ترجمة
أ.د. مسعود سعيد عمشوش
تعد البريطانية فريا ستارك (1893- 1993م) إحدى أشهر الرحالة الغربيات اللاتي زرن البلدان العربية، خلال النصف الأول من القرن العشرين. وقد ألفت أكثر من ثلاثين كتابًا، سردت فيها الرحلات التي قامت بها إلى مختلف أقطار الشرق الأوسط بين سنة 1927م وسنة 1983م. وكرّست أربعة من تلك الكتب، بالإضافة إلى عدد من الدراسات التي نشرتها في الدوريات العلمية المتخصصة؛ لتقديم بعض جوانب الحياة في جنوب الجزيرة العربية، وبشكل خاص حضرموت وعدن، وذلك خلال واحدة من أكثر المراحل حساسية في تاريخه الحديث والمعاصر؛ وهي عقد الثلاثينيات من القرن العشرين، الذي شهدت المنطقة فيه عددًا من التطورات المهمة، مثل البدء في إنشاء طرق السيارات، ووصول عدد كبير من الخبراء، والرحالة الغربيين، وبروز بعض مظاهر الحياة الحديثة -كالكهرباء، والتليفون، والسينما- وبدء الحرب العالمية الثانية، التي سنجد صداها في كتابات فريا ستارك. لهذا تكتسب كتابات فريا ستارك تلك أهمية توثيقية كبيرة؛ إذ إنها تتضمن معلومات استخباراتية، لن نجدها في أي وثيقة تاريخية أخرى، مثل تلك التي تميط اللثام عن الجهود التي بذلها البريطانيون، في بداية الحرب العالمية الثانية، في سبيل تحييد الإمام يحيى بن حميد الدين، وثَنْيِهِ عن مساندة دول المحور. كما نعثر في كتابات فريا ستارك على رصد للأحداث اليومية في كل من حضرموت وعدن في تلك الحقبة.
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 9 .. ص 78
رابط العدد 9 : اضغط هنا
وبما أنني سبق أن تناولت في كتابيَّ (حضرموت في كتابات فريا ستارك 2004م، واليمن في كتابات فريا ستارك، 2017م) الصورة التي رسمتها فريا ستارك لليمن في خمسة من مؤلفاتها، (البوابات الجنوبية لشبه الجزيرة العربية، 1936م The Southern Gates of Arabia)، و(مشاهد من حضرموت، 1938م Seen in Hadhramaut)، و(ساحل البخور، 1953م The Coast of Incense)، و(الشرق هو الغرب، 1945م East is West)، و(غبار في مخالب الأسد، 1961م Dust in the Lion’s Paw. Autobiography)، رأيت أن أحصر حديثي هنا في تقديم كتابها (شتاء في شبه الجزيرة العربية، 1940م Winter In Arabia) الذي حسب علمي لم يترجم بعد إلى اللغة العربية.
في شتاء 1934/ 1935م قامت فريا ستارك -بمفردها- بأولى زياراتها إلى حضرموت. وبعد عودتها إلى أوروبا في أبريل 1935م شرعت في كتابة سرد لرحلتها تلك، ونشرته في مايو 1936م في كتاب بعنوان (البوابات الجنوبية لشبه الجزيرة العربية The Southern Gates of Arabia). وقد بادرت دار الكتب في الهيئة العامة للثقافة والسياحة في أبوظبي إلى نشر الترجمة العربية لهذا الكتاب، الذي أكسب مؤلفته شهرة واسعة في القارة الأوروبية وخارجها.
وفي أكتوبر 1937م، حينما التقت عالمتا الآثار جيرترود كاتون – تومسون وإلينور وايت جاردنر بفريا ستارك وطلبتا منها مرافقتهما في رحلة استكشافية لـ(معبد القمر) في مدينة حريضة في حضرموت، وافقت في الحال. ووصلت البعثة إلى عدن في 31 أكتوبر من عام 1937م. وبعد انتهاء الرحلة عادت فريا ستارك إلى بيتها في أسولو الإيطالية، وشرعت في كتابة تقرير عن رحلتها تلك، وقد فاز التقرير بالميدالية الذهبية للجمعية الجغرافية الملكية.
وفي سنة 1940م نشرت كتابها (شتاء في شبه الجزيرة العربية Winter In Arabia)، الذي حسب علمنا لم يترجم بعد إلى اللغة العربية.
يتكوّن الكتاب من ثلاثة أجزاء؛ يتضمن الأول منها أربعة فصول، تسرد فيها فريا ستارك رحلة البعثة من عدن إلى المكلا بإحدى طائرات شركة البس، ووصفاً لمدينة المكلا، وتقديماً لشخصية كل من دورين إنجرامس وزوجها المستشار البريطاني هارولد إنجرامس، الذي أصبح أول مستشار بريطاني في حضرموت، وشرع في إعادة ترتيب الأوضاع فيها، وقدم لهن بعض (النصائح). وقد أهدت المؤلفة كتابها لإنجرامس وزوجته.
وفي 10 نوفمبر 1937م غادرت البعثة المكلا. وكانت الرحلة إلى وادي حضرموت هذه المرة مريحة؛ إذ إنها كانت بالسيارة. وزارت فريا ستارك وزميلاتها مدينتي سيئون وتريم الكثيريتين قبل أن يتوجَّهْنَ إلى مدينة حريضة. ونتيجة لإصابتهن بأنفلونزا حادة في شبام، وحلول شهر رمضان، لم تصل البعثة إلى حريضة إلا في نهاية شهر ديسمبر. وقد انتهزت فريا ستارك فرصة وجود أسراب من طائرات سلاح الجو الملكي البريطاني في مناطق مختلفة من حضرموت؛ للذهاب إلى عدن، وقضاء الأسبوعين الأخيرين من شهر ديسمبر 1937م في إحدى المستشفيات هناك.
ويتكون الجزء الثاني من الكتاب -من صفحة 24 إلى صفحة 166- من اليوميات (The Diary)، التي كتبتها المؤلفة في شبام وحريضة بين 25 نوفمبر 1937م و4 مارس 1938م، وكرستها لرصد عددٍ لا بأس به من أوجه الحياة في حضرموت، لا سيما تلك المرتبطة بالحروب القبلية، التي تجسد انعدام الأمن. ولا شك أنها -مثل معظم الرحالة الغربيين الذين كتبوا عن الشرق- كانت تسعى إلى جذب القارئ من خلال تضمين كتبها بعض الأحداث والمشاهد الغرائبية، أو التي سيجدها القارئ الأوروبي غريبة على الرغم من واقعيتها. وقد أكدت هي على “غرابة” حضرموت في بداية حديثها عن (شتاء في حريضة)، في المجلد الثاني من سيرتها الذاتية، حينما تقول: “إنَّ ما تبقى في وجداني بشكل رئيس من هذا الشتاء، بالإضافة إلى جمال مناظر الوادي التي ترسخت في أعماق ذهني، هو الألفة بعالم بعيد، وفي غاية الغرابة … والفرق الذي يميزه عن عالمنا أعمق بكثير من الظروف الخارجية أو الشكلية؛ فهو يتجاوزها إلى الانعدام الدائم للأمن، الذي يُعد منذ زمن طويل أمرًا غريبًا في أوروبا. وربما يكمن الفارق بين عالمينا في قبول حالة انعدام الأمن كأساس للحياة” (ص168).
ولتدلل على صحة ما تؤكده بشأن الحالة الأمنية في حضرموت في تلك الحقبة، تقوم المؤلفة بوصف الاستعدادات الحربية التي تتخذها كل قبيلة في مناطقها. ففي الرسالة التي تبعثها إلى أمها من شبام في 25 فبراير 1935م، تصف طريق عودتها من عندل على النحو الآتي: “قادنا هذا الطريق إلى قرب مجموعة من القرى، التي لا تخضع لأي نظام أو قانون، وتدور فيها حروب آل البُقري. والهدوء الذي يخيّم الآن ليس إلا هدنة لمدة ثمانية أشهر فقط، عُقدت بمناسبة زيارة السلطان القعيطي إلى الوادي. والقبائل تتهيأ الآن للتحارب من جديد بعد شهرين. فأنت لا تشاهد هنا إلا أبراج المراقبة، والخنادق المحفورة بين كثبان الرمل، والأسوار ذات الممرات المغطاة، والحصون التي تنتصب فوق الجرف الصخري، الذي يطل على القرى من الخلف. المرء يعيش هنا في العصور الوسطى حقًا” (ص86).
وفي الرسالة التي تبعثها إلى أمها بتاريخ 10 يناير 1938م، تكتب مثلًا: “لقد ذهب وادينا الهادئ مع دخان النيران؛ سبق أن أخبرتك أنَّ صاحبي البدوي العجوز قد لمّح لي أن الحكومة على وشك الزوال. حسنًا: لقد ذهبت الحكومة. والحاكم -التابع للقعيطي- الذي ليس لديه مال ولا جنود ليساعدوه هرب من داخل وادي عمد ولجأ إلى هنا، تاركًا كل قبيلة من البدو مشغولة بسكب الزيت فوق نخيل القبيلة الأخرى. كل ذلك لأن رجلًا قُتِل وهو نائم، وربما بتحريض من الخارج. وقد سلمتُ المنصب الذي سيذهب غدًا إلى سيئون رسالة إلى إنجرامس، ضمَّنْتُها مشورتي له، وأتمنى أن يأخذ بها أو أنْ يتوصل إليها هو بنفسه؛ إذ إنها جيدة. وأتمنى كذلك أن تنحصر النار الهوجاء في جذوع النخيل؛ فلن يكون من المناسب أنْ نراها تشتعل هنا” (ص192).
وبسبب صبغة الإثارة التي أحاطت بحادثة القتل هذه فقد أولتها فريا ستارك اهتمامًا خاصًا؛ فهي تسجل في يومياتها بتاريخ 13 يناير 1938م: “لقد هرب الحاكم، وألقت القبيلة القبض على بنت الرجل الذي قُتل؛ لأنها -على ما يبدو- هي التي فتحت الباب للقتلة، أو أنها -وفقًا للرواية الأخيرة- هي التي أطلقت النار على أبيها بينما كان نائمًا. ويقول رجال القبيلة إنه كان سيئًا وعنيفًا، وكان قد سلبها حُلِيَّها، وحبسها في حصنه بعد أنْ ساوره الشك في أنها كانت حاملًا سفاحًا، وعزم على قتلها إنْ تبيّن له أنّ ذلك صحيح. لهذا قتلتْه وهو نائم. والآن ينبغي على رجال قبيلته الجعدة أنْ يأخذوا بثأر الرجل. لكنهم لا يعرفون كيف ينفذون ذلك؛ إذ أنه -على ما يبدو- لم يسبق أن وجدت امرأة قــاتلة في هذه البلاد. لهذا أرسلوا إلى إنجرامس ليجد لهم مخرجًا من هذا المأزق” (شتاء في جنوب شبه الجزيرة العربية، ص90).
ويتضمن كتاب (ساحل البخور) رسالة تبعثها فريا ستارك إلى أمها في 17 يناير 1938م، وتحدثها فيها عن تطورات الحادثة قائلة: “الفتاة البائسة التي قتلت أباها عُذبت بوساطة وضع حديد حار على جبينها وأنفها، وهي الآن في طريقها إلى سيئون، لم يدخلوها إلى المدينة، بل تركوها عند بعض الأقارب، وقد جاء جميع رجال قبيلة الجعدة الذين يشعرون بالخجل نتيجة لهذه الحادثة إلى مكان التنقيب السابق” (ص194). وفي اليوميات أيضًا، تعلِّق فريا ستارك على الحادثة بهذه الكلمات الساخرة: “في وادي عمد وقع عنف من نوع أكثر خطورة؛ لقد قُتِل رجل وهو نائم في بيته. وتُردِّدُ الإشاعات أن بنته هي التي ارتكبت الجريمة، لهذا فنحن لسنا وحدنا النساء النشيطات في هذه المنطقة” (شتاء في شبه الجزيرة العربية، ص62).
ومن أهم الأحداث الأخرى التي ترصدها فريا ستارك في كتابها (شتاء في شبه الجزيرة العربية): الإجراءات العنيفة التي اتخذتها الحكومة البريطانية حين قامت بقصف مناطق قبيلتي الحموم والصيعر في نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي. وهي طبعًا لا تكتفي برصد العمليات العسكرية، بل تسعى إلى تبريرها من خلال تقديم تفاصيل الأسباب المباشرة التي جعلتها ضرورية، وكذلك نتائجها على أعمال بعثة التنقيب، وردود فعل السكان المحليين تجاهها وإزاء (السلام الإنجليزي) الذي قدمته في بداية الكتاب (ص6).
وحين يبعث إليها صديقها الناشر جون موراي برسالة يحدِّثها فيها عن صدى القصف في الصحف الإيطالية تَرُدُّ عليه: “أنت لست بحاجة إلى تصديق الصحف الإيطالية حين تقول إنّ حضرموت تسبح في الدماء؛ إنه في الواقع ما يحدث عندهم على الشاطئ الآخر من البحر. كما أنهم يميلون إلى بث الإشاعات. في الحقيقة حدثت مشكلة بسيطة: سُلِبَ عدد من الجمال، ونتيجة لذلك تبادرت إلى الأذهان فكرة القصف. لكن لم يُقرَّر بعد إذا كانت الغارات ضرورية. وأتمنى ألا يكون الأمر كذلك لا سيما أنها تخلف حالة من الهيجان في المنطقة كلها. وحينما كنت أحلق في الطائرة من سيئون إلى المكلا شاهدت تحتي قرى الجول الصغيرة جدًا، وأنني لأستغرب من الكيفية التي ستتمكن الطائرات بها من تمييز أهدافها” ( ص189). ومع ذلك فقد قصفت الطائرات البريطانية حضرموت، واستمر القصف مدة طويلة، وليس فقط لمناطق البدو الحموم في الجول كما تردده معظم المراجع، بل كذلك لقرى الصيعر التي تقع في غرب حضرموت بالقرب من حريضة.
ولكي تبرر تلك الغارات تقدم فريا ستارك عمليات نهب السيارات التي يقوم بها الحموم بين تريم والمكلا. ففي تاريخ 31 يناير 1938م تكتب في يومياتها: “لا تهمنا من أخبار العالم الكبير إلا تلك التي تتعلق بوادي حضرموت والمكلا، وهي ليست جيدة؛ فدورين إنجرامس مريضة، وتعاني من الوباء نفسه الذي نعاني منه هنا. والبدو الحموم نهبوا سيارة شحن أخرى في طريق تريم وسرقوا 2000 دولار. وبما أنها مرسلة باسم باعبيد فربما تكون لنا. ولن يكون أبدًا مناسبًا أن نُترك هنا دون نقود” (شتاء في شبه الجزيرة العربية، ص113).
لهذا فهي تنتقد صراحةً طريقة الحموم في الدفاع عن مصدر دخلهم، وترى “أن تجارة الجمال الخاصة بالبدو الحموم قد تدهورت بسبب شق طريق السيارات. لكن هذا ليس سببًا معقولًا لجعل طريق السيارات خطيرًا… لقد جعلت مشاكل فلسطين الناس في العالم العربي يتصورون أن عمليات نهب الأموال أو حرقها أو القتل فقط يمكن أن تجبر لندن على الاستماع لقضاياهم العادلة. لقد استخدم الحموم (التكتيك) نفسه متجاهلين قانون النسبية؛ كما أنه ليس لديهم قضية عادلة مثلما لفلسطين العربية؛ إذ إنّ أحدًا لا يستطيع أن ينفي شرعية وجود طريق للسيارات إلى مدن الوادي. وقد فعل إنجرامس كل ما في وسعه ليفرض ضريبة على النقل بالسيارات” (شتاء في شبه الجزيرة العربية، ص112).
وفي مقدمة كتاب (مشاهد من حضرموت) ترى فريا ستارك أنّ اللجوء إلى الغارات الجوية هو الوسيلة الوحيدة لحمل مختلف القبائل على احترام السلام الإنجليزي. فهي تؤكد أنّ “الطريقة الوحيدة لجعل هذا السلام فعّالًا هي إنزال العقاب عند كل مخالفة، ولن يتأتى هذا إلا عن طريق السلاح الجوي الملكي”. (ص19).
ومن الطبيعي أن تتناول فريا ستارك الآثار السلبية التي تركتها الغارات في أعمال الحفر، التي تقوم بها بعثة التنقيب عن الآثار وفي حياة أفرادها. ففي 28 يناير تذكر أنْ منصب حريضة قد استلم وثيقة موقعة من خمسة من وجهاء مدينة المشهد المجاورة، يبيّنون فيها أن وجود البعثة غير مرغوب فيه. (شتاء في شبه الجزيرة العربية، ص109)، وتتحدث فريا ستارك كذلك عن كيفية استفادة السكان المحليين من بعض نتائج تلك الغارات الجوية التي شنتها بريطانيا ضد الحموم والصيعر قائلة: “قبل بضعة أشهر ألقت طائرات القوى الجوية الملكية بقنابلها فوق الوادي. ولم تنفجر إحدى القنابل، والتقطها رجال القبائل بحذر، ووضعوها عند مدخل قرية أعدائهم المجاورين، وأطلقوا النار على تأمين القنبلة من مسافة آمنة، واستمتعوا بالنتيجة”. (شتاء في شبه الجزيرة العربية، ص17).
وبالنسبة لردود فعل الأهالي تجاه (السلام الإنجليزي) التي ترصدها فريا ستارك فهي في الغالب إيجابية. ففي 15 يناير يقول لها منصور، أحد سكان حريضة، إنه يرحب بالحكومة والسلام الإنجليزي، ويشرح لها سبب ذلك: “تستحق الحكومة الشكر؛ فقبل مجيئك أول مرة إلى حريضة قتلوا أخي حين أطلقوا عليه النار من البيت المقابل لمنزلنا الذي يقبع وسط الحقل، وكان لزامًا علينا أن نأخذ بثأره. ولم يكن هذا الأمر ممكنًا؛ لأننا جيران. وقبل سنتين وضع السيد أبوبكر الكاف -الله يقوي ساعده- هدنة بيننا لمدة أربع سنوات، ودفع لي مئة دولار من ماله دية لأخي. والآن جاء السلام الإنجليزي، وتوقف نزيف الدم. ولم أندم، إنه لشيء مفرح أنْ أستطيع المشي بجانب جاري دون أنْ نضطر إلى قتل بعضنا بعضًا”. (شتاء في شبه الجزيرة العربية، ص92).
وعلى الرغم من أن فريا ستارك لم تكن عالمة أنتروبولوجيا أو باحثة أكاديمية متخصصة فقد حرصت تضمين كتابها (شتاء في شبه الجزيرة العربية) كثيرًا من العادات والتقاليد والمعتقدات الشعبية الحضرمية. فهي لا تدع أبدًا مناسبة اجتماعية أو دينية تفوتها حتى وإن كانت مريضة. مثلًا، في بداية رحلتها الثانية إلى حضرموت، لم يمنعها التهاب الجهاز التنفسي من الذهاب إلى إحدى المدن القريبة من شبام لحضور زيارة أحد الأضرحة، وتكتب في يومياتها: “كنت أود أن أقضي يومي في الفراش؛ إذ إني مريضة الآن وأعاني من حمى شديدة. لكن حسين أزعج نفسه وقام بتجهيز بيت خاص بأحد أعمامه في الحوطة التي يذهب إليها كل سكان المنطقة اليوم لزيارة ضريح أحد الأولياء”. (شتاء في شبه الجزيرة العربية، ص48)، وهناك وجدت نفسها وسط آلافٍ من البدو الذين جاءوا من مختلف القرى والمدن المجاورة. وتصف المشهد قائلة: “لقد تجمّع هنا نحو سبعة آلاف من الناس تحت أشعة الشمس. وأعلامهم الأربعة تتأرجح في الوسط كأنها أشرعة سفينة. أما الضريح نفسه الذي تظلله قبة مشرعة الأبواب فلا يكاد يُرَى. وقد استطعت أن أقترب منه وأراه لمدة دقيقة أو دقيقتين. كان عبارة عن مجسّم مستطيل وصلب وبدون فتحات. ثم أدركت أن الناس يتزاحمون من حولي لرؤيتي وليس للاقتراب من الضريح. وغرقت وسطهم. وعلى الرغم من أننا حاولنا البقاء معًا فقد اختفى يسلم. ومَسك رجلٌ غريبٌ بيدي وقادني وسط البدو الذين كانوا يأتون من أمامي ومن خلفي موجة بعد الأخرى. لقد كانوا طيبين، لكن أعدادهم الهائلة أرعبتني. وتبرّع بعض الرجال وأبعدوا البدو بضربات العصي إلى أنْ أوصلوني إلى باب البيت”. ( شتاء في شبه الجزيرة العربية، ص49)، وفي طريق العودة قال لها يسلم ضاحكًا: “هذه السنة جاء الناس لزيارتك وليس لزيارة المرحوم أحمد بن زين”. ( شتاء في شبه الجزيرة العربية، ص51)، وخلال إقامتها في حريضة قدّمت فريا ستارك وصفًا شيّقًا لمراسيم زيارة أخرى مشابهة. ( شتاء في شبه الجزيرة العربية، ص129).
كما تعطي فريا ستارك اهتمامًا خاصًا بالعادات والمعتقدات المرتبطة بطرق العلاج الشعبي. وقد تعرفت على عدد منها حينما اضطرت أن تقدم بعض الوصفات الطبية للناس في حريضة. ففي 3 فبراير من سنة 1938م تكتب في يومياتها: “وجاء صالح، أصغر أبناء محسن، ليساعدني على تشخيص مرض امرأة تشتكي من (السِّكن) الذين في رأسها. و(السكني) لا يمكن أنْ يراه إلا عدد محدود جدًّا من الناس مثل والد صالح. وله شكل إنسان، لكنه أطول، ويمكن أن يعيش في أي عنصر؛ الحجر، الجدار، البوابة، وإن ضحكت منه يدخل وسطك ويؤذيك. وإذا كان (السكني) أو بالأحرى (السكنية) تحبك ستأتي وتهز ثيابك حين تكون مريضًا، وستحضر أحد الأنبياء ليعالجك. فبعض السكن يصلي لكن الآخرين لا يصلون. وإذا كانت (السكنية) لا تحبك ستبصق حين تمر بجانبك وستظهر عليك بعض البقع الحمراء. ومن الصعب رؤية السكنية أو التعرف عليها حتى حين تكون مرئية لأنها تسير محجبة مثل بقية النساء. وأخبرت المرأة المريضة أن أملاح (إبسوم Epsom) يمكن أن تحبط السكن وتنفعها أكثر من أي شيء آخر. وإذا لم تنفع الأملاح سيفعل الله الباقي. وبعد انصرافها تحدثت مع صالح حول هذه المسألة. وقد أخبرني أنه لا يعتقد أن الذي في المرأة (سكن) بل (بركين). والبركين يذوبون ويدخلون فيك مثل الرياح الباردة من خلال الإصبع الأكبر لقدمك اليمنى، ثم يستقرون في الصدر وينفخون في الرئتين؛ إما في المقدمة أو في أحد الجانبين، ويأكلون طعامك. لهذا فأنت تأكل وتأكل وتظل دائمًا جائعًا. ويستطيع الولي الذي في القبر إخراج البركين من خلال الإصبع الأكبر الذي دخلوا منه. وسألت صالح: “وهل صحيح أن الولي لديه أربعة عفاريت يذهبون كل ليلة في شكل كلاب إلى قبره ليخبروه بكل ما نفعل؟” ورد صالح “نعم، ويمكن أن يراهم أي إنسان يجيئون ويذهبون. لكن لا يستطيع أحد الاقتراب من القبر حينما يكونون هناك”. وأضاف: “العفاريت رجال ويدخلون النساء عبر الأذن -كم هذا صحيح- والجن نساء ويزرن الرجال. لكن الجني الخافي هو أسوأ أنواع الجن. فهو حين يدخلك يتورّم جسدك وتنتفخ ثم تسودّ وتموت. اللهم احفظنا”. وقلت “آمين” لا سيما أن أخلاقنا الأوروبية قد أضعفتها الكثير من الأمراض والأوبئة التي حولنا. وتقول زميلتي إلينور، عالمة الآثار التي تتجه الآن بدورها نحو المرض، إنّ هذه البلاد تسبب لها هيجانًا عصبيًا شديدًا. ويجب أنْ أخبرها أنّ سبب هذه النوبات ليس إلا البركين”. ( شتاء في شبه الجزيرة العربية، ص117).
وإذا كانت علاقات فريا ستارك بالسكان المحليين في حضرموت جيّدة بشكل عام، فقد شابَ بعض التوتر علاقتها برفيقتي رحلتها الثانية إلى حضرموت، لا سيما بعالمة الآثار جيرترود كاتون – تومسون. أما بالنسبة لعلاقتها بزميلتها الأخرى، عالمة الجيولوجيا إلينور وايت جاردنر، فقد كانت جيدة مقارنة بعلاقتها مع عالمة الآثار؛ فإلينور كانت مواظبة على الجلوس معها والحديث إليها، وتزورها في غرفتها وتخبرها عن تقدم أعمال التنقيب حينما كانت مريضة. وقد شعرت فريا ستارك بشيءٍ من الحرج عند تناولها لتلك العلاقة في الجزء الثاني من سيرتها الذاتية الذي نشرته سنة 1953م. فهي تعترف أنه “من أصعب الأمور في كتابة السيرة الذاتية تحديد كمية المشاعر الخاصة التي يمكن البوح بها. ونهجي في هذا الكتاب نهج الرسام الذي يمكن أن يهمل لطخة عرضية أو لفحة شمس عابرة، لكن يظل عليه، مع ذلك، أنْ يقدم بإيجاز كل الملامح، بل حتى ظلال الملامح، ما دام إهمالها يمكن أنْ يهدم التناسق الكلي للصورة… وإذا كان لدى المرء جرأة الاعتقاد أن الناس مهتمون بشخصيته فسيكون من اللائق أنْ يرسم في الأقل صورة دقيقة قدر المستطاع. لهذا السبب لم أهمل شيئًا يمكن أن أراه خلفي وأثـّر في شخصيتي، إيجابًا أو سلبًا. ومع ذلك فالذكريات، التي هي بطبيعتها خاصة، أو التي تمس أناسًا آخرين، لم يتم تناولها بأبعادها الفعلية، إلا أنه قد تمّ الإشارة إليها ضمنيًا بشكل كاف لكي يستطيع القارئ أنْ يتابعها بخياله. وأعترف الآن، دون أي شعور بالحقد، بوجود خلاف عميق بيني وبين واحدة من رفيقتيَّ”. (ساحل البخور، ص182).
ويمكن أن نلمس بذور الخلاف بين جيرترود تومسون وفريا ستارك حتى قبل وصولهن إلى حضرموت؛ ففريا ستارك تشير في الرسالة التي بعثتها من عدن إلى أمها بتاريخ 4 نوفمبر 1937م، إلى أن “جيرترود تومسون تريد أنْ تضع اتفاقًا مسبقًا حول كيفية تقسيم الملتقطات. وحين سألت الكولونيل ليك -مساعد حاكم عدن- قال إنه لا يريد إلا أشياء قليلة للمتحف هنا. وسيتركنا نقرر ونختار بأنفسنا”. (شتاء في جنوب شبه الجزيرة العربية، ص62).
وفي الحقيقة كانت مهمة فريا ستارك، التي لم تشارك في الجانب العلمي البحت من البعثة، حساسة وفي غاية الأهمية؛ فهي التي تقوم بالتفاوض مع القبائل للحصول على الإذن بالتنقيب في أراضيهم، وتحل المشاكل التي تبرز حين يطالبون بالنقود تعويضًا عن الملتقطات، إلى درجة أنها تؤكد في إحدى رسائلها إلى والدتها أنه لم يعد لديها متسع من الوقت للكتابة بسبب انشغالها بأمور البعثة. وإذا كانت تقضي بعض الوقت في الحديث مع المنصب والسكان الآخرين فقد كانت تسعى إلى إلهائهم وإبعادهم عما تقوم به العالمتان. كما أنها تضطر في بعض الأحيان للتدخل لحل المشاكل، التي تبرز بين عالمة الآثار وعمّال الحفر المحليين، الذين يشتكون إليها من الأسلوب الفج، الذي تعاملهم به جيرترود تومسون. وتؤكد أن منصب حريضة وعلي العطاس قد طلبا منها التدخل لدى العالمتين؛ لتخففا من خشونة معاملتهن للعمال والكف عن ضربهم!
ومن ناحية أخرى، لن يكون من الإنصاف أنْ نلوم فريا ستارك حين فضلت عدم مرافقة العالمتين، اللتين لا تتحدثان العربية مثلها وبحاجة إلى قدرتها على التعامل مع الناس، في طريق عودتهن بالسيارة إلى المكلا، والتوجه بمفردها غربًا ثم جنوبًا في (طريق البخور) الذي قادها إلى مينا قنا. فهي تؤكد “أن اللورد ويكفيلد الذي أسهم في تمويل البعثة بسخاء لا يهتم بشيء آخر غير طريق البخور. وعلى كل حال أعتقد أنني أستطيع أنْ أجد له موقع ميناء قنا القديم إذا فشلت في الأشياء الأخرى”.
ومع ذلك، لا يمكن أن نمنع أنفسنا من البحث عن تفسير جانب من الخلاف الذي برز بين فريا ستارك وزميلتها جيرترود تومسون في شخصية فريا ستارك نفسها التي كانت تفضل -كما سبق أن ذكرنا- أسلوب السفر المنفرد، ولم تكن مهيأة تمامًا للعمل أو السفر ضمن فريق أو مجموعة من النساء. فهي لم تتردد في الإشارة إلى بعض سلبيات العالمتين اللتين لم تكفا طوال الرحلة عن شراء كل ما يقع بين أيديهن، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف البعثة، وجعلهن يبدين وكأنهن من “موظفات وكالة كوك للشحن”.
ومن ناحية أخرى، تعترف فريا ستارك في الرسالة التي بعثتها من حريضة إلى صديقها جوك قبل نهاية أعمال البعثة بشهر أنها عازمة على السفر بمفردها إلى الساحل عبر وادي عمد، وتنهي رسالتها قائلة: “سأكون سعيدة جدًا أنْ يكون لي وحدي آخر بقعة صغيرة في شبه الجزيرة العربية، بعيدًا عن الشكاوى، ومن غسيل الثياب، وأشياء أخرى من هذا القبيل”. (ساحل البخور، ص 188).
ولا شك أيضًا أن فريا ستارك قد شعرت أن جيرترود كاتون – تومسون لم تنصفها في التقرير العلمي الذي أعدته عن البعثة، ونشرته سنة 1944م بعنوان (Gertrude Caton Thompson, The Toms of Temple of Hureidha Hadhraut, Oxford, p. XI)؛ فهي لم تشر إليها فيه إلا لتقول: “لحقت بنا فريا ستارك من مستشفى عدن في 26 ديسمبر بعد غياب دام أسبوعين، ولازمت غرفتها من جديد، ومن وقت إلى آخر، لأسابيع عِدّة”.
ويتضمن الجزء الثالث من كتاب (شتاء في شبه الجزيرة العربية) (The Journey) سردًا لرحلة عودة فريا ستارك من حريضة إلى عدن. فبعد انتهاء أعمال التنقيب في مطلع شهر مارس من سنة 1938م قررت فريا ستارك، التي تفضل السفر المنفرد، أن تترك العالمتين تعودان لوحدهما بالسيارة من حريضة إلى المكلا، بينما ركبت هي على ظهر جَمَلٍ، برفقة دليلها علي العطاس الملقب بـ(علي البدوي)، واتجهت غربًا صوب وادي عمد، من غير علم المستشار إنجرامس. وفي هذا الوادي تعاني من أمراض كثيرة، وتكاد تقطع “رحلتها في طريق البخور”. لكنها “تفضل عدم الاستسلام لجسدها الغبي”، وتواصل السفر جنوبًا، على ظهر حمار، باتجاه عزّان، إلى أن تصل منطقة (حصن الغراب)، غربي ميناء قنا القديم في 23 مارس. ومن هناك أخذتها سفينة ركاب صغيرة إلى عدن. وحينما وصلت فريا ستارك عدن في 28 مارس 1938م كانت تعاني من أمراض عدة، ولم تغادر المستشفى إلا لتركب السفينة مسافرةً باتجاه أوروبا. وقد أخبرها الطبيب أن السفر على ظهر الجمل أو الحمار لمدة شهر تقريبًا هو سبب أمراضها.
وتضمن فريا ستارك هذا الجزء من كتابها سردًا لكثير من الحوادث المثيرة التي شهدتها في أثناء سفرها من حريضة إلى الساحل؛ ففي نهاية رحلتها مثلًا، يعترض سبيلها عدد من البدو ويصارحونها بمخاوفهم من الإنجليز و(صلح إنجرامس). وتسجل حوارها معهم على النحو الآتي:
“وبينما نحن جالسون حول النار، خرج بدوي من الظلام بشعره المنسدل وأنفه الصغير والمستقيم. إنه من عائلة باقطمي، إحدى فخوذ بني نعمان. وسألني:
– “هل أنت واحدة من الإنجليز؟ هل حقًا أتيتم لتجعلوا عبيدنا أحرارًا، وتجعلونا ندفع ضرائب ونساءنا يفعلن ما يشأن؟” وأجبته:
– “بالنسبة للموضوعين الأول والثاني: لا أدري، لكني أعرف أن نساءكم يفعلن الآن ما يحلو لهن، لأنني أنا نفسي امرأة”. فضحك وجاء وتقرفص بالقرب من النار المتوهجة، وأضاف:
– “الجول كله يتحدث عن طائراتكم. وقد أخبرنا سلطان عزّان أنها قد جاءت ولم يصدقه أحد. لكنها وصلت فعلًا. وها أنت الآن وصلت بعدها! ما كل هذا؟ هل جئتم لتفسدوا بلادنا؟”.
– “لا أتمنى هذا حقًا”.
– “لقد سلَّمْنا بنادقنا كلها بسبب سلامكم الإنجليزي. وقبل أسبوعين سرق بنو حمير الذين يعيشون في الجبال اثنين من جمالنا. وباقطمي سلَّمَ بنادقنا. لدينا ما فيه الكفاية من السلام؛ سنذهب قريبًا إلى أراضي بني حمير لنسكب الزيت فوق جذور نخيلهم .. ونحن لا نحبكم”. وبينما هو يقول ذلك ابتسم لي بطريقة تلقائية، فقلت له:
– “عشاؤنا الليلة جدي مشوي، وستحبني أكثر بعد العشاء. فنحن في بلادنا نعتقد أن المرء لا يحب أبدًا الناس ما دام جائعًا. وبالنسبة لبلادكم، لا نريد أن نسلبكم إياها؛ لدينا أرض أفضل منها. وإذا نحن جئنا إلى هنا فليس لكي نؤذيكم، بل لأن سلاطينكم دعونا كي لا نترك الناس الذين لا تحبونهم ولا نحبهم يدخلون بلادكم”.
– “إذا كان الأمر كذلك، قال باقطمي، سيكون كل شيء على ما يرام. لكن إذا فعلتم سلامًا يجب عليكم أن تحافظوا عليه ولا تتركوا بني حمير يسرقون جمالنا”. (شتاء في جنوب شبه الجزيرة العربية، ص 204- 205).
وبالإضافة إلى ذلك تؤكد فريا أنها لم تتردد، هي نفسها، في المشاركة في ترسيخ السلام الإنجليزي في المناطق الغربية من حضرموت خلال إقامتها في حريضة. ففي 13 يناير من عام 1938م، تكتب في مذكراتها: “إنّ تحليق طائرتين من القوات الجوية الملكية فوق هذا الوادي كفيل بحفظ هذه المنطقة هادئة. ولا شك أن ابتعادهما أو غيابهما هما اللذان يسمحان للعناصر الغريبة بالبروز. وحالما يظهر هارولد إنجرامس تختفي تلك العناصر. وفي هذه الأثناء يترك وجودنا هنا بعض الأثر للمحافظة على الهدوء في المنطقة؛ فأنا أستقبل كل يوم عددًا من سكان الوادي الذين يطلبون مشورتي التي أقدمها لهم مرغمة، وبشكل غير رسمي، ولأجل مصلحتهم”. (شتاء في جنوب شبه الجزيرة العربية، ص 90)، وحين تستلم الرسالة القصيرة التي يخبرها فيها إنجرامس أن تمرد الحموم مستمر، تقول إن وجودهن في حريضة قد ساعد على استقرار الوضع في الركن الغربي من وادي حضرموت. (شتاء في جنوب شبه الجزيرة العربية، ص 205).
كما أنّ الأسلوب الفريد الذي استخدمته فريا ستارك في تدوين رحلاتها التي ترجمت إلى معظم اللغات الأوروبية هو الذي جعل كتبها من أروع ما ألف في أدب الرحلات باللغة الإنجليزية. فمن خلال المزج بين السرد والوصف والحوار، استطاعت أنْ تضفي على نصوصها كثيرًا من عناصر الجمال والتشويق والإثارة. كما أن تداخل السرد مع الرسائل واليوميات والانطباعات التي سجلتها الرحالة مباشرة في حضرموت قد أعطى لأسلوب فريا ستارك حيوية قلما نجدها في كتب الرحلات الأخرى.
ولتتمكن فريا ستارك من جذب أكبر عدد ممكن من القراء، وتجسيد الجانب الغرائبي في نصوصها وتقريبه من خيال القارئ، وإقناعه بصحة ما تنقله من مشاهد، لم تكتف بقلمها، بل استخدمت كذلك آلة التصوير. فهي قبل رحلتها الأولى إلى اليمن قامت بشراء LeicaIII التقطت بها نحو (6000 صورة)، أصرت أن تظل جميعها باللونين الأسود والأبيض حتى بعد أن أصبحت الصور الملونة هي السائدة في الثمانينيات من القرن الماضي. وقد ضمنت فريا ستارك كتابها (شتاء في جنوب شبه الجزيرة العربية) أربعة عشرة صورة من الصور التي التقطتها خلال تلك الرحلة. أما الصور الأخرى فقد ضمنتها كتابها (مشاهد من حضرموت) الذي أرادت، هي وناشرها، أن يكون هديةً للقارئ.