حوار
د.عبدالقادر علي باعيسى
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 32 .. ص 32
رابط العدد 32 : اضغط هنا
نحن سعداء بأن نجري هذا اللقاء مع الأستاذ الدكتور عبد الله حسين البار أستاذ الادب والنقد بجامعتي صنعاء وحضرموت، وأردنا له أن يكون لقاءً ينفتح فيه الأستاذ على سجيته المعرفية وتأملاته الخاصة بصورة تلقائية ومباشرة.
حاوره / د. عبدالقادر علي باعيسى
فنبدأ من الآن، ما الذي يشغلك من قضايا أدبية وفكرية راهنًا؟
د. البار:
أولًا شكرًا جزيلًا على هذه الفرصة التي أتحتموها لي في مجلتكم الغراء مجلة (حضرموت الثقافية) وحقيقةً أنا أشعر بأن هذه المجلة تمثل فتحًا في الإنتاج الثقافي بداخل حضرموت في السنوات السابقة واللاحقة إن شاء الله، وهي على مستواها الفني ومستواها العلمي وطرحها الثقافي ارتقت بالفعل إلى مستوى مجلات نراها في البلدان العربية، وشكرًا لكم على هذه الفرصة.
وما يشغلني هذه الأيام، ليس هناك مشروع محدد، ولكن القراءات المتعددة هي التي تفرز مثل هذه الإنتاجات الضيقة البسيطة التي أخرجها بعد ذلك في هيئة مقالات أو ما أشبه هذه المقالات، والسبب هو أنني وصلت إلى قناعة هي أن تأثير المقروء في الصحف والكتب صار ضعيفًا، المرئي هو الذي يجذب إليه الآخرين ويتيح لهم فرصة التفاعل مع الذي يقوله هذا الكاتب أو ذاك، أما المكتوب الذي يحتاج إلى قراءة فهذا تراجع دوره كثيرًا في المجتمعات الحديثة، صارت الصورة هي الطاغية وصار المسموع هو الطاغي وللأسف الشديد أنا أعد هذه ظاهرة خطيرة ستفرز ثقافة أدنى بكثير من الثقافة التي ينتجها الكتاب أو تنتجها المجلة، أو ما أشبه هذا من الوسائل المكتوبة المقروءة، الكتاب هو أكثر خلودًا وأكثر ثباتًا وأكثر قدرة على التفاعل بين القارئ وما يقرؤه، ويحدث نوعًا من التواصل ولو كان عن بعد، ولذلك صداقة الكتاب أمتن من الصداقة المباشرة ولو حتى مع المؤلف نفسه، لأن الكتاب هو الذي يظل بجوارك وحولك وأنت تستفيد منه وتذهب إليه وتعود إليه مرات ومرات أما الصورة فأنت تشاهدها وقد يشغلك ما في إطارها من مشاهد ومراءٍ عن المضمون الذي يتحدث به هذا الشخص أو ذاك، ومن هنا تخفت هذه الوسيلة في أن تقوم بدور فاعل كبير مثل ما فعل الكتاب على مستوى الحضارات جميعًا.
د. باعيسى:
نعم د. عبد الله ولكن القراء ما زالوا موجودين على الأقل في الأوساط الأكاديمية، وفي شريحة من الشباب ما زالوا يقرؤون ويعاشرون الكتاب – لأنه من وجهة نظري – لا يمكن أن يُستغنى عن الكتاب، هناك شريحة بطبعها تبحث عن العميق والواسع والمؤصل، وتتجه تلقائيًا للكتاب، وحتى ما قبل الصورة ما كانت كل الشرائح المثقفة تهتم بالكتاب، هناك من كان يهتم بالمناشير الصحفية، وهذه الفئة المثقفة ما زالت موجودة، وربما إعلاميًا ما صارت تظهر لأن الإعلام يهتم بالمنشورات السريعة والمستعجلة، لاسيما وسائل التواصل الاجتماعي.
د. البار:
هذا ما أتمناه، ولكن للأسف الشديد ربما يكون الخلل عندي أنا، لأنني لم ألتقِ بمثل هذه الفئات في المجتمع، إنما الذي أراه والذي وصل إلى علمي هو أن الإقبال على الكتاب الجاد قلّ وقلت العناية به، قد يكون هناك من له اهتمام في اتجاه معين في الثقافة العامة ولكن الثقافة التي أنتجتها السنوات المتأخرة ثقافة متدنية وحتى لو جاءت من بلدان عربية أو بلدان أجنبية، فأنت تشعر أنها تحتوي على شيء من الضحالة مثل ما كان الدكتور زكي نجيب محمود يتحدث عن ميشيل فوكو، عندما قرأ له كتابه (الكلمات والأشياء)، قال إن أحسنا الظن بهذا الرجل فهو ليس فيلسوفًا لكنه أديبٌ يمتلك ثقافة واسعةً، وهذا حديث عن ميشيل فوكو الذي يعتبره أصحاب التفكيكية من أعلامهم البارزين، الآن الأمر نفسه ينطبق على بعض الاتجاهات الكتابية التي يتجه إليها الشباب ويقرؤونها، اليوم الشباب لا يقرؤون ولا يتعمقون كثيرًا في أبواب الفلسفة، اليوم الشباب لا يتعمقون كثيرًا في دراسة الاتجاهات النقدية التي تخصب قراءة الأعمال الأدبية، اليوم الشباب لا يقرؤون الأعمال الأدبية التي يسميها بعضهم بالكلاسيكية وليست بكلاسيكية، ولكنها متون للاتجاهات الأدبية، اليوم من يقرأ السيّاب شاعرًا؟، ومن يقرأ صلاح عبد الصبور شاعرًا؟ ومن يقرأ عبد المعطي حجازي شاعرًا؟ قلة قليلة من الناس، أما الشرائح العامة فيقرؤون أحمد مطر أو من يشبهه أو من جاء بعده وسار على منواله، أما الشعراء الكبار أو الروائيون الكبار وكتّاب القصة القصيرة مثل يوسف إدريس وغيره، فهؤلاء صارت هناك قطيعة بينهم وبين القراء، وهؤلاء هم الذين صنعوا لنا كياننا الأدبي، وتعمقنا في قراءاتهم، واستفدنا مما قيل عنهم، وما كتب في آدابهم من نقد، هذا كله نحن كنا على اطلاع به، اليوم لن تجد من الشباب من يعرف من هو إحسان عباس؟ ومن هو حسين مروة؟ ومن هو محمد مندور؟ ولكنهم قد يعرفون بعض الأسماء العابرة وهؤلاء هم الذين صنعوا ثقافتهم، قد يكون هذا له أثره الطيب في الواقع الثقافي الحاضر لكن ما أطمح إليه أن يكون هذا الواقع أكثر شمولًا وأكثر اتساعًا.
د. باعيسى:
أشرت أنه لا شيء يشغلك هذه الأيام فكريًا ولكن محاضرتك التي قدمتها في منتدى عميد الوفاء في يوم تدشينه، أثارت جدلًا ونقاشًا ودلت على حيوية فكرية مباشرة تعيش الواقع وأزماته الثقافية، فعنوان المحاضرة في حد ذاته (الهوية الثقافية في حضرموت في مفترق طرق) عنوان لا يدل على أنك لست معاشرًا للواقع ولا تعيش آلامه الثقافية بعمق.
د. البار:
ربما لأنني في السنوات الأخيرة، ربما بعد عام 2010، بدأت أراجع نفسي في كثير من المسائل المنهجية التي كنت أسير عليها في مجال النقد الأدبي، إن كان في الأسلوبية أو البنيوية، لأن الأسلوبية والبنيوية تبحثان إما عن شكل التعبير و إبرازه للقارئ أو الحديث عن العلاقات التي تنشأ بين العناصر المكونة للبنية، فوجدت أن هذا في الأخير يظل في إطار شكلانية النقد، ولا يمكن أن يكون هذا مآل النص الأدبي الذي بين أيدينا، فلا بد من إعادة النظر في هذه المناهج، ومن خلال القراءة تبين لي أن منهجا مثل منهج التلقي قد لا يوافقني أو لا يلائمني في أن أشتغل عليه، فبحثت عن شيء آخر، فوقعت على ما يسمى بالنقد الثقافي والدراسات الثقافية، فلما بدأت أتلمس الطريق في القراءة عن هذا المنهج الثقافي وما حوله، وجدت أن بُغيتي ها هنا وهذا الذي جذبني إلى هذا الأمر، أنت ممكن تقرأ النص الشعري قراءة ثقافية أو ممكن تقرأ النص الروائي قراءة ثقافية وغيرها من هذه الأمور، طبعا المنهج الثقافي لا يلتزم بشيء محدد مثل البنيوية أو الأسلوبية أو غيره من المناهج، هو يحتضن كل هذه المناهج، فأنت تجد الأسلوبية في المنهج الثقافي وتجد البنيوية وتجد النقد الماركسي وتجد الفلسفة وتجد الأنثروبولوجيا في النقد الثقافي. النقد الثقافي من أين جئته تستطيع أن تصل إلى الغايات التي تقصد إليها، والذين مارسوا هذه الدراسات الثقافية، وضعوا أصولًا عامة لهذا المنهج بعد ذلك أوتيت لك الحرية في الحركة، يعني مثلا الموقف من الآخر، الموقف من المرأة، الصراع بين الذكورة والأنوثة وغيرها من هذه القضايا التي تشغل أهل الغرب بدرجة أساسية، لكنها عندما انتقلت إلينا حاولنا أن نكيفها مع الواقع الاجتماعي الذي نعيش فيه ومن هنا وجدنا أنفسنا في إطار التفكيك خاصة أن الثقافة أوسع بكثير من الاختصاص المنهجي في النقد الأدبي. أنت في الأسلوبية محصور في اللغة التي تقرؤها وتتلمس شعريتها و تتلمس ملامحها الإبداعية، وتقدمها بعد ذلك للقراء، وأنت في البنيوية تتلمس هذه العلاقات التي تنشأ بين العناصر التي تكون هذه البنية، أما في الثقافة فيختلف الحال، هناك تعريف عند علماء العرب القدامى، عندما كانوا يتحدثون عن الأدب، يقولون إن الأدب هو الأخذ من كل شيء بطرف، الأخذ من كل بشيء بطرف هو هذا العمل الثقافي الذي نعيشه اليوم فليكن اختصاص المرء في النقد الأدبي، لكن هذا النقد الأدبي يسير باتجاه رأسي، ينطلق من نقطة في الأعلى ويظل يحفر فيها حتى يصل إلى قاعها، ولكن لا قيمة لهذا النقد الذي ينزل رأسًا دون أن يكون له انتشار أفقي، هذا الانتشار الأفقي لا تحققه لك إلا الثقافة، ومن هنا يصبح هذا النقد متعدد الروافد، ويزداد خصوبة ويزداد عمقًا، ولذلك الانشغال بالمنهج الثقافي والدراسات الثقافية يجر القارئ إلى أشياء في النص الذي يقرؤه أيًا كان هذا النص، نصا دينيا أو أدبيا أو قديمًا أو حديثًا، يستطيع المرء أن يخلص من خلاله إلى أشياء كثيرة، خذ مثلا الخطابة في العصر الأموي، فأنت عندما تقرأ النصوص التي أوردها صاحب العقد الفريد من خطباء العصر الأموي، تكتشف أن هناك بنية ثقافية فرضت وجودها على المجتمع العربي، كرسها هؤلاء الخطباء، إن هؤلاء الخطباء ينبغي أن تكون كلمتهم مسموعة وعلى الجميع أن يخضع لهذه الكلمة، فعندما تقرأ الخطبة التي قالها زياد ابن أبيه تكتشف هذه النزعة الديكتاتورية والقوة الباطشة بالآخرين من خلال هذه الكلمات التي يتدفق بها فمه، وإذاً فالمنهج الثقافي يتيح لك الحركة الواسعة مع النص الأدبي الذي بين يديك، وهذا الذي قادنا بعد ذلك إلى مثل هذه الدراسات لأننا لا نكتفي بالنصوص التي تأتي من التراث العربي أو من الإبداع العربي الحديث، لكن ننظر في الواقع الاجتماعي المحلي، وما دامت هناك ثقافة إذًا لا بد أن ننطلق أولا من المحلية، من الثقافة الخاصة بنا نحن، بصفتنا حضارم نعيش في بقعة اسمها حضرموت ولها صورتها الثقافية أو لها إنتاجها الثقافي الذي يمثل صورتها أمام العالم، إذًا لا بد أن ننطلق من هذا الأمر، ومن هنا جاء هذا الانشغال بهذا الموضوع.
د. باعيسى:
كان انشغالا جميلًا وموفقًا، ودلت محاضرتك في منتدى عميد الوفاء عن (الهوية الثقافية في حضرموت في مفترق طرق) على أنك كشفت عن النسق الخفي لما يُشاع من أن حضرموت وطن المعرفة والعلم، وكشفت أن هذه المعرفة تعيش حالة من الاستاتيكية والجمود، ومن ثمّ هي بمعنى آخر غير متحركة وغير مناسبة لكل مكان وزمان، ولكن هل لك أيضا رؤى ثقافية في موضوعات أخرى في الثقافة الحضرمية تفكر فيها أو تكتب فيها هذه الأيام؟
د. البار:
ما زال هذا الموضوع حيّا في نفسي، وأشعر أن هناك أشياء ممكن أن تقال ولم تقل في المحاضرة، خذ مثلا العلاقة بين الأمثال الحضرمية و موضوع التصوف في حضرموت، هم يقولون إن حضرموت صنيعة التصوف الإسلامي، كما ساد في داخل حضرموت سواء كان عن طريق الإمام الغزالي أو عن طريق أبو مدّين الذي أرسل رسوله إلى حضرموت وهو آتٍ من المغرب ولم يستطع الوصول إليها، وتلقفه الفقيه المقدم إلى آخر المعلومات التي يعرفها الكل، هذا التصوف صنع له أمثالا تداولها الحضارم ومازالوا يتداولونها، يعني مثلا يقول الشيخ الصوفي للمريد الذي يأتي إليه (قع جويّد) هذا صار مثلا في حضرموت، فابنك إن اشتط في العمل أو القول أو الإزعاج والفوضى وغيرها يقال له (قع جويّد)، وإذا أراد أحد الشباب أن يقول شيئًا مغايرا لما هو موجود يقال له (قع جويّد)، حتى في السياسة إذا اشتط أحد الساسة عن المألوف يقولون له (قع جويّد)، فقع جويّد تحولت من مثل بسيط إلى نسق ثقافي يشمل طوائف متعددة في المجتمع، من أين أتى هذا؟ من التصوف، قع جويّد هذه إلى أين ستفضي بنا؟ نحن بعد ذلك متجهون إلى خمول وكسل وإلى جمود ومن ثم لن يتحرك المجتمع ولن يتجدد، لا يتجدد المجتمع إلا بعقول متحركة أما قع جويّد فهذا لا يفرز مجتمعا حيا ونابضا، تظل الأمور ساكنة على ماهي عليه، إذًا التصوف في هذه الحالة أنتج ثقافة ليست إيجابية، مع أنه في ذاته وفي أصوله الأولى شيء إيجابي، لا ننكره، بالعكس نحن ندعو إلى التصوف الذي يخرج الإنسان من هذه الماديات المتشبثة به والمتعلقة بروحه إلى فضاء العالم الروحي الواسع بل إلى فضاء التسامح مع الآخرين وقبول الآخر مهما كان حاله، إذًا في هذه الحالة نحن ندعو إلى هذا التصوف الإيجابي، أما هذه السلبية فلا ندعو إليها ولا ينبغي أن يتمسك بها المجتمع، وهذا أمر كان من المفترض أن يدركه الذين صنعوا مثل هذه الحالة الثقافية المتمثلة في التصوف بحيث إنهم يتجاوزون هذه السلبيات إلى إيجابيات كبرى.
نفس الأمر بالنسبة لموضوع الأمثال هناك أمثال للأسف الشديد تورث نوعا من سوء التربية يقول لك قع ذرّة تأكل سكر، كيف أقع ذرّة وآكل سكرًا، أنا سآكل سكرًا بقوتي بإرادتي بجبروت روحي، لأنها أرادت هذا الشيء لا بد أن تحصل عليه وليس بهذه الانتهازية التي يربون النشء الصغار عليها، لا بد من الانتباه لهذه الأمثال التي نرددها، أو يأتيك مثال آخر في مسألة التجارة ومغامراتها الواسعة جدًا، عالم التجارة عالم وسيع ومع ذلك يقول لك (البايع قحبة المشتري) هذه نظرة للأسف الشديد فيها شيء من الدونية سواء كان بالنسبة للمرأة أو بالنسبة للبائع نفسه، البائع هذا إنسان له كرامته وله تفكيره، وله رغبته في أن يكسب وأن يوسع من دائرة تجارته، لكن لا يتحول إلى هذا المعنى المرذول الذي يرفضه المجتمع، فإذاً هذه الأشياء كلها تبين أن حياتنا الثقافية بكل منتجاتها من أمثال وتصوف وفقه، تحتاج إلى إعادة نظر، إعادة النظر هذه تحتاج إلى عقل متحرك، عقل يشوبه شيء من النظر الفلسفي، لأنّ الفلسفة في حذ ذاتها هي إعادة الاعتبار للسؤال، السؤال الذي طرح على مجتمع ما أو طوائف من مجتمع ما، لا بد أن يعاد النظر فيه مرة أخرى، وطرحه مرة أخرى، أو طرح سؤال مقابل له جديد يختلف عنه ويضاده ومن ثم يبدأ من خلال هذا الاحتكاك وهذا الصراع الفكري إنتاج الثقافة الحديثة والجديدة.
د. باعيسى:
إذا هذا المثل (قع جويّد) ظاهره من حيث منهج النقد الثقافي إيجابي ولكنه يعتمر في باطنه معنى سلبيًا، والأستاذ محمد عبد القادر بامطرف رحمه الله في مقابلة له أجراها معه المرحوم عزيز الثعالبي طلب منه أن ينشرها بعد وفاته، عندما سأله ما فلسفتك في الحياة؟ قال له (قع جويّد)، يعني هذا أن بامطرف لم يعكس في كل ما كتبه ما اعتمر به صدره وما رآه وما أراد أن يعبر عنه فأخفى كثيرًا مما عنده.
د. البار:
إلى حد ما ومن خلال المعرفة القريبة بالأستاذ بامطرف ندرك أن فيه شيئًا من هذا الذي ذكرته، هناك أشياء لا يحب أن يتحدث عنها حتى لا يقع في المحظور لذلك صارت فلسفته (قع جويّد).
د. باعيسى:
إذًا ربما ننتظر منك أو من أحد الأساتذة قراءة مؤلفات بامطرف قراءة ثقافية.
د. البار:
هو أصلا الأستاذ بامطرف حالة ثقافية، يعني الذين يضعونه في دائرة التاريخ ليسوا على صواب دقيق، والذين يضعونه في دائرة الأدب والنقد ليسوا على صواب دقيق، الأستاذ بامطرف من القراء والكتّاب الموسوعيين أمثال العقاد وطه حسين وميخائيل نعيمة الذين قرؤوا كثيرًا، وهضموا ما قرؤوه، واستفادوا منه، وبعد ذلك كتبوا في كل ما يعرض لهم، فعندما تقرأ كتابه في سبيل الحكم، أنت لا تقرأ تاريخا تقرأ أدبا ولكن التاريخ مهيمن عليه، وعندما تقرأ كتاب (المعلم عبدالحق) لا تقرأ ترجمة عادية مثل التي نعرفها في كتب التراجم سواء كان من الناحية النفسية أو الاجتماعية أو غيرهما ولكنها خليط من هذا كله، التاريخ موجود فيها، والفلسفة موجودة فيها، النقد الشعري موجود فيها، إذاً هذا كله نتاج هذه الثقافة الواسعة التي امتلكها هذا الرجل، حتى كتابه الأخير الذي نشر بعد موته يحمل هذا الأمر، بل كتابه (الأمثال والمصطلحات الشعبية) إنما هو ناتج عن هذا الاهتمام الثقافي بالأدب الشعبي الذي ظهر في كثير من كتاباته، فالأستاذ بامطرف حالة ثقافية مشرقة بل هو إذا أردنا أن نقول صورة أولى لما يعرف بالنقد الثقافي اليوم، لأن النقد الثقافي ليس بالمعنى الذي ألفناه في كلمة النقد البحث عن التأويل والتعليل وتحري الخصائص التي تكوّن العمل الأدبي، النقد الثقافي شيء شامل من هذا كله، وكتابات الأستاذ بامطرف كلها تدخل في إطار هذه الدراسات الثقافية.
د. باعيسى:
د. عبد الله، لا شك أنك حكّمت بحوثا اتخذت منهج النقد الثقافي لبعض الأساتذة في جامعة حضرموت وغيرها من الجامعات المحلية أو ناقشت وأشرفت على رسائل اتخذت المنهج الثقافي، وقرأت كتابات ومؤلفات خارج الإطار الأكاديمي اتخذت منهج النقد الثقافي، فهل ترى مجموع هذه الكتابات بدأت بتحريك الواقع الثقافي بصورة مختلفة أو أنها ما زالت تقف عند مستوى معين؟
د. البار:
للأسف الشديد التفاعل بين الثقافة العامة في المجتمع و الدراسات الأكاديمية والدراسات الأدبية والنقدية الراقية لا زال ضعيفا، ناقشت رسالة ماجستير مثلا عن روايات الأستاذ صالح باعامر في جامعة حضرموت من وجهة نظر المنهج الثقافي ظلت في إطار الجانب الأكاديمي، أو في إطار بعدها الأكاديمي ولم تتجاوز ذلك إلى القراء الذين يتعرفون عليها وعلى ما جاء في هذه الرسالة، الأمر نفسه بالنسبة للكتابات، هناك كتب كثيرة كتبت عن النقد الثقافي سواء كانت هذه الكتب متخصصة أو خاضت في المنهج الثقافي من وجهة نظر هذا الكاتب أو ذاك أو هي نتاج مؤتمر عام عن المنهج الثقافي ووضعت فيه دراسات متعددة ودرست هذه الظواهر الاجتماعية دراسة ثقافية، وأذكر أن الأستاذ الدكتور عبدالله الفيفي وهو من السعودية، ومن الدارسين المتميزين، له دراسة ممتازة جدًا عن منظومة القيم في المجتمع العربي درسها من المنظور الثقافي، ونشرها في مؤتمر النقد الأدبي الذي انعقد في مصر أيام الدكتور عز الدين إسماعيل، كانت من الدراسات المتميزة لكنها لم تصل إلى الواقع الثقافي العام فيفيد منها، وظلت محصورة في ذوي الاختصاص ولا غير، وهذه طبعا تمثل حالة من حالات الانفصام بين المجتمع وهذه الدوائر الاكاديمية، كان في الستينيات الأستاذ الدكتور محمد مندور مع آخرين من الأساتذة الكبار الذين قادوا العمل الثقافي والأدبي والنقدي في مصر وفي غيرها من البلاد العربية، كان عندما يناقش رسالة علمية في أي موضوع من الموضوعات، يكتب ملخصًا عنها وينشره في الصحف، يشير إلى الطالب الذي كتب هذه الرسالة وإلى اللجنة التي ناقشت الطالب، ثم إلى موضوع هذه الرسالة، ثم بعد ذلك يستعرض هذه المحاولات التي حاولها الطالب في الكتابة عن هذا الموضوع وأخرج بها هذه الأطروحة، وينشر هذا الكلام الذي كتبه في بيته على الناس، فالناس تطلع أن هناك رسالة علمية نوقش فيها كذا وكذا، وهذه صورة من صور التثقيف أو المثاقفة الداخلية في داخل المجتمع نفسه وتخرج من الدائرة الأكاديمية إلى الدائرة العامة، فيطلع عليها الناس، للأسف الشديد لا في جامعة حضرموت ولا في جامعة صنعاء ولا عدن ولا في أي جامعة يمنية، هناك من يلجأ إلى هذا الأمر فيجهل الناس ماذا في هذه الرسائل.
الرسالة التي كتبت عن الأستاذ صالح باعامر في رواياته من الناحية الثقافية، رسالة متماسكة وفيها اطروحات ممتازة، لو أننا عندنا هذا الحس الذي كان عند الأستاذ مندور في تعريف القراء بمثل هذه الأطروحات لتعرف الناس عما قيل عن روايات باعامر من وجهة نظر الدراسات الثقافية ومن ثم يبدأ التعرف قليلا على مثل هذه المناهج والاستفادة منها.
د. باعيسى:
إذًا تهدينا هذه الفكرة إلى أن نخصص في مجلة (حضرموت الثقافية) أحدًا أو مجموعة من الشباب يتابعون حلقات النقاش العلمي في جامعة حضرموت، ويقومون بتسجيل أبرز النقاط ونشرها في المجلة.
د. البار:
هذا كلام ممتاز، وسيعرّف القارئ أولًا بالرسائل العلمية التي تسجل وأسماء الطلبة الذين كتبوا في هذا الاتجاه، والأساتذة الذين أشرفوا على رسائلهم، ومن ثم يعودون بشيء من المعرفة العامة للناس كلهم، لأن هذه المجلة تصدر ورقيًا، وتصدر أيضا إلكترونيا، والإلكتروني هذا فضاء واسع يطلع عليه الذي في المغرب العربي والذي في عُمان وإذًا يستطيعون أن يصلوا إلى هذه الموضوعات، ويخفف عليهم بحث وعناء التواصل، هل كتب في هذا الموضوع شيء أو لم يكتب شيء، ويمكن للمجلة أن تستفيد من الملخصات التي يقدمها الطالب يوم المناقشة لأن فيها تعريفًا مركّزًا بالرسالة أو الأطروحة وهذا أمر كان معمولًا به في مجلة فصول ففي آخرها يأتي باب عن الرسائل الجامعية، والطالب نفسه يلخص رسالته كما قدمه في يوم المناقشة، يقدمه للمجلة والمجلة تعيد طباعته وتنشره للناس.
د. باعيسى:
من الثنائيات التي اشتغل عليها النقد الثقافي وفعّلها ثنائية الأنا والآخر، فهل ترى هذه الثنائية بناء على ما قدمته من حديث، تشتغل في واقع حضرموت الاجتماعي والثقافي.
د. البار:
اولًا مقولة الأنا والآخر، هذه بدأت عند الفلاسفة الوجوديين بدرجة أساسية وهم يعنون أن كل ذات فردية تعيش في فضاء واسع، ولكنها تملك هذا الفضاء طالما كانت هي وحدها فيه، فإذا جاء الآخر وسكن معها في هذا الفضاء وزاحمها عليه تتحول هذه الذات من رائية أو ناظرة إلى منظورة وتتقيد حركتها، فبدل أن تمارس الحياة بحرية مطلقة صارت حريتها محدودة بوجود هذا الآخر، و أذكر أن سارتر الفيلسوف الفرنسي والأديب المسرحي أيضًا كتب مسرحية اسمها الجحيم، هذه المسرحية مسرحية الجحيم يتحدث فيها عن أن شابًا توفي وذهبت روحه للجحيم، في الجحيم كان موجودًا في غرفة صهريجية وحده، وكان يمارس ما يشاء من الحركات ومن الأفعال، ثم فجأة جيء له بشابة قريبة منه بالسن، فوجد أن حريته في الحركة صارت تتقاصر لأن العيون التي دخلت في الغرفة صارت ترصده وصار يتخوف منها، وهو أيضا بالمقابل كان يرصد حركة تلك الفتاة، ثم بعد ذلك تطورت العلاقة بينهم وهم في هذا الصهريج أو هذا الجحيم، وتحولت إلى شيء من المودة والاستلطاف، وبينما هما على هذا الاستلطاف جيء لهم بفتاة ثانية، فشعر هذا الشاب أن هذه الثالثة لا منحته القدرة على أن يتواصل بالأولى ولا أن ينفتح على الثانية بحكم وجود الفتاة الأولى بينهما، فلذلك صرخ في آخر المسرحية الجحيم ليس في الآخرة ولكن الآخرين هم الجحيم وصارت هذه مقولة ثابتة عند الفلاسفة وفلسفوها خاصة هيدجر وغيره من الفلاسفة المتعمقين في الفلسفة الوجودية، وجاء أصحاب النقد الثقافي ولهم علاقة بحياة المجتمع وحركته ونظروا في هذه المسألة فوجدوا أن هذه الذات تتحول إلى كينونة خاصة، ولكن هذا الكينونة لها علامات تمتلكها وتتضمن أيضًا دلالات متعددة تنعكس على الموقف من الآخر، لأن الآخر أيضا هو كينونة وله علاماتها ولها دلالاتها ومن ثم يحدث نوع من التقابل الضدي بين الذاتين أو الكينونتين الموجودتين في هذا المجتمع أو ذاك، مثلما حدث في بريطانيا عندما خرجت من الهند، جاء الهنود إلى بريطانيا وفتحوا مطاعم شعبية، مثلما كان موجودًا في الهند خاصة مع الأزمة الاقتصادية التي مرت بها بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية، فبدأ أصحاب المطاعم الكبرى وأصحاب الطبقات البرجوازية في داخل بريطانيا، يتعجبون من انتشار هذه المطاعم الشعبية التي تستخدم البالدي لتنظيف الأيادي بعد الأكل، هنا يأكلون في الشارع، فتحولت هذه إلى ظاهرة ثقافية ودخلوا في صراعات مع هذه الظاهرة، وانتشرت بعد ذلك في بريطانيا، نتيجة هذا الصراع بين الأنا والآخر أو تمثيلات الآخر كما يقول أصحاب النقد الثقافي، عندنا نحن في حضرموت هذه المقولة صالحة للنظر فيها لأنه من خلالها نستطيع أن نقوّم علاقة الحضرمي بالحضرمي وعلاقة الحضرمي بغير الحضرمي، فعندما ننظر فيها نجد أن الحضرمي لا ينفتح على الحضرمي بصورة واسعة وسلسة وسريعة إلا في حالات نادرة، فيظل الآخر المحلي شيئا يحتاج إلى حواجز لابد أن تبقى وعلى مسافة لا تقطع كاملة بحيث يتبقى منها جزء بينه وبين هذا الآخر، وعلى مستويات واسعة منها المستوى الديني والمستوى الأدبي والثقافي والشِعري وغيرها، فإذًا هذا التباعد بين الأنا والآخر في حضرموت ظل قائمًا وما زال قائمًا.
د. باعيسى:
هل يمكن التمثيل على ذلك؟
د. البار:
لا نريد أن ندخل في تفاصيلها، لكن العجيب في الأمر هو أن الحضرمي عندما يلتقي بالأجنبي الآخر ينفتح عليه، ومن ثمّ يقبله ولو كان على غير ملته ولو على عدم انتمائه إلى ثقافته إلى آخر هذه الأشياء، الأعجب من هذا كله هو أن العلاقة بين الأنا والآخر أو بين الكينونة والكينونة لم تكن على المستوى الفردي، يعني ليست فقط على مستوى الأفراد لكن أيضًا على مستوى المدن، فأنت عندما تنظر إلى (تريم) على أنها كينونة (والقطن) على أنها كينونة لا تشعر أنهما يمثلان كينونة واحدة رغم أنهما في بلد وأحد، هذه مدينة وهذه مدينة، وهذه لها ثقافتها وهذه لها ثقافتها، ومن هنا يحدث شيء من التقابل بين هاتين الكينونتين وتصبح القطن آخر لتريم وتصبح تريم آخر بالنسبة للقطن، وقل مثل ذلك لسيئون وشبام، وفي الوادي كله بصاعده وحادره والساحل كله، وهذه من أعجب الحالات الثقافية التي يمكن أن يذكرها الإنسان في مثل هذا الموضوع.
د. باعيسى:
وقد قرأت لأحد الرحالة الغربيين إلى حضرموت، أنه فوجئ بمستوى التطور والتحضر في حضرموت، يقابله مستوى من التخلف إلى حد الوحشية بحد تعبيره، وأشار إلى أن هذه حالة غريبة على مستوى العالم، فترى مثلا في تريم وسيئون وشبام أسرًا ذات حضارة وانفتاح وترى في البادية أو القرى شيئًا آخر مختلفًا.
د. البار
وهذا نلحظه جميعا عندما ننظر في تريم وسيئون ودوعن، نجد أن السلوك اليومي يمثل حالة من حالات الرقي الثقافي سواء كان بسبب الاحتكاك بالمهاجر أو بسبب الاتساع المعرفي في بعض الأسر التي كانت سائدة في تلك الفترة أو بأي سبب آخر، وهو بالمجمل تعامل يختلف تماما عما تجده مثلا عند البُداة الذين يعيشون في البوادي بعيدا عن هذا التميز المدني الذي هو سمة هذه المدن، وحتى في كتاب معجم البلدان عندما ذكر تريم وشبام قال تريم وشبام مدينتا حضرموت، يعني أن الروح المدنية في هاتين المنطقتين أبرز مما في سواهما من البلدان في حضرموت، لكن للأسف الشديد هؤلاء الرحّالة والمستشرقون الذين يأتون إلى حضرموت يهتمون كثيرًا بهذه الحالات البدوية عن تمثل هذه الحالات المدنية، لأنهم يرون في الحال البدوي الطزاجة البشرية في أول عهدها بالوجود، وهذا أضر بنا نحن، أنت عندما تقرأ كتاب (مشاهد من حضرموت) للمستشرقة البريطانية فريا ستارك، وعندما تنظر في كتابها تشعر أنها مركزة تركيزًا كبيرًا على هذه الصور التي تمثل هذه البداوة والتدني الحضاري في حين أن هناك نماذج أعلى وأرقى، كان ينبغي أن تضيفها حتى تبين للعالم أن في حضرموت هذا النمو الحضاري، ولكن للأسف الشديد كأنما يريد المستعمر أن يقول إنّ هذه البلد التي جئناها نحن صنعنا فيها ما صنعنا، وغيّرنا فيها ما غيّرنا وهذه نظرة ضارة، لأنها تقدّم حالة من الدونية عند الحضارم وهم ليسوا كذلك.
د. باعيسى:
هل توجد ثنائية الأنا والآخر ليس بين مدينة ومدينة بل داخل المدينة نفسها؟
د. البار:
توجد، بسبب التمايزات الطبقية التي كانت سائدة في يوم من الأيام، ثم تطورت إلى التمايز العقدي في الاتجاهات الدينية، وهذه من الأشياء الضارة بالمجتمع التي ننقدها ونرفضها، لأن الوطن للجميع ومن ثم تتعايش فيه كل الاتجاهات ولذلك لا يقبل الحضرمي من اتجاه ما، والآخر الحضرمي من اتجاه آخر ولو عاشا في مدينة واحدة.
د. باعيسى:
لكن هذا يمكن أن ينطبق على أي أشخاص في أي مكان وزمان.
د. البار:
هذا صحيح، هذه الإشكالية بالنسبة للآخر موجودة على المستوى البشري مئة بالمئة، وليست فقط محصورة على أهل حضرموت وحدهم، ولأنها كما قلت لك مسألة وجودية، الآخر قد يكون جحيمًا لك وقد يكون نعيمًا لغيرك، وأيضًا الآخر الذي رأيته أنت جحيمًا قد يكون نعيمًا للآخر، لأنه متآلف معه وأنت غير متألف معه، وهكذا فهي داخلة ضمن هذا الإطار، الحضرمي عندما نزل إلى المهاجر التي عاش فيها، استقبل استقبالا طيبا في المهاجر وصار هو لصاحب الأرض الآخر لكن هذا الآخر، صار يألفه ويتعايش معه وصار نعيما له، لأنه أسس وجوده في المهجر أكثر مما أسسه في الداخل المحلي، والعكس صحيح، كما ينتقل الآخر إلى داخل حضرموت يجد له مكانا يعيش فيه بأمان.
د. باعيسى:
لكن ثنائية الأنا والآخر هذه، ربما تحتاج لدراسة خاصة في حضرموت لأنك تلاحظ عدم تقبل قبيلة حضرمية لقبيلة أخرى، ولا ترتاح قبيلة أن يبزغ أحد من قبيلة أخرى، بل تحاول هي أن تظهر زعيما من عندها.
د. البار:
ولذلك النسيج الاجتماعي القبلي الحضرمي لم يكن متآلفا ولا منسجما، ظلت كل قبيلة تحتفظ بقوتها وبقدرتها، والقبيلة التي تستضعف تتحول إلى مرتبة اجتماعية متدنية في التاريخ، بسبب هذا الموقف من الآخر.
د. باعيسى:
هل يعود هذا للنزاعات التي كانت سائدة بينهم قبل صلح انجرامز، أو لأن حضرموت ظلت وطنًا يهاجر إليه الجميع، ويتنازعون عليه، فترسب هذا لديهم في اللاوعي؟
د. البار:
المنزع القبلي، دائما يقوم على هذه الصراعات سواء كان المجتمع الجاهلي أو المجتمع الإسلامي أو غيرهما، حتى في الإسلام بعد وفاة الرسول صل الله عليه وسلم أثيرت بعض النعرات القبيلة، ومن ثم حدث نوع من الصدام بين هذه القبائل وتحول إلى صراع خطير جدا، ونفس الأمر بالنسبة للمجتمع الحضرمي، فالتشكيل القبلي دائمًا يلجأ إلى هذه الصراعات لأن القوة هي التي تحكم الوجود القبلي، ومن هنا فالمجتمع المدني يذيب مثل هذه الخلافات، هذا القبيلي الذي ينتمي للقبيلة (س) ويقابله الآخر الذي هو من القبيلة (ص) يتخاصمان ويتنازعان ويتصارعان و إذا حلّا في مجتمع مدني صارا متآلفين وقريبًا بعضهم من بعض.
د. باعيسى:
ولذا يمكن أن يكون التعليم هو المخرج الأساسي للبعد عن مثل هذه التدافعات.
د. البار:
التعليم وسيلة والدين والدعوات الدينية أساس ايضًا، ونشر الثقافة أساس، لأن هذه الوسائل كلها تهذب الروح وتخفف من هذه الحدة القبلية الموجودة عند الآخرين، وتحوّل هذا الجهل المركب عند هذه القبائل وأصحابها إلى نوع من المعرفة الواسعة التي تتيح التشارك في الحياة بكل صورها.
د. باعيسى:
شكرا جزيلا د. عبد الله البار أستاذ الأدب والنقد بجامعتي صنعاء وحضرموت، ولعلنا أتعبناكم معنا بهذا الحوار الطويل والتلقائي الذي وددنا لو طال أكثر وخاض في مجالات مختلفة ما زالت تشغلنا، ولعلنا نجد الفرصة للالتقاء بكم قادمًا بمشيئة الله.