حديث البداية .. إلا إياي
حديث البداية
د. عبدالقادر باعيسى - رئيس التحرير
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 32 .. ص 3
رابط العدد 32 : اضغط هنا
ترد إلينا أحياناً ملاحظات عما ينشر في مجلة (حضرموت الثقافية) أو برنامج (حوارات ثقافية) الذي يشرف عليه المركز ويقدم في قناة حضرموت الفضائية تتعلق برغبة بعض المتابعين في إبعاد بعض المعلومات التي لا تروق لهم، والإبقاء على بعضها الآخر، وهو الأكثر، وهم على مشارب مختلفة، وهؤلاء – مع تقديرنا الشخصي لهم- سلبيون تجاه ثقافة مجتمعهم، إيجابيون تجاه ذواتهم فقط، وقد كانت حضرموت ومازالت تعاني من توجيه التاريخ في قضايا مختلفة.
إن إبراز وقائع التاريخ لا يعني قهر أحد أو إذلاله أو التعالي عليه بقدر ما يعني قوة حضور المعرفة، وأننا بدأنا نمسك بزمامها بعيداً عن أي ذاتيات مع أو ضد، وإلى متى نكبح ما نريد أن نكبحه لنجد أنفسنا نقوم بما يقوم به الآخرون الذين ننتقدهم، وهو التدخل في صناعة التاريخ ووقائع الماضي التي هي جزء منا بسلبياتها وإيجابياتها يدخل في تشكيل رؤانا وثقافتنا شئنا أو أبينا.
والمنطلق الذي يصدر عنه أصحاب تلك الفكرة منطلق ميكانيكي (أرضى عن هذا ولا أرضى عن ذاك) (أرتاح لهذا ولا أرتاح لذاك) لنجد أنفسنا في النهاية خاضعين لرؤية هذه الجماعة أو تلك، هؤلاء الأفراد أو أولئك، والبحث يتنافى مع هذا المبدأ (مبدأ التقييد والحذف) بينما نترك الحديث حرا طليقا تجاه آخرين لم ينهض ليدافع عنهم أحد.
والمشكلة ليست في إشكالية الحذف فقط، وإنما في الذي يرغب في أن يستمر الحديث في شأن قد قيل فيه كثيراً، وأعيد القول فيه عشرات المرات، يريد تثبيته كما لو كان حقيقة مطلقة.
ثم كيف نستطيع أن نرى ما نستطيع من التاريخ ونحن نظهر بعضه ونخفي بعضه الآخر، ونتائج البحوث والدراسات العلمية متنوعة، ومتداخل بعضها في بعضها الآخر، بينما يتم النظر من قبل أولئك من زاوية واحدة نفسية أو اجتماعية، لا علاقة لها بالناحية العلمية لا من قريب ولا من بعيد. هو شكل من أشكال الأثرة التي ما زالت تعيقنا في جوانب مختلفة حين يوحد المنتقد بين ذاته والحادثة التي حدثت منذ عشرات أو مئات السنين، ولا علاقة له بها، بل بأناس آخرين في مكان وزمان آخر، ووقائع وظروف معيشية وحياتية مختلفة.
فإلى متى نظل نزحزح من دلالات التاريخ؟ وإذا حدث هذا من أجيال سابقة علينا لأسباب معينة، فكيف يحدث منا ونحن نتشدق بالبحث عن النموذج العلمي؟ والنتيجة معروفة: إذا اضطربت معايير التاريخ انبهم الواقع، وكل يدير ذاته بالطريقة التي تحلو له حينئذ، فثمة مواقف عامة يمتزج فيها السلبي والإيجابي عند كل أحد يجدر الإقرار بها، أما البحث عن النزاهة المطلقة في واقع إنساني معيشي وصراعي شهده التاريخ، فهذا هو محض خرافة نطلق عليها مجازفة اسم التاريخ.