كتابات
د.عبدالقادر علي باعيسى
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 2 .. ص 100
رابط العدد 2 : اضغط هنا
متى قدم الكوميدي الشعبي الشهير مبارك سالم باحمبص (برمة) مسرحياته (كبش العيد) و(بدوي في المدينة) و (برمة الحطاب (النصاب) و(برمة رحلة إلى المليون) التي تشير عنواناتها إلى تحولات اجتماعية تاريخية شهدها المجتمع، بوصف المسرحية تحمل – من خلال حواراتها من التاريخ الاجتماعي ما لا نجده في التاريخ المكتوب ، فكثير من تفاصيل الحياة كامنة في حوار المسرحيات والتسجيل الصوتي والمرئي يحفظ الإشكالية ويضاعف الإحساس بها عندما تعاد مشاهدتها بعد مدة من الزمن، ومن ثم فأي فقدان لهذه الأعمال يعني فقدانا للتاريخ الاجتماعي، ويزيد التلاعب الكوميدي بالألفاظ الذي يبديه (برمة) من تعميق الإحساس بالمشكلة، كما تدل تلقائية الحوار وافتعال بعض الإشكالات الجزئية على خشبة المسرح في أثناء التمثيل على استفحال الإشكالية حتى ليمكن التحدث عنها من الممثل المبدع بصورة تلقائية لكثرة ما أزعجت حياة الناس.
ميزة المسرحيات أنها تنقل الروح المشتركة للأزمة بشكل جماعي نلاحظه من خلال جميع الأطراف الممثلة في المسرحية ويبرز التناقضات الحادة بينها، فمن خلال المسرحية تتم عملية استجواب شعبي للفسدة، إنها جزء من الخطاب الشعبي في أرهف ملامحه الاجتماعية، بل يمكن من خلال عدد كبير من المسرحيات من عام 1975 – 2015 مثلا رؤية عدد من التحولات السياسية والاجتماعية والايديولوجية التي شهدتها البلد، لاسيما الأجيال التي لم تشهد تلك الأحداث، فالتاريخ عبارة عن تسجيل حدثي من زاوية واحدة هي زاوية الكاتب، بينما المسرحية تسجيل يغادر شخصية الكاتب نحو شخصيات متخالفة الاتجاهات والأفكار. إنها أشبه بالحياة الاجتماعية نفسها وقد ذهبت عنها الحياة. الكتابة التاريخية لا تبقي لنا سوى الإطار التاريخي الخارجي لأبرز الأحداث، بينما تبقي لنا المسرحية ما تحرك في التاريخ من الداخل أحداثا نشهدها ونسمعها كما لو كانت واقعا معيشا . وهكذا تدخل المسرحية في دائرة إنتاج التاريخ وليست للاستهلاك العابر أبدا كما قد يظن المشاهد البسيط.
نعم هناك مسرحيات تقوم بعملية توفيق بين الأطراف المتعارضة وتمتاز بضعف الروح الدرامية ومن ثم فتأثيرها أقل فاعلية، وفي هذا السياق أدعو كتاب التاريخ والمهتمين بالتاريخ الاجتماعي تحديدا إلى مشاهدة المسرحيات التي عرضت في الفترات التاريخية التي يكتبون عنها، وأن تنقب عنها الجهات الثقافية المسؤولة محتفظة بتسجيلات صوتية ومرئية كاملة لها قدر الإمكان، وأن تعيد قناة حضرموت عرض بعض المسرحيات القديمة بوصفها تمثل مجتمعا كاملا بما فيه من إش كالات وتنوع، فلا يكفي أن ننتج المسرحيات ثم نلقي بها في الزوايا المهملة فدورها في الفرجة قد يكون انتهى حقا، غير أن دورها مازال فاعلا في هذه الجهة التي نتحدث عنها والتي تهم الباحثين بشكل خاص، ويمكن أن ينطبق هذا على المقابلات والبرامج التلفزيونية القديمة.
كانت المسرحية كامنة في الهم الحياتي اليومي لمبارك باحمبص (برمة) نظرا لارتباطه الوظيفي بحاجات مجتمعه وخصوصيته كامنة في إجراء مزيد من التشخيص التمثيلي على قضايا حياتية كانت بحاجة إلى معالجة مما أعطى مسرحياته خصوصية وقد التقطت كثيرا من التفاصيل فالمسافة غير بعيدة بينه وبين جمهوره بوصفه رجلا شعبيا بالأساس لا يمتلك تأهيلا أكاديميا وربما لا يجيد القراءة والكتابة إلا بشكل يسير مشعبيته خالصة في شخصيته وفي مسرحياته وجماليتها – لو جاز التعبير – جمالية شعبية في التقاطها لأبسط وأنكى هموم الإنسان البسيط في صيغة مسرحية تجري كما لو كانت في المجتمع. إنه لا يقوم بعملية تمثيل بقدر ما ينقل الواقع إلى خشبة المسرح بوصفه ذاتيا صيغة شعبية حقيقية في هيئته وحركاته وحديثه. إنه لا يمثل بالمعنى المفهومي لكلمة (تمثيل) وإنما تصبح شخصيته المسرحية أكثر نشاطا فنيا داخل المسرح، ولعل كثيرا من عناصر الفريق الذين كانوا يمثلون معه يتسمون بهذه الصفات، ويظل (برمة) عنصرا خاصا لا يمكن لأحد أن يحل محله.