أعلام
عبدالعزيز محمد بامحسون
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 2 .. ص 49
رابط العدد 2 : اضغط هنا
أربع سنوات انقضت على رحيل الشخصية الحضرمية الساحقة الصحفي الكبير الأستاذ أحمد عوض باوزير الذي انتقل إلى جوار ربه بعد سنوات عدة بحلوها ومرها قضاها في خدمة التربية والتعليم وبلاط صاحبة الجلالة.
فسيرته تقول إنه من مواليد مدينة غيل باوزير في أجواء العام ١٣٤٥ هـ الموافق ١٩٢٦م تلقى دراسته الأولية وما تلاها في مدارس الغيل الابتدائية ، وكان أخوه الأكبر المؤرخ المعروف رحمه الله سعيد عوض باوزیر موجوداً في مدينة القطن بوادي حضرموت مستشاراً للسلطان علي بن صلاح القعيطي ومديراً لمدرسة الهدى بالقطن فذهب إلى جواره في القطن في حوالي عام ١٩٤٤م وجلس هناك عاماً يحضر المحاضرات الأسبوعية في غرفة الثقافة التي كان يحضرها كبار الطلاب في مدرسة الهدى، وبحكم المعرفة والعلاقة بين علي بن صلاح وبن عبدات كان يذهب إلى مدينة الغرفة بوادي حضرموت حيث ارتبط بعلاقات مع شخصيات كبيرة منها الشيخ محفوظ المصلي الذي كان عالماً مرموقاً وصديقاً لأخيه المؤرخ سعيد عوض اوزير ، ولازم عدداً من الأساتذة والمؤرخين والأدباء والشعراء في تلك الفترة ، كما عمل الأديب أحمد عوض باوزير في مركز الأبحاث الثقافية وكان يقوم بنزولات إلى المناطق لجمع التراث والأشعار الشعبية والمعلومات التاريخية.
وفي حوالي عام ١٩٤٥م عاد إلى مدينة المكلا وتوظف لدى السلطنة القعيطية مدرساً في غيل باوزير والقارة والمكلا وكان على اتصال مع المدرسين السودانيين في المدرسة الوسطى بغيل باوزير وقد أصدر صحيفة خطية كان يخطها بيده أسماها (الأستاذ) ثم يقوم بتوزيعها على مدرسي وطلبة المدرسة الوسطى، كما ترأس رئاسة تحرير صحيفة (الفجر) بنادي المعلمين بغيل باوزير وكان معه الشيخ عثمان بن شملان والد الأستاذ فيصل بن شملان وقد تخرج في مدارس الإرشاد وكان رجلاً صاحب رؤى وطنية ودينية سـ سليمة، وكذا الشيخ عثمان العمودي من الدعاة المعروفين، كما عمل مدرساً مع الشيخ عبد الرحمن بكير ( يرحمه الله) حين كان مديراً للمدرسة الغربية بالمكلا بجانب مستشفى باشراحيل (مستشفى مدينة المكلا حالياً) وكان من طلاب المدرسة في تلك الفترة الأخ الشاعر سالم محمد بن عبدالعزيز وشقيقه خالد بن عبد العزيز، وكان يصدر صحيفة فصلية حائطية على جدار المدرسة وكان سالم عبد العزيز حينذاك لديه موهبة في الكتابة فكان يساهم معه في الفترات المسائية .
ارتبط الصحفي أحمد باوزير ( رحمه الله ) بعلاقة وثيقة بالصحافة في المكلا وتحديداً مع الوالد محفوظ بن عبده وهو رجل كبير في السن ولديه خبرة في الطباعة فأصدر أول صحيفة وأسماها (الأمل) وهي صحيفة مطبوعة في حوالي عام ١٩٣٩ م وكان الشيخ حسين عمر شيخان يشرف على الصحيفة التي يرأسها جده محفوظ بن عبده، وفي عام ١٩٤٨م سافر من المكلا إلى عدن وهناك التقى الأخ عبود حبيشان وهو من أبناء مدينة الحامي بحضرموت الذي كان مسؤولاً عن المدرسة الأهلية في حكومة جيبوتي والذي تعاقد معه للتدريس في مدرسة الجالية العربية في جيبوتي ورحل إلى جيبوتي وقضى فيها عاماً كاملاً معلماً لأبناء العرب ، وفي جيبوتي سكن في عزبة مع الشيخ طيب بامخرمة وهو من غيل باوزير قاض وعالم وإمام المسجد جيبوتي، ثم رحل للحبشة وعمل مسئولاً للمدرسة الأهلية في الحبشة وبسبب حدوث نزاع بين الصومال والأحباش في تلك الفترة عاد أدراجه إلى عدن لأن تلك المنطق كانت على الحدود، ومن عدن عاد للمكلا وواصل الدراسة في مدارس الحكومة وكانت له علاقات مع ناظر المعارف الشيخ القدال وعمر باحشوان، وعمل في التدريس من جديد عام ١٩٥٠م حينها حصلت حادثة القصر الشهيرة، ثم سافر للمملكة العربية السعودية ومكث فيها حوالي ثلاثة أشهر لكنه لم يستقر هناك لأن العمل بالصحافة كان يسيطر على كيانه وشغله الشاغل ، فمنذ طفولته كان مغرماً بالصحافة، عاد بعدها إلى عدن التي كان يقطن بها أخوه الشاعر محمد عوض باوزير، وتعاقد مدرساً في مدرسة بازرعة الخيرية ومعه الأستاذ علي باذيب، وكان حينها يدرس طالبان في القسم العالي في المدرسة هما الفنانان أحمد بن أحمد قاسم ومحمد عبده زيدي، وفي الوقت نفسه كان يعمل في المساء مع الأستاذ عبد الرحمن جرجرة وكان معه الأستاذ عبد الله باذيب وأحمد باخبيرة، ثم عمل محرراً رسمياً في صحيفة (النهضة) مع عبد الله باذيب الذي نسج علاقة من نوع خاص له مع الأستاذ الراحل محمد محمد علي باشراحيل ، حيث كان ولداه حينها هشام (رحمه الله ) وتمام (أطال الله في عمره) صغيري السن يتلقيان تعليمهما في مدارس عدن وكانت أسرتهم طيبة ومحترمة، عمل مع الأستاذ محمد باشراحيل أرحمه الله) في صحيفة (الرقيب) أولاً التي كانت تصدر باللغتين العربية والإنجليزية وكان الأستاذ محمد علي باشراحيل يصدر في الوقت نفسه صحيفة ایدن کرونیکل) بـ اللغة الإنجليزية ثم أصدر صحيفة (الأيام) كصحيفة يومية مستقـلة في عام ١٩٥٨م وتم تعيين الأستاذ أحمد عوض باوزير سكرتيراً للتحرير في (الأيام) وهو أول منصب يشغله الصحافي باوزير وكان التعامل مع الأستاذ محمد علي باشراحيل ممتعاً ومفيداً فهو شخصية اجتماعية ورجل محترم يتمتع بلغة إنجليزية قوية، بعدها عاد إلى غيل باوزير وتزوج وكانت له نية للاستقرار في حضرموت .
وقد استفاد من وجوده في عدن التي كانت منهلاً للعلم، التي تزخر بالمكتبات والأدباء والصحف وبها حركة صحفية قوية حتى أن بعض الصحف كانت توزع للمشتركين في الصباح إلى منازلهم. كانت تراوده فكرة إصدار صح يفة في حضرموت ووجد ضالته في تكوين شركة أهلية في المكلا تشمل مطبعة لمجموعة من التجار كانت تعمل في الأعمال التجارية، ثم تعاقد معهم على إصدار صحيفة (الطليعة) عام ١٩٥٩م بعد أن قام بجولة في أرجاء وادي حضرموت جمع خلالها التبرعات لإنشاء الصحيفة التي كان يهدف منها إلى نشر الوعي في المجتمع والإرشاد والإصلاح والحمد لله نجحت الصحيفة وساهم معه كتاب من الوطن ومن إندونيسيا والقرن الأفريقي وقد أصدرها أسبوعياً كل يوم خميس وتستطيع القول إنها أول صحيفة صدرت في حضرموت بالطباعة الحديثة والتبويب الحديث، حيث كان يرحمه الله رئيساً ومديراً وسكرتيراً للتحرير والمصحح والمخرج وكل شيء في الصحيفة، إذ كان يتمتع بالنشاط والهمة والحيوية لتقديم شيء للقارئ، كانت الطباعة تتم بطريقة رص الأحرف بجانب بعضها باليد وتستغرق فترة طويلة حينها كان متأثراً بصحيفة أخبار اليوم المصرية ومؤسسيها، ويطبع منها (٢٠٠٠) نسخة ، ويقوم بإرسال مجموعة منها للمشتركين في السعودية والكويت وأفريقيا وألمانيا وبريطانيا وشرق آسيا لأبناء حضرموت المقيمين هناك كان موقع (الطليعة) خلف مستشفى المكلا وتباع ب (٦٠) سنتا.
وبعد الاستقلال عام ١٩٦٧م صدر – للأسف – قرار بإيقاف الصحيفة ثم مصادرة المطبعة عام ۱۹۷۲م بدون أي سبب، حاول معرفة السبب إلا أنه فوجئ بوجود (الطبلة) فوق بوابة المطبعة حتى كانوا يرغبون في مصادرة كتب تاريخية لشقيقه المؤرخ سعيد عوض باوزير التي كانت بداخل المطبعة. كانت تلك أصعب الأوقات التي مر بها وكانت أزمة حقيقية له .
وبعد الوحدة طالب بتعويضه – أيام حكومة فرج بن غانم وعبد الكريم الأرياني ولكن دون فائدة، وطالب السلطةـ المحلية بالمحافظة أيام صالح عباد الخولاني محافظاً لحضرموت الذي قدر ثمن المطبعة بأربعة مليون ريال وأرسل رسالة بذلك لرئيس الجمهورية السابق ولكن لم يستلم أي إجابة شافية.
يمتلك الأديب أحمد باوزير مكتبة ثقافية ضخمة يحتفظ بها بمنزله لكنه أكد قبل وفاته أنه مستعد لخدمة المجتمع بالدفع بهذه المجلدات التاريخية والثقافية والصحافية ولمن يرى أنه سيحتفظ بها وإفادة المجتمع بها .
والأستاذ أحمد عوض باوزير تربطه ذكريات وعلاقات بالشيخ عبد الله أحمد الناخبي الذي رحل عن دنيانا الفانية في مدينة جدة في الخامس والعشرين من جمادى الأولى ١٤٢٨هـ الموافق ١٠ يونيو ٢٠٠٧م ، الذي يعد أحد رجالات العلم في ضرموت وعمل مديراً للمكتبة السلطانية بالمكلا ورائداً لتعليم الفتاة ومديراً للتربية والتعليم بمعية الشيخ عمر باحشوان، كما كان خطيباً بجامع مسجد عمر بالمكلا وكان على ارتباط به ویزوره بين الفينة والأخرى عندما يحل ضيفاً على مدينة جدة .
والفقيد الراحل باوزير مدرسة بحد ذاتها تخرج على يديه الكثير من الصح والإعلاميين، ويجب ألا ننسى عطاءات الراحل في المجال الصحفي فقد أفنى – رحمه الله -. جل حياته معلماً ورائداً من رواد الصحافة الأهلية في حضرموت والوطن عامة، إضافة إلى دوره الوطني والاجتماعي في بلادنا.
وهنا نستذكر ما قاله الأديب أحمد عوض باوزير عن الواقع الثقافي” أنه لا يوجد هناك قراء، المجتمع يعتمد على خريجي الجامعة الذين يعتمدون على حـفظـ المقررات، ليس هناك اهتمام بالقراءة ، ولكن لو ذهب ت الآن إلى المكتبة السلطانية لن تجد أحداً ، ولكن وضع اتحاد الأدباء والكتاب بحضرموت الآن يبشر بخير الذي أرى في قيادته وأعضائه ومنتسبيه الخير للنهوض بالواقع الثقافي فلديهم أفكار جمة لانتشال الوضع وتطويره ، لذا أنا أنصح بالقراءة لأنها هي الزاد الحقيقي للمثقف وخير جليس في الزمان كتاب .
معروف أن الأستاذ أحمد عوض باوزير من أسرة علم معروفة في حضرموت فشقيقه الأكبر سعيد عوض باوزير كان قاضياً ومؤرخاً وأديباً، ويليه الأستاذ الشاعر محمد عوض باوزير الذي عالج بشعره القضايا السياسية والاجتماعية، ثم يأتي في الترتيب الأستاذ أحمد عوض باوزير ، يليه الأستاذ سالم عوض باوزير الفنان والرياضي (يرحمهم الله جميعاً).
وقد صدر للأديب الراحل كتابان أحداهما بعنوان (شهداء القصر) والآخر بعنوان (الشعر الوطني العامي) . ونظراً لما يكنه بعض من محبيه من حب جارف صدر في العام ٢٠١٥م کتاب من تقديم الأستاذ الدكتور عبد الله سعيد الجعيدي بعنوان مقالات أحمد عوض باوزير في الصحف العدنية ” النهضة – الرق يب – الأيام ” (١٩٥٣-١٩٥٨م).
لقد نسجت علاقة طيبة بالصحفي الكبير الوالد أحمد عوض باوزير (رحمه الله) في العام ٢٠٠٣م ، وذلك عندما أجلس في حضرته في منزله المتواضع بديس المكلا لتتداول أطراف الحديث وكنت دائماً ما أكون ناصتاً وصاغياً لحديثه، حيث تنهل من نبــعه الغزير الذي لا يكل ولا يمل، متلقياً منه الإرشادات والنصح في تطوير أدائي المهني، ودائماً ما يستعرض لي تاريخ الصحافة الحضرمية، والحركة الصحفية النشطة التي شهدتها حضرموت في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، وإصدار أول قانون للمطابع في عهد الدولة الق عيطية في العام ١٩٥٣م. وتوقيف الصحف الوطنية في المكلا وتأميم شركات الطب ساعة الأهلية المساهمة، وتاريخ صحيفتي الطليعة والرائد اللتين هما الرئتان التي يتنفس بهما الشعب الحضرمي، فكان نعم الوالد والأستاذ والمربي والمرشد الحكيم الملهم.
وحسناً ما فعلته مؤسسة الصندوق الخيري للطلاب المتفوقين عندما اختارته من بين عدد كبير من الصحفيين والإعلاميين الذين تقدموا لنيل جائزة الشيخ سالم سعيد باحمدان الخدمة رواد المجتمع لعام ٢٠١٢م في مجال الصحافة والذي حازها دون منافس لما يمتلكه من رصيد كبير في المجال الصحافي وفوق كل ذلك يعد عميد الصحفيين في حضرموت حيث تم إهداؤه درعاً تذكارياً مع جائزة مالية كأفضل صحفي نال هذه الجائزة قبل انتقاله إلى الرفيق الأعلى ليشهد أن هناك من يذكره ويكرمه وهو على قيد الحياة.
والحديث عن هامة صحافية وأدبية مثل الأستاذ القدير أحمد عوض باوزير الله يرحمه تحتاج إلى الكثير من التأمل والاهتمام ، بل نفتح صفحات من عصر مشرق للاستفادة والتمعن في نضال الرجال بالكلمة الصادقة والمعبرة عبر مشاعل التنوير لإيصال رسالة صادقة بارزة المعاني والدلالات لمجتمع أحوج ما يكون لنهضة فكرية تشمل جميع مناحي الحياة.
إن وفاة هذه القامة الإبداعية الوطنية خسارة كبيرة على المجتمع الحضرمي واليمني عامة والصحافة بشكل خاص بوصفه علماً بارزاً ورمزاً أصيلاً قضى أكثر من نصف قرن متربعاً على عرش صاحبة الجلالة التي أعطاها من حياته الكثير، فكان خير من جسد الالتزام بصدق الحرف وقدسية الكلمة الشريفة النزيهة والملتزمة.
لقد كان المرحوم أحمد عوض باوزير مدرسة صحفية متميزة ومتفردة بحد ذاتها في الأداء والعطاء بل وقمة سامقة وشمسا مشرقة في بلاط صاحبة الجلالة انتقل رحمه الله فجر الأربعاء الرابع عشر من محرم ١٤٣٤هـ الموافق الثامن والعشرون من نوفمبر ٢٠١٢م في العاصمة الأردنية (عمان) ، وووري جثمانه الطاهر الثرى عصر السبت السابع عشر من محرم ١٤٣٤هـ الموافق الأول من ديسمبر ۲۰۱۲م بمقبرة الشيخ يعقوب بعد الصلاة على روحه الطاهر بجامع الروضة بالمكلا والذي شهد تشييعه الألاف من محبيه وتلاميذه وأقاربه والسلطة المحلية بالمحافظة.