حديث البداية
د. عبدالقادر باعيسى - رئيس التحرير
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 33 .. ص 4
رابط العدد 33 : اضغط هنا
سأنقل لكم هذه الرواية كما وردت في إحدى وسائل التواصل الاجتماعي (واتس أب) إذ يقول كاتبها المهتم بالشؤون التاريخية بالنص “اسمعوا هذه الرواية نقلها لي شخص من مدودة الليلة وكان يتواصل معي تلفونياً في أمور تاريخية قال إنه سمع جنيا في أحد الموسوسين يتكلم مع القارئ المعروف بن عبدالعزيز في مسجده بقارة آل عبدالعزيز قبل فترة، الظاهر أن القارئ هذا توفي رحمه الله، يقول له هذه القارة أرض بني سعد من كندة.
فالشخص السائل لي قلت له الجن أعمارهم طويلة أكثر منا وربما لديهم معلومات تاريخية فعلاً قديمة، لكن فيهم الكاذب وفيهم المنافق والكافر والعاصي، والمدلس، فقد يكون بهذا القول قصد الفتنة أو التحريش بين بني سعد وآل عبدالعزيز والقارئ منهم والله أعلم.
وفي كل الأحوال بني سعد في هذه المنطقة حوالي شبام قديم وجودهم”
يستنتج القارئ من هذا القول ما يأتي:
1) تصديق الكاتب بما يقوله الجن من روايات تاريخية (الجن أعمارهم طويلة أكثر منا، وربما لديهم معلومات تاريخية فعلا قديمة).
2) التشكيك بما قد يقوله بعضهم (لكن فيهم الكاذب، وفيهم المنافق، والكافر، والعاصي، والمدلس) وفي هذا التشكيك تأكيد بصورة غير مباشرة على أن بعضهم صادق، وأنه يمكن اعتماد روايته.
3) إمكانية تدخلهم في إثارة الفتنة بين العشائر الحضرمية (فقد يكون بهذا القول قصد الفتنة أو التحريش بين بني سعد وآل عبدالعزيز، والقارئ منهم).
وربما فات الجني الإشارة إلى أنه ربما كان هناك تعاون بينهم وبين بعض أجدادنا الأقدمين في موضوع كتابة التاريخ الحضرمي.
يعمل مثل هذا الطرح على فكرة الغاية تبرر الوسيلة، لكن الغاية هنا لا وجود لها، وهي اعتماد كتابة التاريخ من خلال مرجعية الجن، فلا وسيلة هنا ولا غاية، والذي يأتي بوسيلة غير جيدة لغاية غير جيدة ربما كان يفكر في تلك اللحظة التي كتب فيها بصورة غير جيدة، وقد أشرنا في إحدى افتتاحيات مجلة (حضرموت الثقافية) إلى أنه كيف سوقت بعض معلومات التاريخ الحضرمي، واعتمدت انطلاقاً من أحلام النائمين، وليت المسألة تنحصر في مجرد مرجع كما في هذه الحالة يمكن أن ينتقده الكثيرون، ولكن في أسلوب تفكير معتمد عند بعض مثقفينا.
إن الاهتمام بمراجع ما هي بمراجع أكثر من الاهتمام بالمعرفة ذاتها يثير إشكالاً كبيراً يتمثل في الذهاب عند البحث عن المعرفة إلى خارج المعرفة، ولنفترض أننا مددنا في الحبل لمثل هذا الطرح، فإلى أي حقل يمكن أن تنتسب مرجعية الجن؟ إلى حقل العلوم الإنسانية بمختلف تشعباتها الاجتماعية والتاريخية، أو إلى أفكار تجعل تاريخ جنس عند جنس آخر ذي طبيعة مختلفة، فهي مرجعية غير متسقة في ذاتها ومجالها قبل أن تكون مرجعية غير طبيعية للمعرفة، وإن الحديث عن هذه المرجعية -ولو في قول في الواتس- يعد دالا على ارتباك حاصل لدينا يمكن أن تضطرب معه جدوى العلم، وعليه فإن البعد الثقافي في تعيين المصادر إن لم يحضر بصورته العلمية في فعل التنمية الثقافية والعلمية لدينا فإننا سنظل نصارع ونعاني من أهواء وطرق حرة في تعيين مصادر معرفة التاريخ الحضرمي تدخلنا في أفق من الأوهام.
وقد عرف في ميثولوجيا الإغريق أن الصراع كان يدور عنيفا بين آلهتهم، ولا وجود لهذا الصراع إلا في أذهان الشعراء اليونان، ومن ثم في أذهان المعتقدين بترهاتهم، ولدينا نحن مراجع لا وجود لها إلا في أذهان من قالوا بها، ومن ثم في أذهان من يصدقونها، وربما أخذوا في تناقلها واعتمادها.