تراث
د. محمد صالح بلعفير
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 3 .. ص 34
رابط العدد 3 : اضغط هنا
تتميز منازل مدينة شبام عن غيرها من المنازل في المدن الرئيســــــية الأخرى في وادي حضرموت بنوافذها وأبوابها وأعمدتها الخشبية المنحوتة بالزخارف ، وبالنظر إلى أن لكل بيت في شبام واجهة رئيسية وحيدة تشرف إما على ساحة أو شارع أو نخيل ، فقــد أعطى الشباميون كل عنايتهم لتلك الواجهة التي تحتوي على النوافذ الكبيرة والأبواب الرئيسية ( مدخل المنزل ) التي نقشت عليها الكثير من العناصر الزخرفية مما يدل على ثراء صاحب المنزل وذوقه الجمالي .
والحق أن الزخارف الخشبية لمنازل شبام تستند إلى أصول محلية متوارثة ، ومن الصعب مقارنتها مع الزخارف الإسلامية الأخرى إلا في بعض المجالات ، ومع ذلك فإن هناك أوجه تشابه من حيث العناصر الهندسية والعناصر النباتية وبخاصة الزهرية منها ، والتي طوعوها وفقا للمساحات الصغيرة التي تشغلها النوافذ والأبواب والأعمدة وتيجان الأخيرة.
١- زخارف النوافذ :
تختلف زخارف النوافذ الكبيرة التي تصنع للغرف عن النوافذ الصغيرة ( عكر )، التي تقوم بوظيفة الإضاءة والتهوية للطابق الأرضي ، فالنوافذ الكبيرة تعطى لها عناية كبيرة وتصنع بمهارة فائقة ودقة عالية ، وهي عادة ما تحتوي على صفين من الأعمدة المعقودة ( المقوسة ) أو عمودين معقودين ، وأحياناً صف من عمودين مقوسين في الأسفل وآخر وحيد في الجزء العلوي من النافذة ، وفي أحوال أخرى على عقدين يرتكزان على عمود واحد .
وبعض تلك النوافذ يحتوي على وريقات متفرعة وأشرطة ووريدات ، وكذلك شجرة الحياة ، ولكن بشكل يختلف عما عرف في الفن الإسلامي في الشرق كما في القدس، وفي شمال أفريقيا والأندلس لاسيما في قصر مدينة الزهراء في القرن الرابع الهجري / القرن العاشر الميلادي ، إذ نراها في نموذج شبام على شكل شجرة صغيرة ، ولكنها تحتفظ بانتصابها ، ثم تتفرع في الجزء الأسفل من النافذة ، وفي نافذة أخرى نميز سعفة نخيل، وهي في حد ذاتها تشبه إلى حد كبير نظيراتها في اللوحة الخشبية في المسجد الأقصى ، وهي من القرن الأول الهجري / الثامن الميلادي ، إذ إن عدد أغصان سعفة النخيل يتساوى في الاثنتين ، وإن كان هناك بـعض الاختلافات من حيث تعبئة الفراغات بين الأغصان في لوحة المسجد الأقصى ، وكذلك قاعدتها عن مثيلتها في شبام .
ونظن أن مثل هذه التقنية الزخرفية قد وصلت إلى اليمن في تلك الفترة أو بعدها ، وربما يكون ذلك من إيحاءات الطبيعة ، فمدينة شبام تطل على النخيل في ثلاث من واجهاتها ، وهي أيضاً تقع في قلب وادي حضرموت الذي يشتهر بزارعة النخيل ، وفي النوافذ الصغيرة ( عكر ) نميز مضلع الزوايا ، وفي نموذج آخر زخارف تشبه زخارف ونقوش البربر في شمال أفريقيا ، والأشكال الهندسية مثل المضلعات الخماسية والسداسية ومثمنة الزوايا، وكذلك النجمة السداسية المعروفة محلياً بخاتم سليمان ، وفي هذا الصدد فإن خاتم سليمان كان استعماله منتشراً في تزيين النوافذ وإطاراتها من الخارج المصنوعة من الجص ، بل أيضاً في داخل المنازل ، ولعل خير مثال على ذلك المحراب الصغير للصلاة داخل غرفة بأحد المنازل .
ولاشك في أن خاتم سليمان قد عرف في كل الآثار والفنون الإسلامية ، ويمكننا القول هنا إن ظاهرة انتشار خاتم سليمان في شبام قد يكون من رواسب تأثير الديانة اليهودية في اليمن ، أو هو تعبير عن حب اليمنيين لسليمان والديانة اليهودية باعتبارها إحدى الديانات السماوية . والواقع أن النجمة السداسية التي عرفت خطأ بنجمة داؤود هي زخرفة مصرية قديمة انتقلت إلى الفنون القبطية ومنها إلى الفنون الإسلامية.
٢- زخارف الأبواب :
الأبواب نوعان: الخارجية ( المدخل ) ؛ والأبواب الداخلية للغرف . فالأبواب الخارجية عادة ما تزين بصفوف وأشرطة من الزخارف النباتية الزهرية ، كما تطبع بالمسامير الكبيرة لتقويتها ولتضفي عليها طابعاً جمالياً، وكذلك تثبت في هذه الأبواب قرقاعة (جمعها قراقيع ) ، ووظيفتها معروفة للجميع.
ومما لاشك فيه أن تقنية زخارف الأبواب الخارجية تختلف عن الأبواب الداخلية فالأخيرة أكثر بساطة وأقل تعقيداً ، وتستخدم فيها نماذج من أشكال الوريقات والعناصر الهندسية الصغيرة ، وسلسلة ذات عناصر منتصبة أو نافرة .
وعادة ما يلحق بكل باب خارجي صندوق خشبي صغير مثبت بجانبه ، وتتوسط هذا الصندوق دائرة تسمح لليد بالدخول وفتح الباب مباشرة من غير الحاجة إلى قرع الباب لكي يفتح من أعلى البيت ، والصندوق المذكور ينحصر استعماله فقط على أفراد العائلة . وتزخرف هذه الصناديق بعناصر نباتية زهرية ، أما دوائرها التي تشكل مركز كل صندوق فتحفر عليها وريدات ذات ست بتلات على شكل أوراق نباتية ، وفي قائم أو عمود الباب توجد عناصر زخرفية تتألف – مع بعض الاختلاف – من شاعب أو شكل مشعب الوريقات ، ومن زهور ووريدات ، وفي باب آخر زين إطار الصندوق من الجانبين بسليسلات بينما زينت دائرته بوريدات سداسية البتلات ولكن نصفها يعاكس النصف الآخر.
وأما بالنسبة إلى أبواب الغرف وبخاصة غرف الاستقبال ، فتحفر عليها المنحوتات الجميلة لاسيما الوريدات .
٣- زخارف الأعمدة :
وفيما يخص الأعمدة ( الأسهم) وتيجانها، فإن الأعمدة تستخدم فيها الوريدات السداسية البتلات كما حملت أعمدة أخرى أشكالاً لطيور ؛ ففي أحد تيجان الأعمدة (الكبش ) نقشت أربعة طيور ( ربما ديوك ) كل اثنين يقفان في جانبي التاج ، كما يقفان على أطباق حفرت عليها من أسفل وريدات سداسية ، هذا في حين زينت تيجان أعمدة أخرى بزخرف زهري يتألف من ورقات كبيرة . ومن المعلوم أن زخارف التوريق المتداخلة التي عرفت بالأرابسك فهي عبارة عن تفريعات وجذوع منثنية تتتابع وتتشابك فيها رسوم محورة ترمز
إلى الوريقات والزهور التي نقشت بطريقة تجريدية أبعدتها كثيراً عن أصولها الطبيعية وأصبح من العسير معرفتها .