التشكيل البصري لسيميائية علامات الترقيم في ديوان (العشق في حضرة الكلمات) .. للشاعر سالم عبدالله بن سلمان .. (1 – 2)
نقد
عبدالله رجب عمر باصدّيق
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 33 .. ص 101
رابط العدد 33 : اضغط هنا
ملخص البحث
إن علامات الترقيم في إطار الشعرية لها دلالتها الخاصة، وذلك في مسارين، مسار السيميائية للدلالة الشعرية، وهذه دلالة شعرية عامة، ومسار الدلالة التي يفرضها الشاعر على شعره، بل قصيدته، وهذه دلالة خاصة؛ وعلى هذا فالبحث يقوم على مبحثين، وفي كل مبحث مطلبان.
المبحث الأول: التشكيل البصري وعلامات الترقيم، وفيه مطلبان: المطلب الأول: التشكيل البصري، والمطلب الثاني: علامات الترقيم.
المبحث الثاني: التشكل البصري لسيميائية علامات الترقيم في ديوان (العشق في حضرة الكلمات)، وفيه مطلبان: المطلب الأول: إحصائية الترقيم في ديوان (العشق في حضرة الكلمات)، والمطلب الثاني: سيميائية الترقيم في ديوان (العشق في حضرة الكلمات).
وختم الباحث بحثه بالنتائج والتوصيات، وكان أهمها: أن الشعراء المعاصرين على مستوى كبير من تقنية استعمال علامات الترقيم، وأن بعضهم يستعملها باحتراف خاص، يصعب على المتلقي اليقين بدلالاتها، والجزم بسيميائيتها، لهذا ينبغى للنقاد دراسة هذا الموضوع بعناية أكبر في شعر الشعراء المعاصرين.
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة على رسوله الأمين.
أما بعد،،
فإن علامات الترقيم في إطار الشعرية لها دلالتها الخاصة، وذلك في مسارين، مسار السيميائية للدلالة الشعرية، وهذه دلالة شعرية عامة، ومسار الدلالة التي يفرضها الشاعر على شعره عامة، وقصيدته خاصة، وهذا المسار له دلالة خاصة.
إن كان الثاني يصعب على المتلقي إدراك دلالة الشاعر إلا بشدة التأويل الذي لا يصل فيه إلى اليقين؛ إذ إن تركيبها في سياق الدلالة – إن صحّت العبارة – يقرب من السيريالية في تنافر العلامة مع ما وضعت معه؛ لهذا ((يصعب الاهتداء إلى ما ترمز إليه، وكأن الشاعر أخرجها من نثار الشعور بلا ضابط))[1]، فإن الأول أقل صعوبة؛ إذ تدخل في إطار الدلالة الشعرية المتعارف عليها عند الشعراء.
مشكلة البحث:
وتكمن في الإجابة عن الأسئلة الآتية:
– ما مفهوم التشكيل البصري لسيميائية علامات الترقيم في الشعر؟
– ما مفهوم علامات الترقيم الشعرية؟
– ما الفرق بينها وبين علامات الترقيم الإملائية؟
– هل لهذه العلامات وجود في ديوان العشق في حضرة الكلمات؟
– ما دلالة هذه العلامات في ديوان العشق في حضرة الكلمات؟
أسباب اختيار البحث:
الهدف الأساس من اختيار هذا البحث هو تكليف كُلّف به الباحث في مقرر (تحولات القصيدة العربية)، فوقع الاختيار على تحولات سيميائية علامات الترقيم الشعرية؛ وذلك لقلة الطارقين لهذا الجانب من التحولات، ولاهتمام الشعراء المعاصرين به في كتابة شعرهم.
أهمية البحث وأهدافه:
يرى الباحث أن أهمية البحث تكمن في تحقيق الأهداف الآتية:
1- تبيين مفهوم التشكيل البصري لسيميائية علامات الترقيم.
2- تبيين مفهوم علامات الترقيم الشعرية.
3- إحصاء علامات الترقيم الشعرية في ديوان )العشق في حضرة الكلمات( ودلالتها العامة.
4- دلالة علامات الترقيم الشعرية في ديوان )العشق في حضرة الكلمات(.
منهج البحث:
يقوم البحث في دراسته على المنهج السيميائي.
الدراسات السابقة: هي بحوث في مجلات ودراسات في مؤلفات، منها:
– التشكيل البصري في شعر بلند الحيدري، للأستاذ المساعد/ طيبة سيفي وطلاب الماجستير/ مهدي فاضلي ومهدي آبرون، بحث منشور في مجلة بحوث في اللغة العربية، المجلد: 14، العدد: 27، أكتوبر 2022م، طهران.
– التشكيل البصري في نصوص الشاعر جاسم آل حمد الجياشي، الكاتب حسين عجيل الساعدي. موقع الحوار المتمدن على الشبكة العنكبوتية.
– دلالة التشكيل البصري الكتابي في النص الشعري الحديث، علاء الدين علي ناصر، مجلة الأثر، العدد: 29، ديسمبر 2017م، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة البعث، سوريا.
– جماليات التشكيل البصري في الشعر الجزائري المعاصر- مقاربة جمالية لعلامات الترقيم، الكاتبة فتيحة العزوني. على الشبكة العنكبوتية.
– التشكيل البصري في قصيدة ماجدة غضبان، إعداد الطالب: محمد فاضل جدوع، رسالة علمية من جامعة المثنى، كلية التربية، 1433هـ -2012م.
المبحث الأول: التشكيل البصري وعلامات الترقيم
المطلب الأول: التشكيل البصري:
مفهومه:
يأتي التشكيل في اللغة بمعنى التصوير، ومنه الشكل أي الصورة، ومنه الإعراب والحركات كما في قولهم: شكلت الكتاب، أي وضعت في كلماته الحركات وعلامات الإعراب[2]، وعليه فالتشكيل البصري هو: ((كل ما يمنحه النص للرؤية سواء أكانت الرؤية على مستوى البصر (العين المجردة) أم على مستوى البصيرة (عين الخيال)))[3]؛ ليُعطى دلالة عند المتلقي.
إن انتقال الشعر العربي الحديث من الشفاهية التي كان عليها في عهده القديم إلى الكتابية تبرز تحولًا في القصيدة الحديثة، ينشأ عن ذلك التحول تغيرٌ في مفاهيم الأداء الشعري للقصيدة، فقد كان الإلقاء وما فيه من تنغيم ونبر وتعابير وجه، وحركات أيـدٍ دلالات مغلقة على المنطوق، تسهم في حصر الدلالة.
فاتّجه التحول من ذلك الذي ذكر وما شاكله إلى الاهتمام بالكتابة والطباعة، مثل: أشكال الخط وهندسته وما يتعلق بالإخراج الطباعي كعتبات النص، والسطر الشعري وتقسيم الصفحات وعلامات الترقيم والتقنيات السينمائية، مثل تقنيات اللقطة وتقنيتي المونتاج والسيناريو[4].
لقد عرف العرب التشكيل البصري قديمًا خاصة في كتابة الشعر، ويظهر ذلك في الآتي:
- البياض: اعتاد الكتاب للشعر قديمًا على أن يكتبوه في صورة ما يطلق عليها عمود الشعر بشطرين: الصدر والعجر، فيقف القارئ عند نهاية الشطر الأول، كما يقف عند نهاية البيت، ويُترك مساحة بياض بعد انتهاء تفعيلات الشطر الأول، وكذلك بعد انتهاء تفعيلات الشطر الثاني علامة على الوقف، الوقف الأول يدل على الوقف القصير، ما يسمى في الإملاء بالفاصلة، الدالة على الوقف القصير، والوقف الثاني يدل على الوقف الطويل، ما يسمى في الإملاء بالنقطة، الدالة على الوقف؛ لانتهاء الجملة أو الفقرة، حتى وإن كان في البيت تضمينٌ.
- الحشو: هو أن القارئ ((يستطيع أن يقف أو يسكت سكتات خفيفة في حشو البيت التقليدي من خلال إدارك بناء الجملة العربية، ومن خلال الإيقاع أو التقفية للبيت الشعري (الترصيع)، أو حسن التقسيم أو التذييل، بالإضافة إلى مراعاة النبر والتنغيم، فلنستمع إلى صوت الخنساء تنعي صخرًا))[5]:
حمَّال ألوية، هبَّاط أودية شهَّاد أنجية، للجيش جرَّار[6]
ولا يوجد في هذا الوقف علامة كتابية – سابقًا- غير الإيقاع الصوتي، وتمام الجملة، ووضوح دلالتها، أما حديثًا فقد استفادوا من علامات الترقيم، فوضعوا علامة الفاصلة (،) دلالة على الوقفة القصيرة.
المطلب الثاني: علامات الترقيم:
المفهوم:
يُعدُّ أحمد زكي باشا أول من وضع هذه العلامات بعد أن رجع إلى الكتب العربية التي وضعها النابغون من السلف في الوقف والابتداء، وما تواضع عليه الإفرنج في هذا المعنى، فكان منه ما يقرُّ الخاطر ويسر الناظر، وقد وجد أن غالب المصلحات في ذلك متقاربة [7].
لقد عرَّف أحمد زكي باشا علامات الترقيم بقوله: ((الترقيم هو وضع رموز مخصوصة في أثناء الكتابة؛ لتعيين مواقع الفصل والوقف والابتداء، وأنواع النبرات الصوتية، والأغراض الكلامية في أثناء القراءة)) [8].
من خلال ما سبق يتبين أن هذه العلامات انحدرت إلى الكتابة العربية من الكتابة الإفرنجية والأوروبية خاصة مع انتشار الكتب المطبوعة في العالم العربي في هذا العصر، مع وجود أصلها العام في الكتابة العربية [9].
هنا السؤال الذي يفرض نفسه: ما الأصل العام لعلامات الترقيم في الكتابة العربية القديمة؟ وهل كانت الكتابة العربية خالية من وسائل لتقسيم الكلام إلى فقرات وجمل لإيضاحه؟
الحقيقة أن الكتابة العربية لم تكن خالية من ذلك، ودليل ذلك ما يجده المحققون للمخطوطات القديمة من نقطة أو دائرة أو علامة خاصة بين أجزاء الكلام، كما نجد عناية علماء الحديث النبوي بوضع علامات بين الحديث والحديث [10]، لكنه لم يكن على قواعد وضوابط يُتعارف عليها، كما نجده في الفراغات أو البياضات التي بين الكلمات والجمل وعلامة الدائرة والخطوط المائلة وغير ذلك [11]. يقول أحمد زكي عن علامات الترقيم: ((وجدت بعض هذه العلامات قد استعملها النساخون المصريون في كثير من الكتب العربية كما تشهد به الآثار المحفوظة بدار الكتب الخديوية، وكما تشهد به الآثار المنقولة بطريق التصوير الشمسي))[12]، وعلامات الترقيم التي اصطلح عليها لا تخفى على أحد، كما لا يخفى أن لكلٍ مواضعها التي تستعمل فيها، وأهمها: الفاصلة (،)، والفاصلة المنقوطة (؛)، والنقطة (.)، والنقطتان الرأسيتان (:)، والشرطة (-)، وعلامة الاستفهام (؟)، وعلامة التأثير والتعجب (!)، وعلامة التنصيص ((( )))، وعلامة الحذف (…)، والقوسان (()).
علاقة الترقيم بعلم الوقف والابتداء:
ذُكر- آنفًا- أنه عند وضع ضوابط علامات الترقيم استند على مراجع من كتب السلف في ما يتعلق ببعلم الوقف والابتداء، مثل: منار الهدى في الوقف والابتداء للأشموني، والوقف والابتداء للإمام السجاوندي، والبحث المعروف في معرفة الوقوف للداني، وكتاب الوقوف للشاطبي، وكتب علوم القرآن كالإتقان في علوم القرآن للسيوطي، وكتب التجويد كشروح المقدمة في ما على قارئه أن يعلمه، والقول المفيد في علم التجويد، وغيرها من أمهات الكتب في هذا الباب [13]؛ لهذا نجد أحمد زكي يطلق على وقوف علامات الترقيم مصطلحات علم الوقف والابتداء، كالوقف على الفاصلة التي أطلق عليها شولة والفاصلة المنقوطة والنقطة، بالوقف الناقص والكافي والتام، ((والملاحظ أن أحمد زكي باشا قد سمى الفاصلة (،) الوقف الناقص وبيَّن مواضعها، وسمى الفاصلة المنقوطة (؛) الوقف الكافي وبيَّن مواضعها، وسمى النقطة (.) الوقف التام)) [14] التي تكون في آخر الفقرة أو نهاية الحديث.
علامات الترقيم الشعرية:
هي العلامات المعروفة المستعملة في الشعر، ((فعلامات الترقيم دوالُّ بصرية، تتفاعل مع الدوالِّ اللغوية في إتمام المعنى وإنتاج الدلالة، وتنظيم المفاصل المهمة في الخطاب الشعري))[15]، على حسب ما يقصده الشاعر. والسؤال الذي يقدم نفسه ههنا هو: هل العلامات الشعرية في الترقيم هي نفسها علامات الترقيم؟ وإذا كانت هي علامات الترقيم نفسها فهل الوظائف الدلالية من علامات الترقيم في الشعر هي نفسها الوظائف الدلالية لها في الكتابة النثرية؟
فأمَّا جواب السؤال الأول: فـ (نعم)، وربما أضيف لها علامات أخرى ليست من علامات الترقيم، مثل: الخط المائل (/) أو الشرطة المائلة؛ للدلالة على تعدد الوزن داخل القصيدة الواحدة، فتدل هذه العلامة على علامة الوقف المميزة والمشيرة إلى ذلك [16]. وأما جواب السؤال الثاني: فقد ((استدرج الشعر العربي الحديث علامات الترقيم لخدمة منحاه الإبداعي التجاوزي وعاملها معاملة الدوال اللغوية، وذلك بشحنها بدلالات ووظائف جديدة تحيد عن المألوف من دلالاتها ووظائفها))[17]، فهو يستمد تقنياته الإبداعية من إبداع منشئه بكسر المألوف من انحرافاته الأسلوبية، إضافة إلى أن الشعر العربي الحديث أضحى من خصائصه الإفلات من قيود تحصر إبداعه حتى وإن كانت علامات الترقيم. لكن الشاعر الحديث بفطنته الإبداعية استغل هذه العلامات وطوَّرها شعريًّا.
لقد قسم محمد الصفراني هذه العلامات على قسمين: محور علامات الوقف، ومحور علامات الحصر[18]، معتمدًا على دلالة الاستعمال:
- محور علامات الوقف:
وهي العلامات التي ((توضع لضبط معاني الجمل بفصل بعضها عن بعض، وتمكّن القارئ من الوقوف عند بعض المحطات الدلالية والتزود بالنَّـفَـسِ الضروري لمواصلة عملية القراءة، وتضم: النقطة، الفاصلة، علامة الاستفهام، علامة الانفعال، نقطتا التفسير، نقط الحذف))[19]، وقد استعملت في الشعر متجاوزة دلالتها المعروفة مع الاحتفاظ بتلك الدلالات أحيانًا.
- محور علامات الحصر:
وهي علامات الترقيم التي يستعملها الشاعر لحصر جزء من النص الشعري، وهي تسهم في فهم دلالته المسكوت عنها، ولها أيضًأ أهمية في تنظيم المكتوب، وهي تشمل: العارضتان: (-) الشرطة، (–) الشرطتان، (/) العارضة الرأسية المائلة، المزدوجتان: علامة التنصيص (( ))، وقد ذكر الصفراني أنها لم ترصد لها أيُّ توظيف فني جديد في استعمالها في الشعر العربي الحديث [20]، والشاعر المعاصر أكبر من أن يظل عاجرًا عن إيجاد دلالة أو دلالات شعرية لهذه العلامة، الهلالان: وهما القوسان.
إعداد .. عبدالله رجب عمر باصدّيق .. طالب دكتوراه – جامعة حضرموت
الهوامش :
[1] أساليب الشعرية المعاصرة، د. صلاح فضل، الطبعة الأولى، دار الآداب، 1995م، بيروت: 117.
[2] ينظر: لسان العرب، للإمام العلامة ابن منظور، دار الحديث، 1423هـ- 2003م، القاهر: 5/169-171.
[3] ينظر: التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث (1950م- 2004م)، الدكتور محمد الصفراوي، الطبعة الأولى، النادي الأدبي بالرياض والمركز الثقافي العربي الدار البيضاء، 2008م: 18.
[4] ينظر: المرجع السابق.
[5] الوقف والابتداء في الجملة العربية، دكتور فكري عبد المنعم النجار، الطبعة الأولى، مكتبة الآداب، 1425هـ- 2004م، الأردن: 220.
[6] ديوان الخنساء، اعتنى به وشرحه حمدو طمّاس، الطبعة الثانية، دار المعرفة للطباعة والنشر، 1425هـ- 2004م، بيروت: 46.
[7] ينظر: الترقيم وعلاماته في اللغة العربية، أحمد زكي، صدر هذا الكتاب 1912م، مؤسسة هنداوي، 2013م، المملكة المتحدة: 12.
[8] المرجع السابق: 12.
[9] ينظر: تحقيق النصوص ونشرها، عبد السلام محمد هارون، الطبعة السابعة، مكتبة الخانجي، 1418هـ-1998م، القاهرة: 85.
[10] ينظر: علم الكتابة العربية، الدكتور غانم قدوري الحمد، الطبعة الأولى، دار عماد للنشر والتوزيع، 1425هـ – 2004م، الأردن: 97.
[11] ينظر: الوقف والابتداء في الجملة العربية، مرجع سابق: 100.
[12] الترقيم وعلاماته، مرجع سابق: 11.
[13] ينظر: المصدر السابق: 9.
[14] الوقف والابتداء في الجملة العربية، مرجع سابق: 101.
[15] التشكيل البصري في الشعر العربي، مرجع سابق: 200.
[16] ينظر: الوقف والابتداء في الجملة العربية، مرجع سابق: 204.
[17] التشكيل البصري في الشعر العربي، مرجع سابق: 201.
[18] ينظر: المرجع السابق.
[19] دلائل الإملاء وأسرار الترقيم، عمر أوكان، الطبعة الأولى، أفريقيا الشرق، 2002م، طرابلس: 105.
[20] ينظر: التشكيل البصري في الشعر العربي، مرجع سابق: 221.