كتابات
سليمان مطران
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 32 .. ص 110
رابط العدد 32 : اضغط هنا
لم تعد مدينة شبام التاريخية – حضرموت الوادي- تلك التي تتراءى للناظرين من بعيد كأن على رأسها كُتَلًا من الثلج، وصفٌ يقوله الباحث الأديب/ عبدالقادر محمد الصبان -رحمه الله- (1921- 1999م)، يحب أن يوقِر به شبام حضرموت وتقُر به أعين الزائيرين، أما أحد البريطانيين فشبَّهها بكعكةٍ وُضِع فوقها السكر.
“لم تعُد”!.. لأن مركز حضرموت للدراسات التاريخية والتوثيق والنشر قد زادها وقارًا وقت أن زيَّن كلَّ شبام من رأسها إلى أساسها بتاجٍ من تيجان ملوك حضرموت، ممن ازدهرت في عهدهم الحركة التجارية، بتنظيمه الندوة العلمية (شبام في عهد ازدهارها التجاري).
لا شك في أن ذاك الأحد “يوم الندوة” لم يكن يومًا عادِيًّا في حياة الشبامي العادي، فما بالكم بمَنْ خرج من صُلبها من أكاديميين، وأدباء، ومثقَّفين، وتجار، وحِرفِيّين (رجالًا ونساءً) لا نفرِّق بينهم في العلم والتجارة.
يومٌ غير عادي لمْ تصنعْه الصُدَف، بل صنعه الشباميون أنفسُهم، صنعه الحِسُّ والفكر التجاري لرجالات شبام، صنعتْه الأمانة، الصِّدقُ، الوَرَعُ في إخراج زكاة الأموال والصدقات، والتيسير في أعمال الخير، وتعاملهم مع البيع والشراء.
تُجَّار شبام وعائلاتهم لم يستسلموا لظروف الحياة ومآسي المجاعة (1362 إلى حوالي 1370هـ)، وإنَّما اتخذوا من قول الله تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) [الملك:15] منهجًا ومنهاجًا قطعوا الفيافي والقفار والوديان، وركبوا البحار رجالًا تارةً ورُكبانًا تارة أخرى بحثًا عن البلد الحلال والقرش الحلال واللقمة الحلال، فحقَّقوا مجدًا تجاريًّا، بلغ آفاق الأقطار وسمعة لا تشوبها شوائب الزمان والمكان أيَّما اتجاه اتجهوا نحوه، تسبقهم سمعتهم وأمانتهم، وذاك هو ديدن كل حضرمي أينما حل أو ارتحل.
فالمخلوق السَّوِيُّ لا ينكر أن تُجّار شبام لهم أيادٍ بيضاء جميلاتٍ بالخير كغيرهم من تجار حضرموت، غير أن لهجرة الرأسمال الوطني أسبابها المباشرة في تردي الاوضاع الاقتصادية، وقسوة الحياة المعيشية في حضرموت، ولعل جنوب شرق آسيا وشرقي أفريقيا شاهدة على ما بلغه هؤلاء التجار من مراكز مرموقة، لا تخطئها إشارة البنان ونظرات الإعجاب والمباركة في عالم المال والأعمال والتجارة.
هي نظرة (يمامية) من مركز حضرموت للدراسات التاريخية والتوثيق والنشر بكوادره الأكاديمية والعملية، ولعله قد استشرفها وفتح أمام القرار الرسمي والغُرَف التجارية في حضرموت خاصة واليمن عامة، وكذلك منظمات المجتمع المدني آفاقًا من سرعة التفكير الإيجابي في إبراز أهمية الربط والمواءمة بين أضلاع المثلث (العلمي، والتجاري، والتراثي).
إنَّ المشرِّع للفكر التجاري بمدينة شبام قد أظهر اهتمامًا لما يهدف إليه مركز الدراسات من تنظيمه الفعالية التجارية (شبام في عهد ازدهارها التجاري).
برز من خلالها تلاقح أطروحات الندوة العلمية مع الفعاليات التراثية، وعرض المنتوجات التراثية الشعبية، وهو “التلاقح” الذي ينشده المنظمون من خلال قوة التوصيات وواقعيتها، التي خرجت بها الندوة، وهي رسالة لمن يهمهم الأمر ويعنيهم إعلان (بداية الندوة لا نهايتها).