آخر حوار مع الشاعر الرقيق والملحن الشّجي الرّاحل صالح عبدالرحمن المفلحي
حوار
أ. صالح حسين الفردي
أجراه: صالح الفردي:
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 33 .. ص 55
رابط العدد 33 : اضغط هنا
المفلحي مقاربة أولى:
كانت أغنيات الشاعر والملحن الكبير صالح عبدالرحمن المفلحي قد استهوتنا منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي، عندما كنّا نخطو خطواتنا الأولى في رحلة التعليم الجامعي، بكلية التربية العليا بالمكلا – جامعة عدن، حينها كنت بمعية رفيق الدّرب والحياة طه حسين الحضرمي، قد بدأنا دراستنا في الكليّة بقسم اللغة العربية، وكنّا من عشّاق هذا الشاعر والملحّن المبدع (المفلحي)، حتَّى جعلنا كثيرًا ما نستغل الفرص لنذهب إليه يوم كان يعمل مديرًا للصحة المدرسية في المبنى الذي أمام مستشفّى باشراحيل، وفي الطابق الثاني، وظللْنا نذهب إليه لنتبادل أطراف الحديث معه، ونستأنس بجمال روحه، وطلاوة لسانه، وهدوء صوته، وهو يتحدّث إلينا – نحن الشباب – يومها باستحياء كبير، لنبقى على هذه العادة حتى حين انتقل مبنى الصحة المدرسية إلى حي العمال – شرج باسالم – على الشارع العام بطلعة (بن عزون) اليوم، ليصبح هذا الشاعر الفنان فضاءً إنسانيًا وجماليًا وإبداعيًّا، لا ننفكّ نحاول نفكّ شفرات قصّة عشقه، التي سكبها دررًا غنائية كانت، ولمَّا تزل حديث الناس في مدينة المكلا وأحيائها الأخرى، وحضرموت والوطن حتى اليوم.
كانت هذه أولى المقاربات لعوالم هذا الشاعر الرقيق والملحن الشجي، الذي انطلقت تجربته الشعرية مع مطلع ستينيات القرن الماضي، بمحاولتين غنائيتين، هما: (رسول بلّغ لخلاني السّلام، وقرّب البعد حلّان الطويلة)، الرائعتان اللتان قدَّمهما الفنان العبقري محمد جمعة خان في سِنِيِّ حياته الأخيرة، مقدّمًا هذا الشاعر الشّاب بقوّة إلى السّاحة الفنيّة الغنائية الحضرمية زمنئذٍ.
المفلحي قبيل الحوار:
في مطلع الألفية الثالثة، نشرتُ في صحيفة المسيلة ثلاث حلقات بعنوان: (قراءة في تجربة الشاعر صالح عبدالرحمن المفلحي)، وصلت إليه تباعًا عن طريق الزميل العزيز الإعلامي الرّاحل حسين محمد بازياد، مدير إذاعة المكلا يومئذٍ، ونالت إعجاب هذا الشاعر الكبير، مما جعله يبدي رغبته في شكري على ما نثرت، وقد كان، عبر الزميل حسين، وفي مكتبه عبر الاتصال به، مما جرأني فطلبت زيارته والتشرّف بمقابلته وإجراء حوار لبرنامجي الإذاعي: (من روائع الغناء الحضرمي)، فرحَّب بذلك، وقد كان منزويًّا في منزله بحي السّلام، معتذرًا للعديد عن إجراء أي حوار، حتى كان لقائي به في الثاني عشر من فبراير من العام 2005م.
حين أقفلت سماعة الهاتف بعد ذلك الاتصال، وموافقته على الجلوس والحوار بمنزله -عيديد- أحسست برهبة قوية تهز دواخلي، وحينها سألت نفسي كيف سيكون الحوار، وماذا سوف أسأله، وهل لي أن أذهب بعيدًا في أسئلتي، أو أظل ملتزمًا بالحوار والأسئلة التقليدية؟ فحسمْتُ أمري على أن أدع الأمور تأخذ طبيعتها، فأخذت أرقب الساعات المتبقية من الموعد، وما أن اقترب حتى سلكت الطريق إلى عيديد (مسمّى منزله الكائن بحي السّلام، الشارع الممتد من جدار مستشفى باشراحيل، ومدخل مقهى أسوان باتجاه الجبل، باحة مسجد الفلاح اليوم)، وما أن فتح الباب حتى دلفت إلى غرفته التي على يسار مدخل البيت، فوجدته والعم سالم صفي، الكادر المحاسبي والمالي في زمن السلطنة القعيطية، وهما في ركنها جالسان يتبادلان الحديث، وأمامه كل أدوات الشاي، فسلّمت عليهما، فنهض من قعدته مرحّبًا بي، حينها أدركت أنني أمام إنسان يحتويك من الوهلة الأولى، وتألفه وتقترب منه، فلقد نزع من نفسي آخر بذرة للتوتّر كنت أعمل لها حسابًا، وبدأت في التفكير في طريقة الاندماج معه ومع ضيفه الكريم، وتركت الحديث ينساب على سجيته، وجاء على هذه الطريقة والشاكلة:
- قصيدة بلجيك فيها الرمز القوي؟
– الكلام الرمز أنا أقصد به كلام خاص، ما أقصد به شيئًا من الأشياء السياسية ولا حاجة لا .. لا ..
- يعني هو ضمن مرحلة العشق، وضروري من التلميح، أحيانًا ليكون أقوى من التصريح؟
– أيوه أيوه، نعم جاءت في هذا الإطار..
- وجدتها من القصائد القليلة التي فيها الرمز في الديوان، هل هي جاءت قبل شبعة العيد أو بعدها؟
– بلجيك سبقت شبعة العيد..
- هل نستطيع القول إنه: ما أفاد التلميح فكان لابد من التصريح؟
– نعم .. نعم تقريبًا هكذا.
- لكن الرمزية قوية قليلًا؟
– قوية، بعد ذلك كُلٌّ فسَّرها بتفسيره الخاص به..
- الشيء الذي ما زال في ذاكرة الناس، ومازالت مسيطرةً عليهم حتى اللحظة وسارت كالمثل، (توقّع يا حبيبي لا تغرّك شبعة العيد)، وهي تظهر كثيرًا من صفاتك أنت التي أشرت إليها في الأبيات الأولى من ديوانك، إنك إنسان لا تحب التلوّن، ولا تحب التغير، وإنك صاحب مواثيق وعهود، هذه القصيدة ماهي مناسبتها، وهل تتذكر في أي عام؟
– الآن أنا ما أتذكر في أي عام – تقريبًا فوق 35 سنة – تقريبًا، كذا طبيعة الشعر، يأتيك دون أن تبحث عنه، شيء يُمْلى عليك إملاء، دون ما تتقصده فجأة، جملة: (لا تغرك شبعة العيد)، هي مَثَلٌ حضرمي معروف، ولكنني طوَّعْتُهُ لهذه الأغنية.
- وكان التطويع مناسبًا للحالة التي أنت تعيشها؟
– أيوه، أيوه، وبدأت به:
جزائي يوم أنا أحبك وخليتك مزيد
وكل الناس فيما لقيته فيك تشهــد
إذا ناديتنا لبيت بك عيني ويا سيد
توقع ياحبيبي لا تغرك شبعة العيد
- كلمة توقع ما فيها رقة؟
– فيها رقة فعلًا، وأنا توقّعت منه أن يفهمها..
- حتى في لحظة القسوة تحادي بمن تحب؟
– بعد ذلك جاء:
وياما من ليالي سامرك فيها ونقهد
وبيت بالقبل لا طفك من ذا الخد لاخد
وسلمتك ولاء قلبي هول من غير تحديد
- كذلك كلمة هول!
– هول كلمة حضرمية، تعني: ما فيها وزن ولا فيها كيل..
- بعد ذلك جاء البيت الذي تقول فيه:
على كتف الدلل تفحسك في الأسواق كل يد
وعرضوا بزك البالي على أبيض وأسود
لأنك قاصر القيمة وبزك عيف تقليد.
- هذا البيت ما يزال الكثير من المحبين للأغنية الحضرمية إلى الآن يتساءلون: المعلوم عن الشاعر المفلحي رقَّته وعاطفته الجيّاشة، ولكن في هذا البيت!
– أيوه أيوه، هذا البيت فعلًا كان شديدًا شيئًا ما، شديدًا قليلًا، وكنت أتمنى ألا يكون في الأغنية ولكنه جاء عفويًّا، ولكنه جاء صادقًا، قد يكون عن صدق جاء، قد يكون يلملم جراحًا، قد يكون هكذا، ولكن لا أريده بالطريقة هذه، كان شديدًا وقويًا ومؤثِّـرًا في الوقت نفسه.
- لذلك رجعت في القصيدة نفسها، في آخرها تقول:
وبحرك .. ما أعترف لي ضاع فيه الجزر والمد
ولو حاولت بابلده فيه البلد بلد
ويصعب معرفة بحرك على عز النواخيذ
- لأنك هنا كمن حاول أن يعيد الاعتبار لمن يحبه!
– نعم، هذا ما حاولته.
- الآن عندما ترجع إلى هذه الروائع التي كتبْتَها في مرحلة الشباب، كيف تنظر لها أنت؟
– والله بنوع من الإكبار، وأتساءل مع نفسي، هل أنا قلت هذا الكلام، الآن أنا متردد، وعندما أستطلع ديواني أقول: كيف أنا قلت هذا الكلام، طبعًا الشباب له زخمه الخاص، والشباب شعلة من الجنون.
- لك روائع كثيرة أيضًا، وهل هي من ألحانك؟
– كلها من ألحاني.
- لك رائعة، إذا ما وصفن نساء الديس، فيوصفن بهذا الوصف: رافعات الشيادر..
– روحن فوق جول الديس ملقات عاكر
مثل لظباء رقيقات الخصور الضوامر
ريتنا كون معهن في سمر حيث يضوين
عانك الله يا العاشق على قسوة البين
- أيش الحكاية؟
– قصة هذه الأغنية، جاءت أثناء فترة، كنتُ جالسًا فوق دور البحر هذا (بحر المشراف)، وجاءني واحد فقال لي: قم، جاءني بالسيارة، قم جالس مع عدّة شيبان هنا جالسون، طلعت معه، وتحركنا إلى ديس المكلا، وكنا في آخر صفر، آخر ربوع، والناس كانت تتشاءم من آخر ربوع في صفر، يخرج الناس والنساء من المكلا وحي العمال وكل مكان إلى (باكزيبور)، -المنطقة التي تلي حصن الغويزي، وتعرف بمنطقة (الجُذْمَان) لوجود مساكن إيوائهم فيها حتى اليوم – وفي الليل يعودون، فخرجت رأيتُ المشهد هذا، النساء والرقصات الشعبية، فالعاكر نقصد به الطين الذي يرقصن فيه فهذا يعمل زاخي (غبار متصاعد).
- بس جاءت جميلة تحمل أكثر من معنى.
– نعم.
- وكان الوصف دقيقًا، وتعد هذه من اللوحات، فهي كلها قصيدة مشاهد، أيضًا مطارح بعيدة، والزيارة على مثلي صعيبة..
– ليتكم قرب حليتوا في المنتاق.
- لك نصَّانِ غنّاهما الراحل محمد جمعة خان هما: رسول بلغ، مايس القد – كيف جاءت ظروف إعطائه هذه الكلمات والألحان، فقد كُنتَ صغيرًا وهو فنان مشهور؟
– هو فنان كبير، ومشهور، وهو أكبر مني سنًا، وأنا من المعجبين به كثيرًا جدًا، أعطيته اللحن، وقلت له: مسموح لك أن تعدّل في اللحن ما شئت، وبالفعل عدل في اللحن، فكانت أغانٍ جميلة.
- المحضار ذكراه الخامسة صادفت الخامس من فبراير الجاري (2005م)، وربما لديكم كثير من الذكريات؟
– أنا أعرف المحضار منذ أكثر من سبعة وثلاثين عامًا، ليلتها كنتُ مغادرًا إلى الشحر، ودخلت مسجدًا، فوجدتُ قُدَّامي واحدًا من الفقهاء من حبايبنا (آل بن الشيخ بوبكر) في واحد من مساجد الشحر، لمَّا دخلت المسجد، وجدت حلقة فيها مجموعة يقرؤون في صحيح البخاري، من ضمنهم حسين المحضار، وأنا ما أعرفه شخصيًا، وهو كذلك، في الوقت ذاك، أنا خرجت لي أغنيتان (مايس القد)، و(رسول بلغ)، وهو خرجت له أربع أغانٍ، في ضوء ذا الكوكب الساري وغيرها، جاء الدور عنده للقراءة، فلما كان يقرأ وهو شاب، وأنا شاب، أعجبْتُ بصوته الجميل، المحضار ربي ما أعطاه موهبة الشعر فقط، وإنما أعطاه الصوت الجميل، سألت واحدًا جنبي مَنْ هذا؟ قال لي: هذا حسين أبوبكر المحضار، قلت: هذا الشاعر، قال هذا الشاعر، عجيب.. ففكرت في هذا الموقف لا يحتاج إلى كلام، وقلت في نفسي أنا لابد لي من مجاراته مهما كان الأمر أنا أقول قصيدة، هو يقول قصيدتين، قلت قصيدتين أخرج ثلاثًا، تعمقت في أغانيه فإذا هي أغانٍ جميلة، فالمحضار شاعر عظيم في نفسه طويل، كثير العطاء، عميق المعاني، رصين القوافي، شاعر عظيم هو يعتبر أستاذي، وهذا العملاق لا يعوض في عدة أجيال قادمة، فهو كثير العطاء دائمًا شاعر عظيم، لا يستهان به، وأظن المنطقة لن تُعوَّض به في المدى القريب.
- هل هناك شيء من قصائدك أنت شعرت أنه ارتاح لها؟
– هو يرتاح إلى أغانيي كثيرًا، ويسمّينا بالشاعر الرقيق دائمًا، حتى كما قلت لك في صحيفة (المسيلة)، كان قابله واحد صحفي، فكتب عنوان المقابلة (إنقاذ حياة الشاعر المفلحي)، في آخر المقابلة يقول الصحفي للمحضار: هل لك من كلمة أخيرة تقولها؟ قال له نعم، أرجو من القيادة السياسية أن تنقذ حياة الشاعر الرقيق صالح عبدالرحمن المفلحي، الذي يعاني من ألم في ركبتيه، وبالفعل في اليوم الثاني باشر الأخوان بإعطائي تذاكر سفر وغيره، فقدَّمت له قصيدة شكر في (المسيلة) ونشرت ووضعت فيها صورته وصورتي، ومنها:
من طرق باب القيادة ما خرج منها خلي
شكراً لك أستاذي المحضار الشهم الأبي
- ماهي الأغاني التي تراها قريبة إلى قلبك من أغاني المحضار؟
– الحقيقة أن أغاني المحضار كلها أغانٍ جميلة، مثلما كان هو يتمنّى أن تكون بعض أغانيي في ديوانه، كان يتمنّى (رافعات الشيادر – شبعة العيد – خرج ذا فصل) والتي أشار الأستاذ بامطرف في مقدمة الديوان إلى أنها من أعظم الألحان والكلمات الحضرمية، أما أنا فأتمنى أن يكون لي الكثير والكثير من شعر المحضار.
- سمعت أن المحضار في جلسة كان يقول: بيت للمفلحي تمنيت أن أقوله، وهو يعدل بالكثير من قصائدي، ما هو؟
– نص البيت هو:
وحبي واضح الرؤية ولا ينكره لك أحد
هذا الكلام شهد به جماعة كانوا معه في منطقة الواسط، وحتى أظنه في شبعة العيد بيت أشار إليه:
ويا ما ليالي سامرك فيها ونقهد
ويبيت بالقبل لاطفك من ذا الخد لا خد
وسلمتك ولاء قلبي هول من غير تحديد
قال هذا كأنه أخذه من غرغوري، وأما أغاني المحضار فأنا معجب بها كلها تقريبًا، تلك الأغنية التي يقدر فيها الرأس والشيب).
- ميزة شعراء هذه المرحلة، أنك والمحضار شاعران وملحّنان، في وقت واحد.
– هذه موهبة من الله سبحانه وتعالى، وهو بالحقيقة شاعر له نفس طويل باللحن، فأنا في ليلة من الليالي كنت جالسًا في هذا المكان، وسمعت أحدًا من الجيران يستمع لأغنية لفنانة تغني: (وشكم بعد غيبتكم ياحلان في الغيظة) – يقصد الفنانة الشعبية (غنيّة سالم)، التي اشتهرت بهذه الرائعة المحضارية في منتصف سبعينيات القرن الماضي – واستمعت لهذا المقطع: فكيف بدأ هذا الشاعر بالمقطع الأول، وكيف لعب بعواطفه وسط اللحن، وكيف قفلتُه، كان بديعًا جدًا جدًا حتى في أبسط الأغاني.
- أنت الآن لك ديوان بإذن الله سيرى النور قريبًا؟
– إن شاء الله سيخرج قريبًا، وهو عند الدكتور عبدالله حسين البار لتقديمه فهو المسؤول عنه، والتسمية هو مَنْ سيضعها على الديوان، الديوان الأول أنا عملت خيارات للأستاذ بامطرف، فاختار هذا الاسم (خواطر في أنغام)، لكن هذا – للدكتور/ عبدالله البار ليسميه كما يشاء، ويشرفني أن يسميه كما يريد.
- لك ذكريات مع حسين محمد البار؟
– نعم، كان صديقًا حميمًا لي، وكنت أشاوره في بعض الأمور، ولا أستغني عنه -الله يرحمه- فقد كانت لنا مقايل في منزل محمد جمعة خان دائمًا، وكان حديثنا دائمًا عن السفر والغناء والطرب، حتى أنَّه لمَّا سمع أغنياتي الأولى (مايس القد، رسول بلغ سلامي) كان يقول لي: (عسى الأسباب خير)، شاعر عظيم، وفنان وعازف عود، وأديب ومحامٍ، وشاعر يقول باللغة العربية الفصحى والعامية.
- ديوان خواطر في أنغام له الآن أكثر من (30) عامًا، لم تعد طباعته حتى الآن؟
– الديوان نفد من الأسواق، وكانت طباعته بالكويت عام 1970م، وأنا أشرفت على طباعته، والحكومة هنا لم تقصر؛ إذ يسرت لي الدعم في ذلك الوقت، وأتمنى أن تعاد طباعته.
- تغنى بروائعك عدد من الفنانين، هل تجد في نفسك أن بعضهم قريب إلى ما أردت أن توصله؟
– الحقيقة -والله- أنني معجب بهم جميعًا، كلهم أبدعوا: أبوبكر سالم بلفقيه، محمد جمعة خان، محمد سالم بن شامخ، محمد سعد عبدالله، عبدالرب إدريس، كرامة مرسال، علي العطاس، بدوي زبير، كلّهم، كلّهم.
- من روائع الغناء الحضرمي قصيدة من كلماتك وألحانك إلى جانب العديد من روائعك الأخرى، ولكن ظلت هذه القصيدة الغنائية التي تبدأها بقولك (جزائي يومنا حبك)، هذه القصيدة ما زالت حتى اللحظة مؤثرة ومطلوبة؟ كيف جاءت؟
– الواقع أن اللحن عندي يسبق الكلمة، كما هو بطبيعته عند أستاذي المحضار، عندما تضع اللحن، تأتي بكلمات التي تلائم اللحن، إذا اللحن الحزين ترصد التقارب فيه، أو تحاول أبعاد الهجر، أو تشعر بعذاب، فيأتي طبقًا للحن الموجود، فلما تضع اللحن، تضع الكلمات على مستوى اللحن وأناته وآهاته، هذا هو، فأولًا أبدأ مع نفسي بالدندنة، وأسجله على الريكوردر، وبعد ذلك أتبع هذا اللحن، وأشوف هل يشبه شيئًا من ألحاني، أو ألحان المحضار، ثم أعيد فألبسه بعد ذلك بالكلمات.
- هذه الكلمات في شبعة العيد فيها الكثير من المعاني الإنسانية.
– (مقاطعًا)، الواحد لمّا يضع كلامًا كهذا سيوصف حبيبه أنه مثلًا: كيف أنا كنت أقدرك ومعجب بك، وواضعك موضع التقدير والاحترام، وليش تصد هذا الصد كله، إلى آخره، فتأتي الصيغة على هذا المنوال.
- جاءت فيها بعض الصور الجميلة، مثل: (ليه الكبر ذا كله وليه الظلم والصد)!، هذه ثلاثة أشياء إذا واحدة منهن قد بقيت عالقة..
– (مقاطعًا): قد يكون الشاعر واجهه حبيبه بكلام قد أثر فيه، ورأى مثلًا محبوبه تطاول في الهجر والبعاد والكبر: يقول هذا الكلام في سياق حالته النفسية.
- البيت الذي يقول: على كتف الدلل تفحسك..
– (مقاطعًا): هذا البيت أنا في الحقيقة ما أريد أن أقوله، ولكني قلته، حتى حسين المحضار – الله يرحمه – كان يقول لي هذا البيت شديد شيئًا ما، قلت له: بالفعل شديد قليلًا، وما أريد أن أقوله ولكني قلته، شيء ما دفعني لقوله فقلته.
- البيت الذي بعده (وبحرك ما اعترف لي)، كأن فيه تراجعًا عمَّا قلته، فمعناه أنك نوع غريب ما اعترفت لي، ما عرفت ميولك نحوي خاصة، ففيك الصد وفيك البعد، رغم أننا أحبك بأمانة، ولكن لم تستطع أن تميّز بحره حتى آخر لحظة.
– نعم، نعم، ما استطعت أنا أن أميز بحره، ولو أنه يحبك، وأنت تشعر بهذا الحب، ولكن الإنسان نسّاي دائمًا، والإنسان لابد له أن يكون موضع تساؤل دائمًا.
- هذا اللحن الغنائي مَنْ أوَّلُ من غنَّاه؟
– غناه مرسال، فكل أغنية أعطيها مرسال.
- هذه الكلمات بعد أن قلتها هل أعدتَ تعديلها؟
– لا تعديل فيها، فالشيء لما تكتبه وتقوله ويغنيها الفنان لا تُعدَّل.
- طلب مني أن أسألك هذا السؤال: الآن وأنت بهذا السن وهذا النضج، إذا أعدت ذاكرتك إلى الوراء/ هل ستكتب هذه الأغنية بهذه القوة؟
– (مقاطعًا): لا، لا، بالطبع لا؛ لأن الشباب كما قلت شعلة من الجنون، ويندفع اندفاعًا كثيرًا، وأنا في مثل هذا السن وهذا النضج لا يمكن أن أقول كلامًا جارحًا مثل هذا الكلام، لأنه كلام جارح، وأبيات جارحة.
- هذا الكلام الجارح، هو كلام بديع؛ لأنه ربما يكون رسالة للكثيرين لئلا يتمادوا في الصد والهجران.
– (مقاطعًا): طبعًا، طبعًا، وهي رسالة الفن، كما قلت، ولكن الواحد يكون دائمًا حذرًا، لا يكرر مثل هذه الأشياء، فإذا قال كلامًا جارحًا لا يكرره أبدًا، الحبيب حسين المحضار أشار إلى هذا البيت، وقال إن هذا البيت شديد قليلًا، فقلت: شديد قليلًا صحيح، وأنا ندمت عليه.
شكراً شاعرنا صالح المفلحي على هذا اللقاء الماتع معك.
شكراً جزيلاً.