أضواء
أحمد زين باحميد
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 3 .. ص 32
رابط العدد 3 : اضغط هنا
تسنم الحضرمي ذروة المجد، وحلّق في أعلى قممه من خلال اضطلاعه بالعلم والمعرفة واتخاذهما ديدناً لحياته، و من خلال شغفه وتطلعه إلى المبادرة وأخذ زمامها رغم ظروف المعيشة المجدبة فكانت حضرموت في الجاهلية تتمتع بمكانة مرموقة بين العرب لما عرفت به من أمجادها القديمة ، ولكثرة ما برز فيها من بيوت المجد والشرف.
وقديماً يقال في وصف كندة أنه النسب الذي تقف الفصاحة قديماً وحديثاً عنده ، فقد كانوا من البلاغة والفصاحة بالذروة التي لا تزل عنها الأقدام [١]، ويكفي أن نشير إلى ما جاء في مجلة الهلال المصرية : بأن تاريخ حضرموت لا يمكن إنصافه بجملة أو جملتين فإن الأصقاع التي زهت بها المدينة العربية في أول مهد إنما كانت في جنوبي بلاد العرب وذلك في العصور القريبة من عهد ظهور المسيح [٢]، وبعد أن ظهرت بوادر البعث العربي في الأقطار العربية خارج الجزيرة العربية ، وأخذت النهضة العربية بعد الحرب العالمية الأولى سنة ۱۹۱۸م تغزو الأقطار العربية المتخلفة من بلاد العرب لم تتأثر حضرموت تأثراً يذكر بالحركات الثقافية التي أخذت تزدهر في مصر وسوريا والعراق وغيرها، وكان للأفكار الرجعية السائدة في حضرموت أكبر الأثر في العزلة الثقافية، وخلال هذه الفترة نبغ كثير من العلماء البارزين والأدباء المشهورين كالسيد على بن محمد الحبشي (المتوفى ١٣٣٣هـ ) والعلامة أحمد بن حسن العطاس (المتوفى ١٣٣٤هـ) والنابغة الأديب الشاعر الكبير أبوبكر بن شهاب والعلامة عبد الرحمن بن عبيد اللاه السقاف والأستاذ والأديب والصحفي المعروف محمد بن هاشم وأضرابهم من أرباب الثقافة والأدب (المصدر نفسه، ص ۲۰۰)، ومن بوادر هذا التطور ظهرت في حضرموت الأفكار العصرية الحديثة ، وأخذ الناس يتحــ دثون عن الوطنية والعروبة والتحرر السياسي والتقدم الاجتماعي ، ويناقشون في مجالسهم مشاكل العالم العربي والأحداث العالمية ، وبرزت محاولات شعرية لأدباء هذا الجيل أمثال : صالح بن علي الحامد وعلي أحمد باكثير وعبدالله بلخير ، وعولجت بعض القضايا والمشاكل على صدر الصحف مثل التهذيب التي حررها الأستاذ علي أحمد باكثير، والنهضة الحضرمية بالمكلا حررها الطيب الساسي ، ومجلة الأمل أصدرها الشيخ محفوظ بن عبده [۳].
وقد وصف المحرر بالمقطم محيي الدين رضا – ابن أخ السيد محمد رشيد رضا صاحب المنار – وكما أوردت صحيفة الشرق المصرية ١٩ ربيع الثاني سنة ١٣٦٠هـ الحضارمة بقوله: (لقد ظهرت مواهب الحضرميين في إقليم حضرموت ذلك الإقليم الذي أخرج إلى العالم العلماء والشيوخ الصوفية والسياح والتجار الذين ضربوا فجاج الأرض فعمروها واستثمروا خيراتها بما عرف عنهم من صدق العزيمة وبراعة العمل، فإذا تتبع الإنسان أحوالهم في البلدان العربية وغير العربية اليمنية والحــجازية والهندية والجاوية فإنه يندهش من جليل ما عملوا من أعمال باهرة [٤].
وكانت مدن حضرموت معروفة تاريخياً ولها مكانتها في كتب التاريخ، وبنظرة خاطفة الثلاث من أشهر مدن الوادي نجد أن مدينة شبـام من أهم مدن وادي حضرموت، ويعتقد أن أقدم ذكر لها يعود إلى القرن الرابع بعد الميلاد، فقد ذكرت قديماً في نقوش المسند بضبط (شبم ) ضمن مملكة حضرموت [5]، وشبام عند الهمداني : مدينة كبيرة تسـكنها حضرموت بها ثلاثون مسجداً، نصفها خراب خربتها كندة، وهي أول بلد حمير ويحيط بها سور كبير، وهي على الطراز القديم، وشوارعها ضيقة وملتوية ، ويوفر موقعها الذي اختير لبناء أقدم ناطحات سحاب في العالم مركزاً دفاعياً لمدينة حصينة [٦].
أما مدينة تريم: فهي من المدن التاريخية القديمة الشهيرة يرجع بعض المؤرخين تاريخها إلى القرن الرابع قبل الميلاد [۷] .
وسميت بتريم نسبة إلى قبيلة سكنتها تحمل ذات الاسم [۸] ، ويرى آخرون أنها سميت بتريم نسبة إلى تريم بن حضرموت بن سبأ الأصغر [۹]، واهتم علماؤها وأدباؤها وشخصياتها بجمع المخطوطات واقتنائها ونسخها فتكونت جراء ذلك ثروة كبيرة من المخطوطات وفي مختلف مجالات العلم والمعرفة وظلت متفرقة حتى جمعت – بعد ذلك – في مكتبة الأحقاف للمخطوطات (۱۹۷۲م) حيث بها أكثر من ٦٢٠٠ مخطوطة [١٠] واشتهرت بكثرة مساجدها إذ يبلغ بها ۳۸۰ مسجداً منها ٤٠ مسجداً أثرياً أقدمها مسجد الخطباء مسجد الوعل يرجع بناؤه إلى ٥٤٣ ومساجدها ذات طابع إسلامي [١١] ولا بد من الإشارة إلى مئذنة جامع المحضار ٤ أمتار كواحدة من شواهد الفن المعماري في حضرموت .
أما سيئون فهي مدينة قديمة سكنها بنو معاوية الأكرمون من كندة وهم رهط الأشعث بن قيس الكندي، وموقعها الجغرافي الممتاز في وادي حضرموت جعلها تتابع تطورها وازدهارها وتستقطب عدداً من الأسر الحضرمية مما جعلها تتطور بخطى سريعة وثابتة [۱۲]، وفي أواخر القرن السادس الهجري جاءت إليها واستوطنتها قبائل آل كثير الهمدانيين ثم قبائل الحميريين، وفي القرن العاشر الهجري نزل بـ ها أول الســادة العلويين [۱۳]، وبيوتها مبنية محلياً من الطين والتبن والأحجار وبنهاية القرن الثالث عشر وبداية القرن الرابع عشر الهجري كانت المدينة تموج بكثير من العلماء والمثق فين والمفكرين مثل العلامة محسن بن علوي السقاف (توفي ١٢٩٠هـ) والعلامة علي بن محمد الحبشي (توفي ١٣٣٣هـ)، والعلامة هادي بن حسن السقاف (توفي ۱۳۳۹م)، ثم جاء الجيل الثاني ومنهم العلامة عبد الرحمن بن عبيد اللاه السقاف (توفي ١٣٧٥هـ) ، والعلامة محمد بن هادي السقاف (توفي ۱۳۸۲هـ ) ، والمؤرخ العلامة عبد الله بن محمد بن حامد السقاف (توفي ١٣٨٧هـ)، وأطل في تلك الفترة أديب العربية الكبير علي أحمد باكثير (توفي ١٣٨٩ هـ ) والشاعر صالح بن علي الحامد (توفي ١٣٨٦هـ) والشيخ العلامة محمد بن أحمد الصبان (توفي ١٣٦٨هـ)، والشيخ الأديب محمد بن حسن بارجاء (توفي ١٣٦٩هـ) والشاعر الأديب محمد بن شيخ المساوى (توفي ١٤٠٥هـ) والشيخ الأديب عمر بن محمد باكثير (توفي ١٤١٥هـ)، وفي تلك الفترة ظهرت صحيفة التهذيب ، وصحيفة النهضة وكانت سيئون دار علم وشعر وأدب [١٤].
الهوامش:
[١] سعيد عوض باوزير : الفكر والثقافة في التاريخ الحضرمي مكتبة الصالحية، غيل باوزير حضرموت، ط ۲ ، ۲۰۱۱م، ص ٦٤ .
[٢] مجلة الهلال المصرية حضرموت الجزء الثامن السنة ۳۱ ، ۱۹۲۳م، ص ۸۸۲.
[۳] نفس المصدر، ص ٢٠٤.
[٤] عبد الله بن محمد بن حامد السقاف : تاريخ الشعراء الحضرميين، مطابع جاد الرياض، ط، ٣ ، ج 3 ، ص ٢٢٦ .
[5] نقش ارياني ٣٢.
[٦] الموسوعة اليمنية : ج ۲، ط ۱،۱۹۹۲ م، مؤسسة العفيف، صنعاء، ص ٥٤٤.
[۷] أحمد بن عبد الله بن شهاب : تريم بين الماضي والحاضر ، مركز تريم للدراسات والنشر ، ط ١ ، ج ١ ، ص ٢٤٥.
[۸] نفس المصدر، ص ١١.
[٩] نفس المصدر، ص ١١.
[١٠] نفس المصدر، ص 245 ، 248 .
[۱۱] عبدالله سالم باخريصة مأثر تريم الإسلامية تقرير سبأنت ٢/٢/٢٠١٠م.
[۱۲] سالم زین با حميد، حديث الذكريات طبعة خاصة، سيئون، ص ١١٥.
[۱۳] نفس المصدر، ص ١١٥.
[١٤] نفس المصدر، ص ١١٦ – ١١٧.