شخصيات
د. زين محمد حسين العيدروس
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 20 .. ص 85
رابط العدد 20 : اضغط هنا
المقدمة:
حمدًا لله تعالى على إكرامهِ للعلماءِ والأولياء، فخَصَّ من خلقهِ لخلقهِ، فنالوا بذلك رِضَاه وغِناه، وأكرمهم في الدنيا والآخرة، أحمده سبحانه على توفيقهِ وهدايتهِ ولُطفهِ وعنايتهِ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيّد الخلق، الذي دعا الناس للحق، وعلى آلهِ نجُوم العلماءِ، وسادة الأولياء، وأصحابه السُعداء، ومن سَار على دَربِهم واهتدى، أمّا بعد:
فهذه لَمَحاتٌ عابِرة وذكريات مُشوّقة، عن حياة شيخنا العلامة الفقيه سعيد بن عمر باوزير -رحمه الله- وإلا فحياة شيخنا حافلة بالمجاهدات، والاجتهادات العلمية، والاجتماعية، والدعوية، والتربوية.
ولكن هذا أقلّ القليل، والقليلُ في هؤلاء العلماء لا يُقال له: قليل، فكم أثّرتْ فينا صفاته الأخلاقية، وعُلومه وتوجيهاته، فأرجو أن تكون هذه اللمَحات تفي بما له علينا من حق التعليم والتوجيه، وأسأل الله تعالى لي الإخلاص والتوفيق، وما كتبتُه عنه هو بحسب صلتي به، ولعلها بادرة لأبنائه وتلاميذه؛ لإظهار حياة الشيخ سعيد، المليئة بالإنجازات الكثيرة، وعلى الله التكلان.
1- نسبه وولادته:
هو: شيخنا سعيد بن عمر بن عوض بن طاهر باوزير، والمشهور في كتب التاريخ نسبة المشايخ آل باوزير إلى الشيخ يعقوب بن يوسف -رحمه الله-، وهو مِنْ أوائل من سكن مدينة المُكلا، وُلد المترجم له بمدينة المكلا في شهر ذي الحجة عام 1357هـ، بعد وفاة شيخ شيوخه السيد العلامة أحمد بن محسن الهدّار بشهر أو شهرين.
2- شيوخه وقراءاته في الكتب:
شيوخ شيخنا الشيخ سعيد باوزير كُثُرٌ، ولا يخفى أن مدينة المكلا يقصدها العلماء، وطلبة العلم، خصوصًا أيام السلطنة القعيطية، التي تعتني بالعلماء، ومن سلاطينها من أهل العلم، وقد التقى الشيخ سعيد بهم، واستفاد منهم إلا أن من شيوخه المشهورين والذين دائمًا يذكرهم هم:
1) والده الشيخ عمر بن عوض بن طاهر باوزير.
2)الشيخ محمد بن عبدالله باجنيد.
3) الشيخ مبارك الجوهي الصدفي.
4) الشيخ القاضي عبدالله بن عوض بكير.
5) السيد القاضي حسين بن محمد بن مصطفى بن الشيخ أبو بكر.
6) السيد المحدث علي بن محمد بن يحيى.
7) السيد القاضي عبدالله بن محفوظ الحداد -رحمهم الله تعالى-.
ولعلّ من أوائل من تلقّى العلم على يديه والده، والشيخ الجوهي وباجنيد، وقد قرأ الشيخ على أيدي شيوخه كتبًا كثيرة، والتي من أشهرها متن أبي شجاع، والمقدمة الحضرمية، وتنوير القلوب، والمنهاج مع مغني المحتاج، وفتح المعين وشرحه إعانة الطالبين، والخلاصة في الفرائض لبافضل، وتكملة زبدة الحديث لابن حفيظ، والتحفة السنية بشرح الآجرومية، والأشباه والنظائر للسيوطي، ونيل الرجاء بشرح سفينة النجاة، وكفاية الأخيار للحصني، وغيرها.
3- نشأته:
وشيخنا منذُ نعومة أظفاره تربّى في بيت صلاح وتقوى، ولوالده أثرٌ كبير في تربيته، وتنشئته النشأة الصالحة، وقد كان والده من أهل الصلاح، ويروي عنه قصصًا عجيبة تدل على أنه من أولياء الله تعالى، كما قال تعالى: [أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ] [يونس: 62]، وقد تزوّد منه التواضع والورع، وحبّه للعلم وأهله، وتلقّى العلم في بدايته عند شيوخه المُربين من أمثال: الشيخ مبارك الجوهي، والشيخ محمد باجنيد، وهما: آيتان في الجدِّ والاجتهاد، ونفع الخلق والقيام بإحياء بيوت الله تعالى بالصلوات، والدعوة إلى الله تعالى مع شظف العيش، وقلة متاع الدنيا، فهذا شيخه الشيخ محمد بن عبدالله باجنيد يحكي عن والده أنه شكى عليه بعض الناس عند السلطان صالح القعيطي، وقالوا: إنه يأخذ من الناس في أقضيته المال، فاستدعاه السلطان، وأمامه هؤلاء الناس المُدّعون عليه، وقال له: تأخذ من الناس الفلوس، ولا ترد منهم شيئًا فقال: نأكل الرضيح، ونحكم بالصحيح، ونرزح على قولنا رَزِيح، فالتفتْ السلطان للمدّعين، وقال: ماذا تقولون؟ فقالوا: لا نقول عليه شيئًا بعد اليوم.
وقد كان شيخنا مُقتديًا بشيوخه، فكان يُلقي دروسًا فقهية عامة للناس مع صديقه الشيخ سعيد الرباكي -رحمه الله- ورآهما الشيخ العلامة عبدالله بن عوض بكير، وفرِحَ بهما، وأراد أن يُؤهلهما في الفقه أكثر فكلّم لهما السيد العلامة حسين بن محمد بن الشيح أبو بكر؛ ليدرسهما فاعتذر؛ لانشغاله بالعمل في المحكمة، ففرّغه يومين أو أكثر قبل الظهر؛ من أجل أن يفقههما، فوافق السيد العلامة حسين، مع أن الشيخين السعيدين يَدرُسان عنده في أوقاتٍ أخرى، هكذا حَرِصَ العلامة بكير بالشيخين من أجل أن يتفقه الناس منهما أكثر، فرحم الله تعالى شيوخنا وجزاهم خيرًا وحُبورًا وسُرورًا.
4- زهده وأوصافه:
أما عن زهدِ الشيخ وورعه، فيُحدِّثك عامة الناس فضلًا عن أحبابه وأقاربه، قد رضِي بالكفاف من العيش، فبدأ حياته بتجارة مُتواضعة، بدُكان صغير بقرب مسجده باحليوة مع حرصه على التعليم والتعلّم، وكان بعيدًا عن المسؤولين في الدولة، لا يطلب منهم معونة ولا شيئًا، مُنْشغلًا بنفع طلاب العلم والعوام من الناس، في مُنتهى الأدب مع سلف الأمة، لا يُجهّل أحدًا من أهل العلم، ويذكر أقوال المخالفين ويدعو لهم بالهداية، يتحمّل أذى الناس، خصوصًا المتخاصمين، عندما يقوم بالإصلاح بينهم فترفع أصواتهم عنده، ولا ينهرهم بل يعاملهم برفق، مَنْ أخطأ في حقه لا يُعنّفه، ولا يردُّ عليه، ويعرض عنه فقط، وقد ذكّرني بقول أحد علماء شنقيط:
إن السيادة في اثنتين فلا تكن يا ابن المشايخ فيهما بالزاهد
حملُ المشقةِ واحتمالِ أذى الورى ليس المُشمّر في العُلى كالقاعد
قل للذي طلب العُلى في سِواهم هيهات تضربُ في حديدٍ بارد
وكان هادئ الصوت، لا يرفع صوته، ليّن الجانب، دائم الفكر، مُنشغلًا في كل أوقاته، إمّا درسًا أو فكرًا أو ذكرًا أو قرآنًا.
5- ثناء أهل العلم عليه:
أثنى على الشيخ سعيد علماء كثيرون من شيوخه وغيرهم، فكان شيخه وقرينه السيد عبدالله الحداد يصفه بالفقيه، ولا يناديه إلا بلفظ الشيخ سعيد، ولا يبدأ في الدرس إلا إذا حضر الشيخ، وقد أثنى عليه السيد العلامة القاضي علي بن محمد مديحج ووصفه بالفقيه المربّي، وكان لا يمرُّ السيد عمر بن حفيظ المكلا إلا زاره، وأمر تلامذته بالاستفادة منه، والأخذ من علومه، ويسأل عنه في حال غيابه عن المكلا، وقد أطنب في الثناء عليه الشيخ عوض بانجار قبل الصلاة عليه بمسجد عمر، وقال: إنه فقّه الشباب، وقت الحرب على العلم وأهله، وبموته خسرت المكلا فقيهًا ضليعًا.
6- جهوده التعليمية:
لم آت إليه مرة ووجدته فارغًا ساكتًا، وإنما ذاكرًا أو متأملًا أو مُعلمًا، يبذل كل وقته لطلبة العلم، ويحرص على أن يفيد طلاب العلم مهما طال الوقت، له في اليوم الواحد أكثر من سبعة دروس من بين خاص وعام: درس بعد صلاة الظهر، ودرس بعد صلاة العصر في رياض الصالحين لعامة الناس، ثم يعقد درسًا لمجموعة من الطلاب، ثم يبدأ طلبة آخرون إلى المغرب، ثم بعد المغرب يقرأ القرآن في حلقة، أو يعقد درسًا، وتارة يقوم بدرس للنساء في مسجده، وبعد أذان العشاء درس عام للناس، ثم بعد صلاة العشاء درس خاص لطلبة العلم، يستمر نحو ساعة ونصف أو أكثر أحيانًا.
لم يشغل وقته لنفع طلبة العلم فحسب فهو في مسجده يستقبل أسئلة الناس، من بعد صلاة الظهر إلى العشاء، ويقوم بالإصلاح بين الناس، وقد يخرج إلى بيوتهم ويُقسِم التركات، وتأتيه الإحالات من القُضاة، فقد كان القاضي عصام السماوي دائمًا يُحيل مسائل وأقضية للشيخ سعيد، وكان يثق به ويحبه، ويثني عليه ثناءً جميلًا، ويصفه بالفقيه.
وتمتاز دروس الشيخ بالأسلوب المُيسّر السهل، مع ربط المسائل بقصص ووقائع أحوال، تُثبّت في ذهن الطالب المسائل، وهذا يدل على تمكّنه في الفقه، أما علم الفرائض فهو المتمرّس فيه، وإذا قالوا: القضاء يُفقّه فأقول: قسمة المواريث تجعل العالم فرضيًا، فهو بحق فقيه وفرضي حاضر، وقد انشغل بالتدريس عن التأليف، إلا أن له رسالتين: إحداهما في الحيض، والأخرى في الأوراق البنكوتية، وله فتاوى مكتوبة تحتاج إلى جمعها في كتاب، وقد سُجّلت بعض دروسه، ومنها شرح المقدمة الحضرمية كاملًا.
لا يخفى على المطّلع لزمن شيخنا وعصره، فإنه أدرك حكم السلطنة، وحكم الاشتراكية، فأُبلي في زمن الاشتراكية بلاءً حسنًا، فقد ضُيّق في تلك الحقبة على العلماء والمتدينين، ورُموا بالكهنوتية والمُخرفين إلا أن الشيخ وأمثاله من العلماء صبروا وصبروا، فقاموا بتعليم طلاب العلم سِرًا، فقد كان الشيخ يعقد دروسًا في بيته وبه مُربعة (غرفة صغيرة)، ويتوافد الناس عليه سرًا بعد أن مُنع من التدريس في المساجد، فكان جهده وزملائه الشيوخ مُتنفّسًا لتلك الحقبة من الزمن، وبيته منارًا يُضيء في الظلام الحالك فهدى الله تعالى به خلقًا كثيرًا، حتى انقشعت الظلمة، وسقطت الاشتراكية على أُمّ رأسها في ليلة واحدة!!
توافد طلاب العلم صغارًا وكبارًا وشيوخًا وشبابًا ذكورًا وإناثًا ينْهلون من دروس الشيخ، التي لم يفتأ بتركها ليلًا أو نهارًا، بل زاد نشاطه، وعلت همّته؛ لعله يُدرك ما فاته وقت الليالي السوداء، التي أعاقت دروسه، فأقل عدد دروسه في اليوم والليلة: سبعة دروس للعامة والخاصة كما تقدم.
وكان يتنقل من مسجد إلى مسجد فأحيا دروسًا بالمساجد الجامعة كمسجد عمر، ومسجد الروضة، ومسجد جامع البلاد في الفطر وفي رمضان، وأنشأ دروسًا بمدرسة النور العريقة، بعد صلاة العشاء في الأسبوع يومان، فقرّر في كتاب بلوغ المرام للحافظ ابن حجر، وأهم الواجبات والمندوب للسيد حسين بن محمد الهدار، وعقد دروسًا لمدرسات معهد الزهراء لتحفيظ القرآن الكريم؛ ليفقههن في الدين، بالإضافة لدروسه للنساء بمسجده. وألقى محاضرات بكلية البنات قسم الدارسات الإسلامية بجامعة الأحقاف فاستفدن منه طالبات الجامعة، فقد جمع الشيخ بين طريقة التدريس التقليدية والحديثة.
وكان مسجده مقصدًا يقصده السائلون في أمور دينهم، ومأوى للمتخاصمين عند الاختلاف في أمور دنياهم، ومركزًا يهرع إليه الورثة؛ لمعرفة أنصبائهم في تركة أمواتهم، ويلزم من ذلك أن مسجده مفتوح في الليل والنهار، فكان يستقبل تلك الوفود بصدر رحب، وطلاقة وجه، بأجوبة سهلة الفهم، كافية للسائلين، مُقنعة للمتخاصمين، فلله درّه من شيخٍ حكيمٍ، وفقيه حاضر وفرضي مُمارس، وصوفي مُتحقق، ومُرَبٍّ مُشفق، رحمه الله رحمة الأبرار.
7- جهوده الدعوية والاجتماعية:
للشيخ سعيد جهود دعوية وعلمية كثيرة فمنها: تولّيه لإمامة مسجد باحليوة، لا يقل عن أربعين عامًا، ورأَسَ مركز تحفيظ القرآن الكريم التابع للجمعية الإسلامية الاجتماعية الخيرية، وأظهر جهودًا مباركة في تحفيظ كتاب الله تعالى، وإقامة المسابقات الرمضانية لحفظ كتاب الله تعالى، وعمل مكتبة بمؤخرة مسجد باحليوة، وجمع مراجع تحتاج الآن إلى أن تستثمر هذه المكتبة، وقد شارك في البعثات اليمنية لحج بيت الله الحرام، وشارك في دورات تأهيلية لمعلمي القرآن الكريم، والتربية الإسلامية.
وكان الشيخ سعيد يعتني بإحياء المناسبات الدينية؛ لبث رُوح الإسلام، ويحيي ليلة النصف من شعبان، وليلتي العيدين بالقرآن والذكر، وإحياؤه لهذه المناسبات يُعد منهجًا سلوكيًا ومسلكًا تربويًا، وقد كان شغوفًا بمحبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإحياء ليلة ميلاده، وقراءة قصة المولد في المناسبات السنوية، وليلة الجمعة بمسجده، ولا تفارقه مسبحته حتى في الدروس العلمية.
8- منهجه وبعض اختياراته الفقهية:
كان الشيخ سعيد شافعيًا مُتحررًا، يُقرر المذهب، ويعرف الآراء ووجهاتها، ويُقرره تقرير خبير ممارس للفقه يوميًا بل في كل ساعة! وبعد وفاة شيخه العلامة شيخنا عبدالله الحداد -رحمه الله- تولّى إقامة الدروس في بيت شيخه، وواصل برنامج الفتاوى بإذاعة المكلا، فكان يجيب عن جميع أسئلة المستمعين، بعلم غزير، وفهم مستنير، وكان كشيخه وصديقه السيد العلامة عبدالله بن محفوظ الحداد -رحمه الله- يأخذ بالآراء التي لها وجاهة من حيث الدليل والتعليل؛ لرفع المشقة والضرر عن الناس، مع مراعاة للمصالح وللمقاصد الشرعية، ومن المسائل التي أخذ بها مع أنها خلاف المعتمد والمقرر في المذهب:
1) إن من النجاسة المغلظة نجاسة الكلب والخنزير وما تولد منهما أو من أحدهما -هذا المقرر- لكنه يأخذ بقول علماء الطب، بأنه لا يتصور التوالد بينهما أو من أحدهما إلا إذا كان من جنسه كأتان مع خيل.
2) لا يشترط على المتوضئ الذي به جبيرة في اليدين مثلًا أن يرتب بأن يغسل وجهه، ثم يتيمم ثم يغسل الصحيح من يديه ثم يمسح رأسه ويغسل رجله، فله أن يقدم التيمم أو يؤخره بعد الوضوء، وهذا قول غير معتمد كما قال في (المنهاج): »قيل: مُحْدِث كجنب«، واستدل الشيخ لذلك: أن الترتيب يسقط في الوضوء، إذا جاء وقت فريضة أخرى ولم يحدث يتيمم فقط، فلم يشترطوا الترتيب في الأثناء دون الابتداء، وهذا تفريق في أمر واحد، وقد ذكر الإمام النووي الأقوال في المسألة في مذهب الشافعي وقال: »أما المحدث إذا كانت جراحته في أعضاء الوضوء ففيه ثلاثة أوجه مشهورة عند الخراسانيين أحدها: أنه كالجنب فيتخيّر بين تقديم التيمم على غسل الصحيح، وتأخيره وتوسيطه، وهذا اختيار الشيخ أبي علي السِنْجي بكسر السين المهملة وبالجيم، وبه قطع صاحب الحاوي -للماوردي-، قال: والأفضل تقديم الغسل، والثاني: يجب تقديم غسل جميع الصحيح، والثالث: يجب الترتيب فلا ينتقل من عضو حتى يكمل طهارته، محافظة على الترتيب فإنه واجب، وهذا هو الأصح عند الأصحاب صححه المتولي والروياني، وصاحب العدة وآخرون من الخراسانيين«(1).
3) المعتمد أن صورًا لأحكام الجبيرة، تجب فيها إعادة الصلاة، لكن الشيخ يقول: ينبغي أن لا نشدد على الناس في ذلك، ما دام أن هناك قولًا لأهل العلم: بعدم وجوب الإعادة عليهم، وكان كثيرًا ما يذكر هذا القول، وينقله من المجموع شرح المهذب للإمام النووي وعبارة نصه: »من الأصحاب من جعل مسألة الجبيرة من العذر العام، وهو حسن والله أعلم. ونقل إمام الحرمين والغزالي أن أبا حنيفة رحمه الله قال: كل صلاة تفتقر إلى القضاء لا يجب فعلها في الوقت، وأن المزني رحمه الله قال: كل صلاة وجبت في الوقت وإن كانت مع خلل لم يجب قضاؤها، قالا: وهما قولان منقولان عن الشافعي رحمه الله. وهذا الذي قاله المزني هو المختار؛ لأنه أدى وظيفة الوقت، وإنما يجب القضاء بأمر جديد، ولم يثبت فيه شيء بل ثبت خلافه والله أعلم«(2).
4) كان الشيخ يُرجّح مذهب أهل اللقط في الحيض على مذهب السحب وهو المعتمد، ويقول: مذهب أهل اللقط هو قول في مذهبنا، ورأي كثير من الفقهاء كالمالكية، وهو الأفضل تيسيرًا على النساء، والأقوى دليلًا فإن الدم هو الأذى، وهو رأي ابن عباس لقوله تعالى: [وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ * قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ * وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى? يَطْهُرْنَ * فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ? إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ] [البقرة: 222].
5) وكان يقول إن الكدرة والصفرة قبل الحيض وإن كان في وقته ليس حيضًا لحديث أم عطية رضي الله عنها قالت: »كنا لا نعد الكدرة والصفرة -بعد الطهر- شيئًا«(3)، لكن المعتمد أنهما وقت الحيض حيض، وله رسالة في الحيض ذكر فيها أقوال أهل العلم؛ تيسيرًا على النساء.
6) وكان يرجّح رأي النووي في الاستمتاع بالمرأة الحائض، وأنه لا يحرم إلا الجماع لحديث: »اصنعوا كل شيء إلا الجماع«(4)، وقال: ودليل ذلك من القرآن قول الله تعالى: [وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ * قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ * وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى? يَطْهُرْنَ * فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ * إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ] [البقرة: 222]، والمحيض هو: موضع خروج الدم، وهو يوافق ظاهر الحديث، وهذا رأي في المذهب.
7) وكان يأخذ برأي شيخه السيد العلامة عبدالله الحداد -رحمه الله- أن الإبرة الوريدية تفطر الصائم، والإبرة العضلية لا تفطر، وهذا الرأي على وفق ما قرره فقهاؤنا السابقون.
8) كان يأخذ بالقول الذي يقول: أن أكثر النفاس أربعون يومًا، وهو قول في المذهب، والمعتمد ستون يومًا، ويقول: دليل الأربعين أقوى، ويستدل بحديث أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قالت: »كانت النُّفَسَاءُ تقعد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يومًا«(5).
9) ويأخذ بقول أن تأخير الإحرام بالحج أو العمرة من جدة يجزئ لمن قدم من اليمن؛ لأن جدة القديمة بموقع الميناء القديم (أو بموضع يُقال له: السِقَالة) يحاذي يلملم.
10) ويفتي بجواز الرمي قبل الزوال وقت رمي الجمرات أيام التشريق، عند الحاجة خصوصًا الزحام؛ خشية الوقوع في التهلكة، قال الله تعالى: [وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ* وَأَحْسِنُوا * إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ] [البقرة: 195]، وقد أخذ بهذا القول جماعة من علماء الشافعية وغيرهم، وقد فصلتُ هذا القول في هذه المسألة، والتي قبلها في كتابي (الخلاصة في أحكام الحج والعمرة).
9- مواقف مع الشيخ:
1) رُشحتُ للقضاء وللدراسة بالمعهد العالي للقضاء، فاستشرته فقال: جاء طلاب علم عند الشيخ محمد بن عبدالله باجنيد فقالوا له: إن السلطنة القعيطية فتحت دراسة كُرْسات؛ لتخريج قُضاة فما رأيك بالالتحاق؟ فقال بإيجاز: القضاء آخره قَضْقضة في القبر. فصرفتُ النظر عن القضاء.
2) سألني مرة عن أحد علماء أهل السنة له مؤلفات كثيرة وله نشاط علمي، وقال: لم نسمع الآن عنه شيئًا، فقد انقطع خبره وكتبه. فقلتُ: لقد أصابته نفخة تشيّع. فقال: هذا الذي قطع أمره.
3) كنت عند الشيخ في درس في المسجد وجاء طفل صغير، وقال للشيخ سعيد مُشيرًا عليه بيده -بلهجته العامية-: هات الحذية حقّي، وأشار لمكان مرتفع في المسجد، قد رماها أطفال آخرون، فابتسم الشيخ، وقال له بهدوء وتواضع ورفق: إذا جاء علي الشرفي، سيعطيك إياها. وبقي الطفل واقفًا، فقال الشيخ: فليقم أحد ويعطيه الحذية.
4) شكوتُ له حال السلفية المتطرّفين وأذيّتهم، فقال: كنا نعاني من الاشتراكية، وشكونا الشيخ مبارك الجوهي، فقال: الاشتراكية سيُولّون، وهم بمثابة زامل أو شبواني يمرُّ في الشارع، فمِن الناس من يزمِّل مثلهم، وسيذهبون، وسيأتي بعدهم جماعة، وهكذا وسيولون، وصدق الله العظيم في قوله: [فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ? وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ? كَذَ?لِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَـالَ] [الرعد: 17].
10- بعض وصاياه:
كان من أهم وصاياه لطلبة العلم:
1) الاجتهاد في طلب العلم وعدم الانقطاع.
2) وكان يوصي طلاب العلم بالمحافظة على الحفظ، وكان يُجيز طلابه في هذا الدعاء، الذي يساعد على الحفظ: »اللهم إني استودعك ما علمتنيه، فاردده إليَّ عند حاجتي إليه«، يأتي به بعد الدروس.
3) قراءة حاشية شطا، وهي (إعانة الطالبين بشرح قرة العين)، ويقول عنها: حاشية شطا ما خلّت على مسألة غطا.
4) تدوين مسائل العلم، وكان يراجع ما كتبه طلابه من المسائل.
5) عدم التشديد على عامة الناس في مسائل الفقه، وذكر الأقوال الميسّرة التي أخذ بها العلماء.
6) يُرغّب في كتاب (تنوير القلوب في معاملة علّام الغيوب) لمحمد أمين الكردي؛ لاشتماله على عقيدة أهل السنة الأشاعرة والفقه والتصوف السُنّي.
7) كان يحثّ دائمًا في طلب العلم، ويرغب في حضور دروس العلم مُبكِّرًا، ودائمًا يستشهد ببيتين من الشعر:
كُنْ في البُكور غُرابًا وفي التملُّـق قـط
لا شيء كالعلم قط سيروا إليه وحطوا
وهما من قصيدة رائعة في الترغيب في طلب العلم للإمام أحمد بن عمر بن سميط -رحمه الله-، ولأهميتها سأذكرها كاملة، وهي:
لا شيء كالعلم قط سيروا إليه وحطوا
في مجلس العلم سِرٌ به الـوزر عـنّـا يُحـط
مَنْ يطلب العلم يُحظى برتبة لا تُحط
والرزق يأتيه سهلًا وإن عمَّ في الناس قحط
والعلم حصنٌ حصينٌ من شرِّ من جاء يسطوا
لطالبيهِ بقصٍّ لم يمتزج فيه خلط
يا جاهلًا قدره اسمع ما مثله قطُّ قطُّ
كُنْ في البُكور غُرابًا وفي التـمـلُّـق قـط
ثم احتملْ مثل كلبٍ وذا النُجحة شرط
ثم الصلاة على مَنْ أحكامُه الكُل قِسط
أخـلاقـه طاهـراتٌ والوجه يعلُـوه بسـط
وخُيـر آلٍ وصـحـبٍ لهم جهـادٌ وضـبـط
11- من أقواله:
من جملة ما يكثر ذكره من الأقوال المفيدة:
1) العامي إن شدّدت عليه نفّس لنفسه، وإن يسّرت له خرج عن حده.
2) قراءة سطرين خير من قراءة وقرين، ومراجعة بين اثنين خير من هذين.
3) لا عبرة في الطبائع بأصحاب الشهوة الحمارية.
4) حاشية شطا ما خلّت على مسألة غطا.
5) الشدّة تُولِّد الانفجار.
6) إيمان الناس في عُيونهم.
7) العلم يُزيل الوسوسة.
8) اللقمة الحلال دواء.
9) الإشارة تُخطي العبارة.
10) الحبوة كُرسي العرب.
12- من قصصه التي يذكرها:
لا تخلو دروس الشيخ سعيد -رحمه الله- دائمًا من قصص مُفيدة لها معان ومقاصد، وهي كثيرة جدًا، وسأذكر أكثرها ذكرًا:
1- قال أحد الحاضرين للشيخ مبارك الجوهي -رحمه الله-: يا شيخ مبارك با قلِّد، فقال الشيخ مبارك: (ومَنْ سيفتح لك؟) ويقصد السائل تقليد العلماء في مسألة، فأجابه الشيخ على سبيل الطُرفة: مَن سيفتح لك الباب؟ كأن السائل يسأل عن إغلاق باب. وعلى كلٍ فتقليد العلماء أيضًا يحتاج اختيار عالمٍ ورعٍ مُطلعٍ، وليس التقليد لمن هبَّ ودبَّ، وقد صدق الإمام سفيان الثوري -رحمه الله- إذْ يقول: »إنمَّا العلم عندنا الرُّخص عن الثِقةِ فإمّا التشديد فكُل إنسانٍ يُحْسِنَهُ«(6).
2- قال الشيخ سعيد: كُنّا في درسٍ عند الشيخ مبارك الجوهي، ومعنا كتب نقرأُ فيها، فأُحضر طعام فقال الشيخ مبارك: (إذا حضرتِ الأذواق لفُوا الأوراق).
3- كان الشيخ سعيد -رحمه الله- دائمًا يذكر لنا هذه الحكمة: (من تردى رداء الأخيار امتحنته دقائق الأخبار)، ويذكر لنا قصة قيّمة، وهي: أن رجلًا أعرابيًا مسلمًا سافر إلى بعض الدول العربية، فدخل فندقًا في غُرفة كبيرة، فيها كثير من الناس مناسبة الإيـجـار، وكانت عليه ثيـاب الأعراب، وعليه عمامة، وفي جيبه أقلام! فرآه رجلان نصرانيان، فقالا له: أنت مسلم، فقال: نعم، فقالا له: لكن في دينكم الإسلامي جور!! أنتم يجوز لكم أن تتزوجوا بناتنا ويحرم علينا؟ فأجاب الأعرابي بسرعة فقال: لأنكم لا تؤمنون بنبينا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ونحن نؤمن بنبيكم عيسى عليه السلام، ولعلّ بعضكم يتجرأ على نبينا صلى الله عليه وسلم، فتعجبا من جوابه، وكان سببًا في إسلامهما.
4- حكى لنا الشيخ سعيد -رحمه الله- أن الشيخ محمد باجنيد خطب جمعة بمسجد جامع البلاد، فلما فرغ من الخطبتين، وأراد المؤذن أن يُقيم الصلاة قال له الشيخ محمد: لا تقم الصلاة، ثم عاد للمنبر وجاء بأركان الخطبتين باختصار، ثم قال للمؤذن أقم الصلاة، فلما سلَّم قال الشيخ محمد للمؤذن: (حيا الله مَنْ يرقّع) أي: لقد صححتُ لكم الخطبة والصلاة، وقد نسي بعض أركان الخطبة الأولى فتدارك ذلك.
5- قال شخص للشيخ مبارك الجوهي -رحمه الله-: يا شيخ مبارك الصلاة رياضة! فقال الشيخ مبارك: (الصلاة رياضة غير مقصودة) أي: ليس مقصودها اللعب، وهي رياضة جسدية وروحية.
6- ذكر لنا الشيخ سعيد: أنه لمّا قدم السيد العلامة المحدِّث علي بن محمد بن يحيى -رحمه الله- من الأزهر الشريف أول سؤال قدم له: هل يصح للشافعي أن يصلي خلف حنفي مثلًا، فإن قلتم لا. فكيف تقولون: إن الأئمة كلهم على هُدى، فأجاب: بصحة صلاة الشافعي خلف الحنفي وأن العبرة باعتقاد الإمام. فقد أخذ بقول في المذهب أن العبرة باعتقاد الإمام مع أن المعتمد المقرر أن العبرة باعتقاد المأموم وهذا من فقهه وفهمه المستنير مع واقعه، قال الإمام الرافعي -رحمه الله- (ت 623هـ): »إذا مسَّ الحنفي فرجه وصلّى ولم يتوضأ أو ترك الاعتدال في الركوع والسجود أو قرأ غير الفاتحة في صلاته، ففي صحة اقتداء الشافعي به وجهان (أحدهما) وبه قال: القفال تصح؛ لأن صلاته صحيحة عنده، وخطؤه غير مقطوع به، فلعلَّ الحق ما ذهب إليه (والثاني) وبه قال: الشيخ أبو حامد لا تصح؛ لأن صلاة الإمام فاسدة في اعتقاد المأموم، فأشبه ما لو اختلف اجتهاد رجلين في القبلة يقتدي أحدهما بالآخر، وهذا أظهر عند الأكثرين،… ولو أن الحنفي صلى على وجه لا يعتقده صحيحًا، واقتدى الشافعي به، وهو يعتقده صحيحًا انعكس الوجهان، فعلى ما ذكره القفال لا يصح الاقتداء اعتبارًا بحال الإمام، وعلى ما ذكره أبو حامد يصح اعتبارًا باعتقاد المأموم، وحكى أبو الحسن العبادي أن الأودني والحليمي قالا: إذا أمَّ الوالي أو نائبه بالناس، ولم يقرأ التسمية والمأموم يراها واجبة فصلاته خلفه صحيحة عالمًا كان أو عاميًا، وليس له المفارقة لما فيها من الفتنة، وهذا حسن وقضيته الفرق بين الإمام وخلفائه وبين غيرهم، أما إذا حافظ الحنفي على واجبات الطهارة والصلاة عند الشافعي فاقتداؤه به صحيح عند الجمهور«(7)، وقد لخصَّ المسألة الإمام النووي -رحمه الله- فقال: »الاقتداء بأصحاب المذاهب المخالفين بأن يقتدي شافعي بحنفي، وأما مالكي لا يرى قراءة البسملة في الفاتحة، ولا إيجاب التشهد الأخير والصلاة على النبي صلى الله عله وسلم ولا ترتيب الوضوء وشبه ذلك. وضابطه أن تكون صلاة الإمام صحيحة في اعتقاده دون اعتقاد المأموم أو عكسه؛ لاختلافهما في الفروع فيه أربعة أوجه: أحدها: الصحة مطلقًا قاله القفال اعتبارًا باعتقاد الإمام، والثاني: لا يصح اقتداؤه مطلقًا، قاله أبو إسحاق الإسفراييني؛ لأنه وإن أتى بما نشترطه ونوجبه، فلا يعتقد وجوبه، فكأنه لم يأت به، والثالث: إن أتى بما نعتبره نحن لصحة الصلاة صح الاقتداء، وإن ترك شيئًا منه أو شككنا في تركه لم يصح، والرابع: وهو الأصح، وبه قال أبو إسحاق المروزي، والشيخ أبو حامد الإسفراييني، والبندنيجي، والقاضي أبو الطيب والأكثرون: إن حققنا تركه لشيء نعتبره لم يصح لاقتداء وإن تحققنا الإتيان بجميعه أو شككنا صحَّ، وهذا يُغلِّب اعتقاد المأموم. هذا حاصل الخلاف«(8).
7- ذكر لنا الشيخ سعيد وشيخنا السيد العلامة عبدالله الحداد -رحمهما الله تعالى- أن امرأة سألت الشيخ القاضي عبدالله بن عمر بامخرمة فقالت: هل يجوز لها أن تدهن رأسها وهي في عدة الوفاة وبرأسها أذىً، فقال لها: لا يجوز، فذهبت إلى والده الشيخ عمر بامخرمة وأخبرته، فقال لها: يجوز ادهني رأسكِ، ثم أنشأ أبياتًا يقول فيها:
يا ابن سالم وَرَا القاضي يَعسِّر على الناس
ما تَغاضَ لهم حتى على طرقة الرأس
وايش يبغي بذا والشرع قد فيه نفّاس
إن قرعه الحسن يأخذ طريق ابن عباس
ما قرأ الروضة اللي نصَّها يُذهب البأس
وابن عبدالسلام قد أفتى وفي قوله إيناس
واشعل البارزي من ضوء شعلته نبراس
والشهير الكبير ابن عقيل أعمق الساس
للبناية والتّوسيع فاتبع ولا تأس
سامح الناس والنفس إن بغت منّك نفّاس
قل لها: لا، ودعها في لظى الضِيق تمْتَاس
وقد ذكر هذه القصة أيضًا الإمام أحمد بن حسن العطاس -رحمه الله-(9)، وقد كان من المحررين في الفقه يأخذ بالأقوال التي فيها يُسر مع مراعاة مقاصد الشريعة وأدلتها، ومَنْ يُطالع كتاب تذكير الناس يرى كثيرًا من ترجيحاته الفقهية.
13- من أشهر تلاميذه:
للشيخ تلاميذ كثيرون وسأكتفي بذكر أشهرهم من الملازمين له: أبناؤه وبالأخصَّ عبدالكريم، وعمر سالم بن حازم، وفضل عبدالرحيم بامزاحم، وعبدالله أحمد بامزاحم -رحمه الله-، ومحفوظ عميّر البيتي، وسالم عمر بابقي وابنه محمد، وعبدالله باراهم باعشن، ومحمد أحمد علي العكبري، وحسين محمد باجبّار، والشيخ عوض بانجار، وعقلان يسلم بوسبعة، وخالد أحمد بوسبعة، وسالم بن أحمد باصم، وعبدالله أحمد حسين البيض، وأخي د. علي محمد العيدروس، وقد كَتَبَ ترجمة له مختصرة بعنوان: (شذرات من حياة فقيه المكلا الشيخ سعيد عمر باوزير)، والأخ محمد عبدالله بابقي، وسالم علي ودْعان -رحمه الله-، ود. أمين سالم باسليمان، وحسين سعيد بريك، وغيرهم كثير ممّن لا أعرفهم من الذين درسوا عنده في بيته.
14- وفاته:
في آخر حياة الشيخ مرض وسافر للعلاج إلى مصر وزار علماء مصر وأولياءها، وألقى دروسًا لطلاب العلم بها، ثم رجع إلى بلاده أحسن حالًا ثم عاد إلى دروسه وجهوده المباركة، واستمر نحو نصف سنة تقريبًا، ثم جاءه الأجل المحتوم بعد أن ختم سورة يس كاملة قبيل الظهر، وبلغ من العمر تسعًا وستين سنة، وصلّى عليه الناس بعد صلاة العشاء بمسجد عمر، وحضر جنازته والصلاة عليه جمع كثير من أهله وأحبابه وتلاميذه وجمع غفير من أهالي المكلا وضواحيها، وكانت جنازة مُهابة وحدثًا عظيمًا، وخطبًا جسيمًا، وذلك يوم الأربعاء 18 ربيع الأول 1426هـ الموافق 27/ أبريل/ 2005م، ودفن وسط قبة الشيخ يعقوب بقرب شيخه وصديقه شيخنا العلاّمة عبدالله الحداد، وترك ثلاثة أبناء عبدالكريم، وعمر، وسالم، وخمس بنات، وهم على طريقة مرضية، وأخلاق متواضعة كأبيهم -بارك الله فيهم وسلك بهم مسلك أبيهم- ورحم الله تعالى شيخنا رحمة الأبرار، وجزاه الله عنّا خير الجزاء، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وقد قلتُ في وفاته كلمات:
هذه الأرضُ وما حولها تُرثي
لوفاة شيخنا السعيد وتبكي
عن دروس علمٍ وأخلاق الهُدى
عن تواضع قلبٍ وشمائل المصطفى
سلوا الإخوان الذين قد نهلوا
من بحر علومه وارتووا
هل رأيتُم رجُلًا أحبه الورى
بلا مالٍ وجاهٍ بل بهدي السماء
أميطُوا التراب عن الوجوه وتنبّهوا
فالليل طويلٌ سوادُه فتيقظوا
بالعلم والصدق والفِداء
وهمّة الرجال السعداء
نبني كما كانت أوائلنا
تبني ونفعلُ مِثلَ ما فعلوا
[ ملحوظة: أعطيت ترجمة شيخي الشيخ سعيد بن عمر باوزير ، للسيد صالح أحمد سالم العيدروس الإندونيسي، حسب طلبه، ونقلها كلها، وما فيها من تراجم بالهامش، في كتابه( القدح المُملّا من أخبار أعيان مدينة المكلا ) ولم يعزُ بالهامش لترجمتي مطلقاً، واكتفى بالإشارة لي نهاية كتابه المذكور، وهذا تصرّف غير مرضي، ويتنافى مع الأمانة العلمية، علما أنه قصد الخير – فيما نحسبه -، والله المستعان].
الهوامش:
1) المجموع 2/ 314.
2) المجموع شرح المهذب2/ 38.
3) رواه البخاري ح320 دون (بعدالطهر) ورواه بالزيادة الحاكم في المستدرك ح621وصححه، وأبو داود ح 307، وصححه مع الزيادة النووي في خلاصة الأحكام1/ 233.
4) رواه مسلم ح302.
5) رواه الترمذي ح 139، وأبو داود ح 311، وابن ماجه ح 648،وحسنه النووي وذكر شواهده ابن حجر.خلاصة الأحكام1/ 240، وتلخيص الحبير1/ 171.
6) رواه أبو نعيم في حلية الأولياء 6/ 367.
7) فتح العزيز بشرح الوجيز (الشرح الكبير)4/ 313.
8) المجموع 4/ 248.
9) انظر: تذكير الناس ص317.