ترجمة
د. خالد عوض بن مخاشن
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 9 .. ص 74
رابط العدد 9 : اضغط هنا
نظرًا لاهتمامكم بكلِّ ما مِن شأنهِ الرقي بالعلمِ والمعرفةِ، اسمحوا لي أن أُقدِم بين أيديكم وصفًا موجزًا لرحلةٍ عدتُ منها توًّا، قمتُ بها إلى منطقةٍ، تُعد من أكثرِ مناطق الجزيرة العربية إثارةً للاهتمام، إنها المنطقة التي تُطلق عليها خرائِطُنا الحالية اسمَ (حضرموت)، تلك المنطقة الفاصلة بين صحاري الأحقاف، والمحيط الهندي.
لقد باءت بالفشل كلُّ تلك المحاولات، التي قام بها الرحالةُ السابقون؛ للتغلغل في أعماق الجنوب العربي؛ نظرًا للتعصب الديني الشديد لدى كل الناس هناك، وخاصة لدى قاطني المدن منهم. وقد أوصى الملازم ولستيد Wellsted في كتاباتهِ القيمة عن الجزيرة العربية الرحالة الذين سيأتون من بعده إلى هذه المناطق بالاحتشام، واللباقة، وارتداء ثياب المسلمين؛ ليتفادوا العيون التي تترصدهم هناك. وهذا ما قمت بهِ بالضبط.
ففي الثاني والعشرين من يونيو عام 1843م غادرتُ عدن بحرًا، متخفيًا مطلقًا على نفسي اسمَ عبدالحق، أبحرتُ إلى الساحل، ومنه انطلقت إلى المكلا برًا. ولخوفي من لفت أنظار السكان هناك والذين تعاملوا مع الأوربيين من قبل وعلى دراية بهم، فقد عجَّلتُ موعد مغادرتي قدر المستطاع، وتركتُ المكلا في السادس والعشرين من يونيو باتجاه حضرموت الداخل، تحت حماية بعض البدو من قبيلة العكابرة القوية.
لقد كان وادي دوعن الشهير وجهة رحلتي الأولى، وقد وصلته بعد رحلة استمرت ثمانية أيام ونصف من المشي. كانت مراحل السفر والمسافة التي نقطعها قصيرة عمومًا، لكن سبب تأخرنا واستغراقنا لكل هذا الوقت هو أننا كنا نمر عبر حواف جبال شديدة الانحدار والخطورة، وأما الوقت الحقيقي الذي استغرقناه في الطريق فلم يتجاوز 49 ساعة و18 دقيقة في اتجاه الشمال الغربي.
اجتزنا في اليوم الأول من رحلتنا الكثير من الأودية العميقة والضيقة جدًا، تحفها جبال غراتينية جردٌ، يصل ارتفاع قممها المثلمة إلى 2000 قدم فوق سطح البحر، ويتفجر من جوانب تلك الجبال الكثير من ينابيع المياه الحديدية، التي تتراوح درجة حرارتها من 100 إلى 130 فهرنهايت، مياه تلك الينابيع صالحة للشرب، بل وجيدة جدًّا؛ لعدم احتوائها على أي أثرٍ للكبريت. ومع أن أراضي الأودية تبدو غير خصبة، فإن بها أشجارًا ونباتات جمة، توفر غذاءً كافيًا للجمال، التي تسلك الطرق المنتشرة في هذه الأودية في قوافل طويلة وكثيرة، وتوفر أوراق الأشجار الباسقة ملاذًا للمسافرين في وقت الظهيرة، وتقيهم لهيب أشعة الشمس الحارقة، إذ يسود هذه الأودية هدوء تام من العاشرة صباحًا إلى الرابعة بعد الظهر؛ وذلك لارتفاع درجات الحرارة، التي تتراوح من 150 إلى 160 فهرنهايت. تمر الطريق بعدة قرى، في حين تقبع قرى أخرى على مسافة ليست بالبعيدة منها.
في اليوم الرابع من رحلتنا ارتقيت جبلًا يسمى (جبل الصدارة Sidara)، يرتفع 4000 قدم فوق سطح البحر، وتغطي النباتات العطرية جوانبه، ما إن وصلت إلى قمة ذلك الجبل حتى وجدت نفسي أقف تحت سفح قمتين شاهقتين، تسميان (غريبه وفرجله (Chareibe and Farjalat ، إحداهما عن يميني، والأخرى عن يساري، وترتفعان عموديًا لتصلا إلى800 قدم فوق المكان الذي أقف فيه، ولأن المسافة بين هاتين القمتين لا تزيد عن مسافة عشر دقائق مشيًا فقد بدتا كعمودين عملاقين لبوابة ضخمة، هنا في هذا المكان يغطي الحجرُ الغرينيتي الحجرَ الرملي الحديدي، وهنا أيضًا أخذ مؤشرُ جهازِ قياسِ الحرارة الفهرنهايتي في الانخفاض نحو الأسفل، وشعرنا بتغلغل البرد في أعماق أجسادنا التي أنهكها المشي المضني.
في اليوم التالي تسلقت بعض التلال الشبيهة بالأرائك التي يعلو بعضها بعضًا، أعلى تلٍّ من هذه التلال يسمى جبل ظرا (drora)، منذ بداية رحلة هذا اليوم وأنا أشاهد الحجر الرملي الحديدي الصلب، ذا اللون الأصفر، والتركيب الحبيبي وقد غطته الأحجار الرملية، حينها كنت على ارتفاع 8000 قدم فوق سطح البحر، ماشيًا من جهة الغرب باتجاه الشمال الشرقي عبر سهل مصفرٍّ مترامي الأطراف، تنتصب فيه هنا وهناك جبال وتلال مخروطية الشكل. خلف السهل من جهة الشرق تلوح قمة جبل كار سيبان العملاقة. وأما من جهة الجنوب فترى مخروطات غرانيتية سوداء، ويتدنى هنا مستوى الرؤية بسبب الأجواء الضبابية الآتية من أعماق المحيط، في هذا المكان تمتد الطريق على أرض مستوية، لا صعود فيها ولا هبوط، وعلى يمين وشمال هذا السهل تتعرج أوديةٌ جمةٌ، مارة بمضائق جبلية؛ لتحمل مياه الأمطار إلى المناطق المنخفضة. وحين يصل المسافرون إلى بداية الشعاب والوديان يصادفون القليل من أشجار السلم غير مكتملة النمو، والتي توفر لهم القليل من الظل، ولجمالهم الشيء اليسير من الطعام. وعلى مسافة كل ستة أو تسعة أميال تجد أحواض مياه (كرفان)، ولكن لا تجد قرى ولا أحراشًا يمكن لها أن تضع حدًا لرتابة ذلك السهل الكبير. إنَّ درجات الحرارة صباحًا تكون مقبولة ولطيفة في هذه الهضبة، ولا تتجاوز 80 فهرنهايت، ولكنها تنخفض مساءً لتصل إلى 50 فهرنهايت، ويكون الجو باردًا جدًّا.
فاجأني الظهور غير المتوقع لوادي دوعن، واندهشت كثيرًا لروعة المنظر وجماله. ينحصر الوادي والذي يبلغ عرضه 500 قدم وعمقه 600 قدم بين صخور شاهقة قائمة الانحدار، ويشكل حطامُ تلك الصخور وركامها منحدرات تصل في ارتفاعها نصف ارتفاع تلك الصخور الشاهقة. وعلى هذه المنحدرات تنتصب القرى والمدن، متاخم بعضها بعضًا، وكأنها مسارح الإغريق المدرَّجة. بينما في الأسفل ترى النهر، الذي يبلغ عرضه حوالي 20 قدمًا، وتغطيه غابة من أشجار النخيل، وعلى جانبيه حواجز جدارية عالية، وهو يجري في الحقول المرتبة والمنظمة على شكل مدرجات، ثم يواصل شق طريقه عبر السهل المفتوح، الذي يُروى عبر قنوات صغيرة تتفرع منه. يحدوني الأمل أنَّ وصفي لدوعن سيكوّن لديكم فكرة صحيحة عنها، وعن أحوالها، وشخصيات أهلها، خلافًا لما قدمه الرحالة الآخرون من أقوال متناقضة حيالها.
أظهرت لي الإطلالة الأولى على الوادي أربع بلدات، وأربع قرى على بعد ساعة من المشي، لكن الطريق التي تهبط بك إلى الوادي خطرة جدًّا، وخاصة الجزء العلوي منها، فعلى يمينك منحدر يصل ارتفاعه عن الأرض من 300 إلى 400 قدم، وعلى يسارك جدار صخري، يكاد يسد الطريق تمامًا، تاركًا ممرًا ضيقًا بعرض 4 أقدام فقط، ومما يزيد من خطورة تلك الطريق أن ذلك الممر الضيق مرصوف بالحجر الحصوي، والذي أصبح أملس كالمرآة؛ نظرًا لكثرة مرور البشر والحيوانات عليه، ولا يوجد سياج من أي نوع كان؛ لمنع حوادث الانزلاق إلى الهاوية.
في الخريبة إحدى بلدات الوادي استقبلنا واستضافنا شيخ كريم، يُدعى الشيخ عبدالله باسودان، وهو من الشيوخ المشهود لهم بالورع والتأثير في البلاد، ومن الخريبة اتجهتُ نحو الجنوب الغربي كي أقوم بنسخ النقوش الموجودة في وادي العبينة Uebbene ، ووادي ميفعة. لم يسمح لي بزيارة نقب الهجر، ولا عيشان Eisan,، ولا حبالين Habalen;. ومع ذلك فقد اكتشفت نقوشًا حميرية على جدار يُعدُّ بمنزلة سور للوادي. في وادي عبين وعلى بعد ستة أميال من نقب الهجر استوقفني جماعة من البدو، وأرغموني على العودة إلى دوعن.
أما حبّان فقد كانت حينها تعيش حالة تمرد وعصيان مفتوحة، بعد أن أطاح ابن أخ السلطان بعمه السلطان أحمد بن عبدالواحد من العرش، وأودعه وأخاه السجن.
ما بين وادي دوعن ووادي ميفعة وعلى بعد مسيرة خمسة أيام يقع وادي حجر الخصيب، الذي يعج بغابات كثيفة من أشجار النخيل، يسقيها نهر صغير دائم الجريان، ينحدر عبر منطقة تقدر بمسيرة أربعة أميال، باتجاه الشمال الغربي عند بلدة الحوطة، وعلى مسافة رحلة يوم باتجاه أسفل الوادي تقع جزول، وبمواصلة المشي نحو المناطق السفلى، وعلى مسافة أربعة أيام مشيًا يقع وادي ميفعة، الذي يتساوى ارتفاعه مع مستوى ارتفاع سطح البحر عند قرية (بير الحسي) شرق (رأس الكلب).
لقد سلكتُ طريقًا شمالية تمر عبر وادي ريدة الدين لأصل إلى بلدة الخريبة، خلال ثمانية أيام بعد غياب عن تلك البلدة استمر لعشرين يومًا. يتغير اسم وادي دوعن وفقًا للمنطقة التي يمر بها، فمثلًا في الخريبة يسمى وادي النبي، وبعد هذه المنطقة يسمى وادي دوعن، وابتداء من قيدون يسمى وادي الهجرين، وابتداء من حورة يسمى وادي الكسر، وابتداء من قبر النبي هود يسمى وادي المسيلة؛ حيث يصب في البحر بالقرب من ساه هود.
بعد استراحة قصيرة دامت أيامًا قلائل انطلقتُ مجددًا نحو الجهة الشمالية الغربية، وبعد يومين من السفر المضني وصلت إلى وادي عمد، وسلكته متجهًا نحو الشمال. إن هذا الوادي مساوٍ لوادي دوعن؛ من حيث الاتساع، والامتداد، ويشبهه من حيث الشكل، كما أن بلدات هذا الوادي متقابلة ومتاخم بعضها بعضًا، كما هو حال بلدات وادي دوعن، ومن حورة حيث يتلاقى وادي عمد ووادي الهجرين صعدت الهضبة، متجهًا نحو الغرب لأصل بعد أربعة أيام إلى بلدة سنا في وادي رخية. هذا الوادي لا يسكنه أناس كثيرون، مثل وادي دوعن ووادي عمد، فمعظم مناطقه تغطيها الرمال. الطريق من سنا إلى تريم عبر وادي الكسر تأخذ ثمانية أيام. هنا وفي هذا المكان قيل لي: إن صحراء الأحقاف على بعد مسيرة يوم، وقيل لي أيضًا: إن هذه الطريق التي تمر بقبر النبي هود طريق غير سالكة، وتسمى (بحر الصافي)، وأن بها الكثير من الكثبان الرملية، التي تبتلع كل ما يقع عليها. تعود هذه التسمية إلى الملك صافي، الذي انطلق بجيشه من وديان سبأ، ورأس الغول، عبر هذه الطريق، ولكن هذا الجيش تاه وهلك في منتصف هذه الصحراء.
في اليوم الثاني انطلقتُ نحو تلك الطريق لأتأكد بنفسي عن مدى صحة هذا الكلام. انطلقتُ في رحلة استمرت ست ساعات باتجاه الشمال الغربي لأصل أخيرًا إلى أطراف تلك الصحراء. هناك تنخفض هذه الصحاري عن مستوى ارتفاع الأراضي المرتفعة بحوالي 1000 قدم. لقد أدهشتني كآبة مشهد تلك الصحاري كثيرًا، فلك أن تتخيل ذلك المشهد من سهل رملي هائل، ممتد في الأفق، تحفه أعداد لا تحصى من التلال المتموجة، فيظهر وكأنه بحر متحرك. لا ترى فيه أي أثر لأي نبات؛ ليغطي ذلك الاتساع الهائل والخالي من كل أنواع الحياة. لا تسمع هناك تغريدًا لأي طائرٍ، كان يمكنه كسر هدوء وصمت قبور الجيش السبئي المطمورة تحت هذه الرمال.
لقد استطعتُ أن أرى بوضوح ثلاثة أماكن بيضاء متألقة، فقمت بقياس هندسي لمواقعها وأبعادها. قال لي أحد المرشدين المرافقين لي: »هذا هو البحر الصافي، تسكن الأشباح هذه الجروف، وتقوم بحماية الكنوز الموجودة هناك، من خلال تغطيتها برمال غدارة تبتلع كل من اقترب منها، لذا يجب عليك ألَّا تذهب هناك«.
بالطبع لم ألقِ بالًا لكل تحذيراتهم هذه، ولكني طلبت منهم أن يقودوني إلى هذه الأماكن حسب ما تم من اتفاق بيني وبين البدو. مشتْ بنا الجمال ساعتين كاملتين؛ لنصل إلى سفح هضبة مرتفعة؛ إذ توقفنا هناك مع غروب الشمس بجوار قلعتين صخريتين عظيمتين. وفي صباح اليوم الثاني دعوت البدو إلى مرافقتي والذهاب معًا إلى تلك الأماكن، التي أشرت إليها آنفًا، ولكنني لم أستطع إغراءهم، أو إقناعهم بالذهاب معي، فالخوف من الأشباح قد تملكهم تمامًا، إلى حد أنهم لم يتجرؤوا حتى على الرد على طلبي لهم بالذهاب معي، ولذلك قررت الذهاب بمفردي، وأخذت معي حبلًا بطول ستين قامة، مربوط بطرفه ثقل من الرصاص، يزن نصف كيلو؛ لأسبر أغوار تلك الرمال الغادرة، وانطلقت في رحلتي هذه المحفوفة بالمخاطر. وبعد ست وثلاثين دقيقة وصلت إلى أقرب تلك الأماكن من جهة الشمال، في ظل هدوء كامل للرياح، وبحذر شديد اقتربت من أطراف ذلك المكان؛ لأفحص الرمال هناك، وقد وجدتها رمالًا دقيقة ناعمة إلى حد بعيد، ثم قمت برمي طرف الحبل الذي ربط فيه الثقل إلى أبعد مكان، فغاص في الرمال في الحال، ثم أخذ الحبل يتقاصر ويتناقص غائرًا في أعماق الرمال، وبعد مرور خمس دقائق اختفى طرف الحبل الأخير كليًا وابتلعه ذلك القبر المفترس. بالطبع لن أجازف بطرح رأيي الشخصي عن هذه الظاهرة، ولكنني أحيلها لذوي الاختصاص، وأكتفي بسرد الحقائق كما شاهدتها.
في اليوم التالي عدت إلى سنا، وزرت أحد القبور، التي تعود إلى الحقبة الحميرية، ويقع على بعد 15 دقيقة من البلدة. لكنْ لسوء الحظ فإن تعصب أحد الشيوخ أدَّى إلى تدمير النقوش، التي كانت على مدخل ذلك الضريح. وفي اليوم التالي رحلت عائدًا إلى الخريبة، ووصلتها بعد أربعة أيام من المسير. وبعد أن مكثت أربعة أيام في هذه البلدة الكريمة المضيافة رحلت عنها، قاصدًا بلد قبر النبي هود، والتي تعد مهمة جدًّا من الناحيتين الجغرافية والتاريخية، وقد رافقني في رحلتي هذه اثنان من أبناء الشخص الذي استضافنا، وكذا الحبيب ذائع الصيت عبدالله بن هادون. في الليلة الأولى من رحلتنا استرحنا في بلدة القرين في الجانب الأيمن من الوادي، وفي اليوم اللاحق وصلت إلى صيف، التي سبقني في الوصول إليها مرافقي بساعة. تجمعتْ في البلدة حشود كبيرة من الناس استعدادًا للاحتفال بزيارة الشيخ سعيد بن عيسى بن العمودي المدفون بمدينة قيدون، التي تقع على مقربة من صيف. وما إن وصلتُ إلى تلك الحشود حتى أخذوا يهاجمونني في الحال، وسحبوني من على ظهر جملي، وانتزعوا سلاحي، وأخذوا يعاملونني بغلظة وشدة، رابطين يديَّ خلف ظهري، وحملوني بعد أن غطت الدماء والتراب وجهي إلى السلطان الحاكم محمد عبدالله بن عيسى العمودي. عندما أوصلني من قام بأسري إلى السلطان أطلقوا كلهم صيحة مخيفة جدًّا وأعلنوا أنهم ألقوا القبض على جاسوس إنجليزي يستطلع البلد، وطالبوا بإعدامي في الحال. لقد كان السلطان خائفًا من البدو، وكان كغيره من سلاطين الوادي معتمدًا على البدو، ولذا فقد كان على وشك إعطاء الأوامر بإعدامي لولا أن ظهر أخيرًا المرشدون والحراس التابعون لي، وأخذوا يهدئون البدو لما لهم من تأثير ديني وأخلاقي على هؤلاء البدو، وفي أثناء ذلك ألقي بي في السجن، داخل أحد الغرف، مقيَّد الأرجل، ومكثتُ في السجن ثلاثة أيام، ولكنهم كانوا يقدمون لي كل ما هو ضروري، وفي ليلة اليوم الثالث أتى إليَّ الحراس التابعون لي وزفوا لي البشرى بأنهم استطاعوا تهدئة نفوس البدو، ولكن البدو اشترطوا مغادرتي إلى المكلا، وأنه يتحتم عليَّ تسليم كل أوراقي وكتاباتي. في تلك الليلة أخفيت أكبر عدد ممكن من أوراقي، ولم أسلمهم غير تلك الأوراق المكتوبة بالقلم الرصاص وقد رضوا بها. بعد أن سلمت لهم مدوَّناتي وملاحظاتي المكتوبة على بعض الأوراق أراد السلطان أن يلقي نظرة على أغراضي، وأخذ بالطبع كل ما أعجبه منها.
وفي صبيحة اليوم التالي انطلقتُ في رحلة العودة إلى المكلا، وقد وصلتها في الثامن من سبتمبر، بعد رحلة استمرت 12 يومًا، ومنها ركبت قاربًا متجهًا إلى عدن.