مدارات
صالح حسين باعامر
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 4 .. ص 98
رابط العدد 4 : اضغط هنا
الدراما في الواقع هي حركة الأشخاص والصراع من أجل الحياة والعيش كل وفق نظرته وفيما يريد ويبتغي .. فكل له نظرته إلى هذه الحياة ، فثمة من يرى أن حياته لن تتحقق إلا إذا تمكن من الإمساك بكل أوجه العيش المادي والروحي .
وهناك من يعتقد أن عيشه مرتبطاً بحياة الآخر وآخرون يرون أن لا حياة له إلا بأخذ كل ما يريده عنوة .. ولا يهمه إن كان الذي سيأخذه سيشقي الآخرين .. فمثل هؤلاء في مقدمة تفكيرهم وسعيهم ” الأنا ” وليس الآخر أياً كان قريباً أم بعيداً .
الدراما قبل أن تتحول إلى فن هي موجودة في الحياة ومرتبطة بالمجتمعات .. إلا أنها كانت تحكمها البدائية وتحكُّم القوي على الضعيف فالأضعف إلى أن ظهرت الديانات الوضعية والسماوية والمعتقدات والنواميس والأعراف .
الدراما المسرحية أول ما بدأت عند الإغريق عندما كانت فناً طقوسياً وتضرعاً للآلهة من خلال ما يقدم في المعابد من أعمال مسرحية بمفهوم ذلك الزمان .. أومن خلال الملاحم الشعرية الكبرى التي احتوتها الإلياذة والأوديسا التي تحكي بطولات خيالية وصراعات بين مناطق ودول مختلفة قريبة متجاورة أو متباعدة .
كانت المسارح اليونانية والرومانية من خلال ما كانت تقدمه من أعمال مسرحية مروية وأشعار مسرحية والتي يحضرها العامة في المسارح المفتوحة والمغلقة هي التي أسست للدراما الفنية وأصلتها حتى صارت فناً يهم العالم بأسره التي تنوعت أشكاله وتعددت ألوانه ولا زالت حتى اليوم وإن توزعت بين الإذاعة والسينما والتلفزيون والمسرح .
إلا أن الدراما المسرحية أخذت مساراً آخراً عندما حولها شكسبير إلى فن مكتوب يتناول قضايا معاصرة تهتم بحياة الناس والمجتمعات ، فناً يرتكز على بناء الشخصية وحيواتها ومن ارتكازاتها الهامة : المكان والزمان والشخصية والعقدة التي تصعد من الصراع .وكان الأسلوب الطاغي على الشعر والنثر المشعور .
وبذلك انتقلت الدراما المسرحية إلى مختلف شعوب العالم بعد أن اعتنت بقضايا إنسانية من أجل انتصار الخير على الشر وشيئاً فشيئاً تنوعت الدراما وتعددت إلى درامات مختلفة برؤى فنية ومناهج عديدة وموضوعات مبتكرة وإبداعات مغايرة لما سبق .. إلا أنها لم تخرج عن التاريخ أو إسقاط التاريخ على الواقع . وقد تأثرت الدراما المسرحية العربية بهذه الموجات وشهدت مصر تطوراً درامياً على يد الشوام الذين قدموا إلى القاهرة ومنهم جورج أبيض هذه الخطوة أظهرت كتابات للمسرح .. وتطور هذا الفن في الستينيات من القرن العشرين .. وكان توفيق الحكيم من أبرز الكتاب الذين تعاطوا هذا الفن الذي اهتم أكثر ما أهتم بالمسرح الذهني والاستفادة من الأساطير الغربية ” مسرحية بجماليون ” التي أعطاها روحاً أخرى ورؤية مختلفة .
ومن أبرز أعماله في هذا الشأن مسرحية يا طالع الشجرة التي ارتكزت على الأسطورة ، وتوفيق الحكيم أعطاها رؤية مسرحية حديثة وبعداً فنياً .
إذا كانت هكذا دراما ارتبطت بالأساطير والخرافات ثم بالطقوس والمعتقدات فلقد تحولت إلى فن راقٍ أطلق عليه ” أبو الفنون ” وغدا وسيلة للتغيير فكم ترددت على المسامع عبارة ” أعطني مسرحاً أعطيك شعباً مثقفاً ” هذه المقولة التي عرفها مسرح “برخت ” الذي أضاف البعد الرابع على عناصر المسرح وهو إشراك المتفرج في النص .
ومن أحشاء الدراما المسرحية ظهرت الدراما الروائية والقصصية والتمثيلية والمسلسل الإذاعي والتلفزيوني والدراما السينمائية وغيرها من التفرعات الدرامية كالمشهد المسرحي والتعبير والمنولوج الغنائي .. وعلى المسرح المرتجل .
اعتمد المسرح على النص وعلى المخرج وعلى الممثل وعلى الجمهور .. ومع تطور الفنون السردية وبروز الفن الروائي انجذب القارئ إلى هذا الفن وعند بروز أي رواية تعتني بالتاريخ والتسجيل الروائي أو السينمائي سرعان ما تتحول إلى نص مسرحي لجدية موضوعاتها وفنيته بل أحياناً كثيرة نجد كثيراً من الروايات العالمية تتحول إلى أفلام سينمائية .
في الوطن العربي ومع ازدهار الدراما المسرحية والدراما السينمائية والتلفزيونية تحولت عدد من الروايات العربية إلى مسرحيات وأفلام سينمائية ومن أبرز هذه الروايات روايات نجيب محفوظ ولطفي الخولي وإحسان عبد القدوس ويوسف السباعي ويوسف إدريس و باكثير وغيرهم ..
عندئذ تعددت المذاهب الدرامية بوجود مدارس للمسرح ومدارس للسينما وظهر مسرحاً سمي بمسرح الجيب والمسرح الفكري أو الذهني والمسرح التجريبي وظهرت السينما الجديدة ” الواقعية والتسجيلية وسينما الخيال العلمي وأفلام الأطفال ” ومؤخراً سينما الفانتازيا .
وهنا لا بد أن نشير إلى أن تحويل الرواية والقصة إلى مسرحية أو فيلم سينمائي يشترط وجود عدد من كتاب السيناريوهات الذين يقومون بإعداد النص الروائي أو القصص إلى سيناريو للمسرح أو السينما . وهذا معروف فكل بلدان العالم ومنها البلدان العربية مرت بذلك وأشهر كاتب سيناريو في سوريا الروائي الكبير حنا مينه ، الفيلم السينمائي يعتمد على لغة الكاميرا من خلال لقطة الكاميرا التي تذيب عشرات الصفحات التي ستقرأها خلال ربع ساعة مثلاً في ثانية واحدة من خلال مشهد واحد .
بلادنا قلما تجد قصة ورواية تحولت إلى نص مسرحي أو فيلم سينمائي إلا إذا استثنينا أعمال علي أحمد باكثير ويعود ذلك لأن باكثير عاش في مجتمع أكثر تحضراً وثقافة وفي أجواء أدبية راقية عرفت الدراما وفنيتها وخبرت الحياة المسرحية والسينمائية المزدهرة .
وإذا كانت ثمة بدايات للفيلم السينمائي التوثيقي اليمني إلا أن صناعة السينما لم توجد لأسباب معروفة وإن كان هناك فيلم روائي قام بإنتاجه السلطان صالح بن غالب القعيطي في الأربعينيات من القرن العشرين
أما المسرح فقد شهدت بلادنا بوادره في الثلاثينيات من القرن الماضي عندما جاءت إلى عدن فرقة فارسية وقدمت عرضاً مسرحياً .. فتشكلت بعد ذلك عدد من الفرق المسرحية الأهلية محاكية لتلك الفرقة .
لكن فترة السبعينيات من القرن الماضي شهد اليمن تطوراً ملحوظاً في المسرح بكل أشكاله ومدارسه الفنية القديمة والحديثة وكانت عدن هي السباقة في تحديث المسرح وارتباطه بأحدث المدارس تليها حضرموت .
وإذا كان المسرح اليوم قد تراجع عما قبل ، إلا أن الدراما التلفزيونية شهدت تطوراً وإن كان ليس بالشكل المطلوب .
وإذا كنا اليوم في أمس الحاجة إلى دراما مسرحية وإذاعية وتلفزيونية وإلى صناعة الفيلم السينمائي فإن الدولة هي التي تقع عليها المسئولية الأكبر عن تحقيق ذلك من خلال توجهاتها الثقافية ودور الاستثمار الثقافي الوطني .
فيما يلي أقدم نصاً حاولت تحويله إلى مشهد مسرحي .كان قبلئذٍ قصة قصيرة كتبتها في منتصف الثمانينيات تحمل اسم “أوراق” كونها اعتمدت على الحوار المسرحي وهي تتحدث بضمير الحاضر وفي المشهد جعلتها تتحدث بضمير الغائب .
( تقدم أحمد كي يلج إلى القاعة ليتخذ له مكان في الصفوف الأمامية ليقدم ورقته حول ما يجري .. فأوقفه الحارس :
الحارس : لن تدخل قبل أن تضع الأوراق التي تحملها في هذا الصندوق الممتلئ بالأوراق .
أحمد : وكيف لي أن أشارك في المؤتمر بدون هذه الأوراق ؟
الحارس : نفذ ما أقول لك .
نظر أحمد إلى الحارس ثم إلى صديقه الضابط ذي الثلاث النجمات والذي كان يتولى مسئولية حراسة القاعة وخاطبه :
أحمد : ما الذي يجري يا صديقي ؟
سالم : إنها الأوامر .
أحمد : أنت صديقي ولا بد أن تساعدني لكي أدخل .
سالم : قدر موقفي يا صديقي .
أحمد : أي موقف ؟
سالم : ……… .
أحمد : لا اصدق ما أرى .
سالم : إنها التوجيهات .
ابتسم أحمد بسخرية وتقدم ليدخل القاعة مع الأوراق عنوة فحال دونه الحارس .
أحمد : سأدخل .
سالم : لن تدخل .
أحمد : ما الذي حدث .
سالم : أشياء كثيرة .
أحمد : إنك صديق ولا بد أن تظل كذلك .
سالم : …………. .
أحمد : ألأنك علقت الثلاث نجمات في كتفيك وصرت ضابطاً !؟
سالم : الزم حدك .
أحمد : اليوم صارت بيننا حدود يا صديقي .
سالم : مضى ذلك الزمان .
أحمد : كل شيء أصدقه الآن يتغير صديقي ورفيق دربي .
سالم : كل شيء تغير ، صدق أو لا تصدق .
أحمد : كنا وكنا وكنا .
سالم : كنا ..أنت لا زلت غارقاً في مثالياتك .
أحمد : دعني أدخل .
سالم : بدون الأوراق .
أحمد متخابثاً : سأدخل بدون الأوراق .
سالم : والكل سيرحب بك في هذه الحالة بل سيحتفون بك لأنك إنسان استثنائي .
أحمد : ولماذا كل الذين دخلوا دخلوا بأوراقهم ؟
سالم : أوراقك تختلف .
أحمد : كيف ؟
سالم : لا أدري .
أحمد : الآن صرت لا تدري لقد كنت ..
سالم : كنت ..
همَّ أحمد بالدخول وما إن التفت سالم إلى الجهة الأخرى حاول الدخول فوجه إليه الحارس البندقية فتراجع أحمد .
سالم : أمامك دقيقة واحدة إما تدخل بدون الأوراق أو تذهب .
ابتسم له أحمد وذكره بأيام خلت .
سالم : لكل زمان ظروفه .
أحمد : إني أبارك لك بالترقية وأقدر موقفك .
اطمأن سالم بأن صديقه أحمد سيدخل بدون الأوراق بعد أن توجه ناحية الصندوق لكن أحمد غافل صديقه سالم هو والحارس ودخل القاعة بالأوراق التي نثرها في القاعة التي اكتظت بالفوضى وفشل المؤتمر المقرر انعقاده والذي سيحدد مصير الكون .