تاريخ
محمد علوي باهارون
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 2 .. ص 88
رابط العدد 2 : اضغط هنا
حظيت حضرموت وتراثها الحضاري باهتمام العديد من الباحثين الغرب في القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين، وذلك لما تشكله من أهمية علمية وحضارية.
وعرفت حضرموت بتراثها البحري المجيد الحافل بالمعارف البحرية والعادات والتقاليد والرقصات الفلكلورية وغناء الصيادين، ونبغ فيها العديد من الربابنة والبحارة الأفذاذ الذين كانوا عمادا للتجارة البحرية العالمية، وقد تربع الحضارمة على عرش تجارة المحيط الهندي ردحاً من الزمن. كتب عنهم المستشرق وليم كلارنس – سميث قائلا : ( كانت كثير من السفن الشراعية التي تجوب المحيط الهندي والبحر الأحمر ربابنتها حضارم، وقد قاموا في منتصف القرن التاسع عشر بالسيطرة على التجارة الساحلية بين جدة والسويس، وكوّن عدد منهم ثروات كبيرة في هذا العمل، واحتفظ الحضارمة بتسيدهم على الملاحة الشراعية حتى الحرب العالمية الأولى على أقل تقدير). (۱)
وقد نظر أولئك الباحثون الغرب إلى حضرموت بنظرات التحفز والاندهاش لما تحويه من كنوز المعرفة وذخائر التراكم الثقافي المجهول لديهم وأكثر ما يثير الدهشة والإعجاب في آن واحد احتفاظ محافظة حضرموت باسمها التاريخي عبر القرون وظل يفوح بعبق تاريخها التليد رغم متغيرات الزمن ومتأثرات الواقع . (۲) وقد أسهم الباحثون الحضارمة من أكاديميين وغيرهم في تسهيل السبل لأولئك الباحثين الأجانب في دراسة تراث حضرموت البحري والشعبي ولعل في مقدمتهم الأستاذ المؤرخ محمد عبد القادر بامطرف والأستاذ المؤرخ عبد الرحمن عبد الكريم الملاحي رحمهما الله تعالى، وقد تحدث الملاحي عن مرافقته لأولئك الباحثين رغم نفور كثير من الباحثين منهم لأنهم يكسبون مزيداً من المعرفة دون العطاء فهم لا يتحمسون لمقابلتهم ولكنه كان يرى غير ذلك، وأن مساعدة أولئك الباحثين هي خدمة وطنية يقدمها لبلده وذلك من خلال تعريف ذلك الأجنبي القادم بحقيقة تاريخنا وتراثنا شبه المجهول ليطلع العالم الخارجي عليه لأن إمكانات النشر ـ والتبليغ لديهم أكثر منا، وكذلك الاستفادة من خبرة أولئك الباحثين في أساليب البحث والدراسة في تاريخ الشعوب وأهمية بحث الواقع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، وثمة فائدة أخرى هي معرفة وجهة نظر الباحث ورؤياه عن حضرموت وتصحيح معلوماتهم الخاطئة التي وجدت عند معظمهم من خلال قراءتهم لباحثين سبق لهم زيارة حضرموت أو كتبوا عنها سماعاً، واكتشف أن الصورة التي يحملونها عن حضرموت مهزوزة مبقعة الألوان فيحاول إعادة رسم الصورة الجميلة في ذهنه ودحض ما ارتسم عنده من معلومات مشوهة، حتى أن الباحث منهم ليفاجأ بالتميز الاجتماعي والتراث الثقافي الذي تزخر به حضرموت ومجتمعها عن مجتمعات عدد من البلدان العربية التي زارها أو قرأ عنها. (۳) وفي هذه الورقة البحثية نحاول إعطاء القارئ لمحة يسيرة عن ذلك الاهتمام العلمي من قبل الباحثين الأجانب من شتى بلدان العالم الأوربي، وأثرهم البارز في دراسة التراث الملاحي البحري الحضرمي الغني بالخبرة الفنية والدراية المعرفية لقرون خلت. ويبرز ذلك الاهتمام في دراسة المعارف البحرية والفلكية والعادات والتقاليد والغناء البحري وصناعة السفن الشراعية والهجرة والتجارة البحرية عند الحضارمة عبر القرون.
أولا: المعارف البحرية والفلكية:
برز من بين الملاحين الحضارمة الملاح المعلم الحكم الشيخ سليمان بن أحمد المهري المتوفى حدود سنة ٩٦٢هـ هذا الملاح المتميز الذي خلد اسمه في أسفاره البحرية التي وجدت في المكتبة الوطنية في باريس بفرنسا تحت رقم (٢٥٥٩) وهناك سؤال يبرز كيف انتقلت تلك المؤلفات المخطوطة بالعربية إلى تلك البلدان الأوربية؟ ولعلنا نجيب عن بعض ذلك التساؤل وهو أن حضرموت عاشت فترات في مجاعات وحروب واضطهاد مما اضطر الكثير من الأسر العلمية إلى بيع مقتنيات أجدادهم العلماء من مخطوطة وكتب بطباعة حجرية، وقد وجد المستشرقون فرصة في ذلك فنقلوا من مكتبات حضرموت عشرات المخطوطات التي تقبع اليوم في رفوف مكتبات بريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها بالإضافة إلى التقلبات السياسية التي شهدتها حضرموت حيث نقلت في إثرها العشرات من الكتب وبيعت بأسعار زهيدة
وبعضها حفظ في مكتبات جنوب شرق آسيا.
ولعل من أولئك الباحثين الغرب الذين ساهموا في دراسة ذلك التراث العلمي المستشرق الفرنسي جبريل فيران (ت ١٩٣٥م) عندما عثر عام ۱۹۱۲م على مؤلفات سليمان المهري مع زميله الملاح أحمد بن ماجد في المكتبة القومية بباريس وقام بدراستها في كتابه (المرشد البحري لفاسكو ديجاما)، ويعد الرائد الأول العربي من بين الباحثين الغربيين الذين اهتموا بدراسة فن الملاحة والجغرافية عند العرب واليه يعود الفضل في إدخال اسم سليمان المهري وابن ماجد والثقافة البحرية عند العرب إلى الأوساط العلمية الغربية ، وعنه اقتبس من اهتم بعده بدراسة هذا الجانب من الثقافة العربية كثيرا من التفاسير المصطلحات البحرية العربية . وقد نشر مؤلفات سليمان المهري مخطوطة عام ١٩٢٥م في الجزء الثاني من موسـوعته الإرشادات والطرق البحرية عند العرب والبرتغاليين في القرنين الخامس والسادس عشر وهي: العمدة المهرية في ضبط العلوم البحرية، والمنهاج الفاخر في علم البحر الزاخر وتحفة الفحول في تمهيد الأصول ، وشرح تحفة الفحول في أصول علم البحر. (٤) وقبل فيران قام عالم تركي وهو الربان سيدي علي حسين الذي اطلع على مصنفات ابن ماجد وسليمان المهري وهو أول من أشار السليمان المهري بأنه من عرب الشحر بحضرموت، وقد تحدث عنهما في كتابه المحيط بإعجاب وتقدير شديدين مشيداً بعلمهما وتفوقهما في فنون الملاحة وعلوم البحار والفلك، وكشف عن جهودهما العلمية ويقول في مقدمة كتابه ما ترجمته: (في عام ١٥٥٤م أقمت خمسة شهور في مدينة البصرة حيث بدأت الرياح الموسمية ثم أقلعت إلى الهند ، ودامت هذه الرحلة ثمانية شهور ولم أترك فيها فرصة تمر دون أن أشغل نفسي في الحديث بأمور الملاحة مع بحارة الساحل ، وكذلك جمعت الكتب التي ألفها البحارة المحدثون أمثال أحمد بن ماجد من جلفار (تعرف الآن برأس الخيمة ) وسليمان المهري من أهالي الشحر من عرب الجنوب، مثل كتاب (الفوائد) وكتاب (الحاوية) لابن ماجد، ومثل کتاب (تحفة الفحول) وكتاب (المنهاج الفاخر في علم البحر الزاخر) وكتاب (قلادة الشموس ) السليمان المهري وتعمقت في دراستها كلها إن الملاحة بدون هذه الكتب جد متعذرة ووجدت من اللازم نقلها إلى اللغة التركية في كتاب يكون دليلاً للربابنة الذين تهمهم معرفة هذه الأمور، وقد انتهت ترجمتي لهذه الأسفار العربية بمعونة الله القدير جل شأنه، وقد حوى كتابي هذا أشياء مفيدة غريبة كثيرة تتعلق بالملاحة وسميته “المحيط “).(٥) وقد قام المستشرق البريطاني هارمر في الثلاثينيات من القرن التاسع عشر بترجمة كتاب المحيط في علم الأفلاك والأبحر من التركية إلى الإنجليزية معرفاً العالم بفنون الملاحة وتطور العلوم البحرية عند العرب في القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين. (٦).
ثانيا: العادات والتقاليد البحرية وصناعة السفن الشراعية:
وفي عام ۱۹۷۲م نشر الأستاذ المؤرخ محمد عبد القادر بامطرف (۱۹۱٥-۱۹۸۸م) کتابه الرفيق النافع على دروب منظومتي الملاح باطايع) وهو شرح لمنظومتين إرشاديتين للربان الحضرمي الشهير سعيد بن سالم اطايع (١٧٦٦-١٨٥٦م) في وصف الطريقين البحريين من سيحوت إلى زنجبار ومن مسقط إلى المخا ، وقد أثار ذلك الكتاب انتباه العديد من الباحثين الأجانب في الالتفات إلى دراسة تراث حضرموت البحري ولعل من أوائلهم البروفسور روبرت سارجنت الذي كان زميلاً لبامطرف حيث كانا يعملان معاً في الاستشارية البريطانية، ثم عمل أستاذاً للثقافة العربية في جامعة كامبردج ببريطانيا، وقد كان مهتما بالتاريخ والتراث الحضرمي ومتابعاً لصديقه بامطرف عندما كان يقوم بتجميع مادة الكتاب ولما انتهى منه عرض عليه أن يقدمه إلى مركز أبحاث الشرق الأوسط بجامعة كامبردج لطباعته وأن يترجمه باللغة الانجليزية ويصدر باللغتين العربية والانجليزية باسميهما ولكن – كما يقول الأستاذ بامطرف نفسه – لم يتم شيء في هذا المجال.
ولكن الأستاذ بامطرف – رحمه الله – لم يبخل على صديقه المذكور من الاستفادة بمنظومتي باطايع وشرحه المذكور عليها فقد كان يطلعه عليه بين حين وآخر، ولما عزم على المشاركة في المؤتمر البحري الذي عقد في روما عام ١٩٦٥ م، جعله مرجعاً أساسياً له، وقد كانت بعض الرباعيات من منظومتي باطابع مثار إعجاب المهتمين بالتراث الإنساني في ذلك المؤتمر البحري. (٧) وتحدث في تلك المشاركة عن السفينة الشراعية الحضرمية مستعرضاً بعضاً من منظومتي الملاح باطايع الإرشاديتين. (۸).
وقد قام الدكتور سارجنت المذكور بكتابة دراسة مقارنة بين نص بامطرف الذي أورده في الرفيق النافع وبين نص مخطوطة تحصل عليها في ميناء الحامي عند زيارته له عام ١٩٦٤م زوده بها النوخذة عوض مبارك بقرف، وقد كتب تلك الدراسة عام ١٩٨٢م تحت عنوان ( من حضرموت إلى زنجبار قصيدة مرشد السـفينة النوخذة سعيد باطايع “الحامي” ) قدمها لجامعة كامبردج بلندن قال فيها: زودت” بهذه النصوص من قبل صديقي الشيخ محمد عبد القادر بامطرف ثم تمكنت فيما بعد في طلب المشـورة والاستعانة بنص أفضل مع عوض مبارك بقرف من أهل الحامي حيث ناقشت وعرضت النص مع العديد من النواخذة أخيراً في مدينة المكلا في منزل بامطرف ثم التعليق وأخذ الآراء على القصائد من قبل النواخذة مثل كرامة بن مبارك باحميش من سيحوت والنوخذة عبد الله بن ناصر بن الأسد من حصوين والشيخ علي جابر مسؤول في ميناء المكلا والشيخ علي بن أبوبكر بامعيبد من الشحر والشيخ عمر عبد الله الكسادي من الحامي ، والنوخذة سالم عوض الشقري من الديس الشرقية. وبالتالي قام بامطرف بإجراء بعض الاستفسارات الإضافية في الحامي وتم نشر القصيدتين كادراسة في التراث اليمني في عام ١٩٧٧م. بالرغم من الادعاء بأنها محلية إلا أنه غير مناسب إلى حد ما، فقصيدة باطابع في الحقيقة تعود أو تنتمي إلى أصل شائع من التراث البحري للخليج الفارسي وعمان وأماكن أخرى”.(٩) كما كتب سارجنت دراسة عن مينائي عدن والشحر في القرون الوسطى ألقيت في ندوة حول التاريخ البحري في بروكسل عام ١٩٧٤م، وكتب دراسة عن طقوس الصيد في جنوب الجزيرة العربية. ودراسة عن القانون العرفي بين صيادي الشحر نشرها في دار الكتب والدراسات للشرق الأوسط ، لندن ۱۹۸۰م. وبقي سارجنت يراسل صديقه بامطرف وهو ببريطانيا في كل ما يستجد له من أمور بحثية ومنها تلك الرسالة التي قدم له فيها مجموعة من الأسئلة عن العادات والتقاليد البحرية لدى أرباب السفن الشراعية في جنوب الجزيرة العربية، مثل السنجرة وتحية الموانئ وعمل الدلال في الميناء وتقسيم ربع السفينة وعدد طاقمها ومسؤولياتهم وكيفية استئجارهم وقانون الجدوح والغرق ورمي المال في البحر وغيرها من العادات المتبعة، وهي مطبوعة بالاستنسل في ٩ صفحات كتبت عليها تعليقات بخط بامطرف وكتب في رأس أول صفحة منها ما يلي: “هذه إجابات على أسئلة قدمها لي الدكتور روبرت سارجنت في إحدى رسائله إلي، وقد استقيت مادة الإجابات من عدد من الملاحين البحريين الحضارمة الموثوق بهم. ورسالة الدكتور سارجنت موجودة عندي وهي باللغة الانجليزية (١٠) ومنذ مطلع التسعينات الميلادية من القرن المنصرم وقد إلى حضرموت العديد من الباحثين الأجانب للاستفادة من تراثها البحري والشعبي من أبرزهم:
الباحث الأمريكي ادوارد برادوس:
كتب ما يقارب خمسين موضوعاً عن التراث البحري الحضرمي عن العادات والتقاليد وصناعة السفن الخشبية مابين مقال وبحث، وقد نال الماجستير من نيويورك في أساليب صناعة السفن والمراكب الخشبية تحصل على معظم معلومات تلك الرسالة من ميناء الحامي عندما زارها عام ١٩٩٤م، حيث مكث بها قرابة الأسبوعين يذهب كل يوم مع أعضاء فرقة اليمن للفنون البحرية والشعبية وهم فرج محفوظ أمان وعوض محفوظ أمان ويصطحبونه معهم إلى سفينتهم الصغيرة التي أحضروها وصانوها لتكون تراثاً تذكارياً وشرحوا له جميع أجزائها من الهيراب إلى الشتري وهو يدون كل معلومة دقيقة في مذكراته ومكث ضيفاً عند آل أمان خلال الأسبوعين، ومازال يذكرهم ويذكر فضلهم عليه إلى اليوم. (١١) .
وقد كتب مقالاً بالاشتراك مع صديقه ديفيد بعنوان (الحامي قرية صحراوية تحفظ ماضيها البحري) نشره في مجلة التاريخ البحري الأمريكية ، صيف عام ١٩٩٩ م يقول فيه: تمثل مدينة الحامي ثورة المعرفة والخبرة الملاحيتين للجزيرة العربية. فعلى مسافة تبدو مدينة الحامي واحدة من التجمعات العربية الفقيرة المعتمدة على الصيد، ولكن عندما غادرناها وتلاشت أمام أعيننا أدركنا أنها كانت قرية ذات مكانة خاصة في تاريخ العرب . (۱۲) وفي عام ٢٠٠٨م ألقى الباحث ادوارد محاضرة ضمن ندوة مرور مائتي عام على منظومتي الملاح باطايع عقدتها جمعية التراث بالحامي تحدث فيها عن جهوده في الحفاظ على السفن والقوارب الخشبية بحضرموت وصيانتها وأنه تراث مجيد ، ولكنه بكل أسف لم يلق أي اهتمام من السلطة المحلية وذهبت جهوده أدراج الرياح وقد كثر تردده على ميناء الحامي واهتمامه في توثيق تراثها البحري.
الباحث الفرنسي ميشل نيتو:
باحث وأمين مكتبة المعهد الفرنسي للدراسات الاثارية بدمشق، قام بتقديم بحث في منظومتي باطايع الإرشادية لنيل دبلوم الدراسات المعمقة في اللغة العربية بعنوان القصائد الملاحية لسعيد بن سالم باطايع تحت إشراف البروفسور جان – كلود جارسيان ، وتم الدفاع عنه في يونيو ١٩٩٥م في جامعة اكس ان بروفنس (مرسيليا)، وقد قام بترجمة المنظومتين من العربية إلى الفرنسية، وتعيين أسماء الأماكن بالإحداثيات الجغرافية وتحديد المسافات كما شرح المصطلحات والمفردات البحرية معتمداً على القواميس البحرية العربية والأجنبية وأفاد في تلك الدراسة بأن باطايع كان من أبرز بحارة عصره، وأن منظومتيه الملاحيتين رغم أنهما تعودان إلى بداية القرن التاسع عشر الميلادي لكن مضامينهما وتقاليدهما الملاحية تعود إلى القرن الخامس عشر الميلادي، كما أن هاتين المنظومتين ضمت كل المعلومات اللازمة للبحار في الفلك والمواسم والرياح وغيرها. (١٣).
زار الباحث المذكور حضرموت في عام ۲۰۰۲م لغرض استكمال أبحاثه عن الملاحة البحرية، وقد التقى بالأستاذ عبد الرحمن الملاحي ليرشده إلى ما كان يرمي إليه من إقامة رحلة بحرية على سفينة شراعية من الحامي إلى زنجبار على غرار رحلة الملاح الحضرمي باطايع. وقد حدثني الأستاذ الملاحي رحمه الله : بأنه كان مصمما على تلك الرحلة، وقد شرحت له هبوب الرياح واتجاهاتها في طريق السواحل الأفريقية، وقد جاء في شهر فبراير فأرشدته أن يقوم بها في شهر يوليو وأغسطس لكون الرياح مواتيه ولكنه لم يتمكن من إقامة تلك الرحلة لعدم توافر الإمكانيات اللازمة. (١٤)
ثالثا: الهجرة والتجارة البحرية عند الحضارمة:
لقد اهتم بهذا الجانب العديد من الباحثين الأجانب وقد خصصت له العديد من الندوات والمؤتمرات ومنها مؤتمر (حركات الهجرة من مناطق جنوب الجزيرة العربية إلى المحيط الهندي المسألة الحضرمية ١٧٥٠-١٩٦٠) الذي عقد في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن عام ١٩٩٥م. وقد تم إصدار أبحاثه قبل خمس سنوات في كتاب الشتات الحضرمي في المحيط الهندي عن مرکز تريم للدراسات والنشر.
وكذلك المؤتمر الدولي (إعادة استكشاف حضرموت الذي عقده مركز بحوث حضرموت في لندن يوم السبت ۷ مارس 2015م . شارك فيه نخبة من الباحثين الأجانب والأكاديميين المتميزين والمعروفين في مجالات دراسات حضرموت من بلدان مختلفة من العالم، وكان من ضمن جلساته جلسة نقاش عن مقارنة هجرات الحضارم إلى بلدان المهجر بعنوان الجوار العربي، وشمال إفريقيا، والهند، وجنوب شرق آسيا). (١٥)
ومن الباحثين الأجانب الذين اهتموا بهذا الجانب :
الباحثة الأمريكية لندا بوكسبر جر :
الباحثة في التاريخ الاجتماعي والاقتصادي لحضرموت ، قصدت بيت الأستاذ الملاحي في عام ١٩٩٤م لجمع معلومات بحثها الذي نشرته فيما بعد ، ومكثت بالشحر عدة أيام ثم انتقلت إلى الحامي برفقة مرشدها الملاحي ومكثت أسبوعاً في ضيافة المرحوم عمر سالم الكسادي والتقت بجماعة من نواخذة الحامي وبحارتها، واطلعت على مجموعة من الوثائق
المخطوطة والمدونات البحرية لربابنة الحامي واستفادت منها معلومات جمة؛ لتحضير رسالة الماجستير التي قدمتها لقسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة تكساس بمدينة أوستن في الولايات المتحدة الأمريكية بعنوان (على حافة الإمبراطورية حضرموت والهجرة في المحيط الهندي ۱۸۸۰ – ۱۹۳۰م). (١٦)
الباحث السويسري دايفيد واربرتون:
مدير المعهد الأمريكي للدراسات اليمنية سابقا ويعمل حاليا في إحدى الجامعات السويسرية. زار الحامي مع صديقه ادوارد عام ۱۹۹٤م للبحث والتنقيب عن التراث الملاحي وقد كتب عنها في مقاله : (المدينة ذات النكهة التاريخية) بقوله: مدينة الحامي تقع على ساحل البحر مباشرة وهي على امتداد الطريق الساحلي المؤدي إلى عمان، وتشتهر بصيد الأسماك فتظنها قرية للصيادين لكنها مدينة ذات نكهة حضارية وتاريخية خاصة في تاريخ الملاحة البحرية، أما سكان هذه المدينة فإنهم يمجدون تاريخ أجدادهم الرباب ويسعون لإحيائه بعد أن نساه العالم اليوم (۱۷) وله موضوع آخر شبيه بالموضوع السابق مع بعض الإضافات الأخرى بعنوان (رسالة من صنعاء) منشور في دورية المعهد الأمريكي في صنعاء العدد (٣٥) لعام ١٩٩٤م. كما كتب دراسة عن التجارة الحضرمية والإمبراطورية البريطانية – حضرموت والحضارمة في المهجر في نهاية القرن الثامن عشر حتى عام ١٩٦٧م). كان سيشارك بها في مؤتمر عن الهجرة في المحيط الهندي بجامعة عدن في – إبريل ١٩٩٥م إلا أنه لم ينعقد المؤتمر فيما يبدو، أفاد فيه بأن “حضرموت رغم أنها من مناطق حوض المحيط الهندي الصغيرة وغير ذات أهمية كبرى لكن يعترف لأهلها بشكل عام إسهامهم العظيم في تطوير تجارة المحيط الهندي كما نعرفه اليوم، مسـتعرضاً فيه أهمية الحامي الملاحية والتجارية قائلا:” ورغم أن مدينة الحامي الحديثة تبدو كبلدة صيادين تطل مباشرة على الساحل ، إلا أنها نمت عند تدفق الثروة إليها عبر المحيط الهندي. فسكانها لا يفخرون بصلاتهم بأصحاب المهجر في البلدان المطلة على يط الهندي فحسب، ولكن أيضاً بملاحيهم وقباطنتهم وربابنتهم الذين كانوا يبحرون بسواعيهم إلى شرق أفريقيا والخليج وإلى ما هو أبعد من الهند في حركة دائبة إلى ما قبل ثلاثين عام تقريباً. وهو تقليد يعود أصله إلى عهد بعيد. (۱۸)
رابعاً : الغناء والفولكلور البحري الحضرمي :
اهتم الباحثون الغرب بهذا الجانب من تراثنا الحضرمي الأصيل، وقد كتب عنه روبرت سارجنت في كتابه القيم (نثر وشعر من حضرموت) والتقى عام ١٩٦٤م بعدد من الصيادين والمغنيين في الشحر والحامي مسجلاً أغانيهم وأحاديثهم على آلة التسجيل بأشرطة دائرية. (۱۹) ومن أولئك الباحثين الذين استهواهم هذا الجانب البروفسور جورجين ألسنر أستاذ الموسيقى الشرقية بجامعة برلين – ألمانيا، زار حضرموت في يناير ۱۹۸۰ م ، ودارت معه مناقشات من قبل بعض الباحثين حول مصادر الإيقاع وتكوينات موسيقى الأغاني الشعبية ومنها أغاني الصيادين والملاحين وموسيقاها وأفاد بأنها تتميز بموسيقى غير مألوفة في موسيقى الأغاني، وقد أرسل نتائج رحلته البحثية في تقرير شامل مصحوباً بأربعين شريطاً إلى وزارة الثقافة بعدن والتي ضاعت كما يقول الأستاذ الملاحي فيما بعد في دهاليز الوزارة وزوايا الإهمال رغم مطالبته في الاحتفاظ بنسخة منها. (۲۰) ومنهم الباحثة الألمانية جبريلا براون – ألما التي وفدت إلى حضرموت لدراسة أغاني الملاحين والصيادين والتقت الأستاذ عبد الرحمن الملاحي الذي سبق وأن وضع كتاباً بعنوان (شعر الملاحين – الصيادون شعرهم وعاداتهم المهنية ويحدثنا – رحمه الله – أنه شارك معها في ندوة بالعاصمة صنعاء، وكانت المتحدثة قبله ملخصة بحثها المسمى (موسيقى الصيادين اليمنيين في منطقة بحر العرب)، فألقت معظم ما جاء في دراسته تلك بالحرف الواحد، وهو الموضوع الذي أراد التحدث فيه، ولكنه غير موضوعه حالا، ويحدثنا عن ذلك في أسلوب رفيع بقوله: ” دهشت عندما اطلعت لاحقاً على عدد من الأبحاث والكتب العربية والأجنبية الباحثة عن غناء ورقصات وعادات الصيادين في بحر العرب. تستند في مرجعيتها ومجمل معلوماتها إلى بحثي المخطوط. وقد أشادت الباحثة الألمانية د. جبريلا بالمخطوطة وبمؤلفها ، ومع تقديري لها وتفردها بالاعتراف بحقوقي في وضع المخطوط، إلا أني أضع لوما عليها بأنها فعلت ذلك دون استئذان مني، ولو أنها فعلت لربما ساعدتها في شرح الكثير من المصطلحات المحلية ومضامين القصائد ، ولأنها غريبة عن واقعنا اليمني بله العربي، فقد نقلت نصوصاً كاملة وأشعاراً ورسومات للزورق ومعداته ، وعادات وأشعار الملاحين ، ولم تميز ما هو غنائي منها وما هو شعر غرضي يبحث في حياتهم الاجتماعية، فجاءت معظم معلومات الكتاب غير متوافقة مع عنوانها (۲۱)
خاتمة:
هذه أسطر وجيزة تبين بعضاً من أثر أولئك المستشرقين الأجانب في دراسة تراث حضرموت الملاحي البحري، ونأمل من الباحثين المختصين في اللغات والترجمة القيام بتفتيش تلك الدراسات الغربية التي قام بها أولئك الباحثون وتمييز الغث من السمين فالبعض منهم يضع السم في الدسم كما يقولون، فلم يأتوا إلى حضرموت لدراسة تراثها من أجل عيون أبنائها ولكن لهم مقاصد ورسائل أرادوا أن يبثوها من خلال ذلك، وتهدف إليها الجهات التي أرسلتهم وذلك ما لمسناه من خلال جهدنا المتواضع في الاطلاع على بعض المقالات والأبحاث التي تحدثت عن التراث البحري والاجتماعي لحضرموت، ولا شك أن الدراسات الاجتماعية تحتوي على كثير من تلك التشويهات التي يضعها أولئك الباحثون بين ثنايا السطور بقصد وبغير قصد، فالمسئولية كبيرة على عاتق الأكاديميين والأدباء في القيام بالفحص والتنقيب. فمن العيب أن نجد الغرب يهتم بدراسة تراثنا الحضرمي سواء كان ملاحياً أم شعبياً أم اجتماعياً أم علمياً ، ونحن الحضارمة نغط في سبات عميق تتغنى بتلك الأمجاد فقط.
وهناك آثار ايجابية وآثار سلبية لأولئك الباحثين الأجانب فمن الآثار الايجابية ما يحدثنا أستاذنا عبد الرحمن الملاحي – رحمه الله – عن لقائه الدكتور روبرت سارجنت ومناقشاته معه واستفادته منه رغم صغر سنه وقيامه بتدوين ما كان يفيده به في مذكرة خاصة قائلا: ” لقد تكشفت لي جوانب من عظمة هذا الرجل وتواضعه وحبه للعلم والمعرفة فتعلمت منه درساً مفيداً، جعلته نبراس خطوات عملي وقيامي اليوم بالبحث عن المعلومات في مجالات اهتمامي ذلك الدرس أن على الباحث أن يتتبع المعلومة التراثية من أي عنصر حتى لو كان ذلك العنصر شاباً صغيراً مغروراً مثلي (٢٢).
ومن الآثار السلبية ما تمس العقيدة والدين في بعض الأحيان ، ومنها قيام بعض الباحثين بالاستيلاء على جهود بعض الباحثين الحضارمة وغيرهم الذين يفيدونهم بها بحسن نية وينسبونها لهم، كما حصل ذلك للأستاذ الملاحي مع الباحثة الألمانية جبريلا.
وكذلك قيام بعضهم بنسبة بعض المعلومات الخاطئة لبعض الأعلام الذين يتحدثون عنهم كما لمسناه في بحث سارجنت عن الملاح باطايع حيث قال إنه كان أعمى البصر وكان يستطيع أن يميز طين قاع البحر من أي محل من المحيط الهندي وهذه المعلومة هي للربان عوض أحمد بن عروة، ولكن يبدو أنه استقاها من غير أبناء المنطقة أوقعه في ذلك الخلط.
آملين في مركز حضرموت للدراسات التاريخية والتوثيق والنشر وكادره العلمي الذي يبشر بخير، الاهتمام بذلك ونشره على الوجه الذي يليق بحضرموت ووجهها المشرق وحضارتها العلمية.
الهوامش والمراجع:
1) الدور الاقتصادي للشتات الحضرمي في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن ۱۸۲۰ – ۱۹۲۰، الشتات الحضرمي تجار، علماء ورجال دولة حضارم في المحيط الهندي ١٧٥٠ – ١٩٦٠م، ص ٣٤٤، تريم للدراسات والنشر، بدون تاريخ نشر.
٢) الملاحي ، عبد الرحمن عبد الكريم، حضرموت في عيون باحثين أجانب، مجلة آفاق ص ٤ ، العدد ١٦ ابريل 1996 – اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين – فرع حضرموت.
٣) المرجع السابق ص ٥.
٤) شهاب حسن صالح، علوم العرب البحرية من ابن ماجد إلى القطامي دراسة مقارنة ص ١٣-١٤، منشورات مجلة دراسات الخليج العربي والجزيرة العربية الكويت ١٩٨٤م
5) بامطرف محمد عبد القادر الرفيق النافع على دروب منظومتي الملاح باطايع ١٥-١٦ ، مطبعة السلام، عدن ۱۹۷۲م.
٦) الملاحي، عبد الرحمن عبد الكريم، حول الدراسات البحرية العربية نشرة الساعية ص ٥، العدد ١١ ، مايو ٢٠٠٥ م لجنة إحياء التراث البحري والشعبي بالحامي.
7) الرفيق النافع، مرجع سابق، ص ٩٦.
8) الكسادي، بدر أحمد أبطال منسيون من ربابنة الملاحة البحرية العربية ص ١٩-٢٠، اعتنى به محمد علوي باهارون هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، أبوظبي ٢٠١٢م.
۹) باهارون ، محمد علوي ، ميناء الحامي في عيون الباحثين والمؤرخين العرب والأجانب ص ٦٩-٧٤، دار الحامي للدراسات والنشر ٢٠١٦م.
۱۰) باهارون، محمد علوي، ريادة الأستاذ بامطرف في دراسة تراث حضرموت الملاحي البحري، من أبحاث ندوة مئوية ميلاد المؤرخ والأديب محمد عبد القادر بامطرف جامعة الأندلس – صنعاء ۲۹ توفمبر ٢٠١٥م.
۱۱) آمان، فرج محفوظ ، مقابلة شخصية أجراها معه الباحث ٢٠١٢م.
۱۲) مدينة الحامي الحضرمية بعيون أمريكية، ترجمة عوض أحمد بريوم، صحيفة ١٤ أكتوبر العدد المؤرخ 18 / 9 / 1999م.
۱۳) ميناء الحامي في عيون الباحثين العرب والأجانب مرجع سابق ص ٤٧،٢٩.
١٤) باهارون، محمد علوي، إسهامات الأستاذ عبد الرحمن الملاحي في إبراز تراث جنوب الجزيرة العربية الملاحي البحري، من أبحاث ندوة الأستاذ الملاحي ودوره الاجتماعي والتنويري في حضرموت، مركز حضرموت للدراسات التاريخية والتوثيق والنشر ٢٧ ديسمبر ٢٠١٥م. ۱٥) باهارون، محمد علوي ، مراكز الدراسات الإنسانية في حضرموت ودورها في خدمة وتوثيق ونشر التراث العلمي، بحث غير منشور.
١٦) إسهامات الأستاذ الملاحي ، مرجع سابق.
۱۷) نشرة الساعية العدد (٤) ١٩٩٤م، لجنة إحياء التراث البحري والشعبي بالحامي.
۱۸) ميناء الحامي ، مرجع سابق ص 59 – 62.
١٩) الملاحي، حضرموت في عيون باحثين أجانب، مرجع سابق، ص ۷.
20) المرجع السابق ص ۱۲۹
٢١) الملاحي، عبد الرحمن، غناء الصيادين والملاحين بحضرموت ص ١٥ من أبحاث مهرجان الأغنية الحضرمية الأول ۲۷ – ۳۰ مايو ۲۰۰۰م.
۲۲) حضرموت في عيون باحثين أجانب، مرجع سابق، ص 8.