إلى سبخات ، تستغل اليوم لتجفيف ( العيد ) . إلا أن آثار الساحل السابق في هذا القطاع واضحة ولكن: يبدو أن أجزاء كبيرة و رئيسية من الموقع قد مُسحت و جرفتها الأمواج العالية و بتأثير المد و الجزر ، إلا أن الأساسات الحجرية الأعمق فقط في بعض الأماكن منعت من اكتمال التآكل و النحت ، مما يترك بعض الجزر الصغيرة.[18].
العديد من الأساسات أو جدران المباني القديمة تظهر على سطح الأرض بين الحصى في وادي طيكر وعلى ضفته الغربية ، وقد حدد الفريق الألماني أحد الشوارع الرئيسية الكبرى العريضة الذي تصطف على كل جانب منه المباني المستطيلة المتجاورة، ربما هي عبارة عن منازل أو محلات تجارية، فضلا عن سور فاصل على طول الشاطئ الشمالي ( انظر الشكل ) . كما يوجد العديد من المباني، بما في ذلك مبنى كبير ومسجد صغير، وتقع أيضاً على طول الشاطئ الشمالي من الخليج، تواجه مع شبه الجزيرة، وفي منطقة البرزخ.
الميزة الرئيسية لحيريج هي وجود مقبرة كبيرة شاسعة غنية بها عدة الآلاف من القبور، والتي تمتد على مدى ما يقارب من مسافة 700 متر تقريباً من منطقة التجمعات الحضرية في الخليج حتى الطريق الحالي، وهي مساحة أكبر من المدينة . وتوجد ثلاثة قبور مبنية تقع إلى الشمال من هذه المقبرة ، ليست بعيدة عن الطريق. وقد تميزت بوضع شواهد عليها عبارة عن قطعة من كتلة منحوتة مستطيلة من الحجر الجيري محاطة بإطار و هي مزينة مع ألواح كبيرة المدرجة منقوشة واحدة منها مؤرخة بتاريخ 910هـ /1504م[19].
معظم القبور في هذه المقبرة عبارة عن قبور تقليدية ، باستثناء تلك الثلاثة القبور التي يبدو إنها لبعض أعيان حيريج . و من مشاهير المقبورين في هذه المقبرة الشيخ الأديب الصالح الفقيه عفيف الدين عبد الله بن أحمد أبا كريت والد الشيخ محمد المقبور بسيحوت ، المشهور بـــ عبد الله الأديب جد جميع آل باكريت الذي توفي سنة 667هـ [20] ، و الذي له زيارة لا تزال تقام إلى يومنا هذا ثالث أيام عيد الأضحى و لأهل المشقاص فيه اعتقاد [21] .
ترى الدكتورة أكسيل روجيل أن التوسع في المقبرة بدأ من الجنوب نحو الشمال لوجود. الجزء القديم من المقبرة مثبتة قرب التكتلات العمرانية للمستوطنة ( المدينة ) ، و تحول الدفن بعد ذلك تدريجياً نحو مناطق الأراضي الداخلية الشمالية [22] . ويلاحظ أن السيول المارة بوادي طيكر قد جرفت عدداً من هذه القبور .
هو لحماية الميناء و الدفاع عنه ومراقبة السفن القادمة إلى الميناء ، وهو الهيكل الأكثر بروزاً بشبه الجزيرة ، ويقع الحصن على التل الكبير المخروطي الشكل ، ارتفاعه حوالي 5 أمتار ، يقع في الزاوية التي يلتقي فيها وادي ( طيكر ) بالبحر ، و لا زالت آثار الحصن و بقاياه إلى يومنا ماثلة للعيان ، وإلى الشمال من الحصن توجد بئر قد بنيت جوانبها بالحجارة لحمايتها من الانهيار ، كما توجد آثار دفاعات حربية عبارة عن ( متاريس ) باتجاه البحر .
و تذكر المصادر التاريخية عندما دخل السلطان بدر بوطويرق حيريج و ذلك آخر النهار من يوم الأربعاء 21 جمادى الأولى سنة 942 هـ مع جماعة من الأشراف الزيدية و البدو وبعض القبائل الموالية له ، منَّع حصنها ، و جعل فيه أربعين رامياً منهم عشرة بنادقية ، و جعل فيه زربطانات[23] وملأه طعاماً و تمراً و ماءً [24] .
و ينسب هذا المسجد إلى الشيخ عبد الله القديم عبَّاد ، المتوفي سنة ( 687هـ ) ، الآخذ عن الفقيه محمد بن علي باعلوي [25] ، لم تبق من آثاره سوى كومة كبيرة من الركام ، هي عبارة بقية الجدران و السقوف .
موجز تاريخ حيريج :
يعود إنشاء ميناء حيريج إلى فترة العصور الإسلامية المبكرة . فالاستيطان فيه يعود تاريخه على الأقل إلى القرن العاشر الميلادي ( الثالث الهجري ). ويبدو في ذلك الوقت أن المدينة قد تمددت خارج شبه الجزيرة إلى حافة الخليج، والمقبرة كانت تقع على حافة المدينة. وكان الميناء بالفعل نشطاً في التجارة الدولية، و بالتأكيد فهو يقف على طريق خطوط سير السفن العباسية بين الخليج العربي والبحر الأحمر، ربما أيضا كان مكاناً لتوريد وعرض البخور المحلي ، وكان أيضا أحد الأماكن الرئيسية للانطلاق إلى جزيرة سقطرى[26] .
بلغت حيريج أوج ازدهارها خلال دولة أبي دجانة في ساحل حضرموت و المهرة : ( 825 ــــ 901هـ ) التي تنسب إلى سعيد بن فارس الكندي ، المكنى ( بأبي دجانة ) ، وأول ذكر لهذا الفارس سنة 825هـ ، ولعل هذه بدايات دولته [27] ، الذي اتخذ من ميناء حيريج عاصمة له ، و امتدت هذه الدولة في أوج قوتها إلى الشحر وكادت تمتد إلى ظفار وعدن إلا إن الأقدار حالت دون ذلك . ، كما اشتهرت بالدور الذي اضطلعت به في القرن السادس عشر الميلادي ( العاشر الهجري ) في الصراع بين البرتغاليين و السلاطين المحليين للسيطرة على ساحل حضرموت في ذلك الوقت [28] .
تم التخلي عن ميناء حيريج في القرن السابع عشر الميلادي ( الحادي عشر الهجري ) وهُجرت[29] منذ ذلك الوقت بالتدريج ، ونرى أن من الأسباب التي أدت إلى هجرها هو تراكم الرواسب في الميناء مما أدى إلى ضحالته ومن ثمَّ صعوبة رسو السفن فيه ، و كذلك إنشاء مدينة سيحوت المجاورة كميناء منافس لحيريج ، والتي اختطها الشيخ محمد بن عبد الله باكريت[30] بإشارة من شيخه عبد الله القديم [31]في القرن الثامن الهجري قبيل هجر حيريج ، كما يتحدث بذلك كثير من شيوخ آل باعباد ، وكان خراجُها خالصاً له ، إلا أنه يهدي مطبخ الشيخ القديم ما تسمح به نفسه [32] .
هكذا كانت حيريج حاضرة المهرة وحضرموت سطرت تاريخها في ظل تجاذبات إقليمية ودولية فسادت ردحاً من الزمن ثم بادت ، إلا أن ذاكرة المكان ، لا تزال تحدثنا عن ذلك الماضي ، وتخبرنا على ما دار عليها من أحداث .. ولاتزال تروي لنا الروايات والأخبار .. وسترويها إلى يوم القيامة .. ( يومئذٍ تحدث أخبارها بأن ربها أو أوحى لها .. )
[1] الشعيبي ، خالد صالح قاسم ( ميناء قنا من القرن الثاني قبل الميلاد إلى القرن السادس الميلادي ) رسالة دكتوراة من جامعة عدن سنة 2007م ص 52
[2] (Hardy-Guilbert & Rougeulle 1995, 1997a-b). and Axelle Rougeulle & Anne Benoist (Notes on pre- and early Islamic harbours of Hadramawt (Yemen) , Proceedings of the Seminar for Arabian Studies 31 (2001) p.203
[3] Rougeulle Axelle (Ḥayrīǧ, Šarwayn, Ḫalfāt, les ports anciens du Mahra ) Yémen. c. ixe-xiie siècles . Anisi 42 (2008), p. 377
[4] يطلق لفظ ( المشقاص ) على الجهات الواقعة إلى الشرق من مدينة الشحر و عكسها ( المعراب ) .
[5] يتوسمه أهل الشحرو حضرموت : يطلبون الكلأَ الوسمِّي ، و هو الكلأُ الناتج عن مطر الربيع .
[6] الكندر : اللبان ، نوع من أنواع العلك
[7] الصيفة : زيت كبد الحوت
[8] بامخرمة ، جمال الدين عبدالله الطيب بن عبدالله بن أحمد ، النسبة إلى المواضع والبلدان ص 257
[9] انظر: مفلح ، سالم فرج ( قرية بلحاف الاسم التاريخي لمدينة الديس الشرقية ) ، مجلة التراث الصادرة عن جمعية التراث بغيل باوزير العدد 15 لسنة 2007م
[10] الأستاذ علي سعيد باكريت ، باحث في تاريخ المهرة له كتاب بعنوان ( المهرة الأرض و السكان ) صادر عن دار جامعة عدن 1999م
[11] جاء في أحداث سنة 813 هـ : أخذ ابن فارس قرية آل بالحاف ( شمبل / 203 ) ،
[12] اطلع على هذه الوثائق الباحث الأستاذ علي سعيد باكريت و أكد لنا ذلك في مقابلة معه مسجلة بصوته ، في أثناء زيارتنا له بمنزله بسيحوت بتاريج 10 يناير 2015م
[13] لعل حملة السلطان بدر أبو طريرق على قشن سنة 953 هـ الدليل الواضح على أن وادي المسيلة هو ما كان يسمى بالحاف حيث جاء في الخبر : ( و كان خروج السلطان من الشحر في 22 ربيع الثاني إلى أن دخل وادي بالحاف و أقام فيه تسعة أيام بعد أن توصل محمد أبن بدر من حضرموت من طريق المسيلة ) ، فالمكان الذي انتظر فيه السلطان بدر لابد أن يكون ملتقى طريق الشحر و وادي حضرموت باتجاه الشرق . راجع تفاصيل الخبر في العدة 1 / 198 ، راجع أيضاً تاريخ الشحر لبافقيه أحداث هذه السنة ص 322 ، و كذا أحداث سنة 970 هـ حدوث غيث و أمطار و سيول كبيرة حيث قال : ( … و أخذ سيل حضرموت جملة خلائق من النساء و الرجال من المسفلة فمنهم من ظهر ميتاً في البحر نحو حيريج و سواحل جوانبها رجالاً و نساءً بحليهن لأنه كان يوم زينة عيد الفطر و قليل منهم تعلق بخشب النخل و سلم و أخربت أسوار كثيرة ، و أخذ من النخيل شيئاً لا يحصى و أخذ جميع ذبر المسيلة بوادي بلحاف و العيص و جعله رحبة … )
[14] Rougeulle Axelle (Ḥayrīǧ, Šarwayn, Ḫalfāt, les ports anciens du Mahra ) Yémen. c. ixe-xiie siècles . Anisi 42 (2008), p. 381
[15] ROUGEULLE Axelle (Ḥayrīǧ, Šarwayn, Ḫalfāt, les ports anciens du Mahra ) Yémen. c. ixe-xiie siècles . Anisi 42 (2008), p. 379
[16] ROUGEULLE Axelle (Ḥayrīǧ, Šarwayn, Ḫalfāt, les ports anciens du Mahra ) Yémen. c. ixe-xiie siècles . Anisi 42 (2008), p. 379
[17] ، يبدو هذا التشابه بينهما من عدة نواحٍ مشتركة منها : موقع الميناءين بأنها تقع على هامش السهل الساحلي و سفوح الجبال الساحلية مع سلسلة جبال ترتفع لنحو من 500 الى 600 متر، في الخلف وموازية للساحل في مسافة 4 أو 5كم .و منها : الخور في الميناءين ملئ بالغرين ( الطمي ) بسبب رواسب الأودية التي تصب بالقرب من الميناء ، و تآكل شاطئ البحر بشكل كبير و منها : نعومة التربة السطحية داخل مدينة الميناء و منها : التفاصيل الإنشائية فضلا عن تكوين وطبيعة مخزونها ….. إلخ . للمزيد من المعلومات راجع : ( Vogt ,1994 p.138 )
[18] Burkhard Vogt, (A Lost Late Islamic Port on the South Arabian Coast ) . Bulletin of Archaeology, The University of Kanazawa, Vol. 21, 1994 p.138
[19] Rougeulle Axelle (Ḥayrīǧ, Šarwayn, Ḫalfāt, les ports anciens du Mahra ) Yémen. c. ixe-xiie siècles . Anisi 42 (2008), p. 380
[20] شمبل ص 128
[21] هذه المعلومات استقيناها من مرافقنا الوالد علي بن محمد بن زين من سكان منطقة ذرفات
[22] Rougeulle Axelle (Ḥayrīǧ, Šarwayn, Ḫalfāt, les ports anciens du Mahra ) Yémen. c. ixe-xiie siècles . Anisi 42 (2008), p. 380
[23] مدافع صغيرة تعد للضرب
[24] العدة 1 / 179
[25]السقّاف ، السيد عبد الرحمن ابن عبيد الله ، ( إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت ) الطبعة الأولى 1425هـ ــ 2005م ، دار المنهاج للنشر و التوزيع بيروت لبنان ص .
[26] Rougeulle Axelle (Ḥayrīǧ, Šarwayn, Ḫalfāt, les ports anciens du Mahra ) Yémen. c. ixe-xiie siècles . Anisi 42 (2008), p. 381 نقلاً عن Tibbetts, « Arabia », p. 91.
[27]. بن زومة الجدحي ، سعد بن سالم بن علي ( تاريخ المهرة ، المسمى : التطواف حول تواريخ و مشاهير بلاد الأحقاف ) ، دار المستقبل للطباعة و النشر ، الطبعة الأولى 1434هـ ــ 2013م ص 151
[28] Serjeant, The Portuguese ; Vogt, « A Lost Late
[29] Rougeulle Axelle (Ḥayrīǧ, Šarwayn, Ḫalfāt, les ports anciens du Mahra ) Yémen. c. ixe-xiie siècles . Anisi 42 (2008), p. 380
[30] الشيخ محمد بن عبد الله بن أحمد باكريت ، أحد أعيان الساحل الحضرمي في القرن الثامن الهجري ، من أخص تلاميذ الشيخ عبد الله القديم عبَّاد ، توفي سنة ( 733هـــ ) بسيحوت ، له راتب مشهور ، و هو مجموعة أذكار و أدعية ، و من هذه الأذكار : ( يا الله لنا بالسعادة ، و الخاتمة و الشهادة . يالله بدعوة مجابة ، و العرش مفتوح بابه . ربِّ اسقنا غيث الإيمان ، غيث المودَّة و الإحسان . يا الله بنظرة من الله ، نظرة و فيها المسرة ) و غيرها
[31] هو الشيخ : عبد الله بن محمد باعباد ، المعروف بـ ( القديم ) المقبور بشبام سنة 687هـ
[32] السقّاف ، السيد عبد الرحمن ابن عبيد الله ، ( إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت ) الطبعة الأولى 1425هـ ــ 2005م ، دار المنهاج للنشر و التوزيع بيروت لبنان صـ 235 ، 236