رباط باعشن .. إحدى أقدم مناطق دوعن وأكبرها .. وبها أول مدرسة تعليم حكومية

استطلاع

يوسف عمر باسنبل


المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 33 .. ص 92

رابط العدد 33 : اضغط هنا


الموقع و التسمية:

تقع منطقة رباط باعشن في أقصى وادي دوعن الأيمن، بعد الانتهاء من منطقة قرن باحكيم، مع نهاية الخط الأسفلتي، حيث تتربع على صدر الجبل، وتنكشف أمام الزُّوَّار القادمين إليها، وقد بنى أهلُها البيوت على ارتفاع بعيدٍ عن مجرى السيل، وتتبوَّأ الرباط واجهة الواديين، وتتشعب بعدها عدد من الأودية، التي تتبع منطقة الرباط، حيث نجد من الناحية القِبلية أودية حموضة ووادي النبي وتنسبة ومدّة، ومن الناحية الجنوبية حمضة وقرهن وترعن، ومن الناحية الشرقية وادي منوة وقرهن وظلهم، وهي الأودية التي تتشكل منها مياه سيول وادي دوعن الأيمن، وتحيط بالرباط أشجار النخيل والجبال من جهتي الجنوب والغرب، ويحدُّها من جهة الشرق في اتجاه وادي منوة منطقة حصن باصم وسيدة، ومن الشمال قرن باحكيم والخريبة، وتتكون منطقة الرباط من عددٍ من المناطق التي تعد من ضواحيها (سيدة ، قرن باحكيم، الحسوسة ، المنصورة، بادر، حصن باصم، غيل باحكوم، قرحة باحميش)، وتوجد في أقصى الوادي بعد منطقة غيل باحكوم منطقة تسمى أهل الصعيد الباعشن، يوجد بها قبور لآل باعشن ومسجد، وهي منطقة قديمة في أعلى الوادي، ومنها ينحدر الوادي، بها قبور الصالحين من أسلاف آل باعشن ومن المناطق المهمة، وقد ترجم لها علوي بن طاهر الحداد في كتابه الشامل، وترجم لها العلامة الحبـيب عمر بن حامد الجـيلانـي عند ترجمته للشيخ سعيد بن عبدالله باعشن: (مدفون في محل اسمه الصعيد، حيث قبور الأقدمين من المشائخ آل باعشن في وادي دوعن)، ويعود سبب هجرتهم إلى الاضطرابات التي شهدتْها الجزيرة العربية آنذاك والاختلافات السياسية والعقائدية، ويوجد هناك بالقرب من الصعيد منطقة المحسا.

وعن سبب التسمية، فكلمة رباط تعني المكان أو المدرسة التي ينقطع إليها الطلاب للعلم، وجمعُها أربطة، التي كانت تؤدي رسالة العلوم الشرعية والعربية، لذا سميت (رباط باعشن) بهذا الاسم لأنه تم فيها بناء أول رباط للعلم الشرعي، بناه أحد المشائخ من آل باعشن، ويقال إن مؤسس الرباط هو الشيخ عبدالله بن أبي بكر باعشن، صاحب مسجد الجامع بالرباط، وأراد أن يكون رباطاً علمياً لطلاب العلم فسميت باسم آل باعشن؛ لأنهم من أوائل من سكنوا فيها، وجعلوا منها رباطاً علمياً، ولما لهم من مكانة علمية؛ إذ كانت بلدتهم ملاذاً لطلاب العلم، وكان رباط باعشن من أشهر الأربطة العلمية في وادي دوعن منذ القرن السابع الهجري، وكان مقصداً لطلاب العلم، لذلك سميت بالرباط تشبيهاً بالمرابطين الذين يُعَـدُّون لحماية الدين من الأعداء، وقيل إن الرباط سميت بذلك للترابط بين الأشياء، لربطها بعنق الوادي فهي تربط الأودية الثلاثة.

السكان:

تعد منطقة رباط باعشن من المناطق الآهلة بالسكان منذ القدم في وادي دوعن قبل القرن السابع الهجري، الذي شهد تأسيس أول رباط علمي، ويسكنها عددٌ من القبائل الحضرمية العريقة، ويبلغ عدد سكانها أكثر من 10 ألف نسمة مع ضواحيها بحسب إفادة رئيس اللجنة المجتمعية في المنطقة الشيخ/ حسن محمد بادقيل باعشن، وتعد من أكبر مناطق الوادي كثافة بالسكان، حيث إن اللحمة المجتمعية تضم الرباط وجميع ضواحيها من القرن إلى الغيل والقرحة والحصن. وأهل الرباط مثل باقي مناطق دوعن هاجروا منها إلى دول الجوار وإلى المدن اليمنية، فكوَّنوا تجارة هناك، ولا يزالون إلى اليوم يغادرون في إطار الهجرة الداخلية إلى مدينة عدن، التي تعد الحاضنة للآلاف من أهالي رباط باعشن وضواحيها، فأهل الرباط عرفوا الهجرة الداخلية والخارجية.

ويشتغل سكان منطقة الرباط بمهنة الزراعة، من خلال اهتمامهم بالأراضي الزراعية، والبعض في التجارة وأعمال البناء والنجارة، وقيل إن الشيخ عبد الله بن أبي بكر باعشن كان مزارعاً وتاجراً، وقد أنفق ما أدخره لبناء الجامع.

ومن الأسر التي تسكن رباط باعشن اليوم آل باعشن وباسندوة والعمودي والعطاس  والجفري والصافي وباسليم والبريكي وبارزيق وباني وباعظيم وبن زقر وبلحق وباكلة وبن سلمان وبامحيمود وباعويضان وباسعد والمدودي والعميري  وسويد وبايعشوت وباقادر والعماري وباماجد وبن جبل وبادكوك وباهويني وباطرفي وبارمضان وبامردوف، إضافة إلى أسر أخرى، وهناك قبائل كانت موجودة مثل ابن لادن، الذين أسسوا شركات، وذاع صيتهم في المملكة العربية السعودية، وذكر السيد عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف في كتابه معجم بلدان حضرموت أنهم آل بلاذِن واليوم يعرفون باسم بن لادن، وجاءُوا إلى الربـاط من رخيـة، وهم عائلة واحدة، فاستقـروا في الرباط؛ لأن أخوالهم آل المدودي موجودون بالمنطقة، وكانت الرباط تحت سيطرة آل العمودي، ولا تزال حصونهم موجودة آثارها إلى اليوم، وهي حصن سيدة وحصن باجرف.

التعليم في رباط باعشن:

يعد أول رباط علم في دوعن وربما في حضرموت الذي أسسه الشيخ/ عبدالله بن أبي بكر باعشن في القرن السابع الهجري، ويعود تأسيس منطقة رباط باعشن لغرض علمي في ذلك الوقت، ويظهر ذلك من خلال اسمها (رباط)، وكان يأتي إليها طلبة العلم من جميع مناطق دوعن، ومن مناطق أخرى لطلب العلم الشرعي، وكان لها دورٌ حافلٌ ومتميزٌ، وهذا ما كان ينشده مؤسس الرباط، وقد خرج من ذريته وأهله من حمل شرف العلم، ومن أشهر علماء الباعشن الشيخ/ محمد باعشن، من علماء دوعن في القرن العاشر، والشيخ أحمد عبدالقادر باعشن المتوفى سنة 1052هـ، والشيخ عبدالله بن عبدالله باعشن المتوفى سنة 1172هـ، والشيخ سعيد بن عمر باعشن المتوفى سنة 1253هـ، والشيخ أحمد سعيد باعشن المتوفى سنة 1257هـ بمدينة شبام، والشيخ سعيد بن محمد باعشن المحقّق والعالم اللغوي صاحب كتاب (بشرى الكريم)، وكانت العُـلَم موجودة في رباط باعشن، وأقدمها عُلمة الشيخ/ سعيد عبدالله بن سلمان، وعُلمة الشيخ/ حسن أحمد بن سلمان، وعُلمة الشيخ/ عبدالله حسن بن سلمان، وعُلمة الشيخ/ أحمد بن حسن بن سلمان، وكانت بأجر رمزي.

وفي الرباط أيضاً علماء آخرون، منهم السيد/ عبدالله بن محسن العطاس، والشيخ المحقق/ عبدالله بن سعيد العمودي، والشيخ/ عبدالرحمن المسكتي باعشن، ومن علمائها المتأخرين في العصر الحديث الشيخ أحمد بن محمد العميري، المتوفى في سبعينيات القرن الماضي، الذي كان محافظاً على إقامة دروس الفقه في المساجد.

وأما التعليم الحديث فكان التعليم قد تطور نسبياً في مدرسة المحضرة التي تأسست في عام 1359هـ/ 1940م على وجه التقريب، وفي عام 1361هـ/ 1941م قام الشيخ الدكتور محمد سعيد القدّال ناظر المعارف بالسلطنة القعيطية بتحويلها إلى الإشراف الحكومي لتصبح أول مدرسة حكومية في دوعن، وتتكون من طابقين، وكان من أقدم المدرسين فيها محمد وعمر خرد، ثم تولى التدريس فيها الشيخ/ محمد بافرحان واستمر حتى عام 1946م عندما تولى إدارتها الأستاذ/ حسين بن محمد البار، ومحمد الجفري، ثم تم إنشاء إدارة جماعية لها برئاسة الأستاذ/ سالم خميس حبليل، بمعاونة الأستاذ/ أحمد سعيد جوبان، ومن المدرسين والأساتذة بهذه المدرسة أيضاً الأستاذ عباس السقاف، الذي عُيّن مديراً فيما بعد، ومحمد هاشم السقاف، وعبدالرحمن الملاحي، وأحمد بن مخاشن، والشيخ نصر مرسال، وغيرهم.

وكانت بداية المدرسة من العُلمة التي كانت في محضرة الشيخ عبدالرحمن بن الشيخ البيتي، ونتيجة لكثرة الإقبال عليها تم تأسيس المدرسة بتعاون الأهالي، وتمَّ البناء على يد المعلم أحمد باصريح، وأحمد باسلوم المدودي وإخوانه، وأشرف على التنفيذ السيد/ مصطفى أحمد الحامد، وعبدالقادر بادحمان باعشن، والسيد محمد الصافي، وكان ذلك عام 1355هـ، وبعد ذلك ضُمَّت إليها المدرسة الوسطى عام 1963م التي كانت في بيت ابن لادن، ثم انتقلت المدرسة الوسطى إلى بيت السيد عمر باحسين العطاس، وكان أول مدير للمدرسة الوسطى الأستاذ عبدالكريم الملاحي، وظلّ منزل آل ابن لادن مدرسة إعدادية حتى بداية عام 1990م، عندما تم بناء مدرسة حديثة، وتسميتها بمدرسة جيل الثورة برباط باعشن، وهي من أكبر مدارس دوعن، وتضم ما يقارب 1000 طالب، وتم أيضاً بناء صفوف إضافية في المدرسة، وتزويدها بمختبر علمي حديث. ويوجد في الرباط مدرسة للبنات بُنيت عام 2019م على نفقة فاعلة خير من آل باسودان، وتسمى مدرسة دار الذكر للبنات، وكان مما يذكره الأهالي في السابق أن الشيخة/ عائشة باسندوة قد قامت بتدريس البنات في بيتها بدون مقابل.

وفي قرحة باحميش أسس الشيخ علي باصبرين رباطاً دينياً على نفقته عام 1863هـ، يقوم بتدريس الطلاب الذين يفدون عليه من دوعن ومن خارجها، وانتهى الرباط واندثر بتعدد أسفار مؤسسه ثم وفاته مع أن أحفاده قاموا بترميم الرباط في سبعينيات القرن الرابع عشر الهجري، غير أن الإهمال قد قضى عليه. ثم ظهرت العُلَم التي كان يشترط فيمن يلتحق بها أن يكون إماماً بالمسجد ومعلّماً للصِّبية بالقرحة، ومن أشهر المعلّمين الشيخ عبدالله موسى من رباط باعشن، والشيخ أحمد فرج العماري، والشيخ عمر محمد باحشوان من قرن باحكيم، والشيخ محمد سالم العطاس من سدبة، والشيخ سالم محمد باحشوان من قرن باحكيم، والشيخ سالم باعباد من الغرفة، ومن أشهر خريجي هذه المدرسة أحمد يسلم باحميش من أكبر تجار الطعام في عدن.

كانت منطقة قرن باحكيم رغم صغرها بها حركة تعليمية غير عادية، وظهرت العُلم بها، منها عُلمة القويري باهديلة في محل حياكته في بيته، وهو من تلاميذ مولى الجبلية العلامة صالـح العطـاس، وعُلمة الأستـاذيـن/ أحمد وعبدالله باهديلة في محل حياكتهم، وقد عاصرهم الشيخان أحمد ومحمد سعيد بامقدم باحكيم، اللذان كانا على جانب كبير من المعرفة الدينـيـة، وكانـا يقومـان بتعليـم الأولاد القرآن الكريم في مسجد الجامع، ثم جاء سالم بادحمان باحشوان، وكان يقوم بتعليم الأولاد في غرفة تابعة للشيخ العطاس، ثم خلفه الأستاذ/ أحمد عبدالله بأفضل، والأستاذ عمر بارجاء عام 1945م، وكانت نفقات المعلمين على حساب الأهالي، وكان الأستاذان/ عبدالله ومحمد باحشوان يعلّمان الأولاد في بيتيهما.

وكان لتعليم البنت في قرن باحكيم نصيبٌ، بعد بذل جهودٍ من قبل الشيخ/ مُحمد أحمد يسلم الجويد باحكيم؛ إذ أسس في أواخر الستينيات من القرن الرابع عشر الهجري (مدرسة البنات بقرن باحكيم)، وكانت أول مدرّسة ومديرة لها السيدة الفاضلة شفاء بن مالك (ملوكة) – رحمة الله عليها -، واستطاعت تدريس البنات، فأصبحن بعد ذلك مدرساتٍ مساعداتٍ لها، وكانت المقررات المنهجية التي تُدرَّسُ بها هي القرآن وعلومه، واللغة العربية وفروعها، إضافة إلى المتون، ثم طرأ جديد في حياة المدرسة وإدخال التدبير المنزلي، وقام الجويد باحكيم بتزويد المدرسة بمكائن خياطة، وُزّعت على الطالبات؛ بهدف مساعدة أزواجهن في أعباء الحياة، واستمرت المدرسة إلى بدايات القرن الخامس عشر الهجري.

سوق الجمعة الأسبوعي بالرباط:

تشتهر منطقة رباط باعشن بسوقها اليومي الصباحي، وتكون ذروته خاصة في يومي الخميس والجمعة، ويسمى بــ(سوق مسيبح) الذي أسس قبل مئات السنين، ويعد واحداً من أقدم الأسواق في الوادي، وتوجد بالقرب منه قلعة باسم السوق نفسه، لكن لا يعرف سبب التسمية، وتبدأ الحركة في السوق من الساعات الأولى للصباح، وتسمع أصوات البيع والشراء تملأ المكان، ويستقبل السوقُ الباعةَ من مختلف مناطق دوعن وخارجها الذين يعرضون مختلف البضائع، بما فيها المواد الغذائية، ولحوم الأغنام والجمال، ويشتهر السوق بوجود المقاهي الشعبية في منطقة الرباط، ويضيف الشيخ حسن بادقيل باعشن أن العمال في السابق كانوا يتوجهون إلى السوق بشكل يومي للتسوق لأخذ حاجاتهم بعد انتهاء وقت العمل (الزوال) الذي يعرفونه عند وصول الشمس إلى حصاة موجودة في جبل سيدة، المقابل للرباط، وتسمى الجعرى.

معالم الرباط:

من أبرز معالم الرباط بيت ابن لادن، الذي بناه المعلم/ عبدالله عوض بن لادن لأسرته، على مساحة كبيرة، قبل أن يغادر أرض الوطن إلى المملكة العربية السعودية، وهو عبارة عن عدد من البيوت المتجاورة، بنيت بطريقة هندسية رائعة، وجعلوا خلالها ممراً لمياه السيول التي تتدفق من الجبل، واستخدم هذا البيت في السابق جزءاً منه مدرسة للتعليم الأساسي، وكان في البيت فناء (وصر) يتم استخدامه في المناسبات العامة التي تنظمها السلطات آنذاك، ولا يزال البيت قائماً إلى اليوم، وتسكنه بعض الأسر.

ومن معالم المنطقة مسجد الجامع الذي بناه الشيخ عبدالله أبوبكر باعشن قبل إعادة تجديده، وفي المنطقة مساجد قديمة، مثل مسجد البيتي، المعروف بمسجد الكسير، ومسجد بازخم، ومسجد الشيخ عبدالله بن سعيد العمودي، المعروف لدى الأهالي باسم مسجد بن سعيد، ويتداولون عنه حكاية هي أن سقف المسجد بناه الجن بسبب تشكيلة الخشب الغريبة في السقف إضافة إلى الخشب المستخدم في السقف ليس من الأخشاب المتوافرة في ذلك الوقت، وهو مسجد تراثي، وفي منطقة الحسوسة يوجد مسجد صغير، يعد جامع المنطقة، وهو أقدم مسجد في منطقة الرباط وضواحيها، وقيل إن عمره أكثر من 800 سنة.

المشاريع الخيرية في المنطقة:

لأهل الخير من أبناء منطقة رباط باعشن اليد الطولى في عدد من المشاريع الخيرية، من أهمها التي شيدها المغتربون في المنطقة مشروع مياه ابن لادن الخيري وإيصال المياه إلى البيوت على يد المعلم الشيخ/ عبدالله عوض بن لادن عام 1963م، تم تنفيذ مشروع مياه رباط باعشن بإشراف المعلم عبدالله عوض بن لادن وتمويله، يعد هذا المشروع أحد أكبر مشاريع المياه على مستوى وادي دوعن، إذ تم ربط مواسير المياه من الوادي إلى القرى إلى منازل المواطنين في الرباط وضواحيها، حتى وصل إلى منطقة الخريبة والرشيد، وبهذا المشروع تكون الرباط قد سبقت المدن على مستوى المحافظة في ذلك الوقت، وتم بناء خزانات لحفظ المياه أعلى الجبل، وفي السنوات الأخيرة تم حفر آبار ارتوازية على نفقة بعض رجال الخير، منهم الشيخ محمد بابيضان، والشيخ سعيد عمر القري باسليم، وآخرون، وتم بناء سد كبير في وادي تنسبة عام 2003م بسعيٍ من الشيخ/عمر محمد بن زقر -رحمه الله -، وبناء سد آخر في تنسبة بمساعي الشيخ محمد حسن العمودي، عضو مجلس النواب، وبناء خزانات، إضافة إلى إدخال الكهرباء أيام مشاريع الكهرباء الأهلية في مناطق دوعن، وبناء مدرسة دار الذكر للبنات.

قبائل الرباط وأبرز شخصياتها:

من الأسر التي تسكن رباط باعشن قبيلة آل باعشن، وهم من مشايخ العلم والدين كما هو متعارف عند الحضارم، ولهم عدة بُطُون، منهم (بادقيل، وبايعقوب، وبابراهم، وبن قاسم، وباعثمان، وباطويل، وبارحيم، وآل الشيخ سعيد، وباصالح، وبن الشيخ، والشيخ عمر، وغيرهم)، وذكر علماء الأنساب أنهم من أصول قرشية، إذ هم ينتسبون إلى أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – كما ذكر الشيخ/ سعيد باعشن في أحد كتبه أن نسبه وسيرته إلى سيدنا أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – وأسهموا في الحركة العلمية في حضرموت في شتى العلوم وفي فقه المذهب الشافعي، وقد تخرج منهم جملة من العلماء والدعاة، كالشيخ سعيد بن محمد باعشن الذي يعد أحد أئمة المذهب الشافعي في عصره، والشيخ محمد بن عمر باعشن، أحد أعيان القرن العاشر، والشيخ أحمد بن عبدالقادر باعشن الذي وصفه المؤرخ المحبي “بإمام أهل العرفان في عصره”، والشيخ سعيد بن عبدالله باعشن، واشتهرت في آل باعشن مقولة مفتي حضرموت عبد اللاه عبدالرحمن السقاف: (آل باعشن  بيت علم، ومغرس فضل، ومنبت صلاح). وانتشرت الأسرة في سائر الأقطار الإسلامية، مثل جدة، وشرق آسيا، وإندونيسيا، وماليزيا، وسنغافورة، والهند، ولا يزالون مستقرين فيها، وكانت هجرتهم إلى جدة قبل القرن 12 الهجري، وحظوا بمكانة كبيرة منذ العهد العثماني فأصبحوا من أعيان مدينة جدة ورجالاتها، فقد حظي الشيخ علي بن عبدالله باعشن بلقب – شيخ التجار – في عام 1277 هـ، وأيضاً عُيّن الشيخ عثمان باعثمان باعشن رئيساً للعين العزيزية من قبل الملك فيصل تشريفاً له بعد أن تولى مجلس رئاسة البلدية، وكان أيضاً الشيخ محمد صالح باعشن من أعيان جدة وكبار تجارها، وهو ممن استقبلوا المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود عند دخوله مدينة جدة.

ويوجد الباعشن أيضاً في مناطق العُكة والعيبل والمسيل والحنكة في مديرية الضليعة.

ويسكن مع آل باعشن في الرباط عوائل منها، أسرة باسليم، التي تعد من الأسر الكبيرة في المنطقة وينتسب إليها آل مقيص والزريعي والقري والبكوري، وتخرج منها عدد من الشخصيات التي تتولى مناصب قيادية على مستوى الوطن، مثل الدكتور خالد عمر باسليم، وكيل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي للشؤون التعليمية، وكذا تبوأ أشقاؤه مناصب، منهم الأستاذ/ حسين عمر باسليم نائب وزير الإعلام، والدكتور/ محمد عمر باسليم المدير التنفيذي للمؤسسة العامة لمطابع الكتاب المدرسي بوزارة التربية والتعليم، والدكتورة/ هدى عمر باسليم نائب عميد كلية الدراسات العليا والبحث العلمي لشؤون الكليات الطبية والعلمية، والمرحوم الكابتن طيار صالح محمد باسليم أحد كوادر طيران شركة اليمدا البارزين.

وأشهر شخصيات الرباط وأميزها:

1- الشيخ أحمد عبدالقادر باعشن، من مواليد بلدة رباط باعشن، عاش فيها طفلاً وشاباً وشيخاً، ويلقّب بالشافعي لتفقهه بمذهبه وضبطه مسائله، وتوفي عام 1052هـ في الرباط، تلقَّى العلم والمعرفة في الرباط على يد علماء عصره، برع في العلوم، وهو فقيه وأديب ومحقق، له عدد من الشروحات والمصنفات والرسائل الفقهية والأدبية منها (الورد الإلهي المعنوي المربوط شرح مشكلات الأمر المبسوط)، و(باب المناجاة).

2- الشيخ المحقق سعيد محمد علي باعشن، الذي وُلِدَ في الرباط في حوالي مطلع القرن الثالث عشر الهجري، وعاش حياته فيها، وتلقى تعليمه بعد أن رحل إلى مصر سنة 1220هـ، فأخذ من علمائها هناك، منهم العلامة الفقيه/ إبراهيم الباجوري المصري الأزهري، والشيخ عبدالله الشرقاوي، وغيرهما من علماء مصر، ثم عاد إلى بلدته وأقام فيها، فكان مقصوداً بالأخذ عنه والارتحال إليه لطلب العلم، وممن تتلمذ على يديه السيد صالح بن عبدالله العطاس، والسيد/ أحمد محمد المحضار، والسيد/ أحمد باصبرين، وآخرون.

    توفي ليلة الثلاثاء في جمادى الآخرة سنة 1270هـ، له عدد من المؤلفات، منها (بشرى الكريم بشرح مسائل التعليم)، و(سُلَّم الطلاب شرح قلائد الإعراب)، و(مواهب الديان شرح فتح الرحمن) الذي طبع في دار المنهاج للدراسات والنشر بجدة سنة 2001م.

3- الشاعر والأديب عبدالقادر عبد الله باسندوة، الذي ولد في الرباط سنة 1180هـ، ويعد من الفقهاء الناسكين، تلقَّى تعليمه في الرباط على يد علمائه في عصره، وأنشأ صداقاتٍ مع بعض علماء عصره، أمثال الشيخ عبد الله أحمد باسودان، والشيخ حسن بن فارس باقيس، والسيد عمر البار مولى جلاجل. توفي باسندوة عام 1245هـ، له عدد من القصائد الشعرية.

4 – المعلم الشيخ/ محمد عوض بن لادن وأخوه عبدالله عوض بن لادن،

خرجا إلى الحجاز وكانت لهما تجارة واسعة وأعمال كثيرة ومشـاريـع خيـريـة، ولخبرة المعلم محمد عوض بن لادن أوكلت إليه الحكومة السعودية أعمـالاً متعـددة، منها خدمة الحرمين الشريفين والتوسعة منذ عهد المؤسس الأول للمملكة الملك عبدالعزيز آل سعود، وخلال عهده في عام 1931م قام المعلم محمد بن لادن بالبدء في مجال المقاولات، وفي عام 1950م منحه الملك عبدالعزيز شرف تجسيد أمنيته والقيام بأول توسعة سعودية للحرم النبوي الشريف في المدينة المنورة، وقد امتد العمل بهذه التوسعة إلى عهد الملك سعود بن عبدالعزيز وانتهى بنجاح تام، ونتيجة لهذا النجاح تم تكليف المعلم محمد بن لادن بتوسعة المسجد الحرام في مكة المكرمة لتكون أول توسعة يشهدها التاريخ منذ ألف عام، وفي عام 1964م كان الشرف للمعلم محمد بن لادن عندما تم تكليفه بالعمل في أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وذلك لإعادة تغطية قبة الصخرة في القدس الشريف، توفي الشيخ محمد بن لادن في حادث طائرة عام 1386هـ.

وأما أخوه الشيخ عبدالله فله مشروعات خيرية كبيرة في وادي دوعن ومنطقته الرباط خاصة، منها فتح بيته للمناسبات، الذي صار مدرسة بعد ذلك في منتصف القرن الماضي، ومشروع إيصال الماء للبيوت في الرباط وضواحيها، وشق عقبة شتنة (طريق رحاب – المكلا)، وله مساعٍ في بناء مستشفى الجحي، توفي فجر الخميس 7 محرم 1423هـ، وكان دائماً يردد بيتاً شعرياً جميلاً، يقول فيه:

إلهي نجنـي من كل ضيـق      بجاه المصطفى مولى الجميع

وهب لي في مدينته قراراً      ورزقاً ثم دفناً في البقيع

5- الشيخ عبدالله محمد بافرحان، ولد في الرباط، وتلقى تعليمه في مدرسة الفلاح التي كان يديرها آل الدباغ بالمكلا، ثم عمل مدرساً في مدرسة رباط باعشن، ثم ترك مهنة التدريس عام 1366هـ/ 1946م لضآلة الراتب، ثم عمل في صحيفة الأمل لصاحبها الشيخ/ محفوظ بن عبدّه، ثم هاجر إلى الحجاز وعمل في شركة الزاهد، ثم مدير أعمال شركة باخشب للسيارات، وتوفي في العقد التاسع من القرن العشرين.

6- الأستاذ التربوي صالح محمد باكلة، ولد في الرباط عام 1941م، ويعد أحد الكوادر التربوية ومن رواد التعليم بمحافظة حضرموت عامة ومديرية دوعن خاصة، ومن مؤسسي إدارة التربية والتعليم بمديرية دوعن بعد أن شغل أول منصب في حياته في مكتب المالية بدوعن عام 1954م، ثم انتقل إلى مكتب التفتيش التربوي بلواء دوعن وحجر عام 1965م، الذي كان يضم مديريات دوعن وحجر وحريضة وعمد ووادي العين والضليعة والطلح، وعمل مع عدد من المفتشين والمشرفين التربويين منذ انتقاله للعمل في مكتب التفتيش التربوي مروراً بافتتاح مكتب تربية دوعن في حريضة، وانتقاله إلى دوعن فيما بعد وتقلّده عدداً من المناصب التربوية حتى تقاعده بعد 41 عاماً من خدمته للتعليم، وافاه الأجل صباح يوم الأحد بمنطقة رباط باعشن 13 ديسمبر 2020م.

7- الشيخ/ عمر محمد بن زقر (عمر حمّاد): من مواليد منطقة رباط باعشن، تربـى فيها، وترعـرع بين أزقتها، وتعلم في معلامتها، ولمَّا كان وحيد الأسرة فقد سافر إلى مدينة عدن وهو في سنٍّ مبكرةٍ بحثاً عن لقمة العيش، فاشتغل هناك، ثم سافر إلى السعودية بحراً وعمل هناك في أكثر من محل في عددٍ من المشاريع الخيرية في المياه (في بناء السدود، وحفر الآبار، وغيرها)، وفي مجال الصحة (مساعدة المرضى ماديّاً، والتبرع بأجهزة طبية للمستشفيات)، وفي مجال التعليم، والزراعة، والطُّرُق، توفي في 29 أغسطس 2020م.

ومن أعلام الرباط في الوقت الحالي الأستاذ سالم عبدالله بن سلمان، الكاتب والشاعر صاحب دار حضرموت للدراسات والنشر، الذي له عددٌ من المؤلفات عن دوعن، منها (دوعن الوادي الجميل).

وهناك الكثير من الشخصيات في الداخل والخارج لا يتسع المجال لذكرهم.


المراجع :

1) الحداد، علوي بن طاهر، الشامل في تاريخ حضرموت، تريم للدراسات والنشر، 2005م.

2) السقاف، عبدالرحمن بن عبيد الله، معجم بلدان حضرموت، مكتبة الإرشاد، صنعاء، 2002 م.

3) باحمدان، محمد سالم، التعليم الأهلي في دوعن، 2008.

4) مجلة شعاع الأمل، العدد 88 يناير 2009م.