لقاء مع السيد محمد أبوبكر بن يحيى: رحلة السينما من سنغافورة إلى حضرموت   

لقاء

أ. علي سالم اليزيدي

في لقاء حصري مع السيد محمد أبوبكر بن يحيى، تحدثنا عن رحلته الحياتية المثيرة، التي بدأت في سنغافورة، مرورًا بطفولته في حضرموت، وصولًا إلى تجربته الفريدة في عالم السينما.  


المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 33 .. ص 50

رابط العدد 33 : اضغط هنا


 يروي السيد محمد بن يحيى تفاصيل هذه الرحلة، وكيف أثَّرتْ بيئته الأسرية والدينية فيه.

النشأة والتربية:

 وُلد السيد محمد أبوبكر بن يحيى سنة 1935م في سنغافورة، مثله مثل الكثير من الحضارم الذين هاجر آباؤهم إلى هناك. والده كان مدرسًا للإسلامية في مدرسة الجنيد العريقة بسنغافورة، ومستشارًا لأسرة آل الكاف الحضرمية المعروفة في سنغافورة. كما كان والده قارئًا للقرآن في الإذاعة بسنغافورة؛ إذ تميَّز بصوت عذب شجي.

نشأ محمد في بيئة دينية وسطية محافظة، امتدادًا لجذور أسلافه من السادة آل باعلوي، الذين كان لهم الدور الأبرز في دخول الإسلام شرق آسيا وغيرها.  

  بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، عاد محمد بصحبة والديه وأخواته الثلاث الأصغر منه إلى حضرموت، وتحديدًا إلى المكلا. 

 استقبلهم هناك العلامة الحبيب علي بن محمد بن طاهر بن يحيى، ولكن لم تكد تمضي فترة منذ وصولهم حتى انتقل والده إلى جوار ربه، فكان على محمد تحمل المسؤولية في سنٍّ مبكّرة من عمره، فقد تولى تربيته والدته الشريفة زهراء بن شهاب الدين، وعمه العلامة المحدث الحبيب علي بن يحيى. 

التعليم والعمل المبكر :

  عملت والدته كمدرسة في مدرسة القرية للأيتام بديس المكلا، والتحق محمد بها حتى المستوى الرابع، قبل أن ينتقل إلى وسط المكلا لاستكمال دراسته. مع دراسته، بدأ محمد العمل في مجال التجارة بصحبة رجل الأعمال المعروف السيد محمد بن سالم السري، إذ استفاد منه وتعلم الكثير واكتسب خبرات جليلة. وكما يقول هو عن نفسه، “لم أكمل دراستي الأكاديمية في المدارس أو الجامعات النظامية، بل تعلمت من مدرسة محمد بن سالم السري ومن مدرسة الحياة”.

قصته مع السينما :

وعن قصته مع السينما، يقول السيد محمد أبو بكر بن يحيى المقيم حاليًا في دولة الإمارات العربية المتحدة: “خلال وجودنا في المدرسة بسنغافورة، وُلِعْتُ بمشاهدة لعبة شدَّتني كثيرًا، وكان لها تأثير كبير فيما بعد على عملي، وهي صندوق العجائب، والرسوم المتحركة، التي تعرض عند المدارس أو في الشوارع. كانت هذه اللعبة تشدنا كثيرًا، وحيثما نجدها نتجمع وندفع مبالغ لصاحبها لمشاهدتها”.

يضيف محمد قائلًا: “من هنا نبع عندي حب الصورة المتحركة. وحين تمكنت من مشاهدة الأفلام والسينما فيما بعد، سيطرت عليَّ رغبة مشاهدة الأفلام.

تطور هذا الشغف عندما عرفت مدينة عدن وأنا شاب قادم من سنغافورة، إذ كانت عدن مدينة

 السينما وتعرض الأفلام كل ليلة من دو ن انقطاع”.

السينما في حضرموت:

يواصل بن يحيى حديثه: “في المكلا، التي وصلتها وزاولت بعض الأعمال الخاصة، لم تكن هناك سينما تعرض للناس بشكل منتظم كما في عدن، حيث كان يعرض السلطان القعيطي أفلامًا هندية وأفلام شارلي شابلن في قصره، وأحيانًا يتيح للناس مشاهدتها في الأعياد والمناسبات”.

ويقول أيضًا: “كان هناك جدل حول ضرورة وجود سينما يشاهدها الناس بحرية، وطرح الأمر على السلطان صالح بن غالب القعيطي الذي رحب بالفكرة. فهو من أعطى موافقته.  

السلطان صالح كان صاحب رؤية، ورائدًا من رواد الثقافة في حضرموت، بل إنه أنتج أكثر من فيلم بحضرموت وكان مخرجًا لها، وبدأت السينما بعرض الافلام المتاحة للناس عبر تجار الأفلام أو مستوردي الأفلام من عدن للمكلا”.  

وكونه نشأ على الكفاح والمثابرة فقد خاض التجربة والتنافس الشريف مع آل بارحيم. 

    يقول محمد: “هنا، وما معي من رأس مال وخصوصًا أن الإخوة آل بارحيم استقدموا عددًا من الأفلام، وبدأوا في عرضها في ساحة قصر السلطان كل ليلة، بالتنسيق مع نادي الكوكب الرياضي، وكذا عرضها في الشحر والغيل في أحواش، وجاءتنا الفرصة من خلال نادي الاتحاد الرياضي، الذي وجد أن مشروع السينما مشروع استثماري، يمكن أن يضيف دخلًا إضافيًا للنادي، واستخرج نادي الاتحاد بالمكلا رخصة سينما كانت من نصيبي”.

     ويضيف محمد قائلًا: “شجعني في ذلك نجاح آل بارحيم وتحسُّن الإقبال من الجمهور على الأفلام والدخول بكثافة، وفور حصولي على الترخيص ذهبت إلى عدن، وتواصلت مع شركات في اليابان، واستوردْتُ واشتريت جهاز عرض للأفلام، وحرصت على أن يكون المشاهد في راحة ومستمتع من دون أن يقطع الفيلم عنه”. 

 وهذا الكلام قبل إقامة دار السينما الأهلية بالمكلا، وما يزال الحديث هنا عن عرض الأفلام في الستينيات منذ 1963م في ساحة قصر السلطان لنا كمستوردي أفلام وغيرها من مدن حضرموت. 

بدأت السينما في عرض الأفلام المتاحة للجمهور عبر تجار الأفلام أو مستورديها من عدن إلى المكلا. 

وعقد اتفاق مع مورّدي الأفلام في عدن؛ لتزويده بأفلام، لها تأثير، وذات هدف ثقافي وقومي وتاريخي، إلى جانب بعض الأفلام الهندية التي يحبها الجمهور آنذاك.

كانت هناك رقابة على الأفلام، وهناك لجنة دينية، وهناك البلدية والشرطة تنظم العرض، وهذا ممَّا حكاه لنا عن قصته مع السينما واستيراد الأفلام للمكلا وما أدَّاه من دور ووعي تنويري تثقيفي وسط الشعب الحضرمي حينها. 

الإسهامات والتطورات:

يتذكر محمد: “في الستينات، كانت لدينا سينما في ساحة قصر السلطان، حيث كنا نعرض الأفلام لجمهور حضرموت. لقد شجعني نجاح آل بارحيم وتحسن الإقبال من الجمهور.  

بعد ذلك، تأسست الشركة الأهلية للسينما في عام 1966، مما نظم العملية بشكل أفضل، واستمر في تقديم عروض الأفلام في مدن حضرموت الأخرى”.

ختم السيد محمد أبوبكر بن يحيى حديثه قائلًا: “عشقت السينما منذ الصغر، وكانت لدي رؤية لتعزيز الوعي والثقافة عبر الأفلام. رغم الصعوبات، تمكنت من تحقيق ذلك، وتقديم مساهمة قيمة للمجتمع الحضرمي”. 

شهادة شخصية:  

وعن هذا الحوار الذي أجريناه كانت هناك رغبة في أن ألتقي بالرجل، وأتحدث إليه وجهًا لوجه، دون غيره ممن ألتقيت بهم وكتبت عنهم في كتابي عن ظهور السينما وتجربة الإنتاج السينمائي  بحضرموت، السبب أن محمد أبوبكر بن يحيى يختلف عن غيره لأننا عرفنا بعضًا منذ بداية قصته مع عرض الأفلام بالمكلا، وكنا في حارة واحدة في (حي برع السدة سابقًا) حي السلام حاليًا، ويقع مكتبه الذي يعد فيه الأفلام ويرتب أمور العرض في شارع بيت الوزير أحمد محمد العطاس، بالقرب مكانين شهيرين، هما نادي الوحدة بحي السلام، ومقهى أسوان قرب مستشفى المكلا، وكنا نمر به في الصباح والمساء ونحن فتية من أبناء الحافة في طريقنا للنادي أو المدرسة أو للجلوس بالمقهى، وكثيرًا ماكُنَّا نختلس وتقع أيدينا على قطعٍ من الأفلام التي يعدُّها للعرض أو التي تقطع ونضعها في جيبنا فرحين، وكان هو شخصية طيبة جدًا، وصاحب أخلاق رفيعة، ويتمتع بعلاقات مع سكان الحارة ومع أهالي المكلا، وعاشق للرياضة والثقافة .

    وقد سألت عنه منذ فترة فقيل لي إنه بدولة الإمارات العربية المتحدة، هاجر إليها مع تبدُّل الأوضاع في حضرموت بسبعينيات القرن الماضي، ومن محاسن الصدف أيضًا أن أتعرف على أحد أقاربه وهو المهندس أبوبكر أحمد السري من خلال وجودنا معًا في التحضير للمؤتمر الحضرمي الجامع، وأوصلني إليه، وتم تواصلنا بنجاح ومودة، وأقولها بفخر هنا لأنني كنت معاصرًا له شعرت بأني التقيت ليس بمحمد أبوبكر بن يحيى بل بشقيق لي، وملف ذكريات لزمن جميل، وهذا ما أسعدني وبفضل ﷲ أولًا، ثم بفضله حصلت على هذا اللقاء القيم والكبير.

    هكذا، يسدل السيد محمد أبوبكر بن يحيى الستار على حوارنا معه، موضحًا كيف شكلت السينما جزءًا لا يتجزأ من رحلته الحياتية، وكيف أسهمت في نشر الوعي والثقافة في مجتمعه. وقد تميزت الأفلام التي يعرضها السيد بن يحيى بالأفلام ذات الأهداف السامية والثقافة العالية.