إبداع
مسعود علي الغتنيني
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 5 .. ص 109
رابط العدد 5: اضغط هنا
أصبح تائهًا بعد أن غادر مجبرًا تلك المدينة الحالمة ، لم يكن له يد في ذلك فقد مضت سنوات دراسته الأربع مسرعة وكأنها دقائق معدودة، وكانت هي الأجمل في حياته !.. أحبها بجنون وتعلق قلبه بها بشغف، فنسيمها العليل يتسلل إلى غرفته محملًا بشيء من بخورها المضمخ بالتفاؤل، فيوقظه كل صباح مترع…يحمل كتبه وينطلق غارقًا في الشجن ، فتلاقيه بابتسامتها المعهودة ورقتها البالغة التي أصبحت كالأفيون بالنسبة إليه فلا يستطيع إكمال يومه من غيرها … يخطوان خطواتهم في ثقة إلى قاعة الدرس، تشجعهما نظرات زملائه المترقّبة، والذين أتوا من بيئة بدوية محافظة.. يجلسان قرب بعضهما، يهمسان في شجن، بينما المحاضر الكهل يردد من غير اكتراث محاضرته التي ما فتئ يرددها طيلة ثلاثين عاماً، فلا يبلغ صداها أبعد من منصته.. ولا يختلف الحال كثيرًا في بقية المحاضرات المعتقة والمملة ، ولولا وجودها المفعم بقربه وعبق شذاها الفواح لغادر الكلية منذ الوهلة الأولى…مضت تلك الأيام وبقيت الذكرى تطرق ذاكرته بقوة، وطيف خيالها يقطع مسافات الزمن الموهن ليروي له تفاصيل كل لحظاتهما الجميلة والعابقة، لا يقطعه سوى رنات هاتفه المحمول الذي يحمل صوتها الهادئ والهامس ليذيب لحظات الزمن المتجمدة والقابعة في أقصى هوة سحيقة من هذا الوجود المرهق ، حتى أتت تلك اللحظة الغادرة عبر التلفون.
لا أستطيع التواصل بعد الآن .
وأغلقت هاتفها المخملي الذي أهداه إليها .
لا أثر لها إلا ما خلفته من وجع في قلبه المكلوم.