تراث
سالم عمر الجعيدي
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 3 .. ص 39
رابط العدد 3 : اضغط هنا
يأتي هذا البحث ليسلط الضوء علي نظام قياس الوقت عند القدماء وثقافتهم في تحديد ساعات النهار عبر الظل وتطورها بعد عصر المأمون الذي رافق نشاطا واسعا في علوم الفلك والهندسة والرياضيات وتقدما في أدوات القياس والرصد الأمر الذي أدى إلى تحديد أجزاء الساعة المعوجة إلى دقائق ، وقد تم نشر الساعات المعوجة في ساحات الجوامع والمنابر واعتمد عليه في تحديد الوقت ومعرفة أوقات الصلاة عبر المزاول ، ورغم معرفة الفلكيين وأهل الحساب بالساعات المعتدلة إلا أنه لم تكن لديهم آلة تسير علي آلية الساعات المعتدلة وإنما ظلت معرفة نظام الساعات المعتدلة قاصرة على الحساب فقط حتى جاء ابن الشاطر وأدخل تعديلا على شاخص المزولة لتسير بذلك على نظام الساعات المعتدلة وقد عدت تعديلات ابن الشاطر فتحا علميا قادت الأوربيين إلى تطوير الساعات الميكانيكية.
أهمية البحث : إن مما حدا بي للكتابة عن هذا الجانب التراثي ما نجده من كثرة أسئلة هواة الفلك والمثقفين عن المزاول العربية والساعات القديمة وهي تساؤلات نجدها تطرح بكثرة ولا تجد لها أجوبة شافية سواء في المنتديات أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي أضف إلى ذلك شحة المكتبات العربية وقلة من يتناول هذا الموضوع بالشرح .
الساعات المعوجة : Unequal Hours – Temporary Hours
وهي أقدم الساعات استخداما في التاريخ وهي تقسم ساعات النهار إلى اثنتي عشرة ساعة دائما وأبدا طال النهار أم قصر و كذلك ساعات الليل اثنتا عشرة ساعة دائما وأبدا ، فهي ساعات أعدادها ثابتة ومقاديرها مختلفة ، فمقدار الساعة الواحدة فيها ليس دائما ستين دقيقة وإنما تزيد بزيادة ساعات النهار أو الليل وتقل بانخفاضها ، ففي الشتاء قد يبلغ مقدار الساعة الواحدة للنهار ٤٧ دقيقة وبفصل الصيف يبلغ ساعة وربعاً.
وتنقسم الساعات المعوجة من حيث القياس إلى طريقتين ، الطريقة التقريبية المشهورة عند القدماء التي تعتمد قياس طول ظل القامة بالأقدام والأخرى الطريقة الدقيقة التي ظهرت بعد عهد المأمون التي تعتمد قياس ظل المزولة.
أولاً: الساعات بقياس طول ظل القامة:
وقد أورد هذه الطريقة العديد من أهل الهيئة قديما وحديثا كابن البناء في كتابه ( علم الأوقات بالحساب ) (۱) ، والجاردي في كتابه (اقتطاف الأنوار من روضة الأزهار ) (۲) ، يقول ابن البناء ( باب معرفة ما مر للنهار من ساعة : … إن كان معك قائم مقسوم باثني عشر قسما ، وعلمت في كم ظله من تلك الأقسام ، فتلك أصابع ظل مبسوطة ، وإن كان معك ارتفاع ، فاعلم أصابعه المبسوطة – كما تقدم – فما كانت الأصابع ، فزد عليها اثني عشرة أبداً، وأنقص من المجتمع أصابع ظل ارتفاع نصف النهار في ذلك اليوم ، واقسم علي الباقي اثنتين وسبعين أبداً ، تخرج الساعات الزمانية …. وإن كنت بعد نصف النهار، فأنقصها من اثنتي عشرة ، يبقى ما مضى من ساعات النهار، فإن أردت معتدلة ، فاضربها في ساعات نهارك المعتدلة ، وأقسم على اثنتي عشرة ، يخرج ما مر من النهار من ساعات معتدلة ) انتهى .
والقامة هنا تقسم عندهم إلى اثنتي عشرة قسما وقد تقسم عند الآخرين من أهل الهيئة إلى ستة أقدام أو ستة أقدام وثلث أو ستة ونصف .
أما الطريقة العملية لها فكانت تقيس
ظل القامة لمعرفة الوقت كالتالي :
الساعة الأولى : من شروق الشمس إلى بلوغ الظل ٣٥ قدما بعد حذف ظل الفيء.
الساعة الثانية : من ٣٥ قدما إلى ١٤ قدما بعد حذف ظل الفيء.
الساعة الثالثة : من ١٤ قدما إلى ٧ أقدام.
الساعة الرابعة : من 7 أقدام إلى ثلاثة أقدام ونصف.
الساعة الخامسة : من ثلاثة أقدام ونصف إلى قدم وخمسي القدم.
الساعة السادسة : من قدم وخمسي القدم إلى صفر.
الساعة السابعة : من صفر إلى قدم وخمسي القدم.
الساعة الثامنة : من قدم وخمسي القدم إلى ثلاثة أقدام ونصف.
الساعة التاسعة : من ثلاثة أقدام ونصف إلى سبعة أقدام.
الساعة العاشرة : من سبعة أقدام إلى ١٤ قدماً.
الساعة الحادية عشرة : من ١٤ قدماً إلى ٣٥ قدماً.
الساعة الثانية عشرة : من ٣٥ قدم إلى غروب الشمس .
مع ملاحظة أن قياسات الظل تتم بعد حذف ظل الفيء ، كما أن العرب كانوا يكتفون بذكر الساعة فقط دون الحاجة المعرفة أجزاء الساعة من دقائق وثوان ، وقد جاءت نصوص عديدة في كتب السنة والسيرة والتاريخ تثبت ذكر هذه الساعات وقياسات ظل القامة .
فمن السنة الحديث المشهور عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر ) (3) .
وفي المستدرك للحاكم ( 1 / 414 ) عن جابر بن عبد الله : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ( يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة ولا يوجد عبد مسلم يسأل الله شيئاً إلا أتاه الله فالتمسوها آخر الساعة بعد العصر).
و قال أبو إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: ” النَّهَارُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً وَكَذَلِكَ رُويَ عَن الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [النَّهَارُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً] (٤) .
ومن كتب التاريخ ، كتاب فتوح الشام للواقدي وهو يتحدث عن عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال (قال عبد الله بن قرط فركبت من اليرموك يوم الجمعة في الساعة العاشرة بعد العصر، وقد مضى من شهر في الحجة اثنا عشر يوماً والقمر زائد النور فوصلت يوم الجمعة في الساعة الخامسة والمسجد مملوء بالناس فأنخت ناقتي على باب جبريل عليه السلام وأتيت الروضة وسلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه وصليت فيها ركعتين ونشرت الكتاب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه.) .
فهذه النصوص وغيرها الكثير تثبـت دراية القدماء المعرفية بنظام الساعات لقياس الوقت ، كما تثبت أنهم عند القياس يحذفون ظل الفيء ، وأن حذف ظل الفيء عند القياس هو أمر مستقر في ثقافة القدماء لذلك جاءت نصوص الفقهاء عند ذكر وقت العصر ( أنه الوقت الذي يصير فيه ظل الشيء مثله ) دون ذكر ( غير ظل الفيء ) لأن حذف ظل الفيء من الأمور المستقرة في ذهن السامع.
ثانياً : الساعات المعوجة الدقيقة بوساطة المزولة :
وهي الساعات التي تشير إليها المزاول العربية التي ظهرت بعد عهد المأمون وقد أفاض الفلكيون في شرحها وانتشر استخدامها على نطاق واسع في أوج الحضارة الإسلامية وظهرت على المآذن والقصور وساحات المساجد.
ويأتي ظهور المزاول كنتيجة طبيعية للتطور الملحوظ في شتي ميادين العلوم التجريبية كالهندسة والجبر والفيزياء الذي أعقب حركة نشاط الترجمة لعلوم الحضارات السابقة من يونان ورومان وهند وفرس ، فجاءت المزولة كشكل من أشكال قياس الوقت بدقة تفوق النظام القديم الذي يعتمد قياس ظل القامة من حيث إمكانية قياس وتحديد أجزاء الساعة والدقائق ، مع الحفاظ علي الخاصية السابقة في تقسيم النهار أو الليل إلى اثنتي عشرة ساعة دائما وأبدا .
كان قياس الوقت الدقيق قديما لا يعرف عند أهل الحساب إلا برصد ارتفاع الشمس مستعينا بالإسطرلاب ، ولاحظوا أن ارتفاعات الشمس لساعة معينة تصنع منحني ثابتاً بحيث تشير إلى نفس الوقت كلما وقعت الشمس على نفس المنحنى ، من هنا جاءت الخطوط والرسومات التي على سطح المزاول العربية القديمة .
في الشكل السابق يتبين أنه يمكن من خلال شاخص قائم على أرضية مستوية رسم كل منحنيات الساعة من خلال رصد ظل المزولة بين الانقلابين ( الانقلاب الشتوي ، والانقلاب الصيفي ) كما أن هذا الشكل هو الصورة العامة لكل المزاول العربية حتى مع اختلاف عروض البلدان . فمن الشكل نجد ما يلي :
AA هو مسار ظل الشاخص بالانقلاب الشتوي .
CC هو مسار ظل الشاخص بالانقلاب الصيفي .
BB هو مسار ظل الشاخص في الاعتدالين ويمتاز هذا الخط بموازاته لخط الشرق والغرب وأنه عمودي على خط منتصف النهار.
فبعد شروق الشمس يبدأ ظل الشاخص في المزولة بالسقوط علي أرضية المزولة من جهة الغرب ويظل يتزحزح ظل رأس الشاخص حتى يبلغ الخط المتقطع للرقم واحد، فهذا يشير إلى نهاية الساعة الواحده ثم يظل يتزحزح كذلك حتى يمر على كل منحنيات الساعة .
وقد بقيت هذه الساعات قيد الاستعمال ردحا من الزمن وكل من يطالع كتب التواريخ التي تؤرخ لما قبل القرن الثامن الهجري وتدوينهم للساعات فإنه يجد أنهم يقيسون الوقت وفق نظام الساعات المعوجة .
الساعات المعتدلة : وسميت معتدلة لكون مقدار كل ساعة فيها تعادل ستين دقیقة، وهذا النظام من أكفأ الأنظمة القياس الكميات الفيزيائية وتحديد مقادير الوقت وهو نفس النظام المعمول حديثا في ساعاتنا اليومية ، ورغم أن نظام الساعات المعتدلة كانت معروفة في كتب الفلكيين عن طريق الحساب إلا أنه لم تكن لديهم آلية يمكن بموجبها معرفة الوقت بالساعة المعتدلة ، وغاية ما يتمكنون منه هو بتحويل الساعة المعوجة عبر الحساب بما يوافق الساعة المعتدلة . وقد تفطن ابن الشاطر لفكرة تحقق سير المزولة علي ساعة تتوافق مع حركة سير الشمس الظاهري علي محور الكرة الأرضية، وذلك بأن يقام شاخص المزولة بحيث يتجه لنقطة القطب الشمالي فمعلوم أن الشمس تدور بحركتها الظاهرية حول محور الكرة الأرضة مرة كل ٢٤ ساعة ، وبناء على ذلك لو وقف شخص بنقطة القطب الشمالي فإنه سيلاحظ أن ظله يصنع دائرة كاملة كل ٢٤ ساعة وذلك أن سمت رأسه مواز لمحور الأرض ، لذلك فإن كل من يقيم شاخصا بحيث يتجه رأسه لنجم القطب الشمالي فإن الشاخص سيكون موازياً لمحور الكرة الأرضية وبالتالي فإن الظل الذي يصنعه الشاخص على المستوى العمودي عليه يصنع قطاعا زاويا مقداره خمس عشرة درجة كل ستين دقيقة وهذه هي فكرة نظام الساعات المعتدلة.
ونظرا لكون المناطق التي يزيد عرضها عن مدار السرطان كدمشق وتركيا لا تبلغ الشمس مسامتة روؤسهم على مدار العام فإن ظل الشـ اخص الذي يميل لنجمة القطب الشمالي سيحجزه عن ضوء الشمس أرضية الشاخص نفسها ، لذلك جعل ابن الشاطر مزولته يميل فيها الشاخص نحو نجمة الشمال وجعل أرضية الشاخص تقع على مستوى الأرض ورسم على أرضية الشـ اخص امتدادات الظل الساقط من الأرضية الأصلية كما هو مبين في الرسم.
يتضح هنا صورة الشاخص التي تم إقامتها بحيث تتجه نحو محور الكرة الأرضية ويظهر مستوى الأرضية العمودية على الشاخص التي قسمت فيها الساعات إلى قطاعات كل قطاع بخمس عشرة درجة ، ثم من خلال امتدادات خطوط الساعات في الأرضية المائلة تم إسقاط الخطوط على الأرضية القائمة على مستوى الأرض.
والصورة التالية تبين الشكل النهائي للمزولة بعد سحب الأرضية المائلة .
الهوامش :
1- أحمد بن محمد الأزدي المعروف بابن البناء ( ٦٥٤ – ٧٢١) وكتابه علم الأوقات
بالحساب من مجموعة كتب مواقيت من التراث حققها محمد العربي الخطابي وطبعت في المغرب تحت عنوان ( علم المواقيت أصوله ومناهجه ).
٢- عبد الرحمن بن أبي غالب الجادري ) ت ۸۳۹ ) وكتابه ضمن كتاب ( علم المواقيت أصوله ومناهجه ).
3 – أخرجه مالك (۱۰۱/۱ ، رقم (۲۲۷)، والبخاري (۳۰۱/۱ ، رقم ٨٤١) ، ومسلم (٢) /٥٨٢ ، رقم ٨٥٠) ، وأبو داود (٩٦/١ ، رقم ٣٥١) ، والترمذى (٣٧٢/٢ ، رقم ٤٩٩) وقال : حسن صحيح . والنسائي (۹۹/۳ ، رقم (۱۳۸۸) ، وابن حبان (۱۳/۷ ، رقم .(٢٧٧٥).
٤ ) – الكتاب التوحيد ومعرفة أسماء الله عز وجل وصفاته على الاتفاق والتفرد لابن منده، المتوفى: ٣٩٥هـ) ، بتحقيق الدكتور علي بن محمد ناصر الفقيهي الأستاذ المشارك في قسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ، الناشر مكتبة العلوم والحكم المدينة المنورة دار العلوم والحكم سوريا ، الطبعة: الأولى، ١٤٢٣ هـ – ۲۰۰۲م.