حوار
أ. صالح حسين الفردي
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 2 .. ص 55
رابط العدد 2 : اضغط هنا
عندما شرعنا في إعداد وصف وتنسيق العدد الأول من مجلة (حضرموت الثقافية) وقفنا كثيراً عند صفحات المجلة المخصصة للحوار، وطافت بنا الذاكرة في داخل الوطن الحضرمي ومهجره لنتشرف بإجراء حوار يسهم في تنشيط الذاكرة الحضرمية وتاريخها الحديث والمعاصر، فكان السلطان غالب بن عوض بن صالح القعيطي هو غايتنا المنشودة بما يمثله وأسرته من تاريخ حضرمي يمتد إلى بدايات القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، إضافة إلى حضوره الكبير في مشهد التغيرات الحاسمة في حياة حضرموت وما يحمله من موافق وذكريات وأسرار ظلت حبيسة جدران ذاكرته المتقدة لأكثر من نصف قرن، ظل السلطان غالب الثاني الذي غادر عاصمة سلطنته وأجداده في السابع عشر من سبتمبر من العام 1967م وهو مثقل بكثير من المشاهد وأكثر منها تبدلات اللحظات الأخيرة للسلطنة القعيطية، ولم يقف بعد المسافة حاجزاً دون محاولة اللقاء به على صفحات المجلة، وقد كان لنا ما أردناه من خلال المتابعة الحثيثة من قبل الشيخ الفاضل محمد بن سالم بن علي جابر المشرف العام على المركز الذي ظل يتابع حيثيات هذا الحوار الذي أعددنا أسئلته لتتوج جهوده بهذا الحديث الطويل من قبل السلطان غالب بن عوض، ونظراً لطول الحوار وما يحمله من أسرار حياتية وإنسانية وسياسية تنشر لأول فقد آثرنا أن ننشره على جزأين نضعها بين يدي القارئ الكريم عبر صفحات مجلة (حضرموت الثقافية) لعلنا نضع أكثر من نقطة على حروفها الحضرمية المبعثرة منذ زمن بعيد على رقعة التاريخ الحضرمي المجيد.
الوالد رحمه الله، بفضل بعد رؤيته، كان عقد عودني بل كان يرغمني (مع أخي عمر) منذ صغرنا على كسب الخبرة وممارسة اتخاذ القرار، وفقاً لما كان قد حاول جدي أن يفعل معه. فكان يحوّل لي جميع الملفات التي تأتي إليه للدراسة وإبداء الرأي أو الموافقة على محتوياتها للتمعن فيها، بل حصل وكان يسمح لي في الأمور الروتينية أن أوقع عليها أيضاً نيابة عنه. فكانت تعرض علي هذه الملفات في حضور ممن لديهم الخبرة المناسبة في القصر للقيام بشرح واف لي عن محتويات كل ملف من القضايا، وما خلفها والمطلوب النظر والبث فيه، مع ترك حق القرار لي، وطبعا، كان هذا كما يتوقع باستثناء القضايا التي تتعلق بمسائل فيها حقوق ومسائل جنائية كبرى مثل قضايا متعلقة بالقتل وأمور هامة أخرى.
وكانت من عادته اليومية – رحمه الله – أن يأمرنا كل صباح، بعد السلام عليه وشرب فنجان الشاي معه، بالتوجه إلى إدارة حكومية أو وحدات القوات المسلحة للقيام بزيارة مفاجئة تفقدية لها. وهذه كانت عادته اليومية دون استثناء. ولقد أتت فترة لمّا كنا (أنا مع أخي عمر) نملّ من هذه الزيارات ونختبئ، إلا إننا سرعان ما اكتشفنا بأنه كان يعلم عندما نفعل ذلك، لأنه كان يرسل أناساً وراءنا للاستفسار من الجهة المعنية، فيما إذا نحن كنا زرناها أم لا. وكان يغضب من تصرفنا هذا إذا أكتشف أي تقصير في تنفيذ توجيهاته. وكان أيضاً من عادته – رحمه الله – أنه كان يكلفنا دون استثناء بمشاركته بالحضور في جميع استقبالاته للزوار، الرسمية منها وغير الرسمية، سواء في الصباح أو العصر أو المساء، ولكن دون أن نتحدث، كما في زياراته وأنشطته الأخرى.
ولقد سبق وذكرت أن سبب انقطاع مشوار تعليمي الرسمي في بريطانيا، كانت ظروف الوالد الصحية، الذي كان يعاني من داء السكر إلى مستوى خطير، كما كان يتعاطى أدوية الطب العربي بالأعشاب والعلاج بالقرآن. وبعد طلب عودتي من بريطانيا في صيف 1966م، كان أصدر بياناً رسمياً بتقليدي جانباً كبيراً من مسئولياته، مقرراً أن ينخرط أخي عمر في السلك العسكري تحت رعاية اللواء صالح بن سميدع وأن يداوم في مكتبه، علماً بأنه بعد عودته من بريطانيا قبلي بسنة كان قد التحق بمدرسة تحسين الوحدات وابتعث بعد ذلك للأردن للالتحاق بمدرسة المرشحين للمشاة في الزرقاء والتي تخرج فيها بعد وفاة الوالد.
ولقد حصل في سبتمبر 1966م أن قرر والدي إرسالي إلى الهند لوضع اللمسات الختامية لشئون مسائل ما تبقى من الممتلكات الأسرية الوهمية التي لم تكن تحت سيطرتنا، وعلى مسألة الضرائب المطلوبة عليها. فكان حادث رمي القنبلة من قبل أعضاء حزب الرابطة على الطلبة المتظاهرين التي قتل فيها خالد، أحد أولاد الصيدلي أحمد بن هامل، المقرب لوالدي، كانت جعلته يضطرب غاية، وأنا في عدن وفي طريقي إلى حيدرأباد. فعندما استفسرت إذا كان هناك لزوماً لعودتي، كان الرد من الوزير السيد أحمد العطاس بالنفي. وعند ذلك، كنت واصلت رحلتي إلا أنه لدى وصولي إلى حيدرأباد، سرعان ما أتت برقيات متناقضة أولها تطلب مني العودة، ولحقتها برقية بأن صحته في تحسن، ثم ثالثة تطلب مني العودة. فكنت عدت لأجده في حالة اضطراب غير اعتيادي وغير قادر على النطق. وفي تلك الحالة لما رآني لدى عودتي، تفاجأت عندما حاولت أقبّل يده أنه مسك وسحب يدي بقوة غير اعتيادية تجاهه بحيث لم أستطع أن اسحبها، وقبلها تعبيراً عن شدة محبته لي، وكأنه يقصد بها طلب المسامحة على أية تصرف غير مقصود، وعن قلقه على الفراق المتوقع، قائلا : في حفظ الله ورعايته” قبل أن يسقط رأسه مرة أخرى على المخدة ويعود إلى حالته القلقة السابقة.
وبعدها بكم يوم توفي. وعندما طلب مني أن أنزل إليه دون إفادتي بما حدث، كنت وجدت هناك اللواء صالح بن سميدع والمساعد العسكري البريطاني للمستشار المقيم الكولونيل هيلمان وبعض الحضور من الصيادلة بما فيهم ممرضة بريطانية، وكان هذا من أصعب اللحظات غير المتوقعة في حياتي.
– نعلم أن فترة تقلدكم الحكم في السلطنة القعيطية لم تستمر طويلا. اليوم وبعد هذا العمر المديد إن شاء الله، هل لكم أن تستعيدون أهم المحطات في سنتي حكمكم وخلاصة التجربة التي عشتموها في سدة الحكم للسلطنة؟.
أولاً، أريد أن اكشف لأول مرة بأنني أحسست بشيء من القلق والاضطراب لدى عودتي من دراستي، إذ شعرت بأنه ربما كانت لدى بريطانيا خطة لتنصيبي سلطاناً محل والدي – طيب الله ثراه – في حياته واستخدام هذه “الحسنة” تجاهي كوسيلة للضغط علي بالانضمام إلى اتحاد إمارات الجنوب العربي، ولكن لم يساعدهم القدر في محاولة تنفيذ هذا المشروع بسبب الأحداث التي سبقت الإشارة إليها، وأهمها وفاة والدي المفاجأة، علما بأنه لم يكن كبيراً في السن، حيث لم يتجاوز ثلاثة وخمسين سنة شمسية (وكان رحمه الله من مواليد 1913م)، وعمري آنذاك ثمانية عشر عاماً. وبما أن وزير السلطنة، السيد أحمد العطاس، كان سبق وطمس على مؤسسة مجلس الدولة، التي كانت بمثابة مجلس تشريعي للبلاد برئاسة السلطان وعضوية الوزير بمعية شخصيات ممثلة لألوية السلطنة الستة وبعض الأعيان مع المستشار المقيم البريطاني، وذلك بالإدعاء بأنه على وشك تأسيس مجلس تشريعي منتخب على أسس حديثة، وهو مشروع يتمتع بتأييد والدي – رحمه الله، الذي كان يشتهر في يومه بالقول أن “أن الذي يريده الشعب، أنا أريده”، وبما أن السيد أحمد العطاس لم يوفق في إنجاز هذا المشروع الذي خضع للمطاولة بسبب معارضات بين أعضاء اللجنة من الذين كانت تطلق عليهم صفة “المثقفين” وعلى رأس هؤلاء الذين يمارسون “الاعتراضات” مدير المعارف محمد عبدالقادر بافقيه، وهو من نوع الذين يتميزون بالسلبية، ويدمر كل وفاق إجماعي على أي بند، كأن يقول: أنه يريد يسجل اعتراضه عليه دون اقتراح البديل، وهذا كما ذكره لي السيد أحمد العطاس. ومن جانب آخر، لم تكن لدى المذكور التالي أيضاً الجرأة أو قوة الشخصية والإرادة ليهمله ويدع الأغلبية أن تستمر في مشوارها وتصل إلى نتيجة. كما أن هناك الإمكانية أيضاً بأنه كان يريد هذه المطاولة لكي يستمر في ممارسة الحكم الفردي باسم السلطان دون منازع! على كلٍّ، الذي حصل أنه استمرت جلسات هذه اللجنة إلى زمن طويل دون نتيجة. وفي ذات الحين، هذا مما كان مكَن الوزير المذكور على الانفراد بالحكم التشريعي والتنفيذي خالصاً له، بينما الجميع في انتظار هذا المجلس بعد إتمام وضع دستور له. وللعلم بأنه كان قد سبق وتم وضع مسودة دستور حديث معقول للدولة تحت إشراف مجلس الدولة بنفسه، إلا أنه لم يتم تبنيه بسبب اعتراض نائب وزير السلطنة محمد عبدالقادر بامطرف، وهو عضو أساسي في اللجنة التي قامت بإعداده، وكان ذلك على ما أتذكر على بند فيما يجب خضوع القوات المسلحة لأوامر السلطان بصفته القائد الأعلى لها أو المجلس المزمع. وبينما كان يرغب أعضاء مجلس الدولة جميعا أن يكون السلطان هو القائد الأعلى للقوات، إلا أن بامطرف كان يتبنى الخيار الآخر – وكان بامطرف الذي درس في مدرسة تبشيرية في عدن ويجيد اللغة الانجليزية نسبياً أحضر من قبل المستشار انجرامس إلى المكلا ليكون في طاقم المترجمين له، وكسب غضب السلطان صالح لبعض أدواره ضد السلطنة. إلا بما أنه كان كفؤاً، فأصبح يتمتع بثقة وتأييد المستشارية التي كانت فرضته على الدولة، وتم قبوله نائباً للوزير، وقبله كانت قد فرضت الشيخ القدال أيضاً وزيراً للدولة، ومن بعده جهان خان (بحكم مدة زمنه في خدمة الدولة ومهاراته في الشؤون المالية). وكان بامطرف المرشح الأول للوزارة بعد جهان خان، إلا، وبما أنه كان يكره تحمّل المسئولية واتخاذ القرار، فأعتذر عن قبول هذه الوظيفة، وعندئذ تم تعيين السيد أحمد العطاس في محله كـ”وزير وطني”. ولدى تعيينه وخوفاً منه كان السيد أحمد العطاس يدير شؤون الدولة بمشورة بامطرف على مستوى شخصي في كل الأمور في البداية، ولأنه كان يحتمي من نقده في وسائل الإعلام، التي كان متفرغاً لها بعد تقاعده، وهو يمثل الذين يحبذون ويجيدون الرمي من فوق أكتاف آخرين. وعندما أكتشف العطاس أنه لم يتردد قط في انتقاد قراراته في وسائل الأعلام فور تنفيذها وذلك بعد مباركته لها في استعراضاتهما الشخصية، فأصبح يقاطعه، علماً بأن العامل الأساسي في ذهاب الوزير إليه لأخذ موافقته المسبقة، كان خوفه من قلمه ومن هذه الصفة فيه التي كان يعلم عنها. وعلى كل، عندما استلمت مقاليد الحكم، كنت جعلت مهمتي الأولى تنفيذ هذا المشروع الذي هو تأسيس مجلس بشكل عملي ليساعدني في اتخاذ القرارات المصيرية، وأهمها شكل الحكم المستقبلي للبلاد بسبب الاستقلال الوارد، حيث أن بريطانيا كانت أعلنت منح المنطقة استقلالها في وقت قريب (أوائل 1968م) دون تحديد تاريخ بدقة. وأهم القرارات التي كان يجب اتخاذها من قبلي آنذاك هي حول موضوع دخول حضرموت في الاتحاد وفقاً للطلبات والضغوط البريطانية علماً بأن الدولة كانت قد التزمت في الحين نفسه بالإيفاء بشروط مقررات هيئة الأمم، التي كانت تنص على منح الشعب حق إبداء الرأي في تقرير شكل مصيره المستقبلي. ولو أنني كنت تاركاً الخيار النهائي للإجابة على هذا الطلب البريطاني للشعب، فإنني كنت أميل على أن تكون حضرموت دولة مستقلة، وإن طلبت الظروف فالانضمام إلى طرف سياسي ما. وكنت أرى المعقول والمفضل في تلك الحالة أن يتم انضمامنا إلى دولة بإمكانها تلبية حاجتنا للمال الوافي لتحقيق النمو والرقي والرفاهية المأمولة. ومع ذلك، فكنت أرى أن على الشعب اختيار ما يريده، كما عليه فيما بعد تحمل مسئولية قراره وما قد تترتب عليها من نتائج.
ولقد حاولت بكل وسيلة معلومة لدي إقناع الحكومة البريطانية عند ممارسة ضغوطها علي بالانضمام إلى إتحاد إمارات الجنوب العربي، أنه بما أن الشعب الحضرمي هو شعب واحد، وإن كان مقسوماً في شكل دولتين، فعليه أو على الدولتين أن تتحدا قبل الخوض في الانضمام إلى أي كيان أكبر. وفي هذا المضمار كنت أشير دائماً في مناقشاتي مع المسئولين البريطانيين إلى سابقة المعاهدة القعيطية/ الكثيرية التي كانت عقدت في 1918م بعلم بريطانيا، كأول دليل ومؤشر وسابقة لجدوى مشروع الوحدة الحضرمية، علماً بأن بندها الأول يذكر أنه: “يرتضي السلطان القعيطي وسلاطين آل عبدالله آل كثير أن يكون إقليم حضرموت إقليماً واحداً، وإن الإقليم المذكور هو من تعلقات الدولة البريطانية تابعاً لسلطان الشحر والمكلا” .
وفور إتمام هذه الاتفاقية، كان عرض السلطان غالب بن عوض القعيطي على السلطان الكثيري المنصور بن غالب أن يحكم في شبام. وبالمقابل كان عرض السلطان الكثيري للسلطان القعيطي أن يحكم في سيئون. وهذه الرواية سمعتها من السلطان عبدالمجيد بن علي الكثيري. وعلى سبيل المثال، فأتذكر بأنني كنت ذكرت ذلك للمندوب السامي السير ريتشارد تيرنبول، الذي لم يكن على معرفة بهذه الاتفاقية. فكان وعدني خلال ذلك اللقاء بشيء من التحمس بأنه سوف يطلع على خلفية ما أشرت إليه ويعود لي بالإجابة. إلا أنه لسوء الحظ مرت الأيام ولم يأتني بشيء. فاستفسرت منه في لقاء آخر به بعد فترة حول رأيه عن مقترحي حيث أنني كنت في سباق مع الزمن. إلا أنني وجدته لتعجبي، بأنه كان قد تغير تغييراً كاملاً تجاه فكرتي هذه وأصبح معارضاً لها وبشدة، ذاكراً بشيء من الاستهزاء أنه “من السهل ومصدر للسعادة بلع الآخرين”، ولعل ذلك إشارة إلى الفارق بين حجم الدولتين، وكأنه لم يدري بعد أن الشعب الحضرمي شعب واحد، وإن كان يحكم من قبل سلطانين، وبأن في كل المحاولات السابقة في سبيل تحقيق الوحدة الحضرمية، وعلى سبيل المثال في عهد الوالد رحمه الله، كان عرض على السلطان الكثيري المساواة الكاملة بالسلطان القعيطي في المقام والمنزلة وجميع الامتيازات وان تكون رئاسة الدولة الموحدة بالتناوب، وذلك على ما أتذكره لمدة سنتين، وحتى أن تكون العاصمة متنقلة لفترات محددة بين المكلا وسيئون! وكان أمامنا كما ذكرت مراراً خلال تلك الفترة في وسائل إعلام، والتي ولسوء الحظ، كان دائماً يتم تحريفه بسوء نية من قبل أو تحت ضغط جهات مغرضة قوية إمكانيات، إن أمام الشعب الحضرمي عدة خيارات حول مستقبله، أما البقاء كدولة مستقلة بعد تأسيس الوحدة الحضرمية، ينضم إليها السلطان المهري إذا أراد، وذلك تحقيقاً في نظري لمشروع “حضرموت الكبرى”، أو الدخول في الاتحاد، الذي كان في غاية الاضطراب من النواحي الأمنية مع مستقبل اقتصادي وأمني مظلم أمامه بعد رحيل بريطانيا وقطع مساعداتها الباهظة. وعلى سبيل المثال، بينما كان دخل عدن في ذروة نشاطها الاقتصادي لا يتجاوز 4 مليون جنيه إسترليني، والذي هبط في السنة الأخيرة إلى أقل من مليون، فكانت الحكومة البريطانية تدعم ميزانية دولة الاتحاد بما يقارب 23 مليون جنيه في الآونة الأخيرة، و17 مليون جنيه منها كانت تنفق على القوات والأنشطة الأمنية، يسلم للرواتب (في القوات المسلحة) في حكومة الاتحاد، الذي كان، على سبيل المثال، أعلى من أية دولة شرق أوسطية، ماعدا الكويت الغنية بالنفط. وهذا في وقت لم يكن لعدن والجنوب مصدر مماثل لتغطية هذا الإنفاق الضخم سوى موقع عدن والمنطقة الساحلية الاستراتيجي. ثم إن نتائج حرب حزيران 1967م بين إسرائيل والعرب وإغلاق قناة السويس كانت قد شكلت ضربة قاضية على حيوية نشاط اقتصاد عدن المعتمد في أساسه على الملاحة البحرية والسفن المارة عبرها وقناة السويس في طريقها إلى أوروبا. وهذا مما كان قد أضاف بدور بارز إلى إساءة إمكانات مستقبل المنطقة الاقتصادي. ويجب أن يعلم هنا أيضاً بأنه خلال فترة حكم حزب المحافظين، إن الحكومة البريطانية كانت وعدت حكومة الاتحاد في الأول تقديم بعض المساعدات (التي لم تكن كافية قط) لتغطية هذا العجز الكبير لمدة سنتين فقط مقابل اتفاقية دفاع تسمح باستمرارية الوجود البريطاني في بر ومياه الدولة المستقبلية. إلا أنه عندما استلم حزب العمال الحكم مع فوزه في الانتخابات وصادفت تلك الفترة سوء الأحوال الاقتصادية في بريطانيا، فكان أن قلص حزب العمال مدة هذا الغرض من سنتين إلى ستة أشهر فقط. كما يجب علينا ألا ننسى أن الاتحاد كان يتكون مما يقارب (19) دويلة قبلية ليس لديها دراية عميقة بمفاهيم دستورية حديثة مثل الكونفدرالية والفيدرالية. وبريطانيا كانت أغرتها بالمال لتنفيذ رؤيتها هذه لمستقبل المنطقة. والخيار الآخر أمام الحضارم آنذاك هو الانضمام إلى اليمن الذي لم يكن مجدياً لأنه كان في حالة حرب أهلية دامية ودون نتيجة بين العناصر الشافعية في جنوبه والمدعومين من قبل القوات المصرية، والملكيين المعتنقين المذهب الزيدي والمدعومين من قبل السعودية منذ اندلاع الثورة في سبتمبر 1962م والتي كانت بتخطيط ودعم مصري. فكان الملكيون يسيطرون على النصف الشمالي من البلاد بينما النصف الجنوبي كان تحت سيطرة الجمهوريين المدعومين بقوة الجيش المصري.
أما الخياران الآخران أمام الحضارم فكانا الوحدة مع سلطنة عمان أو المملكة العربية السعودية الغنية بالنفط، وفيها سكان حضارم مهاجرين عاملين يوازي عددهم آنذاك سكان حضرموت بالتقريب، علماً بأن المملكة العربية السعودية كانت قد حلت كمهجر رئيسي للحضارم بعد استقلال اندونيسيا والهند (وخصوصا حيدرأباد في 1948م) وهجرة الحضارم منهما إليها.
ومقارنة بهذه المشاكل المزمعة، كان اقتصاد السلطنة القعيطية لحسن الحظ مدار بمهارة، وبالذات إلى عهد استلام السيد أحمد العطاس مقاليد الوزارة، وذلك على مبدأ أن يغطي الدخل الصرف مع الاحتفاظ بنسبة منه للاحتياطي. وكان يعود الفضل لذلك بالأول لمساعي حسن الإدارة المالية من قبل الباكستاني جهان خان، الذي كان خبيراً مالياً وحريصاً غاية الحرص على هذا الأمر. والذي كان قد حصل أنه استفاد العطاس خلال فترة إدارته من الاحتياطي الموجود في خزنة الدولة وبدأ يتجاهل هذا المبدأ، وبالذات بعد أن أصبح صاحب القرار الأول في الدولة، مشكلا بتجاوزاته هذه عجزاً، إنما في حدود معقولة لا تفوق بضعة مليون شلن، (ثلاثة أو أربعة على ما أتذكر)، وهو مبلغ كان بالإمكان السيطرة عليه.
وبما أن المساعدات البريطانية وإنفاقها في حضرموت كان مليون جنيه إسترليني وكسور، نصف منها يصرف على جيش البادية الحضرمي، وما كانت تمنح السلطنة الكثيرية إلى ثمانين ألف جنيه سنوياً والدولة القعيطية أربعمائة ألف جنيه وكسور، فكنت أفكر بأنه كان من الأسهل بقاء حضرموت كدولة موحدة مستقلة، بإمكانها الوصول إلى تفهم مع جميع الجيران بما فيها دولة إتحاد إمارات الجنوب العربي إن استمرت في الوجود بعد رحيل بريطانيا، وذلك حول مسائل أمنية ودفاعية وفي صياغة السياسة الخارجية، وأيضا موضوع التمثيل الخارجي.
وحيث أن أمر المستقبل بعد الاستقلال كان مقيداً بمقررات هيئة الأمم، والتطورات المستقبلية خاضعة لكسب تأييدها لتأمين درب خال من أي مشاكل وعوائق مستقبلية، فكانت فكرتي أن أضمن بأن يأتي التأييد لرؤيتي هذه بأسلوب منطقي ومنها. وبما أنني كنت على يقين تام بأن حكومة الإتحاد سوف تفشل بعد رحيل بريطانيا، وتوقف دعمها الكبير لمؤسساتها، فكانت جميع محاولاتي تركز على كسب تأييد الجامعة العربية والأمم المتحدة لمشروعي المبني على افتراض فشل الأمم المتحدة في تنفيذ مقرراتها، وذلك في شكل الاستفسار التالي: ماذا يجب علينا أن نعمل في تلك الحالة لتأمين مصالحنا المستقبلية وما هي السبل المفتوحة أمامنا لتحقيق ذلك الغرض؟ – وفي الوقت نفسه ، إنني كنت على يقين أيضاً من عدم تمكن هيئة الأمم تنفيذ مقرراتها خلال تلك الفترة، لأسباب شتى متعددة مع ضيق الوقت الذي كان يواجههم، حيث كانت تنقص المنطقة بكاملها المؤسسات التي تسهل وتؤيد إجراء تنفيذ هذه القرارات، والوقت أمامنا وأمامها كما ذكرت ضيق ولا يكفي لوضع هذه المؤسسات في محلها لتسهيل تنفيذ هذه المهمة من قبلها، كما لم تكن لدينا الإمكانيات المادية إضافة لعدم تواجد هذه المؤسسات كما لم تكن لدى الشعب أدنى خلفية دع عنك خبرة عن ممارسات سياسية كهذه. وكانت هناك عوائق طبيعية أخرى أيضاً لم يكن ممكناً التغلب عليها. وعلى سبيل المثال، فإن أكثر من 60% من السكان كانوا قبائل رحل، ونصف السكان نساء في حجاب، إضافة إلى حواجز أخرى مثل المستوى الثقافي العام والتقاليد التليدة التي كانت تقف عائقاً على مشاركة الإناث آنذاك في مسائل سياسية.
وكانت زيارتي (الشخصية) الأولى إلى الخارج خلال تلك الفترة إلى لندن، وهي ظاهر لاستجابة متطلبات الدورة الجامعية بالمراسلة التي كنت منضم إليها، إنما حقيقة لمقابلة جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، طيب الله ثراه، لشرح الوضع في حضرموت والمخاطر المستقبلية كما كنت أراها، لأنني كنت أعتقد أن رؤية المملكة تجاه المنطقة كانت متأثرة إلى درجة كبيرة بآراء أعضاء حزب الرابطة من جانب والحكومة البريطانية ومشروع الاتحاد الفيدرالي من جانب آخر. وإضافة إلى ذلك كانت من أهم مهماتي عبر شرح الوضع تأمين العون المادي البديل عوضاً عن إنفاق بريطانيا في حضرموت. ويجب الذكر هنا بأنه كان للشيخ عبدالله سعيد بقشان دور في ترتيب هذه الزيارة في بادئ الأمر بنقل رسائل شفهية مني لحضرة صاحب الجلالة، الذي كان قد أبدى رغبة في زيارة مني له في المملكة، إنما حيث أنني كنت أخشى من خطوة مثل هذه خوفاً من إثارة غضب الرئيس جمال عبدالناصر ومصر التي كانت تمثل المعسكر المضاد للمملكة العربية السعودية، وكانت وسائلها الإعلامية المرؤوسة بإذاعة “صوت العرب” في أوج تأثيرها على المشاعر والفكر العربي، فلم أرغب في وضعي السياسي المتوتر، ومدافع بريطانيا وغيرها من الدول أيضاً موجهة صوبي، أن أصبح هدفا لهجماتها الإعلامية.
وتجنباً لتهمة الانحياز تجاه معسكر أو آخر- أي مصر أو السعودية – كانت سياستي بالأول أن أضمن طرح جميع المشاكل التي ستواجهها البلاد حاضراً ومستقبلاً أمام الجامعة العربية التي تتمتع بعضوية المعسكرين المشار إليهما – أي المملكة العربية السعودية والجمهورية العربية المتحدة (مصر) وحلفائهما على السواء، وأن أسال منها المساعدة في شكل مقترحات وإمكانيات لإيجاد حلول لها، علماً بأنني كنت أعلم جيداً ومقدماً أجوبتها حول استفساراتي. ودون شك إن طلب العون من الجامعة العربية كمنظمة كان سيفسح المجال أمام جميع الأعضاء الذين لديهم رغبة المساعدة لمد يد العون عبرها في المجال الذي بمقدورهم. وهذه الممارسة في نظري كانت ستجنبني من تهمة الانتماء إلى أي من المعسكرين، علماً بأن وضعنا آنذاك بصفة عامة كان يمثل القول الشعبي أنه بينما “بطوننا مرتبطة بشق (أي المملكة)، فقلوبنا كانت مرتبطة بشق (آخر)، الذي هو مصر الناصرية. وكان في اعتقادي اليقين أن مصر لن تقدر على تقديم سوى مساعدات ثقافية وصحية مع بعض الخبرات، بينما الدول النفطية آنذاك – المملكة وتليها الكويت- هي التي كان بمقدورها إنقاذنا مالياً. وحصل أنه كنت أدليت بتصريح لوكالة أنباء رويتر بهذا في مقابلة صحفية أذاعته إذاعة بي بي سي العربية أيضاً، وكان هذا قبل زيارتي المشار إليها أعلاه إلى لندن. وقبل زيارتي، الذي حصل أنه حرّف أعضاء حزب الرابطة مضمون هذه المقابلة وقدموه للسلطات السعودية بمفهوم أن “السلطان القعيطي رفض طلب العون من المملكة في تصريحه” وما إلى ذلك، تشويها للأجواء. وكان الشيخ عبدالله باشميل قد قام بمهاجمتي نيابة عن الرابطيين في جريدة “صوت الجنوب” التي كانت تصدر في جدة تحت إشرافه وتوزع مجاناً. وأتذكر بأنني كنت تفاجأت ذات مرة باستلام نسخة من هذه الجريدة، التي لم أكن أعلم عنها، بالبريد، وهي تأوي هجومه المبني على هذه الإشاعات المحرفة.
فلما وصلت إلى لندن، كانت أولى مقابلتي مع مستشار جلالة الملك فيصل، المرحوم الشيخ كمال أدهم، المسئول آنذاك عن قضية “الجنوب” في فندقي على مقربة من قصر بكنجهام. وقمت بشرح تام عن الوضع ومتطلباتنا مع الفوائد المترتبة عليها للمملكة في المنطقة، إلا أنني وجدته خلاف توقعي مركزاً على نقطتين فقط، وهما: الإفراج عن أعضاء حزب الرابطة الخاضعين للمحاكمة في شأن حادث رمي القنبلة على المتظاهرين في المكلا في أواخر عهد والدي، والذي قتل فيه خالد بن هامل، وكان قد أدى نتيجة لتحريات سلطات الأمن إلى كشف خطط وتأمر هذا الحزب ضد الدولة، وللإخلال بالأمن، وبمحاولات تحريض القبائل ضد الدولة مع الادعاء بأن “يافع حضرموت أجانب”. وهذا بالرغم أن يافع موجودون في حضرموت من أيام دولتي سبأ وحمير مثل عدد كبير من القبائل الأخرى، منها الحموم وسيبان ونوح وبعض من قبائل الديّن كما من المهرة. والفرق الوحيد في حالهم أنه كانت ليافع حضرموت صلات مع يافع الجبل لأسباب شتى، وبالذات منذ القرن الثاني عشر للهجرة، وذلك بالتحديد بناء على طلب من أعيان حضرموت لإنقاذ البلاد من الحكم الأمامي. وكان على رأس من استعان بهم لهذا الغرض المناصب آل الشيخ أبوبكر بن سالم وبعض زعماء آل كثير. وعندما توفقوا في مهمتهم، كان قد طُلب منهم من قبل أعيان حضرموت البقاء لحماية ديارهم من أي عدوان مستقبلي، كما لحماية الأمن في المدن والقرى. وهذا ما هو مثبوت في التاريخ مهما حاول المغرضون الفاسدون تجريفه، كما توجد هناك قبائل وأسر في يافع من أصول حضرمية مثل “مكتب” الحضرمي، والعمودي، والعبادي (باعباد) وآل الشيخ ابوبكر وغيرهم. هذا، وحول أمر سؤال الشيخ كمال أدهم بالإفراج عن الرابطيين الخاضعين للمحاكمة، كانت إجابتي بالاختصار أن محاكمتهم لا زالت خاضعة للقضاء، وإضافة إلى جوانبها السياسية، هناك مسألة حقوق جنائية شرعية أيضاً وأقله في الأمر أن السلطان في حضرموت يعد دستورياً، فليس من تقاليده أن يتدخل في أمور كهذه، فاعتبار طلبه مني صعب علي. ثم أنه من غير المنطق أن أقوم أنا بتأييد حزب معاد لي ولنظام الحكم في سلطنتي ويعمل للقضاء على أسرتي، وبأنه إذا المملكة تريد جادة التخفيف من نسبة التوتر السياسي في المنطقة، فعليها التعاون معي وتقديم الدعم لي بدلاً من حزب سياسي لا يؤمن بالنظام الملكي. إنما هذه الإجابة لم تنال منه الاهتمام المطلوب.
وكان الاستفسار الآخر من الشيخ كمال أدهم حول بياني المشار إليه والمحرف من قبل بعض الجهات المغرضة التي أشرت إليها، فكان طلب مني المذكور في هذا الأمر إصدار بيان توضيحي آخر حوله. وبما أن زوجة المستشار انجرامس (مستشار جدي)، السيدة دورين، كانت المسئولة عن القسم العربي في إذاعة بي بي سي آنذاك، وعلى اتصال بي خلال هذه الزيارة، فطلبت منها التدقيق فيما إذا أذيع بيان بهذا الشكل من قسمها. فوعدتني على الفور بالتحقيق في الآمر وعادت إلى بالإجابة أنه لم يتم إذاعة أي بيان بهذا الشكل من قسمها. فذكرت ذلك للشيخ كمال أدهم، لأجده غير مبال لهذا الموضوع لسبب ما! وهناك انتهى هذا الأمر.
وبينما أنا في انتظار وصول جلالة الملك فيصل يرحمه الله إلى لندن في زيارته الرسمية، كنت أجريت اتصالات بحثا عن شركات بإمكانها أن تساهم في أعمال تنموية في حضرموت، وعلى رأسها في مجال التنقيب عن النفط. وكان ذلك بشكل رئيسي عبر مختصين قابلوني لدى إطلاعهم عن تواجدي في لندن، عارضين علي خدمة البحث عن الشركات المطلوبة.
وفي اليوم المحدد لمقابلة جلالة الملك فيصل التي كنت أتيت من أجلها، كانت تنتظرني مفاجأة أكبر من الاستفسارين من قبل المستشار المذكور لجلالة الملك فيصل التي تناولتها أعلاه. فلدى وصولي الفندق الذي كان جلالة الملك المغفور له نازلاً فيه في الموعد المحدد، فوجئت لدى دخولي صالة الانتظار بوجود وزيرين لحكومة الإتحاد فيها، وهما وزير الخارجية محمد فريد العولقي، ووزير الإعلام عبدالرحمن جرجره أيضاً، وذلك إضافة إلى قيادة حزب الرابطة، وأبرزهم محمد علي الجفري، والسلطان علي عبدالكريم العبدلي، وشيخان الحبشي. ولدى الدعوة بالتوجه إلى غرفة استقبال الملك فيصل في الوقت المحدد، ونهوض الحضور ورائي للسير إلى تلك الصالة، اكتشفت بأن المقابلة كانت جماعية وللتشرف بالسلام! وهذا، بينما كانت سبقت لإعدادها (أي المقابلة السرية لي مع جلالة الملك فيصل) ترتيبات مفصلة عبر السفارة البريطانية في جدة المتعاملة مع الجهة السعودية الرسمية لهذا الغرض، وهو الشيخ كمال أدهم! فعدت بعدها إلى المكلا ليقوم الشيخ عبدالله سعيد بقشان بزيارتي للاستفسار عن نتائج هذه الزيارة. فذكرت له بالذي حصل. وسافر المذكور إلى المملكة لنقل مشاعري حول الموضوع للملك فيصل رحمه الله، ليعود لي مرة أخرى بإجابة غريبة، وهي: “لم يطلب السلطان مقابلة فردية معي”! هذا، ولقد سبق وإني كنت أوضحت للملك عبر الشيخ عبدالله المذكور بأن الطلب مني بتأييد حزب مثل الرابطة الذي كان يعمل ضدي يعد طلب غير منطقي، مضيفاً إلى ذلك الاستفسار أنه كيف يطلب مني دعم حزب، ولم تكن في المملكة أحزاب! فكان لهذا الكلام أثر إيجابي غاية على الملك فيصل، الذي أصبح يكن لي منذ هذا قدراً كبيراً مع منع الحزب من القيام بأي نشاط معاد لي في حضرموت، مما أغضب أعضائه وأنصاره.
وبما أنني كنت أعرف في أعماق قلبي رغبة الحضارم، بادية وحضر، في البقاء “على ما هم عليه”، مستقلين ودون الالتحاق بأي دولة، والذي كانوا أكدوا لي عنها كرار ومرارا وجمعا وفرادى، ومن أهم مناسباتها الرئيسية المؤتمر القبلي الشامل الذي كنت عقدته لكي تشارك جميع القبائل التي كانت تشكل أغلبية سكان حضرموت لحد أكثر من 60%، في القرار السياسي، ولكي استقوي به أمام الضغوط البريطانية.وفي تلك المناسبة، بالرغم من أنهم كانوا قرروا بكل وضوح البقاء “على ما هم عليه”، وككيان مستقل دون الانتماء إلى أي طرف. إلا أن الحكومة البريطانية رفضت اعتبار هذا القرار الرسمي من قبل هؤلاء المشكلين أغلبية سكان حضرموت، وذلك بالتأكيد لأنه لم يأتي وفقا لتوقعاتها. وهنا علي بالذكر أن فكرة المؤتمر القبلي كانت من أفكار السيد أحمد العطاس، ولو دون تحديد الأهداف له. وكان المفروض انعقاده فورا بعد احتفالات التتويج، إلا أن الذي أدى إلى تأخير في ذلك هو رحلته المزعومة لأغراض الاستجمام، والتي لم يعد منها، بينما أنا كنت في انتظار عودته لزمن طويل غير معبرا تنبيهي المكرر من السلطات البريطانية بأنه لن يعود. والحاصل أنه استمرت بريطانيا في إصرارها في ممارسة الضغوط وبوسائل وأساليب مختلفة.وفي هذا المضمار كانت زيارة وزير الدولة البريطاني اللورد شاكلتون (ابن المستكشف المشهور ايرفيست شاكلتون المتعلق بالقطب الجنوبي)، الذي كان وضعني في غاية الصعوبة لدى عرضي عليه رؤيتي الشاملة، وذلك بتكرار هذا الاستفسار الغريب عن أمر واحد فقط، مهملا كل الجوانب الهامة الأخرى، وهو: “وماذا عن الجيش البدوي”! متجاهلا تماما كل ما ذكرت له وبأن جنود هذه القوة ينتمون إلى قبائل حضرمية،ومن تلك التي شاركت في المؤتمر القبلي، كما بأنهم رعايا حضارم خارج لباسهم الرسمي وان كانوا جنودا تابعين للحكومة البريطانية. وعندما وجدت نفسي فاشلا تماما في محاولاتي فكنت في حيرة تامة حول كيفية توصيل رسالتي إليه بحكم إنني كنت أعتبر ما أقوله أمرا واضحا، متجاهلا بأن هذا الرد منه قد يكون مقصودا من قبله!
ويجب على الوطن وكل مواطن ذو غيرة أن يكنّ الشكر والتقدير الصادق لهؤلاء المقادمة الذين ساهموا في هذا المؤتمر وابدوا بصراحة وشجاعة نادرة خالية من أدنى خوف أو تردد عن رأيهم رغماً عن الضغوط التي كانوا قد تعرضوا لها أثناء إقامتهم في المكلا من قبل ممثلي الأحزاب وأيضاً عملاء المستشارية البريطانية، فبينما الفئة الأولى كانت عازمة بشدة على إفشال هذا المؤتمر بزرع الشك في قلوب المدعوين حول أهدافه، كانت المصالح البريطانية تريد من الحضور تأييداً لمشروع الانضمام إلى الاتحاد. ومن جانبي كنت اعتبرت الاستجابة التي لقيتها دعوتي لحضوره دليلاً كبيراً على تأييد جميع القبائل لي. وذلك بسبب إحساسهم بإخلاصي لهم ولمصالحهم، ابتداء منذ رحلاتي لمناطقهم لتفقد الأحوال على الطبيعة، وثم من استماعهم لأول خطاب لي بعد استلامي مقاليد الحكم، عندما قلت بكل صراحة أن القبائل تشكل أهم فئات الشعب، ورغم ذلك، فأرى أن شؤونها تعاني بدرجة كبيرة من الإهمال من نواح كثيرة. وأتذكر أنه عندما نطقت بهذه الجملة أثناء إلقاء تلك الخطبة، بأنها كانت قوبلت بتصفيق حار من العناصر الممثلة للقبائل والحاضرة في تلك الحفلة في شكل المقادمة المدعويين ومن جنود جيش البادية، إنما لم تصفق لها الجماهير من الحضر!
والغريب في الأمر أنه بعد أحداث 17 سبتمبر (1967م)، لما حاولت مواصلة دراستي في أكسفورد، وتواصلت مع الكلية التي كنت قدمت لها سابقا من مدرستي، وكان اخو الخبير التعليمي في حضرموت، (المستر فنسنت جريفيثس)، رئيسا لها، اكتشفت بأن المجلس الإداري للكلية كانوا معارضين لانضمامي بصفتي “سلطان سابق مخلوع”، إلا أنه بما أن اللورد شاكلتون المذكور كان خريج الكلية نفسها، فكان وجّه دون علمي رسالة إلى الكلية، بدعم قبولي، كما كان فعل المندوب السامي الأخير السير همفري تريفليان، وهو الذي كان عمل سفيراً في مصر أيام أزمة السويس في عام 1956م، حين كان أقترح أحد أعضاء الضباط الأحرار البارزين وهو صلاح سالم، لزملائه عند بدء الإنزال البريطاني الجوي، الذي جعله يفقد أعصابه بأن عليهم أن يذهبوا إلى السفير البريطاني تريفليان للاستسلام! وكان من قدر تريفليان أيضا أن يكون متواجداً في بغداد خلال ثورة عبدالكريم قاسم وقتل أفراد الأسرة المالكة بأساليب متوحشة. وكان المذكور قد عمل في حيدرأباد أيضاً في بداية حياته العملية، وذلك في دار المعتمد والمقيم البريطاني.
وبما إنني كنت اعتبرت أن مهمتي السياسية الأولى مثل أسلافي هي أن نكون مترجمين لرغبات الشعب بقدر المستطاع، فمن الطبيعي والمتوقع أن تصطدم هذه الرغبة وبعنف مع السياسة البريطانية الراعية بالأول لمصالحها الخارجية والإستراتيجية في المنطقة. إلا أنه في هذا الصدام بيني وبينها الذي بدأ منذ استلامي لزمام الحكم وازداد شدة مع مرور كل لحظة، فالعامل الكبير الذي كان يشجعني في صمودي والذي كنت مستقوياً به هو التأييد الشعبي الكبير لي. وعلى سبيل المثال، كانت عامة شعب المكلا في ذلك العصر الخالي من الوسائل الإعلامية المتطورة، وبالذات في مجتمع متواضع الإمكانيات، كانت تشير إلى بلقب “حبيب الشعب”.
وعلي بالتوضيح هنا للتاريخ أنه بعد حادث رمي القنبلة على الطلبة من قبل عضو في حزب الرابطة المتمتع بعضوية دون المائتين، وبداية محاكمة أعضائه مع تجميد نشاطه، وقرار أعضاء الحزب الاشتراكي المتمتع بعضوية ما يقارب مائتين فرداً بحله، وذلك بسبب اختلافات فكرية بين الأعضاء حول أمور مثل تبني مسلك “الكفاح المسلح” كوسيلة سياسية، إن الحزبين اللذان ظهرا من رماد نهاية الحزبين أعلاه، هما “الجبهة الشعبية الديمقراطية” بعضوية اثنان وستين عضواً من بقايا الحزب الاشتراكي، وهو مؤيد بالخفي لسياسة الجبهة القومية في عدن، و”الاتحاد الوطني للقوى الشعبية”، وهو حزب بميول بعثية وتعداد المنتسبين إليه أربعة وخمسين عضواً. وكانت الأحزاب موضعاً لشك وكراهية القبائل بسبب ممارساتها والنتائج المترتبة عليها، مع انعكاساتها السلبية على المجتمع والتقاليد القبلية التي تؤمن بها القبائل. وأما عن حزب الرابطة وتعاطف بعض الشخصيات القبلية معه، كان سببه في الغالب المادة، حيث أنه كان الحزب الوحيد الذي يدفع رواتب وعلاوات منتظمة لمنتسبيه، لكلٍّ وفقاً لأهميته السياسية، وذلك بفضل الدعم السخي الذي كان يتمتع به منذ خروجه من مصر وتبنيه من قبل دولة أخرى.
وكانت بداية الضغوط البريطانية علي بالأول بإنذارات بقطع جميع مساعداتها ودعمها للدولة في جميع الأشكال من قبل موعد الاستقلال بستة أشهر. وعندما وجدت السلطات البريطانية أن ذلك لم ينجح في زرع القلق في نفسي، لأنني كنت على يقين في نفسي أنه من الأسهل الحصول على البديل للمساعدات المالية المتواضعة التي كانت تقدمها بريطانيا للدولة مقارنة بأمر محاولة تغطية العجز المزمع الكبير في ميزانية حكومة الاتحاد والذي ستواجهه بعد رحيل بريطانيا. وبما أن أكثرهذا العجز المتوقع كان لتغطية الإنفاق على جيش صغير متمتع في الآونة الأخيرة بسلم رواتب وامتيازات خيالية وغير مناسبة ومتلائمة مع مصادر أية دولة فقيرة، فكنت أرى أن إمكانية حكومة الاتحاد في حصول على مساعدات منتظمة بهذا الحجم لتغطية هذا العجز المشار إليه، كانت مسألة أصعب بكثير من عملية تغطية عجز دولتنا المتواضع. وكنت اسأل نفسي عن ماذا تفعل الجيوش في حال عدم استلام مرتباتها! وكنت أستخدم هذه الحجة لدى مواجهتي الضغوط البريطانية بالانضمام أيضا مستفسرا من منطلق هذه النظرية الإمكانيات المستقبلية لبقاء دولة الاتحاد طويلا بعد الاستقلال. ولما كنت أثير هذا الاستفسار، كان الرد علي من المستشار البريطاني المستر إليس على سبيل المثال أن “وضع استمرارية هذا الاتحاد في المستقبل سيكون ضمن نمط الأردن”! والذي لم أجده جوابا مقنعا، حيث أن المملكة الأردنية الهاشمية كانت تستفيد إلى حد كبير كما لا زالت،من موقعها الاستراتيجي كدولة محادة لإسرائيل، بينما الاتحاد لم يكن دولة من دول المواجهة لها. هذا، ومع مرور الوقت ونحن في سباق خطير معه، بدأت الحكومة البريطانية تتبني أساليب أخرى للضغط ومنها أنها كانت تبنت مرة كلمة نطقت بها في حالة ضيق لإقناع الحكومة البريطانية بأنني لن أوافق قط على الانضمام إلى الإتحاد إلا إذا أراد الشعب مهما كلف الأمر، وأنه بإمكانهم أذا أرادوا تحقيق هدفهم هذا، أن يزيحوني من الحكم. ولقد اكتشفت حديثا لما نطق لي أخي عمر، أن الحكومة البريطانية كانت فعلا قد اتصلت به بعد ذلك عندما كان في عدن ولمدة تمهيدا لسفره إلى بريطانيا للالتحاق بالمرشحين للتدريب في بريطانيا للانضمام إلى سلاح الطيران المستقبلي لدولة الاتحاد، أنه عرض عليه مكتب المندوب السامي متمثلاً في ضابط يسمى ديريك روز، الذي كان يعرفه من خلال مناسبات في عدن، مبلغاً من المال ورخصة لاستيراد خمسمائة بندق للبيع والاستفادة منها مادياً، مع الوعد بالمزيد شريطة أن يوافق على وضع يده في أيديهم لتحقيق مشروع الانضمام، وبأنهم سوف يقومون بكل مطلوب من وضع خطط لتحقيق هذا الهدف وتنفيذه حال موافقته، إلا أنه لم يرد لهم جوابا بعد أن طلب منهم فرصة للتفكير، ولم يعد إليهم. ولم تصر الحكومة البريطانية أيضا من جانبها بفتح الأمر عليه مكرراً.
ولم يكتفِ البريطانيون بهذا، بل أرسلوا ذات مرة مساعد المستشار العسكري، العقيد فيليب هيلمان لي فجأة، لينذرني بأنه من غير المأمن الذهاب للسكرتارية من طريق واحد، متجاهلين بأنه لم يكن متاحاً لي سوى هذا الطريق. والجدير بالذكر هنا أنه لما نقل لي العقيد المذكور هذه الملاحظة الذي كلف بها، فكان مع غمزة وبسمة تاركاً لي مقياسي ما يترتب على ذلك من تحليل! ويجب الإفادة هنا بأنني كنت أداوم في “السكرتارية” (مجمع الإدارة الحكومي) بعد طلب عبدالرحمن بازرقان القائم بأعمال وزير السلطنة في غياب العطاس بقبول إحالته للمعاش وفقاً للقانون كما كان المفروض أن يحصل قبل رحيل العطاس في رحلته دون عودة، إلا إنني كنت أخرت تعميد هذا لما يقارب من ستة أشهر في انتظار عودة العطاس، الذي لم يكن.
ثم هناك أيضاً مقابلتي مع المندوب السامي تريفليان في مطار الريان، الذي كان أتى إليه خصيصاً لمقابلتي بمعية السلطان حسين بن علي الكثيري والوفد المهري عند عودته من نيويورك تالياً لمقابلته لجنة هيئة الأمم، وأنا آنذاك في تداول مسألة الوحدة الحضرمية مع السلطان حسين الكثيري. وبينما نحن في اجتماعاتنا حول الوحدة، وذلك قبل وصول المندوب السامي إلى الريان، كان فاجأنا الوفد المهري بالوصول إلى المكلا من غير دعوة ولا إشعار مسبق، وذلك للانضمام إلى المفاوضات معنا. وكانت يرفرف على سيارات الوفد لدى دخولها سدة المكلا علم غريب مما جعل بعض من شاهد دخولها بالتعليق من باب المزح والسخرية أنه “يات الجبهة”. وقد كان أعضاء هذا الوفد يبدون حرصا كبيرا من طرفهم بالانضمام إلينا، أي للقعيطي، ومعارضين في نفس الوقت ولسبب لم يسع لي إلى الآن فهمه، ولعله عامل الغيرة، وجود السلطان الكثيري في هذه المفاوضات مع كل ما يقدم من اقتراحات، وذلك دون أدنى مبرر!
وكانت زيارة المندوب السامي إلى الريان لمقابلتنا خصيصاً لإفادتنا بأن لجنة هيئة الأمم التي كانت رافضة مقابلة ممثلي حكومة الإتحاد بصفتها حكومة غير شرعية مما يجعل ممثليها يعدون غير شرعيين في نظرها، بأنها غيرت نظرتها، ووافقت أن تستقبلهم، إنما بصفاتهم الفردية فضلا لمساعيه، وبأنه يلزم علينا كحكام الذهاب لمقابلتها لإبداء ما لدينا من آراء لها، ولوفي تلك الفترة المتأزمة وفي وقت قريب من الاستقلال ومن مغادرة التمثيل البريطاني من المكلا قبلها بثلاثة أشهر (أي في 10 أكتوبر 1967م)، ونحن آنذاك في أغسطس، وبما إنني لم أرغب في السفر، فكنت أبديت الرأي له أثناء الاجتماع، بأن ولو أن الخبر الذي أتى به خبر وتطور سار، إلا أن على لجنة هيئة الأمم أن تزور المنطقة وتطلع عن قرب على حقائق البيئة ومستوى الشعب الثقافي وتقاليده الاجتماعية والمؤسسات المتواجدة في البلد قبل الخوض في كيفية تنفيذ قراراتها بشكل نهائي ملزم، لان الوضع النظري في أجواء نيويورك وجنيف قد يختلف كثيراً عن حقيقة الحال في مناطق مثل حضرموت والجنوب العربي عموما، وبأن زيارة منها بضمان منا على سلامتها مع تقديم جميع التسهيلات لإنجاح مهمتها سوف يساعدها على تبني خطوات تنفيذية فعالة لمقرراتها بدلا من تلك التي تعد وهمية ومستحيلة التطبيق في مجتمع تقليدي وبيئة سياسية مثل المنطقة بوضعها الحقيقي الفريد، إلا أن المندوب السامي لم يتنازل عن إصراره على توجهنا إلى جنيف.
وبما إننا كنا مرتبطين بمعاهدة الاستشارة التي كانت تنص على الانصياع لمشورتها- أي بريطانيا- في جميع الحالات، بحكم أنها لن تقدم إلا في صالحنا كحكام ولرفاهية الشعب، فوجدت نفسي مضطرا على القبول. إلا بما أنني لم أكن راغبا في الذهاب إلى جنيف، فحاولت بعد رحيل المندوب السامي استخدام أعذارا مختلفة للتأخير، مدركا بأن كيان مثل هيئة الأمم لن ينتظر طويلا قبل إغلاق ملف لقاءاته في هذا السبيل، وهذا في وقت كنا أخبرنا فيه أيضاً أن اللجنة كانت حددت أياماً معدودة بتواريخها لاستقبال الوافدين إليها، وذلك لحثنا بالمبادرة بالسفر إليها. وبالنسبة لي، فبعد الموافقة من حيث المبدأ على الذهاب الذي لم يكن لي مفرا منه، كنت بدأت استخدم حجة تليا لأخرى لتأجيل أمر سفري مع المستشار القائم بالأعمال في غياب المستر إيليس، وهو المستر كراوتش. وأول هذه الحجج كانت المفاوضات حول الوحدة التي كنا في وسطها قبل مجيء المندوب السامي إلى الريان واجتماعنا به. فقيل لي أنه بالإمكان مواصلتها بعد العودة من السفر. وعند ذلك، قمت بطلب آخر، وهو إحضار أخي عمر من بريطانيا التي كان ذهب إليها للالتحاق بدورة الطيارين قبل مغادرتي. فوعدني كراوتش بتنفيذ هذا الشرط على الفور ضاغطا علي بالمغادرة تقديرا لضيق الوقت. من ثم لممارسة المزيد من الضغط بأسلوب أدبي، أرسلت طائرة تابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني من عدن إلى الريان لنقلنا إلى عدن للتمكن من سفرنا إلى جنيف. ولما وجدت أنه لم تكن بيدي حيلة، قمت بتشكيل مجلس وصاية من بعض أقوى وأكفى الشخصيات المعروفة من النواب السابقين والأعيان للوقوف بجانب أخي ولمساعدته أثناء غيابي، وطلبت من المستر كراوتش الوعد بالإشراف على تنفيذها الفوري. وعلى هذه الشروط كانت مغادرتي مع السلطان الكثيري، علماً بأن الوفد المهري كان سبقنا في السفر إلى جنيف. وكان هدفي الخفي لدى المغادرة ألا أدع للبريطانيين فرصة كافية لتنفيذ أي مخطط مشبوه في غيابي، وذلك بالعودة الفورية بعد مقابلة الجامعة العربية وثم هيئة الأمم. وما كنت تفاجأت به لما عرضت على المندوب السامي فكرتي لمقابلة الجامعة العربية في طريقي لجنيف لشرح الوضع، هو موافقته على ذلك دون أي نقاش، وأنا في عدن ومقيم معه في مقره. وهناك عامل آخر كان أضاف إلى وساوس شكي الخفي من نوايا بريطانيا ضدي بعد موافقته على زيارتي للجامعة العربية، وهي جملة صدرت منه بأنه قد “كلف بعثة المملكة المتحدة في جنيف للاعتناء بترفيهي”، وهذا، بينما كنت أتوقع من صديق مخلص مزعوماً تقديم النصيحة لي بالعودة العاجلة بعد قضاء الغرض تقديراً للظروف.
وفي القاهرة، لدى مقابلتي بمعية السلطان الكثيري معالي وزير خارجية مصر محمود رياض، كنت تفاجأت على محاولته التعامل معي كطالب بالسؤال عن كيف كانت نتائج الاختبارات وما إلى ذلك، بينما كنا أتينا إليه كما كان يعلم لمقابلته في أمور مصيرية. إنما يجب الذكر هنا أيضاً بكل تقدير له أنه كان قد أجّل سفره إلى الخرطوم للمشاركة في مؤتمر القمة العربية بسبب وصولنا وموعدنا معه. وكان لقائي به خير لقاء ووعدنا بتقديم المساعدة في المجالات التي كان بإمكان مصر أن تقدمها والتي سبقت الإشارة إليها، كما تطوع أن يثير موضوع العجز المالي لتغطية المساعدات المالية البريطانية المقطوعة مع أمر التمثيل الخارجي للدولة مع ممثلي الكويت في مؤتمر القمة في الجلسات غير الرسمية، معتذراً في الحين نفسه أن ظروف علاقات مصر آنذاك مع المملكة لا تسمح له بفتح مواضيع كهذه معها وكانت هذه التفاهمات بكاملها مبنية كما يتوقع على افتراض حالة فشل هيئة الأمم في تنفيذ قراراتها، علماً بأن هو كان أيضا نقطة الانطلاق لنا ولاستفساراتنا حول مطالبنا. هذا، وكانت الجمهورية العربية المتحدة (مصر) بمعية جميع أعضاء الجامعة العربية في تأييد هذه القرارات، كما كانت السلطنتان القعيطية والكثيرية. وهذه بعض أهم المعالم. ولقد سبق وتناولت بعض التفاصيل المتعلقة بهذا الموضوع في أماكن أخرى أيضاً.
– يرى الكثير من المهتمين أنكم أقرب إلى جدكم السلطان صالح في مشوار حياتكم السياسي والعملي والعلمي، حتى يكاد تتطابق سيرتيكما في الكثير من الجوانب وتتشابه اهتماماتكم العلمية والثقافية والتاريخية، كيف ترى هذا الربط التاريخي والإنساني بينكما؟.
لقد سبق في الذكر أنه كان بطلي وقدوتي منذ الطفولة، ورجلاً زاهداً وتقياً وورعاً، وإضافة إلى وفرة علمه في ميادين مختلفة، كان حسن الظن والثقة في الناس إلى حد بعيد. وكان دون شك، فريد عصره بسبب غزارة علمه في مجالات مختلفة، التقليدية منها والحديثة. فكما قال مفتي الديار الحضرمية، السيد عبدالرحمن بن عبيداللاه: “نادرا ما يجتمع العلم والملك في شخصية واحدة” وأيضا قال: “كان أميراً، بعلمه الغزير وأدبه الجم ورغبته في الإصلاح، متواضعاً بسيطاً في معاملته، امتاز بحبه للعدل وبعده عن الظلم، وكان صاحب عفو شامل وحلم واسع”. ففي رؤيتي، ليس في مقدور محبيه وخصومه من إنكار إحسانه وفضله ومساهمته على تقدم العلم في حضرموت. وكانت نجحت خطاه في مجالات كثيرة بسبب تحمس الناس لأفكاره والعمل بالتفاني والتضحية لتحقيقها. فتغمده الله بواسع الرحمة وأسكنه فسيح جناته – آمين.
– العام القادم تنقضي خمسون عاما على مغادرتكم العاصمة القعيطية المكلا، وكانت لكم زيارة خاطفة في منتصف تسعينيات القرن الماضي، ولم تتكرر بعدها هذه الزيارة، هل لك أن تحدثنا عن حكمة هذه الخمسين عاما الشخصية والحضرمية والوطنية عامة، وهل لك أن تضعنا عند محطات تلك الزيارة التاريخية وتداعياتها النفسية والحياتية لشخصكم الكريم؟.
أولاً، يجب أن أكون صريحاً في قولي أن هذه الزيارة كانت بناء على طلبي الإذن من الرئيس علي عبدالله صالح بالسماح لي بالعودة إلى ديار الوطن للاستقرار فيها. ولقد كانت تحققت لي هذه الزيارة عندما استطعت أن أتحصل على دعم الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر أيضاً لهذا الطلب. وكان هدفي من هذه الزيارة التي أشرت إليها ترتيب وضعي في البلاد تمهيداً لإحضار أسرتي بشكل نهائي للاستقرار فيها. إلا إنه عند وصولي إلى صنعاء حصلت تطورات اندهشت منها تماما، لا داعي للخوض في تفاصيلها، وأهمها اكتشافي بأنه كانت نية الحكومة إبقائي في صنعاء التي كنت أزورها للمرة الأولى في حياتي، ولم أكن أعرف فيها أحداً سوى بعض الزائرين لها من حضرموت أو العاملين فيها. وعندما قررت بعد ثلاثة أشهر من مكوثي في صنعاء النزول إلى حضرموت، كان طلب مني “ألا أقيم فيها أكثر من ساعتين”ثم “أكثر من نصف نهار”! وكان السبب لعودتي من حضرموت والذي يعلم عنه الكثيرون، برقيتين من الرئيس تطلبان مني “العودة إلى صنعاء للأهمية”، علماً بأن الأولى سلمت لي في القطن وأنا عازم على تلبية دعوة من الأهالي لزيارة دوعن، والثانية وجدتها تنتظرني في مطار الريان وأنا ناوي العودة إلى صنعاء تلبية لدعوة الرئيس “للتداول في أمور ذات أهمية” التي كان ينوي أن يستشيرني فيها كما كنت أبلغت، إلا أنه لدى وصولي إلى صنعاء، لم ألاقي فيها أي اهتمام! وعند اتصالي بالرئاسة، كانت الإجابة بعد فترة طويلة من الانتظار، الرد بالأول أن الرئيس لم يرسل لي أي برقيات. وعندما بعثت لمكتبه صور منها بالفاكس، مع التكرار في الاستفسار عن ما هو المطلوب، أخبرت بأن الرئيس لم يكن يريد بهما غير “الاطمئنان علي”. أما الشيخ عبدالله الأحمر فكان غاضباً غاية، وذلك من الاستقبالات الساخنة التي كنت رحبت بها في كل المناطق من قبل الكبار والصغار أثناء الزيارة كما يبدو. والتي جعلت الناس بما فيها الإعلام يصفونها بمثابة “استفتاء شعبي”،حيث أنه – أي الزيارة – كانت صادفت فترة انتخابات على ما أتذكر. ولقد استخدمت هذه العبارة أمام الرئيس من قبل بعض أهل البغض والحسد والفتن لإثارة غضبه علي. هذا، وبما أنه كان علي تجديد رخصة أقامتي في السعودية واختبارات أولادي في جدة عن قرب وفي حاجة لهوية سارية المفعولية، فقررت مضطراً العودة إلى جدة لكي أعود بهم مرة أخرى، إلا أنه طلب مني عند ذلك من قبل الرئاسة ألا أعود إلا بعد إشعار مسبق مني للسلطات، والحصول على موافقتها. وبعد عودتي قمت باتصالات مكررة مع الرئاسة، التي لم تتكرم علي بالرد. وهذه خلاصة موضوع زيارتي وعدم تمكني من تحقيق حلمي بالاستقرار في البلاد.
أما عن تأثري بالعقود الخمسة التي قضيتها في الهجرة، وملاحظتي لشئون الحضارم، فعلي بالذكر بالأول أنه كان لوفاة بعض كبار أعيان الحضارم سابقاً أو تالياً لوصولي هذه الديار الكريمة المضيافة في سبتمبر عام 1967م انعكاسات سلبية كبيرة، وبالذات بوفاة المعلم محمد عوض بن لادن، وقبله الشيخ أحمد سعيد بقشان، وبعدهما بفترة الشيخ محمد ابوبكر باخشب باشا (الذي كان خير مهتم غاية بالقضية بمعية سالم بالعمش إلى أن توفى) يرحمهم الله جميعا. وبوفاتهم فقد الحضارم شخصيات مخلصة وموهوبة كان بإمكانها التأثير على السياسة السعودية تجاه البلاد ومصالح الحضارم، وعلى مجرى الأمور عموماً.
ثم كم كان تعجبي وتأثري عندما اكتشفت أنه رغم مجهوداتي الكبيرة لتحقيق أغلى الرغبات الحضرمية، وهو تأسيس دولة مستقلة ذات شأن لهم، فقدت في سبيلها على مستوى شخصي وبالذات بإثارة غضب وعداوة الحكومة البريطانية، التي كانت على أتم استعداد بالنظر إلى بعين العطف والرعاية في ما قد أشتهيه لشخصي ومكانتي شريطة أن أتعاون معها وأوافق على الانضمام إلى إتحاد إمارات الجنوب العربي، وذلك إلى درجة أنه خلال الآونة الأخيرة عندما يئس البريطانيون من فشل محاولاتهم على إرغامي بتنفيذ رغباتهم السياسية، فكانوا قد وصلوا في محاولتهم الأخيرة إلى الاستفسار مني مستخدمين عبارة “ماذا تريد يا سلطان غالب” للنظر بعين الرضاء في تحقيقها، وذلك في شكل مكافأة وتعويض شخصي لي ورفع منزلتي في حال وضع يدي بيدهم، علماً بأن ذلك ما كان حصل مع حكام المناطق الأخرى لدى انضمامهم للاتحاد. هذا، وكانوا على استعداد لمنحي مكانة رئاسية لشمل الجنوب بكامله وبالشكل الذي أريده في حالة قبولي لمشروعهم والدخول في الاتحاد.
وبالاختصار، كانت دهشتي كبيرة كما قد يتصور عندما رأيت أنه خلافاً لتوقعاتي، اختار الشعب الحضرمي أن ينقاد في هذا الأمر المصيري بمبدأ “من أخذ أمنا فهو عمنا” تاركين إيمانهم وغيرتهم الوطنية على جنب. وطبعا كانت هناك استثناءات لهذا الحال في شكل الأغلبية الصامتة والقبائل.ومن غرائب الأمور أن أهمها كانت قبائل القبلة من الصيعر والكرب وبلعبيد والمناهيل التي كان الجميع ينظرون إليها ولولائها بعين الشك دائما منذ القدم! وعلى رأس هؤلاء زعماء أمثال المقدم حمد بن بقصه آل قطيان الكربي وعيظه بالحريز المنهالي مع غيرهم من الحكمان والمقادمة يرحمهم الله أجمعين. وأما عن مقادمة قبائل حضرموت الأخرى، فكان على رأسهم المقدم سعيد بانهيم (رحمه الله) الذي كان يكرر القول أمام ربعه ومقادمة القبائل الأخرى منذ استلامي لمقاليد الحكم، بأنه “إذا ربنا كتب لنا شيئ خير، فهو على يد هذا السلطان” أو “على يد هذا الولد” كما سمعت. فحصل أنه كان قد أتى إلى المملكة لمقابلة الملك فيصل أيضاً ولإقناعه بهذا الأمر بعد أحداث سبتمبر 1967م، إلا أن الظروف لم تساعده. فكانت مقابلته مع الملك جماعية، كما لم يتمكن الملك فيصل من فهم ما يقوله خلال فترة وقوفه أمامه وهو يسلم عليه.
وهناك أمر آخر لا يعلمه الكثير أنه عندما كان أتى جيش البادية عبر حامية العبر بعرض عمل انقلاب وذلك ضد الحكم الماركسي، قبل حرب الوديعة، وعرضوا بالاستيلاء على حضرموت حال موافقتي بالعودة، شريطة أن لا يزيد عدد مرافقيني عن 60 شخصاً وأن يكون ذلك خلال ثلاثة أسابيع من استلام الرسالة، والهدف من ورائه إدخالي إلى شبام بصفتها أهم مدن حضرموت الداخل وعاصمتها التاريخية، شريطة أن يضمن لحركتهم غطاء جوي من قبل الجيران، كان المقدم سعيد بانهيم أيضاً ضمن مؤيدي هذه الحركة مبدياً استعداده بقطع الطريق القبلي على أية قوة قد تحاول الزحف من الساحل. وما كان أفشل هذه المحاولة من جانب هو الطلب من جهة معنية هامة ألا يظهر السلطان في الصورة في بادئ الأمر لكي لا يطالب آخرون مماثلون له بالدعم أيضاً. وكانت قبائل القبلة، وعلى رأسهم الكرب والصيعر على أتم استعداد للتعاون، ووصلوا إلى الحدود للمساهم. إلا أنه عندما لاحظوا بعد انتظار طويل عدم ورود السلطان دون أن يعلموا السبب لذلك، عادوا خائبين مرة أخرى إلى حيث ما كانوا أتوا منه. ومن جانب آخر، أحست حكومة الجبهة القومية أيضاً من طرفها والتي لم تثق بولاء جيش البادية الذي كان أطلق عليه تسمية “اللواء ثلاثين” بأن هناك شيئاً ما في الجو، فأرادت خشية من غيرة جنوده الوطنية وميولهم الانفصالية، الخلاص منه. وكان لهذا العامل دور كبير أولاً في نقل الضباط في العبر إلى مراكز أخرى، ثم في التخطيط للهجوم على الوديعة وِاستخدامه لقيادته دون غطاء جوي، أدى كما يتوقع بتدميره كقوة بالكامل، ارتاحت بسببه الحكومة الماركسية في عدن لفترة طويلة. وطبعاً هناك أمور أخرى كثيرة أيضاً التي ساهمت في فشل هذا المشروع الذي يعد إجابة واضحة على من قد يرفع أصبع التهمة تجاه القبائل والشك في موالاتهم لتقاليدهم وأعرافهم وزعاماتهم التقليدية آنذاك. وعلي الذكر هنا بكل فخر وتقدير أنه كان للمرحوم الشيخ محمد بن طالب البطاطي أبرز دور خفي في مساعدة هذا المشروع كما كان لبعض من أبناء الوطن (لا داعي للإشارة إليهم الآن بسبب موتهم) دور بارز في تخريب وإفشال المشروع بمحاولاتهم لإشباع أغراضهم الشخصية.
وهناك عدد كبير من شخصيات أخرى من مناصب وأعيان وممثلي الفئات والعناصر الأخرى من الشعب عموما الذين لم يقصروا ولا يمكن إنكار حبهم ووفائهم لقضية وطنهم. كما علي بالاعتراف بكل فخر واعتزاز أن أهم هؤلاء هم أبناء الرعية العاديين الذين لا يملكون ثروة ولا سلاحاً ونفوذاً، إنما لا يمكن الشك في حبهم ومعزتهم لوطنهم وتاريخه وتقاليده – فجزأهم الله جميعا خيرا في الدارين على ذلك.
هل لك أن تحدثنا عن برنامج حياتكم اليومي، والأكلات الحضرمية التي لم تفرطوا فيها وعنها وظلت سيدة المطبخ لديكم حتى اللحظة؟.
بعد صلاة الفجر، أعمل رياضة خفيفة، تعودت عليها منذ أيام الدراسة، وأتناول فطوراً خفيفاً مع متابعة جميع الجرائد العربية والانجليزية ومطالعة مقالات من الانترنت التي قد تطبع لي، وأقوم ببعض الاتصالات عند اللزوم، وبعدها أذهب للمكتب وأعود في العصر لتناول الغداء، ومقابلة الناس بعد صلاة العصر، وأحياناً بعد المغرب. وأتفرغ بعد ذلك للمطالعة والاستراحة. وأحاول أن أخلد للنوم مبكراً للتمكن من الاستيقاظ لقيام الليل إن تيسر، ونومي خفيف، ولا أقدر أنام أكثر من ساعات معدودة لا تتجاوز أصابع اليد. فأحاول أن أستغل كل لحظة للبحث والتدوين، إلا إن قلة معرفتي بالالكترونيات تضيف دائما إلى مشقاتي ومتاعبي. ومن أكبر أمنياتي أن أتمكن من تكملة مشاريعي التأليفية ونشرها، وأهمها الآن تتعلق خصيصاً بتاريخ بلادنا الغالية.
أما عن الأكلات الحضرمية التي أحبها، فإضافة إلى الصيادية المكلاوية التي لا يعلى عليها، والسمك المقلي على الطريقة المكلاوية، فهناك المرق الحضرمي مع خبز البر بالنيفه، كما يعمله أهل القطن. ومن اللحوم – أحب المحموص والمضبي، وأيضا الهريس والعصيد. وفي المكلا، كنت اطلب من الطباخ أن يعمل لي سمبوسك على الطريقة المكلاوية إنما محشية بالسمك. وفي شهر رمضان، كنت أحب الشوربه المكلاوية. وللشرب عصير الليمون المكلاوي كما كان يعمله باسلامة. وضمن الفواكه التمر بأنواعه الحضرمية المختلفة التي كانت تعلو سبعين صنفاً، وكان الشيخ عبدالخالق بن عبدالله البطاطي يرحمه الله، قد أخبرني بأسماء غالبها أيضاً، ولو أنني لم أتذوق أكثرها – ويؤلمني بالإشارة أن بلادنا المنتجة لأجود أنواع التمور في العالم وبكميات تفوق حاجتها، أصبحت اليوم مستوردة لها!، والموز والمنجه الحضرمي، وفي الحلويات العسل الدوعني وحلوى المكلا! وهل هناك شي يعلوهما! لا اعتقد،وذلك مع الفالوذا والبودنج في رمضان وغير رمضان.
ابني صالح من مواليد 1977م، وأكمل جميع المراحل الدراسية بما فيها الثانوية في جدة، وثم التحق بمدرستي القديمة (ملفيلد) في بريطانيا، وبعدها بأكاديمية ساندهيرست الملكية العسكرية– المملكة المتحدة، وكان تعليمه الجامعي في جامعة بكنجهام (بريطانيا)التي أسستها المسز تاتشر (رئيسة وزراء بريطانيا السابقة) وبدأ منها دراسة الحقوق لسنتين قبل الالتحاق بجامعة لندن التي تخرج منها في العلاقات الدولية وإدارة الأعمال. ومن أعماله التطوعية، رئاسته لـ “جمعية أصدقاء حضرموت” وهي مؤسسة خيرية مسجلة في بريطانيا تهدف إلى مساعدة الأهالي في تحسين أوضاعهم بأنفسهم، وخاصة النساء والأطفال والمحتاجين، وتركز على تقديم الدعم لتحسين الأوضاع في مجالات التعليم والصحة والإغاثة كما يتيسر، وهي تخضع مثل جميع الجمعيات الخيرية البريطانية لتدقيق سنوي من قبل الجهات المعنية المتخصصة لهذا الغرض. وله ابن وابنه.
كما لي ابنتان، وهما متزوجتان وبأولاد. أكملن الثانوية في جدة، وبعد ذلك التحقت الابنة الأولى بمدرسة وستنبرت ببريطانيا وأكملت دراستها الجامعية في جامعة أكسفورد البريطانية مثل والدها، وتخصصت في دراسة الحقوق وتخرجت محامية. والابنة الأخرى درست للشهادة الجامعية الأولى في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، ثم حضرت للماجستير في جامعة لندن، وهي محاضرة في جامعية.
1- “تأملات عن تاريخ حضرموت قبل الإسلام وفي فجره” مع مسح عام عن نتائج علاقات الحضارمة عبر الأزمنة بشعوب جنوب وشرق آسيا (باللغة العربية).
2- لملمة لمجموعة من مقالات تاريخية وأدبية واقتصادية نشرت لي تحت عنوان “مقالات” (باللغة الانجليزية).
3- ترجمة إلى اللغة الانجليزية لديوان صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله الفيصل آل سعود (يرحمه الله) المسمى “وحي الحرمان”. (لم يطبع إلى الآن).
4- “الحرمين الشريفين والحج والعالم الإسلامي – تاريخ – من أقدم العصور والروايات إلى 1344هـ (1925م)”. (باللغة الانجليزية). (طبع في أمريكا، وقدم له الأمين العام السابق لمنظمة التعاون الإسلامي معالي البروفيسور أكمل الدين أحسان أوغلو، ونال استحسان الأوساط الأكاديمية الغربية، وعلى رأسها، بروفيسوران من جامعتي هارفارد في أمريكا وكيمبردج في بريطانيا.
5- “دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب والدول السعودية الثلاث– وظهور المملكة العربية السعودية الحديثة”(باللغة الانجليزية).
6- منتهى الأماني في تاريخ مكة والمدينة والعالم الإسلامي (من أوائل العصور وأقدم الروايات إلى عام 1344هـ/ 1925م)- ثلاثة مجلدات – (باللغة العربية)
7- “دراسة عن حياة وفكر الشيخ محمد بن عبدالوهاب والدولة السعودية الاولى (1115هـ/ 1703م – 1233هـ/ 1818م”. (باللغة العربية).
8- “الالتزام بقواعد اللعبة أو قدح مسموم – تعليق السنوات الأخيرة من وجود بريطانيا في جنوب الجزيرة العربية وسياستها” (بالانجليزي، وجاهز للنشر منذ أكثر من ثلاث سنوات).
9- “سيرة وعصر نظام الملك آصف جاه” (مؤسس دولة حيدراباد – باللغة الانجليزية ويطبع حاليا).
هذه أهم ما قمت بتأليفها وعلى وشك كتب أخرى منها مذكراتي، وعن تاريخ حضرموت، وأيضا عن تاريخ أسرة والدتي، وعن تاريخ الأسرة المالكة ومملكة حيدراباد، وكتاب عن سيرة وحياة وانجازات الملك الشهيد فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، يرحمه الله، مع كتاب عن جميع الأسر الحاكمة في محميتي عدن الشرقية والغربية.
إن رؤيتي التي وضعتها قبل أعوام معتقداً أن فيها يكمن إنقاذ الموقف والتي لم تشتهر لسوء الحظ كما ينبغي في تقديري، هي لا زالت المفتاح في خطوطها العريضة لإنقاذ بلادنا ومنطقتنا مما تعاني منها. إننا لم نكن ضد مبادئ الوحدة أو الإتحاد أو الانتماء بأشكالها المختلفة شريطة أنها تعود بالمنفعة بالتساوي على جميع الأطراف المعنية. إنما هذا لا يعني بأننا راضون على التناسي أو التجاهل عن أصلنا وفصلنا وكياننا الأساسي. فكما ذكرت سابقاً أن مساحة شبه الجزيرة العربية تساوي قارة أو شبه قارة وتعادل على سبيل المثال أوروبا الغربية (دون روسيا). ومثلما هو الحال في أوروبا، التي تأوي عددا كبيرا من الدول المختلفة التي قررت بالاتفاق على التعاون للمصلحة العامة ويستفيد منه جميع الشركاء، فالجزيرة العربية أيضا كانت تأوي بالمثل دول مختلفة معروفة منذ فجر التاريخ، وردت إشارات لها في مصادر شتى منها كتب التاريخ والآثار والكتب السماوية مثل “العهد القديم” والقرآن الكريم والثقافة والشعر والآثار التاريخية لا يمكن طمسها. وبالنسبة لحضرموت، فورد أسمها حتى في سفري “التكوين” و”الصحاح” في “العهد القديم”، وفي القرآن الكريم تحت تسمية الاحقاف، كما هناك إشارة إلى اليمن تحت تسمية سبأ. وبالاختصار، إن الحل الكامل والشامل في هذا العصر، عصر العولمة والتخطيط الاقتصادي والتنموي التكاملي لجميع مشاكل منطقتنا بكامله، يكمن في الانتماء إلى كيانات أكبر لديها الإمكانيات الكافية لتحقيق الأهداف التنموية عبر تخطيط تكاملي والإشارة، هنا في حالنا الآن هو لدول مجلس التعاون الخليجي في شكل، وأن يكون ذلك في شكل وحدوي، وان لم يتيسر ذلك ففي شكل انتماء الجميع (حضرموت والجنوب واليمن وغيرها) على السواء إلى كيان انتمائي آخر. وعلينا المحاولة بكل وسيلة وتضحية لإزالة أية خلافات أو أسبابا للتحفظات التي قد يكنها أعضاء هذا الكيان تجاه أمر قبولنا كعنصر مفيد وعلى أسس متساوية بهم. وقد يكون ذلك في شكل تغييرات من نواح سياسية (من حيث النظام) ومذهبية وغيرها. وبما أن الاقتصاد الصحي يعد اليوم عصب الحيوية والانتعاش لأي مجتمع، فعلينا بالسعي المجتهد لتحقيق هذا الهدف، الذي هو الوحدة معهم أو على الأقل الانتماء إلى أسرتهم، مع الاقتراح للجميع بان لا مفر أمامنا وأمامهم أيضا سوى تبني هذا النهج. كما أن الظروف المستقبلية سوف ترغم الجميع على تبنيه. وكما ذكرت، أنا أتمنى أن يقترح هذا لأبناء “حضرموت الكبرى”(أو الجنوب العربي)، كما نقترح ذلك وبكل إخلاص لإخواننا اليمنيين أيضا وبأن خيرهم يكمن في الانتماء إلى كيان مثل هذا كأسرة واحدة، سواء في الشكل الحالي لمنطقتنا (أي الدولة الموحدة)، أو كدولتين كما كان عليه الأمر سابقا. وأعتبر أن حرمان شعب المنطقة لدى استقلاله في التعبير عن رأيه حول مستقبله السياسي عبر استفتاء وفقا لمقررات هيئة الأمم، كما حصل في 1967م كان خطأ وجناية كبرى في حقه، ونعاني من نتائجه المتنامية سوءا باستمرار اليوم. وعلينا بالاعتراف بكل صراحة وجرأة أنه تكرر هذا الخطأ مرة أخرى من قبل الحكومة الاشتراكية في أمر اتخاذ القرار في مسألة الوحدة عام 1990م. أن ممارسة كهذه (أي إجراء استفتاء) في الشكل المجدي المطلوب والذي بالإمكان تطبيقه في منطقتنا مع مراعاة ظروفها البيئية يقطع الطريق أمام جميع الحجج المعارضة لقرار الغالبية، ويجعل الشعب متقيدا بنتائجه وعلى تحمل مسئولية قراره دون حجة.
ويجب علينا عند اتخاذ قراراتنا أن نعطي للظروف المتواجدة في ديارنا مع النظر إلى الإمكانيات المستقبلية لأمر حياتنا ومستوانا المعيشي اعتبارا خاصا بل الأسبقية على عوامل أخرى قد تكون منبثقة من أفكار مستوردة لم يكن غالبية الشعب في وضع لاستيعابها وفهمها والتنسيق معها للاستفادة منها كما هي الحالة الآن في منطقتنا وفي كثير من البلدان! فعلينا أن نحاول أن نبني ونطور مؤسساتنا المختلفة المنبثقة من تراثنا، حيث أنها تشكل الجذور الطبيعية لتنميتنا وتطورنا في بيئتنا.
– ما الذي يشغل بالكم اليوم وترون أنه آن الأوان ليخرج إلى العلن؟.
لا هناك داع للتكرار، حيث أنني قد أجبت على هذا السؤال في أجوبتي المختلفة بأسلوب مباشر أو غير مباشر.
أريد أن أذكر الجميع في الختام ألا ينسوا بأن الدولة القعيطية كانت أسست بالأول “مرضاة لله”، وتجاوباً لإلحاحات شعبية موجهة لذوي المال لإنقاذ البلاد من حالتها المضطربة، والذي كان ترتب عليها أن يقوم جدي عمر بن عوض الأول بحبس الثلث من كل ما يملكه في عام 1279هـ لهذا المشروع، جاعلاً ثلاثة من أبنائه الأوصياء المشرفين عليه، وبأن نوعية العمل والتعامل المطلوب مع الأطراف الأخرى لتنفيذ شروط الوصية وتغطية احتياجاتها الإدارية والدخول في اتفاقيات وتحالفات يضاف إليها عوامل السياسة الدولية، كانت دفعت بالنظام المؤسس لهذا الغرض أن يتخذ شيئاً فشيئاً شكل دولة بسلطان على رأسها بدلاً من أوصياء مشرفين على تنفيذ شروط الوقف المشار إليه. وبعد تأسيس الدولة والاعتراف بها، وبما أن مساحات حضرموت الشاسعة كانت في حاجة إلى إمكانيات ضخمة وبتواصل حتى لتغطية جانب وجيز من الالتزامات الإدارية والأمنية، فكانت الأسرة تغطى العجز في الميزانية إلى حج النصف لغاية بعد توقيع اتفاقية الاستشارة مع بريطانيا، كما أنها قدمت أملاكها الخاصة للاستخدام للمصلحة العامة طوال تاريخها وخصوصا في عهد جدي السلطان صالح. ولكن يؤسفني أن أذكر بأنني لم أرَ اعترافا أو تقديراً لمثل هذه التضحيات النادرة التي قل أن تجد مثيلاً لها في التاريخ!.
وإنني إذ أرى بكل تواضع أن كل من أسلافي لعب دوره وفقاً لمفهومه ومقدوره في صيانة روح وصية جدي عمر بن عوض الأول، وأسأل لهم من الله الرحمة والمغفرة ومنكم السماح على أية غفلة أو سوء فهم أو تصرف صدر منهم عن غفلة أو جهل. وأما أنا، فتركيب مزاجي الشخصي وتدريبي منذ الصغر كان دائماً يحثني ويدفع بي إلى التطوع لخدمة المجتمع والعمل للخير امتثالاً بكل تواضع للتعليم الصريح الوارد في الذكر الحكيم، وهو: “وقل أعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون …..” إلى آخره، وذلك ابتغاء “مرضاة الله” – المبرر الأول الذي كان دفع عمر بن عوض الأول بحبس الثلث من أمواله. ولا أخفي عنكم بأن بسبب تركيبي المزاجي هذا ومحاولة مرضاة الكل أيضاً، وهي غاية لا تدرك، واجهت مصاعب كثيرة في حياتي، كما ولا زلت، بدلاً من التقدير المرتقب. إلا أن تركيبي المزاجي لا زال يحتمني أن أستمر عنيداً في تمسكي بهذه المبادئ، والتي أيضا تعد مبادئ أسلافي من قبلي، يرتاح به ضميري.
والذي يسعدني ويعد مصدراً إضافياً لارتياح ضميري هو أن مكانتي في حضرموت في قلوب الناس البسطاء والعاديين الذين عرفوني بالرغم من معدومية تواجد وسائل إعلام متطورة خلال فترة حكمي في حضرموت ،هي لا زالت والحمد لله محفوظة، والدليل على ذلك ما شاهده الجميع من نتائج زيارتي الشخصية القصيرة لحضرموت عام 1996م، التي كانت هزت كيان دولة الوحدة المشئومة هذه، واندهش منها اليمنيون خشية وغيرة بالرغم من أنني لم أعد لممارسة أي نشاط سياسي، بل لكي أستقر في بلادي وبين أهلي ومحبيني. وبهذا الصدد، أسمحوا لي بالإشارة إلى قصيدة ألقيت ترحيبا بي ألقاها الشيخ سالمين بن حسين الحضرمي عند زيارتي لغيل باوزير ولقائه بجمع من الأعيان والشخصيات الاجتماعية والأهالي في منزل الشيخ عبدالله علي بامخرمه، وعنوانها: “نصفة السلطان”، وهي:
“نصفة السلطان هو وعيسى مسلم وعيال باحشوان
وعمي حسن قحطان ياسعاد الزبينة وين بازرقان
حب في القلب واضح لعوض وغالب وصالح
لي تربيت معهم وانقضى لك بهم شأن نصفة السلطان
جاء لك بالخير ذاك سلطان غالب اتبعتوا الغير
قع لكم في بئر ماشي بها ماء شاعله نيران
خلف الخيرات في البخاخير والدكة وعاللنشات
ما يورد قات بالبقش يشتري الحاجة من اليابان
حب في القلب واضح لعوض وغالب وصالح
نقص في التعليم والمدارس خرايب ما بهم ترميم
هكذا التنظيم يفرح الا اذا شاف المحل خربان
حب في القلب واضح لعوض وغالب وصالح
شف عيال السوق صبحوا حصنك الازهر سود محروق
كل شيء مسروق فيه حتى الوثائق طلعت دخان
حب في القلب واضح لعوض وغالب وصالح
حاشا على المصدار ما بدا يوم فكر ان يؤمم دار
يا لي بشعبه بار يوم دبر من البندر وهو حبان
حب في القلب واضح لعوض وغالب وصالح
لي بغوا شطار واعدوا بالرخاء هم وصرهم تجار
طلعوا الاسعار في الغذاء والدواء كله وفي السيمان
حب في القلب واضح لعوض وغالب وصالح
سالمين حسين وين وقت القعيطي الزمان الزين
الرز بو نارين لا طبخته يصنخ في ذهان
حب في القلب واضح لعوض وغالب وصالح
كثرت الاحكام اللي ادعى ما قنع والمدعي حنقان
حب في القلب واضح لعوض وغالب وصالح
عد اليهم عود عد نظر في المزارع لي كلاها الدود
عد وهت لك عود هذا الشعب حق عده وحق عيدان
حب في القلب واضح لعوض وغالب وصالح
العفو يا سلطان طالب العفو شعبك معترف غلطان
كان يا ما كان وانته بالعفو اهلا ونعم السلطان
حب في القلب واضح لعوض وغالب وصالح
بهدلوا بالباغ بالذي يشربونه الشراب الياغ
ياغ منهم ياغ من خرج برع السده رجع ديخان
حب في القلب واضح لعوض وغالب وصالح
القعيطي الزين راح والسلطنة ماشي عليها دين
وين مثله وين لا ظهر عندنا مثله ولا حد بان
حب في القلب واضح لعوض وغالب وصالح
لي تربيت معهم وانقضى لك بهم شأن
نصفة السلطان“.
كما كتب المحامي بدر سالمين باسنيد مقالا في جريدة “الأيام” العدنية بتاريخ 15 سبتمبر 1996م (الذي أتى من عدن للدفاع في المحاكم عن بعض الاشتراكيين الذي اتهمتهم الدولة ببعض التهم)، وكان نازلاً في فندق الاحقاف الذي كنت نزلت فيه أثناء زيارتي للمكلا). وقد كان عنوان المقال “الاستفتاء العظيم”. وقال فيه:
“يوم 14 سبتمبر 1996م .. وأنا أخرج صباحاً من غرفتي في فندق الاحقاف بالمكلا أرى استعداداً متميزاً في الجناح المقابل.. ورود قد جرى وضعها على جانبي مدخل الجناح.. سألت العامل القائم على أعمال الترتيبات، قال لي العامل: السلطان سيكون جارك. في تلك اللحظة كانت إحدى الفرق الشعبية تعرض رقصاتها عند باب الفندق.. خرجت حاملاً حقيبتي متوجها للمحكمة الابتدائية في المكلا.. لم أجد أحداً هناك واضطررت إلى العودة للفندق، في الطريق.. كانت تسير عشرات من السيارات المتنوعة، الآف من البشر.. منهم من يجري، منهم من يسير على الطريق مهرولا منهم من تسلق جدران المنازل على الجبل المشرف على المكلا.. مسيرة عظيمة في حجمها.. عظيمة في هيبتها.. نساء ورجال وأطفال وشيوخ يستقبلون ويرافقون سلطان حضرموت غالب بن عوض القعيطي.. هتافات لم يتوقعها أحد.. هتافات حسمت نتائج أية انتخابات قادمة.. وقال الناس في هذه المحافظة كلمتهم في استفتاء عفوي.. صريح شجاع عبروا فيه عن واقعهم المرير ورغبتهم الصادقة في التغيير.. رغبة سيكون كاذباً من يقول غيرها.. كلمات سوف يكذب من سوف يحاول تحريفها وتلوينها.. كلمات حددت رأي الناس.. في استفتاء لم يحضر له أحد.. وحركة شعبية عكست إرادة الناس ورأيهم مسبقا في أية انتخابات جرى التحضير لها.. بصور استفزت الكثيرين.. وانتقدتها الأمة.
مرحبا برجل غادر بإرادته.. نعم غادر برغبته وإرادته تفاديا لفتنة.. وعاد كنتيجة لواقع.. أصبح يتطلب عودة كل من الناس.. من اختلفوا مع بعضهم البعض ومن اختلفوا مع الحكام، ومن تقاتلوا مع “المنتصرين” عودة المهزوم المنتصر وعودة المنتصر المهزوم أو بقائه.
هكذا كنا نقول دائماً.. الوحدة الوطنية ولكن بمفهومها الصحيح.. الديمقراطية ولكن بمفهومها الصحيح.. إذا أردتموها المخرج.. حتى تسود الفرحة الصادقة الحقيقية لدى الناس.. وحتى يطمئن كل إنسان على شخصه وحياته وأسرته.. وحتى يعود رأس المال الوطني.. ويتم بناء حقيقي للوطن.. وليس نهباً ونهباً ونهباً لكل شيء.. كما هو حاصل اليوم.. نهب للأرض والمال وللصحة وللكلمة وللهواء.
عودة السلطان القعيطي تعني للناس هنا في حضرموت اليوم الوحدة الوطنية الصحيحة.. عودة السلطان أظهرت نتائج استفتاء.. لا يستطيع أحد مهما كان أن يكذب أو يطعن في نتائجه.. عودة السلطان حسمت الخلاف حول قوائم القيد والتسجيل وأصبحت لا جدوى لها في حضرموت. فهل تفهم العقول اللبيبة؟ وهل يفهم الحكماء؟ إذا بقيت حكمة اليمن.. هل يفهم هؤلاء حقيقة الوحدة الوطنية وماهيتها..؟ رغم حديث ثلاثين عاما عنها كذبا وزورا وبهتانا”.
ومع ذلك والذي سلف، أعارض بشدة تشجيع أهلي على الانزواء، بل أتمنى منهم الخوض في عمق العملية والتصدر لقيادة المسار وتوجيهه. وهذا الذي عرف به أسلافنا منذ القدم.
إن من مشاكلنا الكبرى أن نمنح دائماً الأولوية لمصالحنا الشخصية على المصالح الجماعية، متجاهلين إن نحن أيضا عقد من سلسلة جماعية، بأن إن استفادت الجماعة، فنحن أيضا نستفيد عبرها مع الجميع بدلاً من على حساب الجميع. وقد أشار سابقاً إلى هذه العقدة المتجسدة فينا أخصائيي علم الاجتماع أيضا. فأقول بإلحاح أنه إذا لم نتمكن من التغلب على هذا الداء، فسنلاقي أمر تحقيق مستقبل مشرق لنا صعباً للغاية بل شبه مستحيل.
وفي الأخير، وأسأل منكم المعذرة على تبني أسلوب الصراحة في إجاباتي هذه، وإن يكن جارحاً في أحيان، والله يحفظكم وبلادنا وأهاليها مع الأمة المحمدية دائماً من كل سوء، ويوفقنا دوماً لكل ما فيه خير الجميع – آمين.