دراسات
أحمد كرامة صالح باحمالة
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 32 .. ص 96
رابط العدد 32 : اضغط هنا
مقدمة:
تكتمل الأغنية الحضرمية عند توافر فيها ثلاثة ركائز أساسية، هي: الكلمة، واللحن، والأداء، فتصبح الأغنية مهيَّأة للعرض على الجمهور بقالبها المميز الذي أبدع فيه الشاعر والملحن ويصر الفنان على أدائها بأكمل وجه؛ حتى تنال استحسان الجمهور، فتصير الأغنية ضمن قائمة الأغاني الحضرمية المطلوبة التي يتمنى أن يسمعها متذوقو الفن الحضرمي بأصوات عدد من الفنانين والمبدعين، وتتصدر الأغاني وتصبح حديث المثقفين والمهتمين بالجانب الفني.
الشعر موهبة ومشاعر وأحاسيس، يمتلكها الشاعر، فيصقل تلك الموهبة والمشاعر بكلمات، يقوم بصناعتها في القالب الذي في مخيّلة الشاعر؛ حتى تصبح الأغنية موزونة بكل أبعادها، سواء كانت من حيث الوزن أو الكلمة أو تتبع مجريات القصة أو الحادثة أو الموضع، فتارةً يتقمص شخصية ما، وتارة أخرى تنبثق تلك الكلمات والمشاعر من داخل قلب الشاعر نفسه.
كما أن للحن والموسيقى دورًا في منح القصيدة الرونق الجميل، والذوق الرفيع، فتكتمل الأغنية عندما يقوم الشاعر بانتقاء الكلمات، والاهتمام بالبيت، وببناء القصيدة كاملة، فيقوم الملحِّن بوضع اللحن لها فيزيدها جمالًا إلى جمالها؛ فاللحن والموسيقى بمثابة البهارات على القصيدة، فتنتشر في أوسع نطاق، ويؤديها الفنان؛ إذ له دور كبير في نشر تلك الأغنية ليحبّبها للجمهور والمستمع.
الشاعر ابن عمران استطاع أن يصقل الكلمة في البيت والقصيدة، والفنان محيور له دور كبير من خلال إبداعه في لحنها ونشرها؛ فقد شكَّل الاثنان الشاعر والفنان ثنائيًّا رائعًا من خلال عدد من الأغاني، ومنها أغنية (شلَّك السّيل).
1- الشاعر كرامة محمد بن عمران
الشاعر كرامة محمد كرامه بن عمران (ابوطلال) من مواليد مدينة عينات، شرقيَّ تريم، ولد سنة 1966م، وفيها نشأ وترعرع وعاش منذ نعومة أظفاره، وهو أب لسبعةٍ: أربعة ذكور وثلاث بنات، درس بمدرسة الأُخُوَّة الموحَّدة في ثمانينيات القرن الماضي، وفي المدارس الأهلية، وفي رباط تريم، ومعلاماتها، منها معلامة السيد المرحوم علوي البار والسيد أبي بكر الشاطري، عاش في كنف والده ورعايته، ثمَّ اشتغل بالتجارة مع والده. ارتبط ابن عمران بمدينة تريم ارتباطًا وثيقًا حتى انتقل إليها وعاش فيها، له علاقة وثيقة بالشعراء والفنانين، فمن الشعراء أمثال الشاعر محفوظ باحشوان، وعبدالقادر الكاف، وعلي سالم مسيعد، وسالم عبيد باحشوان، وأحمد فرج فقيهان، وسالم عبدن، وغيرهم كثير من شعراء وادي حضرموت وساحلها، له ديوان غير مطبوع بعنوان (زهور الرناد)، يضم أكثر من خمسين قصيدة، بين المُغَنَّى والملحَّن وغير المغنَّى، فهو شاعر يجيد الأغنية الحضرمية والدان الحضرمي، إضافة إلى شعر المدارة؛ حيث شارك في عددٍ من المطالع الشعبية، وهو عضو فرقة الحسير للدان، ثم التحق بفرقة الغناء للدان الحضرمي، وعضو اتحاد الأدباء، شاع سيطه في سماء الأغنية الحضرمية بعد أن أجاد كتابة الأغنية؛ إذ كان مبدعًا في رسم القصيدة وإخراجها في قوالب جميلة، إلى أن تصل للمستمع ([1])، ويذكر الشاعر من خلال لقاء معه في صحيفة عدن الغد علاقته بفن الشعر الملحَّن قائلًا: “كانت انطلاقتي الأولى مع الفنان سالم محيور، ولا زلت على تواصل مستمر معه، وأغلب ألحان كلماتي ملحنها الأستاذ سالم محيور، كما تعاملت مع كثير من الفنانين والملحِّنين، منهم الفنان الأستاذ حسن صالح باحشوان، و الفنان عمر الهدار، والفنان الملحّن أنور الحوثري، والفنان محمد العفاري، والفنان عارف فرج، والفنان عمر هادي، وحسين بامصري([2]).
2- الفنان سالم مبارك محيور
الفنان سالم مبارك محيور من مواليد مدينة عينات شرقيَّ مدينة تريم، ولد عام 1965م، وهو أبٌ لسبعةٍ: أربع بنات وثلاثة أولاد، تلقى تعليمه بعينات، حيث التحق بالمدرسة في عام 1975م حتى حصل على شهادة الثانوية، أحبَّ الفن وعشقه منذ الصغر، فقد تعلم العزفَ على العُود بمفرده ثمَّ بمساعدة بعض الأشخاص الذين لديهم معرفة بالعود والعزف عليه، إضافة إلى أنه كان إيقاعيًّا وفنانًا في رقصة الزربادي، كانت أولى مشاركاته في العيد المدرسي بعينات، في المرحلة الأساسية، كما كانت أُولى أغانية التي غنَّاها على المسرح للشاعر عبد القادر الكاف أغنية (حد شاف محبوبي)، وأول عود أهدي له كان في عام 1979م. شارك في خارج منطقته، وكانت أولى مشاركاته في تريم على مسرح الثانوية 1981م بأغنية (علب المجف) للشاعر سالم عبيد باحشوان وألحان سالم حسان، ثم اشتهر بعد ذلك في تريم، فأحيا أول حفلة زواج في عام 1982م، انضم لفرقه الغناء الموسيقية، وتعلم كثيرًا عن الموسيقى مع كوكبة من الفنانين وكبار عازفي المدينة، وشارك داخليًا مع فرق كثيرة بتريم، ثمَّ انضم إلى فرقة سيئون للموسيقى، ومن خلالها شارك في عددٍ من محافظات الوطن، كما شارك مع عدد من فناني الوادي خارج الوطن، كمشاركته بالأردن على هامش مهرجان جَرَش، وشارك مرتين في بريطانيا بمعية فرقة سيئون، وبعض الدول العربية، مثل الإمارات والكويت.
تربط الفنان محيور بالشاعر بن عمران رابطة مجتمع ومنطقة، فقد ارتبطا معًا بالفن ارتباطًا وثيقًا، ظهر جليًا أمام اعين الناس من خلال أعمالهما الفنية التي جمعتهما معًا. فشاعت شهرتهما في حضرموت واليمن ودول الخليج العربي، وكلامها من مواليد مدينة عينات، تلك المدينة التاريخية العريقة، وبما أن رابط الجوار والتقارب يؤثران دائمًا في العلاقات وبناء المواهب، ويصقلان في ما بعد المواهب، فالبيئة تؤثر تأثيرًا وثيقًا في إظهار الإبداعات والمواهب، فمراحل الطفولة بين ابن عمران ومحيور كوَّنت لنا إبداعًا في الكلمة واللحن ([3]).
3- بن عمران ومحيور والثنائي الرائع
بن عمران ومحيور والثنائي الرائع منذ الصغر، فقد ارتبط الشاعر والفنان بمرحلة الطفولة والمدرسة والمنطقة، تلك الصلة والقرابة بين هؤلاء المبدعين، والتي كونت ثنائيًا رائعًا في كثير من الأغاني بينهما، كان ذلك الثنائي قد رسم لوحة جميلة، ارتبطت ارتباط الغصن بالورقة، فتدلَّتْ منها زهور تتغنى عليها العصافير، فظهر ذلك اللحن الشجي من عصافير رفرفت على أغصان البساتين.
لم نستطيع سرد كل الأغاني بين الشاعر والفنان، فهناك أغانٍ كثيرة مجموعة بديوان (عصافير الرناد)، وهو تحت الطبع، يحمل في طيَّاته كل أغاني الشاعر بن عمران، منها ما جمعه ثنائي بمحيور، وأخرى غنائية تغنَّى بها فنانون آخرون.
لعل من أشهر تلك الأغاني التي تغنَّى بها الفنان الرائع محيور، وهي من كلمات الشاعر بن عمران (ترى مانت على العادة – وشاف جم في نفسه – وشلك السيل شل).
أغنية (ترى مانت على العادة) يعاتب بن عمران فيها معشوقه بقوله:
ترى مانت على العادة
ولا هو هكذا نعتاد
لقانا حب وسعادة
وتشهد بالوفاء اسعاد
ولا اتصور يجيني يوم
تقابلني نكد وهموم
والقى الخل واقف لي بمرصاده
ترى ما انت على العادة
***
لما يازين يا نور العين
تواعدني وتهجرني وتخلف ليه في وعدك
وحبك فين ولطفك وين
وعارف انني حبك ولا أقدر على بعدك
ولا اتصور يجيني يوم تقابلني نكد وهموم
والقى الخل واقف لي بمرصاده
ترى مانت على العادة
مضت أيام نغم واللحان
***
عشناها انا وانت حبيبي في ربى حبك
مع الاحلام بحب وحنان
ونتمنى حبيبي حبنا يكبر وانا قربك
ولا اتصور يجيني يوم
تقابلني نكد وهموم
والقى الخل واقف لي بمرصاده
ترى مانت على العادة
***
أنا مذبوح الى من بوح
تحير عقلي الزاكي لأنه طال جم صدك
وانته الروح دواء المجروح
وحبك في شراييني وقلبي دقته باسمك
ولا اتصور يجيني يوم تقابلني نكد وهموم
والقى الخل واقف لي بمرصاده
ترى مانت على العادة
***
سطّرتْ كلمات هذه الأغنية شهرة واسعة لابن عمران ولاقت شعبية واسعة، فكلماتها المرهفة جعلتها رائعة من روائع هذا الثنائي: بن عمران ومحيور، ثم تغنى الكثير من الفنانين من بعده لتنال شهرتها حتى صارت أغنية هذه الأغنية (ترى مانت على العادة) أشهر من صاحبها بن عمران.
كما اشتهرت أيضًا كثير من الأغاني، التي كانت من ثنائيات أبناء عينات العريقة، وكأنهم ينحتون على الصخر لبزوغ إبداع جديد، يتحدث عنه المثقفون والمبدعون من بعدهم.
لم يكتفِ بن عمران ومحيور، فمن حينٍ لآخر يخط شاعرنا كلماتِه ويضع لمساته الرائعة في قصيدة جديدة، وكانت أغنية (شاف جم في نفسه) من الأغاني التي كان صداها واضحًا، وتردَّدت على السنة الكثير؛ إذْ رسّخ بن عمران الكثير من الكلمات، ووظفها في العتاب مرة أخرى، فهو يخاطب معشوقه بنبرة العتاب، وهذه الأغنية قد لحَّنها مع بن عمران الفنان محيور وقام بأدائها واستطاع أن يؤديها بكل إحساس ورقَّة وعزفٍ مطلوب، وكانت كلماتُ هذه الأغنية تأتي متسلسلة منساقة.
شافنا حبه ومتلاطف معه شاف جم في نفسه
شافنا لا قد تكلم اسمعه شاف جم في نفسه
عاده الازاد وطاول على حاسب اننا لي عرفته لولي
واختبرت الحب في شمه وظله
شاف جم في نفسه
***
له مهدت الأرض نورت الطريق
وانتشلته بعد ما كانه غريق
يا اسف ما كان في وعده وفي عكر المعيان والنهر الصفي
ناكر المعروف ما يجملك أصله
شاف جم في نفسه
***
ليش له بالكبر هذا والغرور
عاده الا في البداية بايدور
الحيل والكذب ما تمشي معي بان لي غدره واصبح لي جلي
وانكشف امره لنا من قبل حله
شاف جم في نفسه
***
سر على مهلك قلوله ياعنيد
لا يظن انه في الدنيا سعيد
بإيجي له يوم قلبه يصطلي فيه بايندم ويفقد كل شي
من رفع راسه الزمن لازم يذله
شاف جم في نفسه
***
4- أغنية (شلك السيل):
تعد أغنية (شلّك السيل) من الأغاني الحضرمية الجديدة، التي شاع سيطُها، وانتشرت في أوسع نطاق؛ فقد غنَّاها غالبُ الفنانين، وأحبها الجمهور، وهذا يعود إلى كلماتها الجميلة وسهولتها وعذوبتها وسلاستها، إضافة إلى اللحن الرائع والمميز الذي منحها خاصية القبول لتنتشر بسرعة، فعندما تجتمع الكلمة مع اللحن في قالب فريد يسهم ذلك في ذيوع الأغاني وانتشارها، فتصبح محل إعجاب وإبهار الجميع.
4-1- قصيدة (شلك السيل):
لم يترك الشاعر معشوقه، حتى أطلق رائعته، التي أخذت طابع العتاب للمعشوق، وقد يكون بن عمران قد تقمَّص شخصية المحب، ولكنه استطاع أن يحيك تلك الكلمات في القالب المطلوب، واستطاع أن ينبش لنا الكلمات من التراث الشعبي والامثال الشعبية، حتى تتحول إلى أغنية يرددها أهل الفن والذوق على كل لسان. هذه القصيدة نالت من الشهرة ما لم تنله الكثير من الأغاني، وهي حديثنا في هذا الموضوع.
(شلك السيل) وهي كلمة من التراث، وتطلق على الشخص الذي فاته شيء ما. بدأ بها الشاعر يخاطب معشوقه بقوله: (انتهى كل شي)، والسبب هو قطع خلك ورفيقك وصديق عمرك حيث أصبحت (وسط عين المسيلة) وهو المكان الذي ينفى فيه الانسان المنبوذ والمكروه، وعين المسيلة كلمه شعبية أو مثل شعبي يقال عند ما يكون الآخر يريد بخصمه في مكان بعيد، والمسيلة مكان اجتماع مياه السيول. ثم يتحول شاعرنا إلى وصف حبيبه بقوله: (يا حبيبي وروحي والمنى والأماني)، واعتبر حبيبه ومعشوقه قد نقض العهد، فهو ليس بالمتحكم في مشاعره، وأن هناك من دلوه([4]) على الشور ليضعوه في عين المسيلة، الشاعر يتألم بعدها ألم الأيام والليالي التي مضاها مع معشوقه وحبيبه؛ إذ أحس أنه باعه وباع حبه في ثوانٍ، وأن الحب لديه كان مجرَّد مصلحة فقط لا غير فإذا حصل عليها سرعان ما يترك حبيبه لانقضائها، من أجل أن يُعرِّف الشاعر معشوقه أنه خاطئ، وأن كل ما يقوم به من أفعال تعد أفعالًا ساذجة وسخيفة، وقد يكون هناك من يغريه بها، بعدها حوَّل الشاعر لهجته ليتحول الخطاب إلى خطاب قوي ورسالة واضحة وجهها إلى المحبوب، وقد يكون هذا البيت هو ملخَّص القصيدة ولُبُّ الكلام الذي قاله حين قال: (عافك القلب ملّك)، عافك ويقصد به في المصطلح الحضرمي الترك والبعد عن الشيء، أي: ملّك، وقد تأتي بمعنى: ملّك من الملالة والسآمة، ويقصد بها عدم الرغبة أو البعد عنه، أي إن (عافك – وملَّك) من المترادفات، فهما متقاربتا المعنى والدلالة وتدلان على قوة قول الشاعر إن المحبوب انتهى ولا مكانة له في قلبه، فهو لا يستطيع أن يخاطبه ولا حتى العيش معه. يختتم الشاعر هذه الأغنية بمخاطبة المعشوق أو المحبوب، سواءً كان المحبوب حقيقيًا أو متقمّصًا شخصية ما له، فختامها الذكريات الجميلة، التي كانوا عاشوها معًا، فكل علاقة لابد أن تنتهي، فتبقى الذكريات تسود الأيام والليالي، فشاعرنا ختمها بالذكريات الجميلة مع الحسرة والندم، حتى وإن كان قد أنهى تلك العلاقة قبلُ، والقصيدة من روائع الشاعر بن عمران وإيداعه، وألحان الفنان محيور.
قصيدة شلك السيل:
شلك السيل شلك بعد ما قطعت خلك
وانته ما هو محلك وسط عين المسيلة
ضاع اصلك وفصلك شلك السيل شلك
****
ياحبيبي وروحي والمنى والاماني
انت بهجة فوادي لك محل في كياني
اش خلاك تغتر تنقض العهد الثاني
من عا لشور دلك شلك السيل دلك
****
من يصدق بانك بعتنا في ثواني
وانت حبك مجرد مصلحة يا اناني
حسبك الله حسبك صرت تقصد هواني
خل زمانك يذلك شلك السيل شلك
****
انت سيبت نفسك للحسد والشواني
انت خليت اسمك بين قاصي وداني
ما سمعت النصيحة قلت دعني وشأني
عافك القلب ملك شلك السيل شلك
****
تذكر أيام حبك والصفاء والتداني
والليالي الجميلة والطرب والمغاني
كل هذا رميته صرت عا لحب جاني
اه يا خس مسلك شلك السيل شلك
****
4-2- اللحن في أغنية شلك السيل
الألحان جمع لحن، بمعنى ترجيع الصوت أثناء الغناء، وذكر اللحن في الموسيقى غالبًا بمعنى عام هو النغمة والغناء الجميل والموزون، وقد ذكر اللحن في الرسائل الموسيقية في القرون الإسلامية الوسطى بمعنى عام بمعنى الغناء أو النغمة في الغالب، ويرى الفارابي أن اللحن جماعة نغم مختلفة، ذات ترتيب معين، أو جماعة نغم أُلّـفَـتْ تأليفًا محدودًا، وقُـرِنَتْ بها الحروف التي تركب منها الألفاظ الدالة، المنظومة على مجرى العادة في الدلالة ([5])، واللحن سلسلة من الأصوات المتناغمة والمدمجة بشكل إيقاعي، ويختلف اللحن عن مجموعة بسيطة من النغمات في اكتمال البيان الموسيقي وكمال المنعطف اللحني، أمَّا من الناحية الهيكلية فيتكون اللحن من عدة عناصر، هي: طبقة الصوت، وهو (مزيج من مجموعة معينة من الأصوات في أغلب الأحيان)، والنطاق وهو (المسافة بين النغمات الأدنى والأعلى)، وكفاف وهو (شكل سلسلة من العناصر اللحنية العبارات، الأقواس)، والفواصل الزمنية و(تقاس بنصف النغمات المسافة إلى النغمة الأولى في مفتاح معين منشط)([6]). واللحن موهبة مثل المواهب الأخرى، واللحن في مفهومه الشعبي مجموعة أنغام ذات اهتزاز صوتي تصاعدي أو تنازلي، يبدعه المغنّي الشعبي، أو مُمتهن أي مهنة من أي مقام، حسب حالته النفسية، ثم يبني عليه بعض الكلمات حسب نوعية المهنة والحالة الشعورية، وقد تطور اللحن حتى صار نغمًا متواترًا، يضعُه كل ملحِّنٍ موهوبٍ لكلمات شعرية، يترجمُ به معاني الكلام؛ ليقبل التطوير الموسيقي حسب متطلبات العرض ([7]).
واللحن في أغنية (شلك السيل) من مقام الرست، وقد استخدم الملحن أسلوب الكوبليهات؛ إذ يتكون اللحن من كوبليهين؛ حيث جعل اللحن في المقطع الأول من القصيدة مستقلًا عن اللحن في بقية المقاطع الأخرى؛ وذلك تماشيًا وتناغمًا مع بناء القصيدة، إذ إن الشاعر قد جعل البيت أو المقطع الأول من القصيدة منفردًا من حيث عدد فصوله، وكذلك من حيث حرف الروي، وقد صاغ الملحن للقصيدة لحنًا متناسبًا مع مضمونها؛ إذ جاء اللحن مُترجِمًا لتعابير الكلمات، فتجد في اللحن تعبيرًا عن التأنيب والعتاب تارة، وتارة أخرى عن الندم والخذلان، وذلك ما تحكيه أبيات القصيدة ([8]).
الخاتمة
الشعر والشعراء عنصران يأتيان في قائمة الإبداع والمبدعين منذُ العصر الجاهلي، واستمر ذلك حتى العصور الإسلامية، ثم إلى زمننا هذا. وبن عمران أحد هؤلاء الشعراء المميزين، ولعـل أظهر الأدلة على ذلك ما سردناه في هذه الأغنية، التي لاقت استحسان جمهوره وتشكيله الثنائي الرائع مع محيور، جعلهما في صدارة الشعراء والفنانين، وهو صورة من فنيَّة هذا الثنائي، التي تحتاج إلى المزيد من التحليل والكتابة، سواء كان في الكلمة أو اللحن أو الأداء أو صياغة القصيدة أو حكاية الأغنية. والقصيدة (شلك السيل) جميلة وسلسة وبسيطة وسهلة من خلال كلماتها ومطلعها، الذي هو من التراث الحضرمي والأمثال الشعبية، كما أن وجود كلمات داخل القصيدة تحمل معاني ودلالات قد جعلها من أفضل الأغاني المنتشرة، إضافة إلى تركيب اللحن الذي أضاف للأغنية جمالًا وتميزًا. وقد تحدثنا عن الشاعر بن عمران وسيرته ونماذج من قصائده، إضافة إلى سيرة الفنان محيور الفنية، وسردنا الثنائي الرائع بين الشاعر بن عمران والفنان محيور من خلال عدد من الأغاني، إضافة إلى سرد لأغنية (شلك السيل)، وبيان موجز لأبياتها الشعرية، واللحن في الأغنية. وهو قليل من كثير.
أحمد كرامة صالح باحمالة .. رئيس مؤسسة الرناد للتنمية الثقافية .. باحث بمركز الرناد للتراث والآثار والعمارة
[1]) مقابلة شخصية مع الشاعر كرامه محمد بن عمران.
[2]) حوار في صحيفة عدن الغد أجراه حسن علوي الكاف في 19/نوفمبر/2020م.
[3]) مقابلة شخصية مع الفنان والملحن سالم مبارك محيور.
[4]) دلوه، أي: وصفوه ويقصد بدلوه، أي رسموا له المسار.
[5]) اسعدي, تومسان, الألحان, مركز دائرة المعارف الاسلامية الكبرى, مقال نشر سنة2019م.
[6]) مقال بعنوان انواع الالحان في مدونة (Amped studio) عام 2021م.
[7]) مقابلة شخصية مع الإعلامي والملحن أنور سعيد الحوثري، من مواليد حضرموت عام 1962م.
[8]) مقابلة شخصية مع الشاعر والملحن والمطرب شادي محمد بن جابر بن همام، من مواليد غيل باوزير عام 1992م، مدير مكتب الثقافة بغيل باوزير.