نقاش
د.عبدالقادر علي باعيسى
وبعد أن أورد د. مكنون ما يراه عن المنهج التحليلي واضطرب فيه، وصل إلى النتيجة نفسها التي وصل إليها من خلال إسقاطه التفكيكية على قراءة د. باعيسى، فقال: “وعليه فإن د. باعيسى خالف في تحليله أسس منهج التحليل العلمي والتي سوف نبينها في ملاحظاتنا على متن البحث”(47) وسنتابع معه ملاحظاته.
يقول: “يصدمك د. باعيسى من البداية ودون مقدمات بوصفه اليقيني للكتاب أنه كتاب يقوم على الغيبيات التي تحضر في أذهان المؤمنين بها، ويدخل إلى موضوع الكرامات دون مقدمات ليفرض على القارئ من البداية التصورات والانطباعات المسبقة التي لديه عن الكتاب”(48) ويضيف: “إن وصف الكتاب أنه يقوم على الغيبيات بالمعنى السلبي لمجرد ذكره للكرامات، يمكن أن نقول عنه في أحسن الأحوال إنه وصف غير موفق، لأن الكتب التي تتناول الموضوعات الدينية في تخصصاتها المختلفة بما فيها كتب تراجم علماء الدين، لا تخلو من ذكر الغيب (الله، الملائكة، الجنة، النار، وكل أمور الآخرة، والمعجزات والكرامات.. إلخ)”(49) وهنا أبعد د. مكنون النجعة، فما عرضنا لشيء مما ذهب إليه من غيب الجنة والنار والملائكة وأمور الآخرة التي نؤمن بها، فضلا عن إيماننا بالله سبحانه، ولو أكمل التنصيص لظهر الأمر للقارئ بأننا نعني بالغيبيات الكرامات تحديدا، ولكنه بتره عن سياقه، ومفاده أن كتاب (المشرع الروي) “كتاب يقوم على الغيبيات التي تحضر في أذهان المؤمنين بها بصورة تبدو أنقى من اليقين، بوصف الناقلين (للكرامات) مرجعيات دينية وأخلاقية رفيعة يعتمد عليها المؤلف في تقديم الموروث دليلاً حيًا قادما من الزمن الماضي لتأكيد صحة اعتقاده في هذا المنحى”(50) ويعود في موضع آخر فيقول: “فالغيب موجه للقيم في حضرموت منذ أن اعتنق أهل حضرموت الإسلام، وليس بعد صدور كتاب المشرع الروي”(51) فيمزج مرة أخرى بين الغيب الذي أقصده في القراءة، وهو الاتصال بين عالم الأحياء والأموات، وأسرار عالم الكرامات، والغيب بمعناه المطلق المتعلق بأمور البرزخ والآخرة الذي فصل فيه القرآن الكريم، والسنة الشريفة.
ويقول د. مكنون بعد أن أورد عددًا من المقولات للعلماء ابن تيمية وعبدالله بن أسعد اليافعي والشوكاني والقرطبي تتحدث عن الكرامات، وحصولها، والتصديق بها(52) يقول: “مما سبق يمكن القول إن ما جاء في (المشرع الروي) يتسق مع التراث العلمي الحضرمي، والسياق المعرفي الإسلامي”(53) ونحن لا ننكر ما قاله الأئمة من أمر حصول الكرامات، ولكن تظل مجرياتها وكنهها أمرًا خاصًا يحصـل لبعض النـاس، ولذلك أشـرنـا إلى أنها موضوع مكتف بذاته يعرفه الذين حدثت لهم الكرامات من غير أن نعرف نحن عن الكيفيات والعلاقات التي تجري فيها،(54) ولم نعرض لوقوع الكرامات، أو عدم وقوعها، حتى يناقشنا د. مكنون في هذا الشأن، ولسنا مختصين في ذلك، كما أن د. مكنون ليس مختصا فيه، لكن أن تندرج الكرامة، بل أن (تتسق) مع التراث العلمي الحضرمي، والسياق المعرفي الإسلامي فهذا ما نناقش فيه د. مكنون حيث تتداخل الأبعاد والفضاءات في مقاله، وهي في نظره فضاء واحد متسق: الكرامة- العلم- المعرفة، فثمة علاقات تركيب وتواصل غير منطقية بين فقرات مقاله الذي يقول في موضع آخر منه “كما تطرق –أي كتاب المشرع الروي- إلى بعض القضايا الفقهية العلمية ومن ضمنها موضوع الكرامات”(55) حيث يجتمع الفقه- العلم والكرامة، من غير أن يحيل إلى رقم الصفحة أو الصفحات التي عرض فيها الشلي للقضايا الفقهية المندرج في إطارها موضوع الكرامات.
إن ما يزعمه د. مكنون من اندراج الكرامات في إطار العلم، وفي إطار المعرفة، وفي إطار الفقه ذلك ما أسأله فيه، فمَن مِن علماء المسلمين رتب الكرامات في مقام المعرفة، والعلم، والفقه، أو أدرجها في ضمن أساسياتها وبنودها حيث يبرز النشاط المنهجي للعلم، والضوابط الموضوعية للمعرفة، والاستنباط الدقيق الواقعي لأحكام الفقه؟ وإنما تندرج في باب الإيمان من باب العقيدة. ثم ما هو التراث العلمي الحضرمي الذي يقصده؟ إلا إذا أراد كتاب المشرع الروي وما سبقه وتلاه من كتب في سياقه.
وكما تتسق الكرامات مع العلم والمعرفة في نظر د.مكنون، فهي مفهومة عقلا ومنطقا أيضا، يقول: “إن القضايا التي أشار إليها د. باعيسى هي واضحة ومفهومة عقلاً ومنطقًا في السياق المعرفي الإسلامي عند العلماء والعامة. فحالة الموت لا تعني الفناء وإنما هي انتقال من عالم الدنيا إلى عالم البرزخ، وهو عالم غير منقطع، له تعلق بالآخرة، وتعلق بالدنيا، وعليه فالتواصل بين الأحياء والأموات ممكنة لمن تهيأت له الأسباب”(56) وأعود وأسأله من الذي قال بأن حالة الموت تعني الفناء، أو نفى الاتصال بين عالم الدنيا والبرزخ حتى يورد هذا القول؟ هل يريد د. مكنون أن يستدعي إلى ذهن القارئ أفق توقع مختلف عن قراءة د. باعيسى ويؤثر سلبا عليه؟! وما أريد أن أقف فيه معه هنا هو كيف تكون الكرامات مفهومة عقلا ومنطقا؟ بل كيف تكون مفهومة عقلا ومنطقا حتى عند العامة، والسؤال الذي يضع نفسه: كيف يفهم د.مكنون مع مفهومي العقل والمنطق؟ وكيف يقدمهما لقارئه؟ لا يورد شيئًا من التفصيل عنهما لتنوير القارئ سوى إلقاء المفاهيم والمصطلحات بتعميم شديد (التراث العلمي الحضرمي. السيـاق المعرفي الإسـلامي. العقـل. المنطـق) إلى درجة أن يقـول في سيـاق نصه المستشهـد به في هذه الفـقـرة: “وعليه فالتواصل بين الأحياء والأموات ممكنة لمن تهيأت له الأسباب”(57) فهل يندرج هذا التواصل في إطار الفهم العقلي والمنطقي التي يتحدث عنه؟!.
واللافت أن د. مكنون بدفاعه عن الكرامات(58) يثبت بصورة عفوية أن كتاب المشرع الروي في جزء أساسي منه كتاب كرامات، وأنها ليست عرضية فيه، بينما يورد في مواضع أخرى أنه كتاب تراجم وسير(59) كأن الكرامات والسير موضوعان متقابلان، منفصل أحدهما عن الآخر، والواقع أن الكرامات جزء أصيل من التراجم، وعلاقتها بها علاقة الجزء بالكل، أو العضو بالجسد، وفي هذه الحالة لا يمكن تحديد ثقل الكرامات في كتاب المشرع الروي وأهميتها بالكم، بل بحركتها الوظيفية والدلالية داخل النص التي سمحت لنا بأن نراها مهمة في الكتاب، وكافية لإجراء القراءة عليها. ولو جئنا إلى الكم تماشيا مع د. مكنون، فأن يترجم الشلي لمائتين وأربعة وثمانين شخصا، ويذكر لمائة وأربعة منهم كرامات، أمر ليس بالهين، بغض النظر عن نسبة هذه الكرامات إلى غيرها من المعلومات عن الشخص المترجم له التي يرى د. مكنون أنها نسبة ضئيلة جدًا،(60) ذلك لأن الشلي لو ذكر لكل شخص كرامة في حدود ثلاثة أسطر فقط، بحجم خط طبعة دار التراث الدقيق ونوعه، وهي الطبعة التي اعتمدنا عليها والتي يتراوح فيها السطر بين خمس عشرة وعشرين كلمة تقريبًا، نكون أمام ما يربو على ثلاثمائة سطر من الكرامات، أي أمام ما ينيف على خمسة آلاف وخمسمائة كلمة في أقل تقدير، كافية لإثبات موضوع الكرامات في الكتاب، وإجراء القراءة عليها، في الوقت الذي يريد د. مكنون من خلال رده التغاضي عن موضوع الكرامات، وعدم الخوض فيه، يقول في إطار دفاعه عن الكتاب “أما كتب الفقه والسير والتراجم والتاريخ العام فلا يمكن أن نصفها بذلك الوصف، وإن ذكرت فيها أمور غيبية، لأنها ليست غالبة، فلا يمكن على سبيل المثال أن نصف كتابا في جغرافيا بأنه كتاب رياضيات، لمجرد وجود أرقام إحصائية، وعمليات حسابية وردت فيه”(61) ويقول: “إن القراءة الموضوعية العلمية تفيد أن كتاب (المشرع الروي) هو كتاب تراجم على نسق كتب التراجم في حضرموت والعالم الإسلامي”(62) ويقول: “ولكن الحقيقة الموضوعية لكل مستقرئ للواقع أن آل باعلوي ليسوا الوحيدين في حضرموت من كتب تراجم لعلمائهم وصلحائهم سواء في عصر الشلي أو قبله أو بعده، فكثير من الأسر الحضرمية كتبت تراجـم علمائـهـا وصلحـائـهـا وذكـرت فيها كراماتهم”(63) ويورد أمثلة على الأسر الحضرمية التي كتبت تراجم عن علمائها وصلحائها كآل باجمال، وآل باوزير، وآل الخطيب، وآل باقشير(64) ويضيف: “كما أن بعض كتب تراجم آل أبي علوي كتبها علماء من غير آل أبي علوي”(65) ويورد أمثلة على ذلك كالشيخ عبدالرحمن بن علي بن حسان، والفقيه عبدالله بن عبدالرحمن باوزير، والشيخ عبدالرحمن بن محمد الخطيب، والعلامة الشيخ محمد عمر بحرق، وأن كثيرًا من الأسر والقبائل الحضرمية في العصر الحاضر تنشر تراجم صلحائها وأعيانها في كتب وموسوعات(66) وما يمكن قوله هنا هو أن التراجم صنف كتابي له مساره التاريخي الخاص به في التطور والتحول المرتبط بتغير الأزمان والايديولوجيات، وكيفيات الكتابة، فلا يمكن القول بتماثل التراجم الحضرمية -هكذا بعموم- مع تراجم العالم الإسلامي، أو بتساوي التراجم المحلية في رؤاها، وغاياتها، ومضامينها، فالتمايز الايديولوجي والفكري والسياسي يقف وراء نوعية كتابة السير والتراجم، باختلاف المواقع الفكرية والسياسية والايديولوجية والمراتبية لكاتبيها، أو من يمثلونهم، أو يكتبون عنهم، فالتراجم في المحصلة الأخيرة إفرازات ايديولوجية وثقافية متعددة، وليست متماثلة بعفوية كما يذهب د. مكنون، ويضعها في سلة واحدة، مما لا يمكن أن يتفق مع المنظور العلمي، ولا الزمني، ولا الأسلوبي، ولا الطبقي، ولا الايديولوجي.
فهل يمكن أن تتماثل -على سبيل المثال- كتابة التراجم في العصور الوسطى، وكتابة التراجم اليوم من حيث الأسلوب، واللغة، وطريقة العرض، والاهتمام ببعض القضايا دون بعضها، حتى لو كان الأمر يتعلق بالصالحين والعلماء فقط، أي بفئة محددة من الناس، فالتراجم وما هو خارج وقائعها الكلامية من ظروف ومواضعات يختلف، كالأوضاع المقامية لأصحاب التراجم، ودرجات ما يحيط بهم من التقدير الاجتماعي والسياسي، وكيفيات تقبل الآخرين لمختلف التراجم، وأصحابها، وما يتعلق بذلك من تحليل أو تفسير لأبعادها الايديولوجية الظاهرة والمضمرة، مما لا يمكن أن يتسق مع الرأي الذي قدمه د.مكنون في القول بتساوي التراجم، ويدخل أساسًا في إطار التداول الذي تنشط معه هذه الأبعاد وغيرها بكيفيات متعددة(67).
ويشير د. مكنون إلى أن كتاب المشرع الروي “تم تأليفه في الحجاز، فهو موجه لجمهور القراء في العالم الإسلامي، وليس للداخل الحضرمي الذي تسود فيه البيئة القبلية الزراعية البسيطة بحسب وصف د. باعيسى، والتي تغلب عليها الأمية، وهو غير متيسر لكل القراء. لهذا ألف كتاب المسلك السوي”(68) ولنفترض جدلاً مع د.مكنون أن كتاب المشرع الروي ألف لمخاطبة شعوب مختلفة، فإن تأثيره على حضرموت سيكون بالغ الأثر لاختلاف المدارك العقلية والاجتماعية والشعورية للشعوب، فدرجات التفاعل مع الكتاب في مختلف أقطار العالم الإسلامي لن تكون بالمستوى نفسه الذي سيحدث في حضرموت، لأنه نتج أصلا من طبيعة البيئة الحضرمية حيث يشكل المكان، والتاريخ، والجغرافيا، والموروث، والعادات والتقاليد بنى متماسكة تجعل علاقة الكتاب بحضرموت أساسية، فلا يمكن فصل الكتاب عن الشروط الاجتماعية والثقافية والزمنية التي انطلق منها في حضرموت، وإن كتب في مكة، أي لا يمكن قراءته خارج السياق الثقافي العام الذي جاء منه، فهو مصوغ بصورة ثقافية واجتماعية متعلقة بحضرموت إرسالا وتلقيا بصورة أكثر من غيرها من البلاد، ثم إنه من الناحية الشخصية متعلق بالمكان الخاص الذي نشأ فيه المؤلف، تريم تحديدًا، والقيم التي تشربها، وليس كما يريد د.مكنون أن يدفع بأن الكتاب ليس موجها للداخل الحضرمي(69) في طرح بدا متجاوزًا واقع الحال بدرجة كبيرة.
وما الذي يضير إذا أردنا التعرف على حياة أجدادنا الماضية مادام هذا الكتاب ينطق بها ويصورها تصويرًا ناطقًا بكثير من وقائع العصر الذي كتب فيه، وأن نتعرف عليه في بعض مناحيه بوصفه جزءا من موروثنا نحاول قراءته، لاسيما أن ما ينقله ليس تجربة رجل واحد، ولا تجربة جماعة بعينها، بل تجربة مجتمع بأكمله، ولذا استشهدنا منه بنماذج لآل باعلوي وغير آل باعلوي، وأشرنا إلى أنه يشكل جزءًا من بنية زمنية وتراثية سابقة عليه يندرج في إطارها مثل كتاب (الجوهر الشفاف في كرامات السادة الأشراف) للشيخ عبدالرحمن بن محمد الخطيب الأنصاري، وكتاب (غرر البهاء الضوي، في مناقب السادة بني علوي) للسيد محمد بن علي خرد باعلوي(70) وأراد د.مكنون أن تكون قراءتنا شاملة لكل كتب الكرامات السابقة على كتاب المشرع الروي عندما أشار بأن د. باعيسى “بنى تحليلاته عن الكتاب خارج المنظومـة النسقيـة الزمنيـة والتراثيـة لحضرموت، وحصره في منظومة خاصة بآل باعلوي”(71) وقد جاء حصر الموضوع في كتاب المشرع الروي وفقًا وعنوان المؤتمر العلمي الثالث الذي أقامه مركز حضرموت للدراسـات التاريـخـية والتوثيق والنشر وهو (التاريخ والمؤرخـون الحضارمـة في القرنين الحادي عشر والثاني عشر الهجريين، السابع عشر والثامن عشر الميلاديين) ويسعدنا أن نراجع موروثنا بشكل مستمر في مناح وتواريخ متعددة سواء غلبت عليه الرؤية الواحدية الجاهزة، أو عدة رؤى، إننا لا نبحث عن مصدر للخطأ بقدر ما نبحث عن مصدر للحوار في إطار جدل الحاضر- الماضي لمعرفة ماضينا بصورة جيدة، وفهم ما فيه لصالح واقعنا المعاصر.
ويرى د. مكنون أن د. باعيسى “لم يعط للقارئ نبذة عن المؤلف مع أن السيد الشلي قد كتب نبذة عن حياته في المشرع الروي”(72) بل يورد بنفسه نبذة عنه في مقاله موضوع النقاش(73) وكان قد طلب من د. باعيسى –وفق رؤية فكر ما بعد الحداثة التي عرضها في أول مقاله- بأن يميت الشلي إماتة كاملة معتمدًا على نصه فقط، وخطّأَه في أنه أشار إلى أنه مؤلف كتاب المشرع الروي سواء جاء قوله في إطار حديثه عن الفكر الحداثي العام أو التخصيص المقصود به الشلي(74) ويعود هذا الاضطراب إلى تباين المداخل المنهجية والفكرية التي انطلق منها، بحيث أفقد مقاله الوظيفة التفاعلية المتكاملة نصيًا ومنهجيًا، بل أفقده وحدة ملامحه الشكلية التي تمنحه عناصر التماسك الظاهر في الأقل.
ويشير د.مكنون إلى أن “من يقرأ مقدمة المؤلف لكتاب المشرع الروي يكتشف أن العنوان الذي وضعه المؤلف لكتابه لم يضف إليه (السادة الكرام) يقول السيد الشلي: سميته المشرع الروي، في مناقب بني علوي”(75) وسواء وضع الشلي تلك الكلمة في عنوان كتابه، ولم يوردها في مقدمته، أو وضعها غيره، فهي موجودة على غلاف الكتاب حيث يتم التعامل مع نص مرسوم بين أيدينا، مما يدل فعلاً على التضخيم الذي حصل، سواء كان من المؤلف، أو من النساخ، أو من الذي أشرف على طباعة الكتاب، أو قام بطباعته، ولو أسقطنا كلمة (الكرام) أو (السادة الكرام) من العنوان، ماذا سيقال حينئذٍ؟ أقل ما يمكن أن يقال: هو أن د.باعيسى تعمد إسقاط جزء من عنوان الكتاب، وأنه لا يتمتع بالنزاهة العلمية. والمفارقة هي أن د. مكنون عندما ذكر مؤلفات الشلي في النبذة التي قدمها عنه(76) ذكر منها كتاب المشرع الروي بالعنوان الذي انتقد فيه د.باعيسى الموجود على غلاف الكتاب، وهو: (المشرع الروي في مناقب السادة الكرام آل أبي علوي)!.
ويقول د. مكنون: “كل من اطلع على كتاب المشرع الروي سيجد أن د. باعيسى لم يستقرئ كل جزئيات الكتاب الذي يريد تحليله، بل لم يستقرئ كل ما ورد في الكتاب عن الجزئية التي ركز عليها في تحليله، وهي كرامات الأولياء، وهذا خطأ منهجي يؤدي إلى الخلوص إلى نتائج خاطئة”(77).
أما أن د. باعيسى لم يستقرئ كل جزئيات كتاب المشرع الروي، فلأن موضوع قراءته اقتصر على الكرامات، وإن سقط لفظها من العنوان لسبب غير مقصود كما أوضح ذلك سلفا، ومتن قراءته يدل على أنه قصدها دون غيرها، وأما أنه (لم يستقرئ كل ما ورد في الكتاب عن الجزئية التي ركز عليها في تحليله) وهي الكرامات، فلا أدري ما الذي دل د. مكنون على ذلك؟ وقد اكتفى د. باعيسى -من حيث العرض- ببعض النماذج دون كلها، وهو أمر معروف في كتابة البحوث والدراسات، ولا مشاحة في ذلك.
ولعل أحدا يناقش بأن ما قدمه د.مكنون ملاحظات لا تستلزم الوحدة المنهجية والموضوعية، ومن ثم لا تستلزم هذا الرد الباحث عن التماسك، ولكن الأمر ليس كذلك، فنحن أمام مقال متكامل جعل له د. مكنون مقدمة، وقسمه قسمين: أولا، وثانيا، قسم الأول منهما (أولاً) جزئين أ، ب، وقسم الجزء (ب) إلى أجزاء أصغر وضع لها أرقاما (1، 2، 3) وقسم القسم الثاني (ثانيًا) جزئين لم يجعل لهما أحرفا أبجدية على غرار أولا، بل جعل للأول رقما، في مخالفة واضحة لعملية الترتيب التقني، وترك الثاني بغير ترقيم، وهو متصل بالأول اتصالا مباشرا، واختتم بعنوان منفرد، وذلك على النحو التالي:
المقدمة.
أولاً: الملاحظات المنهجية.
أ- منهج فلسفة ما بعد الحداثة.
ب- منهج البحث العلمي الأكاديمي، ويشمل:
1- عنوان البحث.
2- منهج البحث.
3- التحليل عند علماء مناهج البحث العلمي.
ثانيًا: ملاحظات على متن البحث، ويشمل:
1- الكتاب والمؤلف.
-السياق المعرفي للكتاب.
إشكالية البحث الاجتماعية.
ليس هذا فحسب، بل إنه أراد لمقاله أن يؤدي عملية التوجيه والتصويب العلمي، وأسنده إلى ما رآه مناسبًا من مراجع فكرية ومنهجية تجاه ما يراه في قراءة د. باعيسى من خلل، يقول: “لهذا رأيت أنه يلزم علي أن أستعرض بإيجاز شديد منهج ما بعد الحداثة لمعرفة مدى استخدام د. باعيسى لهذا المنهج(78) ويقول: “ولكي نتعرف على مدى استخدام الباحث هذا المنهج، نستعرض بإيجاز مفهوم هذا المنهج عند علماء مناهج البحث العلمي، ومدى استخدام د. باعيسى لهذا المنهج”(79) مما يشير إلى أن د. مكنون، قصد إلى بناء مقاله بناء فكريا ومنهجيا متينا من وجهة نظره، ولم يقصد إلى تقديم ملاحظات شتى، لكن وقد عز عليه – في ما يبدو- إيجاد عنوان جامع يلم شتات ما ذهب إليه سمى مقاله (ملاحظات…).
وأرجو أن يقف معي القارئ عند هذه العبارة الدالة على الأستاذية المتعالية: (… لمعرفة مدى استخدام د. باعيسى لهذا المنهج) يقصد ما بعد الحداثة، وكأنه يخاطب طالبًا مبتدئًا، يقول هذا- وهو الأستاذ المتخصص في التاريخ- في زميل له متخصص في مجال الأدب والنقد، عمل على تدريس مبادئ النقد الأدبي الحديثة واتجاهاته لمساقي الماجستير والبكالوريوس في كليتي التربية والآداب بجامعة حضرموت أكثر من عشرين عامًا، وألف في ذلك عددا من الكتب النظرية والتطبيقية(80) واشترك مع عدد من الأساتذة في تأليف كتب أخرى(81) وناقش وأشرف على عدد من الرسائل العلمية(82) وحكّم بحوث أساتذة في الحداثة للترقية في الألقاب العلمية(83) وكتب مقالات منثورة في بطون الصحف والمجلات المحلية والعربية(84).
ونحن لا ننزه أنفسنا عن النقد، لكن من الناحية المبدئية والعلمية، كيف يمكن لأستاذ من مجال أكاديمي مختلف أن يسمح لنفسه بالخوض، وباستعلاء، في مجال أستاذ آخر متخصص فيه. نحن لا ننقد المناقشة، ونرحب بالتصويب، فلم يكمل أحد نصاب العلم، وإنما ننقد الاستعلاء غير المسوغ ومحاولة فرض الأستاذية والتوجيه في نطاق أكاديمي لا علاقة له به بشكل مباشر.
كما أرجو أن يقف القارئ عند عبارته الأخرى (ولكي نتعرف على مدى استخدام الباحث هذا المنهج) يقصد منهج البحث التحليلي كما سماه، وقد ناقشناه في ذلك، غير أنه قام –بعد ذلك- بشرح خطوات التحليل من حصر جزئيات المادة المطلوبة للدراسة من قبل الباحث، وتصنيفها، وترتيبها، وتنظيمها(85) وهي خطوات يقوم بها الباحث عند إعداد بحثه، وتظهر آثارها في متن البحث بكيفيات مختلفة، حسبما يراه الباحث، ولا أدري ما إذا كان د. مكنون يريد أن يشرحها للدكتور باعيسى، أو للقارئ، فهي مما يتعلمه الباحث في أوليات حياته البحثية، ويكفي أن نشير إلى أن العنوانات الداخلية لقراءة د. باعيسى، وهي:
– تعريف بالكتاب انطلاقا منه.
– وظيفة الكتاب.
– الكتاب انطلاقا من الشلي.
تـدل على القيـام بتلك الإجـراءات من الترتيـب، والتصنيف، والتنظيم.
الهوامش:
47) مقال د. مكنون، ص30.
48) نفسه، والصفحة نفسها.
49) نفسه، والصفحة نفسها.
50) كتاب المشرع الروي في مناقب السادة الكرام آل أبي علوي، قراءة تحليلية، مرجع سابق، ص55.
51) مقال د. مكنون، ص32.
52) ينظر نفسه، ص35-36.
53) نفسه، ص36.
54) ينظر كتاب المشرع الروي في مناقب السادة الكرام آل أبي علوي، قراءة تحليلية، مرجع سابق، ص56- 57.
55) مقال د. مكنون، ص31.
56) نفسه، ص35-36.
57) نفسه، ص36.
58) ينظر نفسه، ص35-36.
59) ينظر نفسه ص30-31.
60) ينظر نفسه، ص32.
61) نفسه، ص30.
62) نفسه، ص31.
63) نفسه، والصفحة نفسها.
64) ينظر نفسه، والصفحة نفسها.
65) نفسه، والصفحة نفسها.
66) ينظر نفسه، والصفحة نفسها.
67) ينظر عالم الفكر، العدد4، المجلد32، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت2004م، ص253.
68) نفسه، ص32.
69) ينظر نفسه والصفحة نفسها.
70) ينظر كتاب المشرع الروي في مناقب السادة الكرام آل أبي علوي، قراءة تحليلية، مرجع سابق، ص55.
71) مقال د. مكنون، ص31.
72) نفسه، ص33.
73) ينظر نفسه، ص34-35.
74) ينظر نفسه، ص26-27، ص28.
75) نفسه، ص34.
76) ينظر نفسه، والصفحة نفسها.
77) نفسه، ص29.
78) نفسه، ص25.
79) نفسه، ص29.
80) منها:
– في مناهج القراءة النقدية الحديثة، اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، مركز عبادي للدراسات والنشر، دار حضرموت للدراسات والنشر، الجمهورية اليمنية 2004م.
– ضمن الوجه، تكشفات قرائية في خصوصيات شعرية يمنية، اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ، مركز عبادي للدراسات والنشر، دار حضرموت للدراسات والنشر، الجمهورية اليمنية 2004م.
– استئناف الكلمات، قراءة في نصوص شعرية حضرمية، دار حضرموت للدراسات والنشر، المكلا، حضرموت، الجمهورية اليمنية 2016م.
81) منها:
– المحضار بأقلام عشاقه، دراسات ومقالات (كتاب آفاق-5) صادر عن فرع اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، المكلا، حضرموت، الجمهورية اليمنية2010م.
– شهاب غانم في بستان طاغور، قراءة في منجزه الإبداعي، إعداد وتقديم عبدالحكيم الزبيدي (سلسلة الإبداع-31) مؤسسة الإبداع للثقافة والآداب والفنون، الطبعة الأولى، صنعاء1435ه- 2014م.
– سعيد محمد دحي وتجليات الإبداع، إصدار سكرتارية اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين بمحافظة حضرموت، وجامعة عدن. د. ت.
82) منها:
– البنية السردية في شعر امرئ القيس، رسالة ماجستير، جميل علوان علي مقراض، كلية الآداب، جامعة حضرموت، نوقشت بتاريخ 28/ 6/ 2009م.
– التماسك النصي في شعر كعب بن زهير، رسالة ماجستير، علي أحمد راجح خليفة، كلية التربية، جامعة عدن2014م.
– الأنساق الثقافية في شعر النقائض في العصر الأموي، رسالة ماجستير، وهيب سالم عبدالله السعدي، كلية الآداب، جامعة عدن 2015م.
83) منها:
– ملامح التأثير والتأثر بين مناهج النقد الأدبي الحديث، جامعة ذمار.
– ديوان نسمات الربيع، دراسة أسلوبية، جامعة حضرموت.
– التناص في رسائل القاضي الفاضل، جامعة ذمار.
84) منها:
– دورين انجرامز والكشف عن واقع حضرموت من الداخل قبل سبعين عاما (الحلقة الأولى) مجلة المكلا، العدد11، اكتوبر- ديسمبر 2011م، و (الحلقة الثانية) المجلة نفسها، العدد13، ابريل- يونيو2011م.
– بنات الرياض والإفضاء بهموم الذات والجسد، مجلة الرافد، مجلة شهرية ثقافية جامعة، تصدر عن دائرة الثقافة والإعلام، حكومة الشارقة، العدد 175 ربيع الثاني 1433هـ- مارس2012م.
– قراءة ثقافية في الشعر العامي الحضرمي، ديوان بخيتة ومبخوت نموذجا، شعاع الأمل، الأعداد 129- 131، حضرموت، الجمهورية اليمنية، صفر1434هـ/ ينايـر2013م – ربيـع الثانـي 1434هـ / مارس2013م.
85) مقال د. مكنون، ص29.