حكايات من المشقاص .. مصرع الشاعر بن علي عامر
حكايات
فائز محمد باعباد


المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 4 .. ص 112
رابط العدد 4 : اضغط هنا
هو أحمد بن علي عامر البعسي اليافعي ، قدم من يافع في مستهل القرن الماضي مع من جلبهم السلطان القعيطي من جنود ؛ فذكرت له صولات وجولات في ربوع المشقاص لكن استقراره كان في قصيعر حارساً في حصن الربع، شمال شرق السور ، اجتمعت في بن علي عامر صفات الشاعرية والشجاعة وعزة النفس ، وكان شاباً وسيماً كريماً ذا أنفة، لا يقبل الضيم ولا يتعايش مع الهوان ، تعلق بن علي عامر كما يحكى بحب النساء فتشبب بهن وغامر معهن وتعددت مغامراته حتى فتح هذا الباب عليه نار الغيرة التي لم تُطْفأ إلا بزواله وانطفاء روحه . خرج ذات يوم متأنقاً كعادته يريد المشاركة في حفل كان مقاماً في ساحة قصيعر العامة ، ـ الساحة حالياً غرب مسجد بلكديش ـ وفي أجواء ـ لعبة شرح صاخب لم ير إلا القليل من الحاضرين بن علي عامر وهو يستل خنجره ليغمده في أحشاء يافعي آخر ويلوذ بالفرار متسلقاً السور متحاشياً الاصطدام بزملائه من الجنود الموجودين جوار بوابة قصيعر ـ السدة ، فلم يستطع أحد اللحاق به لسرعته فانطلق نحو ـ مهينم ـ وبقي يومه في الجبل يراقب مقبرة باعلوي بقصيعر من بعيد متمنياً أن لا تخرج جنازة في هذا اليوم آملاً أن يكون زميله قد أصيب ولم يمت ، لكن لم تمر إلا ساعات حتى خرجت جنازة زميله فرآها من بعيد، فعلم أنه أصبح قاتلاً مطلوباً ، يمم بن علي عامر ناحية قرية معبر ودخل في جوار المقدم عمرو بن القور، الذي رحب به ووفر له الحماية فمكث في معبر فترة من الزمن وعن حاله في معبر يتحدث فيقول:
حل البدواة بن علي عامر ** ترّك القلمة وما فيها
ما حسب زايد ولا قاصر ** من باوعل للضبق للمعيان
لم تعجب بن علي عامر هذه الحياة فيما يبدو ، ومن أشعاره القليلة المتبقية نلحظ شيئاً من هذا ، يقول: (نكدت عا حالي وقد كنت سالي وزقلتنا زقل في أرض خلوية . ماحد يبيع الوفا بالتماني ويعذب الولهان .. كدّر علي حوض صافي وقد كنت نشرب بهنويه . وفوين أهل الكرم والفضيلة لي يسقوك يالضميان .. ما حد درى ما بحالي عا حس نا دوب في القلب حنية . أرضي بعيدة وكم صابر على البخس والنقصان ) . رحل بن علي عامر عن معبر وقيل بطلب من المقدم عمرو بن القور ، فذهب إلى دمخ حساي واستقر هناك في جوار بعض آل كثير متحيناً فرصة للهروب بحراً إلى عدن ثم يافع .
تبحث عن المرأة في حياة بن علي عامر لتجدها سبب كل مشاكله، فقيل كانت هي السبب في قتله لزميله ، ولخروجه من معبر ، ثم هي من أسدلت الستار لقصته لتضع حداً لحياته حين تعلق في تلك النواحي بامرأة متزوجة ، وقد تكون الروايات التاريخية الشفهية التي وصلت إلينا ظلمت بن علي عامر، فقد تكون مجرد شائعات لكن للأسف هذا ما قيل عنه ، وتلمح في بعض قوله نفيه عن نفسه قبيح الخصال ليقول لنا:
أنتم بغيتونا لقي عيبه** ونا طريق العيب ما جيها
وما عرف للكذب والغيلة** نسري على ضوء القمر لا بان
لكنه يقول في بيت آخر:
يا صاحبي كانت معي عوله** من قبل عا صابح وما سيها واليوم شلوها بالحيلة** قدها بيد الظلم والبهتان
وهنا يتحدث عن ـ عولة ـ أخذت منه ، ـ والعولة ـ طائر جميل معروف في المشقاص ، وهو بهذا يقصد امرأة بالتأكيد، لذلك ربما كان لا يرى في علاقاته النسائية عيباً ، أو أنه كان متزوجاً ـ للعولة ـ التي تحدث عنها ثم أخذت منه أو أجبر على فراقها .
قيل دخل بن علي عامر كما ذكرنا في علاقة شائكة مع امرأة متزوجة نظن أنها صورت لزوجها براءتها وألقت عليه لوم التشبب بها ومطاردتها فأخذت الغيرة من الزوج كل مأخذ فخطط لقتله ، وقيل إن مخطط قتله كان وراءه ذوو قتيله في قصيعر ، الواضح أن قاتله كان يعلم صعوبة المهمة وشجاعة وفروسية وهمة الهدف فأيقن أن الأمر يتطلب حيلة فلم يجد إلا أن ينصب له شباك امرأة وهي نقطة ضعف الرجل المجربة ، فواعدته بإيعاز قاتله فتمنى لقاءها ، ولم يحذر بن علي عامر مما تمنى ، وفي عصر أحد أيام العام 1940م على سبيل الظن وقبل غروب شمس ذلك اليوم كان بن علي عامر واضعاً رأسه على رجلي تلك المرأة المصيدة تحت ظل شجرة يحدثها وتحدثه ، وفي ساعة سليمانية لم ينتبه بن علي عامر إلا ورجل يظهر عليه كأنه مارد مصوِّباً عليه بندقيته مقترباً منه قدر الإمكان حتى لا تصيب رصاصته المرأة ، حاول النهوض كي يتناول بندقيته المعلقة على الشجرة لكن المرأة تمسكت برأسه وشعره كي تثبته لقاتله ، قيل أخذ بن علي عامر خنجره من خاصرته وقص خصلات شعره كي يتملص من بين يديها لكن قبل ذلك باغتته رصاصة فسقط قتيلاً … عليه رحمة الله فقد قيل: (فمن قتل يقتل ولو بعد حين) .