لقاء العدد
مجدي سالم باحمدان
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 4 .. ص 52
رابط العدد 4 : اضغط هنا
تمر بنا السنون.. وتتخاطفنا أيدي المنون.. فتتابع اللحظات.. وبينها: سادت وبادت حضارات.. وعلى مسرح الزمن.. برزت وجوه على حين غرة غيرت ملامحه تارة إلى الفرح وأخرى إلى الحزن.. فكان منهم رجال ادركوا لوبي السياسة ما ظهر منها وما بطن.. فساروا في دهاليزها بكل جرأة ووقاحة ظناً منهم أنها فن.. وآخرون انطلت عليهم الدسائس والفتن.. فجرّوا إلى متاهات الغبن.. وغيرهم من باع نفسه ووطنه وأهله بأبخس ثمن.. ولكنهم لم يستلذوا بطيب الوسن.. وتلاحقتهم الويلات واللعن حتى داخل اللحد والكفن.
لا يزال تاريخ حضرموت السياسي الحديث والمعاصر حتى اللحظة حبيس الصدور وذاكرة الأذهان.. ولم تنطق به اللسان بكل جلاء وبيان، رغم وجود صانعي هذه الأحداث السياسية بين ظهرانينا، وكأنها لُجمت بلجام صلد لم يستطع أحد فك وثاقه، وسبر أغوار هذا الظلام التاريخي الدامس الذي جثم على تاريخنا وكاد يطمس هويتنا في حاضرنا ومستقبلنا..
هل حافز وجود هذه الشخصيات على قيد الحياة لتوثيق التاريخ السياسي والعسكري هو ذاته يكون العلة في عدم التوثيق وهذا الصمت الرهيب؟؟.. إلى جانب وجود بعض من هذه الشخصيات في مراكز القوى والسلطان وتمتعها بنفوذ يخرس اللسان!!.. وتقييمها الموضوعي الدقيق المتعمق في تحليل الوقائع والنتائج خاصة بعد مضي هذه الفترة التاريخية واستنتاجها أنها ظلمت وحطّمت مستقبل الأجيال اللاحقة بما قامت به من أعمال ونشاطات غير محمودة نتائجها في الوقت الحالي كما أشار لي أحد من هؤلاء صانعي التاريخ السياسي الحديث لحضرموت. ففضلت أن تدفن هذا التاريخ معها في الأكفان ويرمى في زوايا النسيان.
((حضرموت الثقافية)) ضمن توجهاتها في توثيق ونشر تاريخ حضرموت تواصل سلسلة نشر اللقاءات الوثائقية مع شخصيات صنعت وعاصرت جُلّ هذه الأحداث في التاريخ الحديث والمعاصر وليس حباً لهذه الشخصيات المتحدثة أو مجاملة لها، ولكن لتسهم بشكل محايد ومستقل في إعادة صياغة هذا التاريخ بشكل صحيح دون تزييف وتلميع لأي أحد كان. وهي تعطي في الوقت نفسه فرصة الحديث بكل أمانة ومصداقية دون أي تدخل منها وتلاعب بالحقائق، ولا تقصد بذلك الإساءة إلى شخص أو أشخاص أو جهة بعينها، وتفتح لها المجال للرد والتوضيح.
أُجري هذا اللقاء مع الأستاذ/ فيصل علي العطاس “النعيري” – رحمه الله – في منزله بصنعاء على مدى ثلاثة أيام متتالية، حيث تمكنت من التواصل معه وإقناعه بعد عدة اتصالات بإجراء هذا اللقاء، فدخلت منزله بعد الوصول إليه بعناء ومشقة، وكان العطاس متحفظاً في بداية اللقاء عن الحديث العميق لتاريخ حضرموت خلال مرحلة النضال الثوري لدرجة كبيرة، بدأ فيها بالحديث الفرعي دون الخوض في أية تفاصيل، وماهي إلاّ ساعة ونصف من الزمن حتى استدرك أهمية اللقاء لتوثيق تاريخ نضاله السياسي فقال لي بالنص: (( يا ابني هذا تاريخ ناطق وشاهد لكل عصر باتكلم معاك بصراحة ولكن على شرط وفي وجهك أن لا تنشره إلاّ بعد وفاتي)) ووعدته بذلك، وقد تهيأت لنا الظروف لمواصلة هذا اللقاء على مدى ثلاثة أيام متواصلة لم يفصلنا فيها غير ساعات الصلاة وتناول الوجبات والنوم والخروج للسوق لشراء البطاريات وأشرطة الكاسيت كلما انتهت، لم أصدق نفسي أنني دخلت بيته – رحمه الله – مساء يوم الثلاثاء 25 يوليو وخرجت منه مساء يوم الخميس 27 يوليو 2000م. وكانت هذه الحصيلة التي خرجت بها:
……………………..؟
بدأت العمل السياسي من خلال الالتقاء بحركة القوميين العرب عندما كنت طالباً في كلية عدن حوالي عام 1959م، ومن ضمن القيادات العليا في هذ التنظيم علي السلامي، طه مقبل، عبدالله عبدالرزاق باذيب، فيصل عبداللطيف الشعبي، سالم زين، وكان من هذه القيادات من هم أعضاء في حزب رابطة أبناء الجنوب العربي، وانفصل منهم الكثير عن التنظيم وبدأوا يشكلون تنظيمات مستقلة، وفي حضرموت بدأت الحركة الفعلية في أواخر الستينيات.
سافرت إلى المملكة العربية السعودية في بداية 1962م، وعدت إلى الحديدة قبل بداية الثورة 26 سبتمبر، والتقيت بأعضاء التنظيم، ولم يخبرونا بما سيتم عمله في الفترة القادمة، ولكن من خلال الاستعدادات أدركنا أنه سيكون هناك شيء كبير وبعد عدة أيام قامت ثورة 26 سبتمبر.
كانت كل قيادات تنظيم حركة القوميين العرب في الجبهة القومية، وقد ساعدنا في انتشار التنظيم ومن ثم الجبهة القومية في داخل حضرموت من خلال الهيئات العامة من اتحاد النقابات واتحاد الطلبة وجمعية الصيادين بالمكلا وجمعية المزارعين بغيل باوزير، حيث بذلنا جهوداً غير عادية في إنشاء هذه النقابات، وكانت رابطة أبناء الجنوب العربي تنافسنا في الأرياف، فقد كانت لديها إمكانات مادية كبيرة، ولكن بفضل العمل السياسي المنظم استطعنا أن نحول حضرموت إلى هذا الاتجاه الذي كنا نريده عبر الطلبة ونقابات العمال، وكانوا يختارون لنا بعض السياسيين الواعيين، وقد توسعنا في نطاق المدرسين كونهم منتشرين في كل مكان خاصة الأرياف ولهم تأثيرهم على المجتمع، فقد كانت البلاد صغيرة وأهلها بسطاء ولم يكونوا بمستوى التفكير الإنساني الواعي الحالي، ولم يكن هناك أي تعصب للدولة أو القبيلة أو تعصب حزبي، ولم يرتبطوا بأي مصالح اقتصادية كبيرة معها، فقد كانوا موظفين من مشارب مختلفة، وكان الناس فرحين بحركة المد القومي العربي وعلى أمل تحقيق الوحدة العربية، وكان ذلك مترافقاً مع حركات التحرر الوطني العالمية، فقد مثلت تلك عوامل مساعدة لنجاح الجبهة القومية واندفاع قوة التيار القومي والتفاف الناس حولها في حضرموت بشكل خاص. وقد طالبنا لهم ببعض المطالب مثل رفع الأجور لعمال الدولة والميناء وتنفيذ الإضرابات، وقد اعتبر هذا مكسباً كبيراً.
هذا النجاح الذي حققناه لم يرض رابطة أبناء الجنوب العربي، وقد ارتكبت خطأ في مواجهتنا الحزبية، فقد استخدمت العنف ضدنا وأطلقت الرصاص في سيئون على الطلبة ، وقمنا بمظاهرة استنكار في المكلا، والقوا قنبلة على الطلاب عندما مرت هذه المظاهرة تحت مقر الرابطة، وقد كانت هذه القنبلة التي فجرتها الرابطة هي القنبلة التي أنهت وجود الرابطة.
كذلك كان البعثيون – حزب البعث العربي الاشتراكي- وهم على علاقة بالجمهورية العربية اليمنية، كانوا يشككون في عملنا، وقد كانوا من فئات يمكن أن نسميها أرستقراطية، ولذلك كانوا بعيداً عن المجتمع وعن طبقة الفقراء بالذات، ونحن كنا بعكسهم مندفعين اندفاعاً قوياً نحو فئات المجتمع، ولذلك توسعت قاعدتنا وجمهورنا تعاظم.
……………………..؟
كنت الناطق باسم التنظيم في حضرموت، وعضو القيادة العامة لتنظيم الجبهة القومية، وفي المؤتمر العام الثالث المنعقد بمنطقة خمر يناير 1965م في الضالع أوكلت إليّ في حضرموت عبر تنظيم حركة القوميين العرب كل المهام المتعلقة بإدارة العمال ونقاباتهم وأصبحت الأمين العام لاتحاد النقابات في حضرموت، وقد جاء مؤتمر خمر لتبرر الجبهة القومية التوحيد القسري لها مع جبهة التحرير الذي جاء وفقاً لتوجيهات القيادة المصرية، بعد المؤتمر توجهت إلى مصر وكان الغطاء الأول لهذه الزيارة هو استقدام محامين للترافع ضد الرابطة في حادثة القنبلة، والغطاء الآخر هو حضور مؤتمر اتحاد نقابات العمال في الدول العربية بصفتي أميناً عاماً نقابات عمال حضرموت، وقد القيت فيه كلمة عن حضرموت ولأول مرة كان يتم التمثيل لها في هذا الجانب، وفي الحقيقة كان الهدف الرئيس هو حضور لقاءات سرية خاصة بتنظيم حركة القوميين العرب في مصر.
من الناحية السياسية في حضرموت كنا مسيطرين على الوضع فيها، ومن حيث الكفاح المسلح فيها فقد بدأ متأخراً عن غيرها، كانت عمليات ناجحة في إثبات تقرير المصير، وكان لحضرموت دور كبير في تقرير مصير الثورة ونظام الحكم، حيث كان هناك مؤتمر في القاهرة ورضي أعضاء الجبهة القومية أن تكون هناك حكومية ائتلافية مع جبهة تحرير الجنوب المحتل، وقامت حول ذلك حرب أهلية داخل عدن وحسمتها الجبهة القومية لصالحها، لكن الحسم النهائي كان باستيلاء الجبهة القومية على السلطة في حضرموت الذي كان أمراً مدوياً في التاريخ، فانهارت جبهة التحرير والرابطة وخابت آمالهم، وذلك لما تمثله حضرموت من أهمية اقتصادية وسياسية واجتماعية كبيرة، فهي المركز الجغرافي المهم ويوجد بها المغتربون في مختلف المناطق منها المملكة العربية السعودية وشرق آسيا وإفريقيا وغيرها.
……………………..؟
كان إسقاط حضرموت بهدوء تام، وقد ساعدتنا جملة من العوامل، منها أولاً عدم وجود أي نوع من العصبية للحكام، وثانياً أنهم كانوا غير موجودين أساساً فمعظمهم خارج البلاد، وثالثاً أن السلاطين وقيادات السلطنة كانت مسلمة بالأمر الواقع وليست لديهم أي قوة عسكرية كبيرة، فقد كانوا بسطاء في حياتهم، ورابعاً حتى إن كان لديهم أي قوة فالوقت لم يعد يسمح لهم بأي محاولات للوقوف ضد تيار الجبهة القومية والمد القومي، فكانت الثورة كالطوفان لا يمكن لأحد الوقوف ضده، خامساً العمليات المسلحة التي قام بها بعض الثوار بعد إصدار منشور إعلان الكفاح المسلح بحضرموت تقريباً في منتصف شهر أبريل 1967م وقد قمنا بالعديد من العمليات العسكرية لا أتذكرها جميعاً وكان منها عملية هجوم على المراكز البريطانية وعملية هجوم على البنك الشرقي المحدود للحصول على تمويل ولكنها فشلت لتسرب الخبر بشكل أو بآخر، وفي مطلع شهر مايو 1967م تم هجوم مسلح بالأسلحة الثقيلة والخفيفة والمتوسطة على منازل الضباط البريطانيين بالمكلا- في التربية والمحكمة قديماً بجانب السينما-، وإطلاق النار على منزل السيد عبدالرحمن داؤد الجيلاني في 18 أغسطس 1967م، وقد كانت مجرد تهديدات فقط ولم يصب بأي أذى، وفي اليوم التالي 19 أغسطس تم نسف مركز الشرطة في حي باعبود بالشرج، وفي 21 أغسطس تم نسف بيت المدعو عبدالله سالم باعشن، وكذلك ضرب سالم بن عاشور المهري كونه متعاون مع البريطانيين، وقد جاء إلى المكلا للتنسيق مع السلطنة القعيطية لإعلان دولة اتحاد حضرموت والمهرة، كما استطعنا إفشال الكثير من المؤتمرات التي قام بها زعماء القبائل في مختلف أنحاء حضرموت للوقوف ضد الثورة.
قبل بدء العمليات العسكرية اختفيت من المكلا وتوجهت إلى قريتنا (نعير) بحريضة حيث صدرت أوامر من السلطة باعتقالي بسبب توزيع منشورات والالتقاء بالقبائل والشباب لتحريضهم وتدريبهم على السلاح، وقد نقل هذه المعلومات عني مركز حريضة وعمد، وقد فاجأتني الشرطة منهم حوالي 12 نفراً ومعهم أمر اعتقالي، فطلبت منهم أن أحضر بعض الملابس من البيت ورافقوني إلى بوابة البيت حيث دخلت وقمت بالهروب من الباب الخلفي وتوجهت إلى عمد، في هذه الأثناء حدثت حادثة استغليتها حادثة أن قام أحد العسكر بقتل شخص يدعى باحافظ العنيسي وهو من قبيلة آل شملان بالخطأ حيث كانوا يظنون أنه هارب من العدالة، وقام أهل القتيل بالتربص بالعسكر للأخذ بالثأر-على طريقة القبائل الطارف غريم-، وفي مساء هذه الليلة خرجت وأنا متخفٍ بالشال مع المواطنين الذين خرجوا لسقي الأرض بعد وصول سيل صغير وإذا بنا نسمع اطلاق النار بكثافة من قبل آل بن شملان والجنود وكان موجوداً معهم القائد ناصر عوض البطاطي قائد الشرطة العسكرية القعيطية الذي نصب كميناً لآل شملان وقتل منهم عمر بن عوض، فتوجهت إليهم وقلت لهم إن الشرطة سوف تقوم الصباح بتطويق المنزل والمنطقة، واقترحت عليهم إعلان انضمامهم للجبهة القومية على أن نحسب هذه العملية من نشاط الجبهة القومية، وقالوا سنناقش هذا الأمر بعد مراسيم العزاء، وفي الصباح الباكر وصلت الرسل إلى المنطقة تطلب من مقادمة القبيلة الحضور إلى القائد للتفاوض، فقلت لهم سوف يزجون بكم في سجن المنورة، وطلبت الدعم والتأييد المعنوي من أخوالي في قرية نعير لدى قبيلة شملان وكانت تربطنا بهم علاقات مصاهرة، وقمنا بمساعدة الإخوة المدرسين الموجودين بالمنطقة بطباعة منشور نعلن فيه تمرد قبيلة الجعدة من آل بن شملان على السلطنة وإعلان انضمامهم إلى تنظيم الجبهة القومية وتوزيعه في القرى المجاورة وسيئون كونه لا توجد أية مطابع. وكانت أول منطقة تنزع ولاء الطاعة عن السلطنة القعيطية هي وادي عمد دون غيرها من المناطق والقبائل الأخرى، وهذا للأمانة التاريخية. وقد كان لهذا الحدث أصداء كبيرة على مستوى القيادة العامة في عدن وحضرموت. وساعد على رفع الروح المعنوية للكثير من الشباب الذين توافدوا للانضمام للجبهة القومية. وفي الصباح خرجت من المنطقة إلى سيئون، وقد قمنا باستخدام النساء للاستطلاع عن وجود أي جنود في الطريق، وهي أول مرة تستخدم النساء في نشاط للجبهة القومية في حضرموت.
من العمليات العسكرية التي تمت في عمد هي تنفيذ عملية تفجير كبيرة في منزل قائد عسكري في مركز عمد، قام أبناء المقتولين العنيسي وابن عمر بن عوض بن شملان وخميس جوفان وهو من آل شملان وكان معهم أخي طارق وقد حرصت على أن لا تصاب كامل الأسرة بالعبوة الناسفة التي صنعتها بنفسي، وقلت لهم أن يضعوا العبوة في باب البيت، وهذا الديناميت الذي توافر لنا قامت والدة الحاج صالح باقيس بنقله على راسها من قرية زاهر إلى قرية النعير.
توجهت إلى سيئون لإسقاط مناطق أخرى بحسب الخطة المرسومة لدينا والاتفاق مع القيادة العامة عليها بالضرب في مناطق الضعف تدريجياً وصولاً إلى الأقوى، وكان لدى أصحابنا الثوار في سيئون (سالم تومة ومحمود صقران ومحمود مدحي) سلاح من النوع الثقيل، وقد صادف وجود مجموعة من البريطانيين وصلوا إلى مطار سيئون للإشراف على سحب المعدات الثقيلة للشركات الموجودة فيها، وفي العصر نزلوا يلعبون كرة قدم في الملعب، فاتفقنا على أن يقوم الإخوة محسن باقيس وعلي العوش وابن سعدون وأنا بعملية هجوم بالقناصة على هؤلاء الجنود، لكن هؤلاء الجماعة رفضوا – بحسب تكوينهم النفسي الداعي إلى الحياء والخوف- وقد كانوا خائفين أيضاً من أن نقوم باي تفجيرات في سيئون، فقلت لهم ليست هناك أهداف مدنية وأنا سوف أنفذ العملية، واتجهنا إلى القطن لإحضار السلاح وكان عدد اثنين مدافع بازوكا وآر بي جي وعدد من الأسلحة الخفيفة، ، وسبقنا محمود صقران وسالم تومة إلى الأخ طالب سالمين لرضي وهو الشخص الذي لديه السلاح، وقد كانوا متخفيين بلباس نساء، وصادف خلال وجودنا في القطن زواج لقبيلة نهد وكان حاضراً مقادمة القبيلة، فقمنا بإلقاء خطاب في الزواج أعلنا فيه أن الجبهة القومية ستقوم يوم غدٍ بالاستيلاء على القطن وكان ذلك تقريباً تاريخ 15 سبتمبر 1967م، وقد وجدنا ترحيباً كبيراً من قبل المواطنين وتوافدوا إلينا لتأييد هذه الخطوة، وبعدها قامت الحامية العسكرية القعيطية بالقطن بإبلاغ القوات بالمكلا بما حدث فقالوا لهم سلّموا القطن، وأمام هذا الموقف ارتأت القوات العسكرية بالمكلا تسليم السلطنة دون أية صراعات ومصادمات عسكرية، فسقطت القطن ومن ثم المكلا في اليوم التالي 17 سبتمبر 1967م، ولذلك يمكننا القول إن سقوط المكلا كان بعد التأثير الذي حدث في الوادي بسقوط القطن. وفي المقابل كان هناك تحرك للثوار في حجر حيث قام الأخ خالد باراس بمحاصرة القائد العسكري بلواء حجر والسيطرة التامة عليها.
……………………..؟
لم يكن هناك أي تنسيق بيننا في هذه المواعيد والخطط الزمنية فلم تكن هنالك أية اتصالات، فقد كان كل يعمل في برنامجه، وقد خدمتنا الظروف وتوافقت الصدف في ذلك، إضافة إلى ذلك كان السلاطين على موعد في الوصول إلى المكلا على الباخرة قادمين من المملكة العربية السعودية، وقد تم الاتفاق مع الملك فيصل بن عبدالعزيز على أن يقوموا بإعلان دولة حضرموت والمهرة عند وصولهم، وبعد تحرك الباخرة احتج اللورد شاكلتون الذي كان يدير مفاوضات جنيف بين بريطانيا والجبهة القومية على تصرف الملك فيصل وقال له لقد تم الاتفاق مع حلفائنا وأعضاء مجلس الأمن، على أن تتولى الجبهة القومية السيطرة على البلاد وانتم تريدون إقامة دولة حضرموت والمهرة.
أرسلت في صباح اليوم التالي 16 سبتمبر رسائل إلى نواب الألوية ومن ضمنها لواء شبام سالم عبدالله مخارش كتبت قلت له: (( الشيخ سالم عبدالله مخارش نائب لواء شبام المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، المطلوب وصولكم إلى حيث يقودكم الرسول للتفاهم معكم في أمر عاجل غير قابل للتأجيل.. التوقيع فيصل العطاس عضو القيادة العامة للجبهة القومية))، ووصل إليه الرسول فقال له إن السيد فيصل العطاس كنت مدرساً له في غيل باوزير، وأرجو أن تعودوا إليه وتقولوا أن لا يسمح لي بالقدوم بحراسة حفظاً لماء الوجه، ونحن ليس لدينا أي مانع ونرحب بالجبهة القومية، وأنا قبيلي ولا أرضى بالقدوم بهذه الوضعية كأنني مسجون، وفي الوجه باجي عندكم، فقلنا للرسول ارجع وقل له أهلاً وسهلاً بك أنت وأي حراسة معاك، وإذا تفضلت خل القيادة حق الحامية يجون معاك لأنكم ناس واعيون، ففرح بهذا الترحيب وحضروا الينا جميعاً، ولما وصل وجد القبائل كلها متجمعة بأسلحتها ورأى الأسلحة الثقيلة التي لدينا، فادرك قوة الثورة وقدرتنا على السيطرة على الجماهير وتحريكها متى شئنا. وفي ختام اللقاء قرر العودة إلى منزله بالشحر وطلب مني أن أكتب له ورقة حتى لا يعترضه أي أحد في الطريق، وكان له ذلك.
والشيء بالشيء يذكر هنا وعوداً على بدء فقد دعا وزير السلطنة أحمد بن محمد العطاس إلى الاجتماع الذي عرف باجتماع المكتبة السلطانية في مارس 1966م بوحي من المستشار البريطاني لتقرر حضرموت مصيرها السياسي، فقد عرف الإنجليز حجم ومقدار الحركة الوطنية والمد القومي، وقد بلغ عدد الحاضرين لهذا الاجتماع نحو 350 شخصية من قبائل وتجار وشخصيات اجتماعية من مختلف ألوية حضرموت، وكان تمثيل الجبهة القومية بعدد 9 أشخاص مثلوا (الحزب الاشتراكي، واتحاد الطلبة، وجمعيات الصيادين، والمزارعين، واتحاد النقابات) وقد استعدينا وطلبنا من شبابنا إحضار أكبر عدد ممكن من الجماهير، وجاءت الينا هذه الأفواج من الشحر، وغيل باوزير، والحامي، والريدة وفوه وبروم إضافة إلى المكلا، ، حيث اتجهت هذه المسيرات إلى قاعة الاجتماع في المكتبة السلطانية، وقد اكتظت الأسواق والشوارع بالجماهير ولم يستطع الوزير والقادة العسكريون الذين معه الحضور مبكراً ووصلوا والكثير منهم ثيابهم ملطخة بالدماء، حيث تم إلقاء الحجارة عليهم، ولم تستطع القوات العسكرية البريطانية الوصول إلى الموقع من كثرة الجماهير، وقد كان الرمي بالحجارة بشكل عفوي لم نخطط له، ولكنها نفعتنا، كانت الجلسة مخططاً لها أن تكون علنية حيث تم وضع مكبرات الصوت في كل الاتجاهات، وأمام هذه الفوضى بادرت وأخذت الميكرفون ودعوت الجماهير إلى التزام الهدوء، وكونوا على ثقة أننا نمثلكم داخل القاعة، ولن يكون هناك أي رأي إلاّ رأي الشعب، وأعطيت الميكرفون لوزير السلطنة ليتحدث، فتحدث بشكل مختصر وأعلن في الاجتماع تقديم استقالته من اليوم، وأعطى تفصيلاً لميزانية الدولة، وقال اختاروا لكم رئيساً لهذا الاجتماع وسكرتارية لإدارة الاجتماع، فقلت له مشكوراً لموقفك هذا، قال الموقف لا يحتمل اكثر من هذا، وبالنسبة لاستقالتك فهي مرفوضة، ولا نريد أحداً يحكم مكانك ولا نريد فوضى في البلاد، فلماذا تقدمها؟ فأنت وزير تركك السلطان، والسلطنة لا زالت قائمة، ونريد أن يتم انتقال السلطة بهدوء دون أية فوضى، والثورة هي التي تقرر متى يكون ذلك، وتم ترشيحي لإدارة الاجتماع، وقد قمت باختيار السكرتارية لتسجيل المحضر واخترت محمد عبدالقادر بافقيه وخالد محمد عبدالعزيز، وخرجنا بالقرارات المشهورة وأبرزها يقر المؤتمرون أن الممثل الشرعي الوحيد لشعب الجنوب اليمني المحتل هو الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل وعلى بريطانيا أن تتفاوض معها من اجل الاستقلال، وأن تعقد مؤتمرات في كل الألوية على غرار هذا المؤتمر، وشكلنا الوفد الذي سينزل معنا برئاسة وزير السلطنة ، وفعلاً نزل معنا إلى لوائي الشحر وحجر، وعقدنا المؤتمرات في كل الألوية ووافقوا على القرارات المتخذة. هكذا ارتفعنا بالعمل السياسي وقطعنا الطريق على أي جهات أخرى لديها تفكير آخر.
لنعد ونستكمل حديثنا تحركت من القطن إلى حورة تحسباً لأي خروقات وأحداث طارئة وتم الاتصال بالأخ عبدالله عبدالكريم الملاحي وهو المسئول التنظيمي بمنطقة حورة وفي الوقت نفسه يعمل مديراً لمدرسة حورة لتهيئة الأمور فيها وإشعار الناس بقدوم الجبهة القومية والتقينا بالقبائل هناك من آل نهد وآل بن مخاشن وآل بارباع وغيرهم، وتمت السيطرة على الحصن ومركز الشرطة بعد المغرب، وصادف في هذا اليوم وصول قائد الشرطة بالنيابة قادماً بسيارته من المكلا لتفقد الأوضاع في المنطقة، فسلم نفسه وسيارته وجعلتها تحت إمرتي كوني كنت بدون سيارة. وبعد ترتيب الأمور فيها اتجهت إلى منطقة بحرة، ومن ثم إلى حريضة وبعدها وادي عمد وأقمنا اجتماعاً كبيراً فيها، ثم رخية، وكانت سيئون آخر منطقة نسقطها، وذلك لأننا انشغلنا بالمناطق الغربية خوفاً من انخداع القبائل من قبل أي جهة أخرى، وفعلا فقد قامت قبائل الصيعر بتطويق حصن العبر، ولكنهم انحازوا في الأخير إلى الجبهة القومية لما وصلنا إليهم، وكذلك بالنسبة للقبائل في العبر وشبوة، فقد تحسّبنا أن يكون هناك تحرك خارجي من قبل دولة أخرى وتبسط يدها على هذه المناطق، وبالتالي تحركنا بسرعة وقاد العملية الإخوة خالد باراس، وحاج صالح باقيس، وكان ذلك بعد أسبوع من الاستيلاء على المكلا.
توجهنا بعد ذلك إلى سيئون لتثبيت الأمر للناس هناك، وفي منطقة سلمون قامت بعض القبائل بإطلاق النار علينا لعدم معرفتهم بنا وظنونا من القبائل الأخرى، وقد كنت أنا في اجتماع مع المقدم، وكان معي الأخ سالم الكندي الذي تعين لاحقاً محافظاً لحضرموت، ثبتنا الأمور في هذه المنطقة، وشكلنا لجنة في مركز رخية ورفعنا أعلام الجبهة القومية، وتوجهنا بعدها إلى القطن وبعدها شبام التي أقمنا فيها مهرجاناً وكان ذلك يوم جمعة، وقد كان هناك تخوف فيها من قبل المجتمع، وذلك لأنه لما نزلنا إليها بعد قرارات المكتبة الشعبية رفضوا أن ينعقد أي مؤتمر في شبام، ذهبت إلى المسجد وسمعت شخصاً قام يتحدث باسم الدين إلى المصلين وينصحهم مننا على اعتبار أننا اشتراكيون وشيوعيون وكفار ومدعومون من الخارج وحذّر المجتمع من تأييد الجبهة القومية، ولم يعلم بوجودي في المسجد، فقمت وتحدثت إليه والمصلين وهددتهم أنه من لم ينصع للتعليمات سوق يعاقب. والحمد لله استقرت الأمور وعقدنا مهرجاناً احتفالياً، ثم توجهنا بعدها إلى سيئون ودخلناها بالزوامل والهتافات وأصدرنا منشوراً بالاستيلاء على سيئون، وتوجهنا بعدها إلى تريم ووصلناها في المساء وكنا حريصين على رفع الأعلام على المصالح الحكومية كافة، إلى جانب عدم اطلاق النار لمعرفتي الشخصية بنفسيات أفراد المجتمع وتكويناتهم، وفي صباح اليوم التالي توجهنا إلى دمون.
من أهم ما قمنا به في سيئون بعد الاستيلاء عليها هو القضاء على المصانع المحلية لإنتاج الخمور، ولم نقم بمعاقبة أحد من أصحابها واكتفينا بأخذ تعهدات كتابية عليهم بعد العودة إلى ذلك العمل مجدداً.
……………………..؟
الذين قام بالاستيلاء على المكلا الإخوة خالد عبدالعزيز، وسعيد العكبري، ومحسن باراس، وسالم باعلوي، وعبدالرحيم عتيق، وسالم الكندي وكان ذلك مساء ليلة 17 سبتمبر1967م، وكان خروجهم إلى عرض البحر لملاقاة السلطان في السفينة مجرد تحصيل حاصل كون القادة العسكريين قد سيطروا على البلاد، فكان نزولهم إلى سفينة السلطان مجرد إشعار فقط وحتى لا تكون هناك أي فتنة أو تعصب قبلي من قبل قبائل آل يافع وأل كثير، وقد أشعروا القيادة العامة للجبهة القومية بذلك، وأكدوا لهم أن سلاطين حضرموت ليس بيدهم أي شيء من السلطات والصلاحيات فقد كانت الصلاحيات لوزير السلطنة والمجلس الأعلى للقضاء، فالسلطان كان مجرد رمز، فعلاً سلاطيننا كانوا أفضل من غيرهم، ويختلفون عن جميع سلاطين المناطق الأخرى، ولدينا نظام ممتاز.
لم تكن هناك بالمكلا أي مظاهر مسلحة وهيبة لدخول الجبهة القومية والسيطرة عليها من قبل الثوار، فقد كان الناس صامتين، ولما دخلناها بعد عودتنا من الوادي بنحو عشرة أيام وكان عددنا نحو 150 جندياً، أقيمت الاحتفالات والزوامل. وبعد يومين من وصولي جاء إليّ البعض من الناس وأشعروني أن هناك الكثير من المعتقلين في السجون اعتقلتهم اللجان الشعبية منهم بعض القضاة والقوام في عهد السلطنة القعيطية، كما علمت أن القائد ابن سميدع ومحمد عبدالقادر بامطرف وبدر الكسادي معتقلون في حجر، واستغربت من هذا التصرف وطلبت إحضارهم إلى المكلا والتوجه بهم إلى بيوتهم ومن ثم مقابلتهم وهم في مظهر لائق غير هذه الحالة التي هم عليها، وأيّد كلامي الأخ خالد باراس.
……………………..؟
استقرت الأمور في حضرموت على أحسن ما يكون، إلى أن حدثت الخلافات في المؤتمر الرابع للجبهة القومية في رسم السياسة، وكانت هناك بعض الأمور المتطرفة في الطرح سنة 1968م أدت في الأخير إلى انقلاب 20 مارس الذي قام به قادة الجيش الذي خلفته لنا بريطانيا. وبسبب موقفي من هذه السياسات المتطرفة مُنعت من حضور المؤتمر الرابع للجبهة القومية وحاولوا اقصائي من منصبي في القيادة الوطنية للجبهة القومية في حضرموت لما قمت به من إجراءات لم ترق للقيادة العامة في عدن مثل تكوين جيش حضرموت الشعبي، حيث قمت بتسليح اللواء 30 الذي كان يسمى سابقاً جيش البادية، ودمجت جميع الوحدات العسكرية بحضرموت جيش النظام والشرطة العسكرية والشرطة المدنية والشرطة المسلحة وجعلنا قادته من رجال الجبهة القومية حيث تولى الحاج صالح باقيس قائداً عاماً وخالد باراس نائباً له، كذلك أكرمنا القادة العسكريين السابقين الذين كانوا في السلطنة القعيطية وأحلناهم للمعاش ولم نتخذ أي إجراءات عسكرية ضدهم، فنحن اعتبرنا هذا شيئاً محلياً داخلياً والقيادة اشتاطت غضباً وكانت تريد الأمور تصدر من عندها، فقلنا لهم نحن أسقطنا السلطنة قبلكم وأنا قائد جبهة حضرموت وعضو القيادة التاريخية التي غيرت مجرى التاريخ للجبهة القومية، وتصرفكم هذا إقطاعي ولا يجوز لكم ذلك.
حدث انقلاب 20 مارس وكنت حينها في سيئون معي وفود من القبائل للنزهة بعد الجهود التي قاموا بها معنا خلال مرحلة التحرر حتى النصر، وبعد أن علمت به توجهت إلى السكرتارية وأصدرت بياناً أعلنت فيه المقاومة الشعبية وإعلان فيصل العطاس مسئول أول سياسياً وعسكرياً في حضرموت، وجاءتني في اليوم الثاني الاعترافات من القبائل والهيئات بتأييد ذلك البيان الذي أصدرته، وقمت بتسليح القبائل ومجاميع كبيرة لأني تحسّبت لدخول قوة من الانقلابيين لإخضاع حضرموت عن طريق الخشعة – عتق وتحركنا إليها في اليوم نفسه، وصدق حدسي ووصلت في المساء قوة من هؤلاء الانقلابيين يقودهم العقيد حسين الجرادي وكان معه نحو أربع مدرعات، وقبل أن تدور أية معارك عسكرية بيننا طلبت منه الحضور ولكنه رفض فذهبت إليه وعرفته عن نفسي وأننا في حضرموت نرفض الانقلاب بكل أشكاله ولدينا قوات كبيرة من الجيش والقبائل للتصدي له في حضرموت، فما كان منه إلاّ أن أشعر القيادة العامة بعدن بالموقف والوضع في حضرموت، وبقينا في مواجهة هذه القوة عشرة أيام حتى صدرت لهم الأوامر بالعودة، وبعدها جاء وفد إلى المكلا مكون من 14 عضواً من القيادة العامة ليتفاوضوا معنا حول فك الموقف، وطلبوا مجيئي إلى المكلا فاعتذرت خوفاً من أذهب إلى المكلا وتأتي قوة أخرى تحتل سيئون، وطلبت حضورهم إلى سيئون، وقالوا لي أنت تريد أن تثبت انك تريد أن تضرب أوامر القيادة العامة، وقالوا لي يجب أن نحل المشكلة في حضرموت، فقلت لهم ليس هناك أي مشاكل عندنا، المشاكل كلها عندكم حلوها أولاً، وتركزت المشكلة بشكل أساسي في ميزانية الجيش وإدارته وتنظيمه بشكل غير الذي وضعته بريطانيا وناقشنا ذلك بالتفصيل، وأقنعناهم في الأخير بذلك. وقال علي عنتر في نهاية اللقاء: ((ما يصلح في حضرموت إلاّ فيصل العطاس ونحن بانروح ونعتذر منك)) وأقمنا لهم بعد ذلك مهرجاناً في سيئون. وبشكل عام يمكن القول إن حضرموت هي التي أفشلت هذا الانقلاب كما سبق لها تغيير مصير الحكم وحسمه لصالح الجبهة القومية. وللأمانة علي عنتر رغم كل سلبياته إلاّ أنه وفي لرفاق النضال الوطني.
……………………..؟
هناك أشياء سياسية كبيرة حدثت في حضرموت بإرادة وتقدير محلي، وقد كان من الممكن أن نستقل بحضرموت كدولة بذاتها، فهي أصلاً دولة قائمة، ولكن كان ذلك جريمة في حق الوطنية، وكنا نرى أن الوحدة اليمنية خطوة أولى على طريق الوحدة العربية الشاملة، وكان أملنا وهدفنا، وقد تعاملنا مع الأمور بحسن نية ولم نكن نعلم ببواطن الأمور، ولم يكن لدينا تحليل متعمق لما ستكون عليه الأمور ومع من نتحّد، ولا أخفي حقيقة أنني منذ الاجتماع الأول للقيادة العامة في عدن عند تشكيل الحكومة شعرت أننا غلطنا، فقد صارت في ذلك الاجتماع صراعات وتطاحنات ونزاعات على توزيع الحقائب الوزارية وتقسيم المحافظات، تلاشى التصور الذي كان عندي لقيادة الثورة بعد أن كانت مرسومة لها صورة وردية في خيالي، ففي مثل هذه الحالة كان من المفروض أن يكون لدينا حكم محلي، ولكننا كنا نفتقد إلى الخبرة السياسية.
……………………..؟
كذلك كان من ضمن القرارات التي أصدرناها في حضرموت أننا أوقفنا صرف أي مبالغ من البنك الشرقي المحدود بحضرموت إلى القيادة العامة للجبهة القومية بعدن سواء أكانت من رئيس الجمهورية قحطان الشعبي أو وزير المالية، لأننا ندرك وضع ميزانية الجيش بعدن، وخفنا من سحب المبالغ النقدية التي لدينا إلى عدن، وبالفعل حاولوا ذلك، ورد البنك ببرقية لوزير المالية بعدم مقدرتهم صرف أي مبالغ من حساب حضرموت بحسب قرار فيصل العطاس الذي يسيطر على السلطة في حضرموت، وأرسل إليهم رئيس الجمهورية قحطان الشعبي ببرقية لصرف هذه المخصصات، وبالمثل ردوا عليه برسالة اطلعت عليها أنه استناداً للقانون الدولي لا نستطيع تحويل إليكم أي مبالغ مالية.
كل هذه الإجراءات اعتبرتها القيادة العامة بعدن بمثابة الانفصال وأننا اصبحنا نشكل دولة مستقلة، إضافة إلى برقيات الاستنكار للانقلاب التي بعثناها إلى عدن، فجاء إلينا بعد فترة وفد منهم، وقاموا بالتفاوض معي لفك هذا الموقف، وهو ما أحدث نوعاً من التخاذل لدى بعض الثوار عندنا خوفاً من أن تقوم قوة بالهجوم على حضرموت خاصة بعد معرفة ما دار في عدن من معارك وصراعات، وقد أدركت أن السياسة لن تفيد بشيء، ولذلك استندت إلى قوة عسكرية خاصة من الشرطة العسكرية، وقلت لأصحابي إن هؤلاء جبناء ولن يستطيعوا القيام بأي شيء، ودخلت إلى قصر سيئون وقلت إذا جاء أحد من الوفد يريد دخول القصر قولوا له ممنوع إلاّ بإذن من فيصل العطاس، وفعلاً كان ذلك وجاؤوا إلي وقالوا ما هكذا تعاملنا يافيصل ونحن أعضاء القيادة العامة، فقلت لهم هذا دليل لأريكم أنني قادر أحكم هذه البلاد وأن الناس هنا سيطيعونني حتى إذا طلبت منهم اعتقالكم، وكان يجب عليكم أولاً أن تتعاملوا معنا بأسلوب شريف ولا تتجهوا إلى الوقيعة بيني وأصحابي، كان هدفهم من اللقاء بي نقل موقفي هذا بشكل رسمي إلى القيادة العامة بعدن لتتخذ الإجراءات ضدي. وفعلاً بعد صراعات ومطاردات تم الزج بي في سجن المنورة، دخلت السجن وكان فيه محمد عبدالقادر بامطرف وبدر الكسادي والشيخ عبدالرحمن بكير والعماري وبن سميدع، وقبل دخولي إلى السجن ألقيت كلمة في الضباط الموجودين قلت فيها: (( اشهدوا وتذكروا أننا سندخل السجن ونخرج إلى الكراسي، أما قحطان الشعبي وسالم الكندي فسيدخلون السجن ولن يخرجوا إلاّ على نعوشهم)). كما تم سجن مجاميع كبيرة من المناصرين للجبهة القومية من مختلف المناطق بحضرموت. وبعد فترة بدأوا يخرجونهم من السجن على شرط أن يقولوا في التحقيق أن فيصل العطاس يقول لهم انضموا إلى حزب الرابطة، وافق الكثير منهم على ذلك للخروج من السجن ورفض البعض.
مكثت في السجن حوالي ثمانية أشهر، ومع بداية الخطوات الأولى للخطوة التصحيحية 22 يونيو 1969م عُين محمد سعيد يافعي محافظاً لحضرموت وجاء لزيارتي في السجن وقال لي إن هناك توجيهات من رئيس الجمهورية قحطان الشعبي ورئيس الوزراء فيصل عبداللطيف بالإفراج عنك. ولكن تسارعت الأحداث وأعلنت حالة الطوارئ وتمت إزاحة قحطان الشعبي من الرئاسة، وتولى سالم ربيع علي (سالمين) رئاسة الجمهورية، ومع تعيينات المحافظين عُينت محافظاً للمحافظة الرابعة –شبوة- في ديسمبر عام 1969م وبقيت فيها 11 شهراً، ثم تعينت بالدرجة نفسها محافظاً ومسئولاً تنظيمياً للمحافظة الخامسة – حضرموت- في نوفمبر عام 1970م، وكنت الوحيد الذي يتمتع بهاتين الصفتين من بين المحافظين وقد احتج الكثير منهم على ذلك، وبقيت فيها إلى عام 1972م حيث بدأ الصدام بيننا وسياسة التطرف والإرهاب والاغتيالات السياسية.
………………………..؟
تم إرسال مجموعة من شقرة إلى حضرموت ومن ضمنهم خالد حريري (لبناني) لتدريب أعضاء الفصيل التقدمي داخل تنظيم الجبهة القومية – وهو من تخريجات نائف حواتمة- طرق الانتفاضة، وكان هذا التنظيم سرياً ويجد مساندة من قبل الجيش، وقد قام عبدالله الأشطل بتولي تنفيذ انتفاضة الصيادين في الشحر، حيث كان الأشطل في السابق مسئولاً ثقافياً بالتنظيم ويحلم بالسلطة وكنت أنا حجر عثرة في طريقه، وقام بالتحريض ضدي والإخوة خالد باراس والحاج صالح باقيس وقال إننا أرستقراطيين، وبدأ بالإخوة سعد سالم فرج وحسن صالح باعوم وهم من قيادات اتحاد الطلبة وكذلك عبدالله صالح البار وصالح منصر السييلي، وطلب منهم عدم إخبار فيصل العطاس بأمر الانتفاضة على أساس أنها حركة شعبية من الكادحين رغماً عن الدولة، وهي في الأساس من الدولة وسالم ربيع علي الذي كان في رئاسة الدولة، وبالنسبة لي لم أكن راضياً على هذه الانتفاضة وسرقة المكائن على الصيادين وكان إلى صفّي مجموعة من الثوار من الشحر ومنهم الأخ عمر جبران، ونزلت إلى الشحر والتقيت بكل المجاميع وقد أعطيت أوامري بصفتي المحافظ والمسئول التنظيمي بإعادة المكائن المسروقة والإفراج عن المنتفضين، وفرح الناس وراح كل يبحث عن ماكينته، وبعد أيام عدنا إلى الشحر مع لجنة قدمت من عدن للاطلاع على ما حدث، فأخبرناهم بما حدث وقلنا لهم ارجعوا من حيث ما أتيتم وإلاّ سيقوم هؤلاء الصيادون بتقطيعكم، وقبل عودتهم إلى عدن التقوا بأعضاء الفصيل التقدمي بحضرموت واتفقوا على إثارة مشاكل داخل التنظيم بحضرموت حتى تتم إزالتي، ونقلوا موقفي إلى سالم ربيع علي واستاء مني، وقام سعد سالم فرج وحسن صالح باعوم بخلق مشاكل في أوساط الطلاب وتنفيذ إضراب عن الدراسة بسبب عدم وجود المختبرات، واستطعنا فك الإضراب، ودخلنا بعد ذلك في إضراب عمال النظافة على الرغم من أننا ضاعفنا لهم الأجور قبل ما نستولي على السلطة عبر اتحاد النقابات، وفي ذات المساء عقد هذا الفصيل اجتماعاً له في مبنى النقابات، وقمنا بقطع الكهرباء عليهم واستكملوا على ضوء الأتاريك، وفي الأخير قمنا بمطاردتهم واعتقال حسن باعوم وعبدالله البار وقلنا لهم أنتم أداة طيعة في يد جهة ما ويستخدمونكم في تنفيذ جرائم وصدقوني أنهم بعد تقرير الأمور في عدن لن يهتموا بكم، وفي صباح اليوم التالي شكّل سالم ربيع لجنة للتحقيق في الأمر، وقدموا تقريراً كما يريده سالم ربيع.
…………………………..؟
شهدت حضرموت كغيرها من المحافظات مرحلة أخرى من العمل السياسي الإرهابي، فقد بدأت مرحلة الاغتيالات السياسية، وكانت أول عملية هي اغتيال عمر عبدالودود المساعد الشخصي لي، وقد كنت في تلك الفترة في عدن لحضور الاجتماع، وقد تستر سالم ربيع علي على الجناة الذين هربوا إليه، وفي هذا الوقت استحكمت قبضة سالم ربيع على الجيش ومؤسسات الدولة على الطريقة الصينية.
خلال إقامتي الجبرية بعدن جاءت إلى حضرموت لجنة مكونة من رئيس الجمهورية والأمين العام عبدالفتاح إسماعيل ورئيس الوزراء علي ناصر محمد ومحسن الشرجبي وزير أمن الدولة، نزلوا إلى المكلا ثم الشحر ثم وادي حضرموت وعملوا على إنهاء علاقات العديد من المؤيدين لي بالتنظيم السياسي للجبهة القومية، كما عملوا على دمج مكتبي التنظيم في مديريتي دوعن والقطن في مكتب واحد، وكان صالح منصر السييلي مديراً لمديرية القطن، وقاموا بسجن ما أسموه بالمندسين من جماعة فيصل العطاس وتقديمهم إلى المحاكم الشعبية وكان ذلك حوالي عام 1972م. نزلت إلى حضرموت في إجازة العيد وكان سالم ربيع موجوداً في حضرموت، ورغم الإقامة الجبرية إلاّ أنني ما زلت في وظيفتي كمحافظ حيث لم يتم تعيين محافظٍ بديلاً عني وكان القائم بالأعمال سالم محمد جبران، سمع الأخ محمد أحمد باحشوان بقدومي وجاء إلى القصر (قصر السلطان) يسأل عني وقال للحراسة أين المحافظ وكان يقصدني قالوا له مش موجود، وفي المساء جاءت سيارة واختطفته من السوق، وعند مناقشة الأمر مع سالم ربيع علي قال لا نعرف شيئاً عن هذا، فقلت له إن هذه بادرة خطيرة في حضرموت خاصة وأن هذا الشعب يعيش بسلام ولا يشكل أي خطر على الدولة والقانون، وأنتم مشيتوا بهذا في عدن وغيرها خصوصاً في الجيش، وأكرر عليك أن مجتمع حضرموت مجتمع خاص وهذه نصيحتي لك،
ومن الأمور التي قمت بها أيضاً ولم ترق للرئيس سالمين أن أوقفت العمل في حضرموت بقرار المحاكم الشعبية التي شكلها الرئيس سالم ربيع علي في عام 1969م، وقلت لهم الوقت الحالي ليس من يحاكم من، اتركوا الشعب يتآلف ومن ثم تأتي مرحلة المحاكم الشعبية لاحقاً، وكان ذلك في بداية السبعينيات. وبعدها حدثت انتفاضة الصيادين.
أحضرنا الذين تم القبض عليهم فيما كان يسمى جيش إنقاذ حضرموت وتوغلوا في أراضينا وعبثوا فيها إلى الحفل الجماهيري، وظنوا أنه سيتم إعدامهم، فطمناهم وقلت في الحفل إن هؤلاء إخواننا من الجمهورية العربية اليمنية قد غُرّرَ بهم وجاءوا لمحاربة إخوانهم هنا بعد أن أعطيت صورة خاطئة عنا أننا شيوعيون وكفار لا نصلي ولا نصوم، ولما جاؤوا وجدوا عكس ما قيل لهم، ولم نقم بسجنهم بشكل تعسفي ولكن احتجزناهم في حصن بن عيّاش في الشحر وأطعمناهم وأقمنا لهم دروس محو الأمية، وسمحنا لهم أن يذهبوا إلى المسجد للصلاة دون أية حراسات مشددة، هذا إلى جانب اهتمامنا بهم من الناحية الصحية، وكذلك وفرنا لهم عملاً خاصاً بالأجرة 4 شلن لمدة أربع ساعات في اليوم، ووافقوا وفرحوا بذلك. وعلى إثر ذلك أرسلت لي الجبهة الوطنية الأخ عبدالرحيم عتيق وكان في حينها إما مدير أمن شبوة أو نائب وزير الداخلية يطلبون إحضارهم إليهم، ورفضت ذلك، وقلت له هؤلاء ما زالوا صغاراً ويمكن الاستفادة منهم في خدمة الثورة بشكل إيجابي، وبعد هذه الحادثة تسارعت الأحداث وبدأت المشاكل وتم تغييري من حضرموت لأنني أفشلت انتفاضة الشحر وعارضت اتجاه سالمين، وفُرضت عليّ الإقامة الجبرية في عدن أربعة أشهر ومن ثم سافرت إلى الصين في دورة للاطلاع على التجربة الصينية والتحويلات الاشتراكية في مجال الزراعة، وبعد عودتي إلى عدن عُينت نائباً لوزير الأشغال العامة والمواصلات، وكلما نزلت إلى حضرموت انهالت البرقيات عليّ بالعودة إلى عدن. بقيت بها نحو خمس سنوات ثم انتقلت للعمل كمستشار لدى وزارة الإدارة المحلية، وقُطعت علاقتي بالتنظيم السياسي بالجبهة القومية بمذكرة رسمية بناءً على توجيهات عليا.
كان علي ناصر محمد ومحمد علي هيثم ضد سياسة الانتفاضات سياسة الإرهاب، عكس عبدالفتاح إسماعيل الذي لم يكن يفهم طبيعة العمل السياسي، واتجه نحو السياسة الشوفينية([1]) المرفوضة عالمياً، وقد كان خمسة أشخاص من القيادة العامة موافقين على هذه السياسة سالم ربيع، وعلي سالم البيض، وعلي عنتر، وصالح مصلح قاسم، وعوض الحامد[وهو من آل المرازيق من قرية الحنك بنصاب حاضرة سلطنة العوالق العليا/ شبوة]، حتى إن وزير الداخلية ومدير أمن الدولة محسن سلوكه الذي جرّوه إليهم بالتهديد والقوة، وفي حضرموت انصاع لهذه السياسة اتحاد الطلبة فقط، وكان سالم ربيع يخاطبهم مباشرة، أما بقية العمال والنقابات الأخرى فقد كانت معنا، ووقفنا بشدة ضد هذه السياسات غير المرغوب فيها التي اعتبرناها سياسات قاتلة سواء في الجانب الاقتصادي أو الاجتماعي.
………………………..؟
تسارعت الخطوات السياسية والعسكرية على حضرموت بعد هذه السلسلة من الإضرابات والمسيرات واغتيال عمر عبدالودود وفي الفترة التي كنت موجوداً فيها في عدن لحضور اجتماعات مجلس الشعب والقيادة العامة تم تعيين شخص اسمه بطم طوحل العولقي مديراً لأمن حضرموت واستبدال قوات الجيش والأمن المحلية بقوات جديدة من خارج حضرموت، وقد احتججت على هذه الخطوة وأنا محافظ ليس لدي أي رأي وموافقة بهذا، فقال لي عبدالفتاح إسماعيل وعلي ناصر محمد إنهم ليس لديهم أي علم بهذا الموضوع سالم ربيع علي قام بالتنسيق مع مطيع وأصدروا هذا القرار، فقلت لهم إذاً ليس لي أي مكان في حضرموت، قالوا لا أنزل إلى حضرموت وأشرِف على الثورة وتفاهم مع الجماعة وممكن أن يعود هؤلاء الجماعة – أي القوات العسكرية الجديدة- ونحن سنناقش هذا الموضوع مع سالم ربيع، وأنا كنت أخشى أن يتم التنكيل بقادة اللواء 30 وتشتيتهم إلى مناطق مختلفة والنكاية بهم. وقد حرص سالمين ورفاقه على أن أبقى في عدن دون الخروج إلى حضرموت حتى تستتب لهم الأمور خشية أن أقوم بأي حركة مقاومة ضدهم.
بعد ذلك تم اتخاذ قرار من مجلس الدفاع الوطني من قبل سالم ربيع وجماعته واتخذوا قراراً من مجلس الدفاع الوطني الذي تكون من سالم ربيع وعلي عنتر، ومحسن الشرجبي، ومطيع، وأقرّوا إنزال عسكري بري وبحري وجوي على حضرموت تحت ذريعة أن هناك مؤامرة لفصل حضرموت ولا يستبعد أن يكون المحافظ متورطاً فيها، وقام سالم ربيع بطلب طيارين من العراق وسوريا كون الطيارين الجنوبيين لم يستكملوا تدريباتهم بعد في الاتحاد السوفيتي، ووصلت منهم ثلاثة أسراب من الطائرات العسكرية إلى حضرموت، وفعلاً تم ذلك ونزلت الطائرات التي تم استئجارها من خطوط جوية أخرى محملة بالجنود إلى مطاري الريان وبحران بالوادي، ووصلت السفن إلى ميناء المكلا، ونزل هؤلاء الجنود في الشوارع العامة يتظاهرون ويهتفون (سالمين.. سالمين)، كما وصلت قوة برية عن طريق عتق بقيادة عبدالرحيم عتيق، وصل إليّ خطاب سرّي من أحد الزملاء يخبرني بموضوع الإنزال، وكانت القوات العسكرية المحلية تريد أن تقوم بمقاومة ضدهم ونصب الكمائن ومباغتتهم خاصة القوات البرية في الطريق الشرقية، فقلت لهم لا لايجوز ذلك، وقد علم سالم ربيع وعلي عنتر بموقفي هذا ولكنهم لم يقدّروا ذلك، وطرحت هذا الموضوع في اجتماع القيادة العامة وقلت لهم أنا محافظ ومسئول تنظيمي في حضرموت وليس لدينا أي علم بما يجري، والغالبية العظمى من أعضاء القيادة العامة لا تؤيد هذه السياسة، أما أنا إن كنت موجوداً أو غير موجود فهذه سياسة غير مقبولة في حضرموت، ومستعد أن أقدم استقالتي، ولا أريد أن أبقى في حضرموت لأني سأكون دمية وأداة بوجود قوات لا تخضع لي وتخضع لجهات لديها قناعات معينة، ووصول قوات لا تخضع لي اعتبره عزلاً ولا يليق بي البقاء في حضرموت، نأمل منكم التوضيح حول ذلك، فقالوا إن هذه الإجراءات إجراءات ثورية، وقالوا نقترح تشكيل لجنة من الرئيس سالم ربيع علي والأمين العام عبدالفتاح إسماعيل ورئيس مجلس الوزراء علي ناصر محمد للاطلاع على المشاكل في حضرموت. فقلت لهم لماذا لجنة فالأمر واضح ولا يحتاج إلى أي لجنة ؟، فسكت الجميع.
تم وضعي تحت الإقامة الجبرية في عدن، وكنت ما أزال عضواً في مجلس الشعب الأعلى وأحضر اجتماعاته، وفي إحدى الاجتماعات تم مناقشة زيادة الميزانية العامة حيث وافقوا لوزارة الدفاع بزيادة مليونين دينار ومليون دينار لأمن الدولة على أساس أن تقوم الدولة بدعم بعض الحركات القومية الوطنية في الوقت الذي نشتكي من عجز فظيع في ميزانية الدولة، زعل سالم ربيع علي وقال ان فيصل العطاس عليه مستمسكات ويعمل لحساب قوى عدوة للنظام، ويجب أن تشكل لجنة لمحاسبته، فقلت له فيصل العطاس عضو مجلس الشعب الأعلى والدستور يحدد كيف تكون محاكمة العضو، وأنت ستشكل لجنة، ممن؟ أعرفهم ناس من عصاباتك انتهازيين ومرتزقة، فهل أنت توزع شهادات الوطنية والخيانة، وقد كانت هذه الجلسة تسجل صوتاً وصورة.
في اليوم التالي وتوفيراً للوقت تم اختصار عمل اللجنة بتكليف أحد ما باغتيالي بقطعة حديد كانت على جانب سيارة كبيرة من الجيش نوع (RC) عند اتجاهي لمجلس الشعب، وقد كنت في سيارة صغيرة، والحمد لله نجوت منها، وكان المجلس في حينها منعقداً، وخلال الاستراحة شاع خبر موت فيصل العطاس، وفي اليوم التالي توجهت إلى مقر مجلس الشعب ودخلت فقام عبدالله الخامري يصيح فيصل العطاس حي، فقلت نعم ولا تفضلتوا أن تطلبوا من قيادة المجلس أن تقفوا دقيقة حداد على روح رفيقكم في مجلس الشعب الأعلى ورفيقكم في النضال بالنسبة للمناضلين، بل إنكم لم تتجرؤوا أن تسألوا هل مت أو لا، فهذا آخر يوم لي معكم، ولكن توسط لدي ناس لحضور الدورة الثانية، وجئت وهو الأمر الذي لم يرق لسالم ربيع ووجدت في اليوم التالي صدور قرار من مجلس الرئاسة بفصل مجموعة من قيادي الجبهة القومية من مجلس الشعب الأعلى، وقام أحمد مساعد حسين بنقل القرار لي بحسب توجيهات سالم ربيع علي، فقلت له ألا تخجل من نفسك وأنت عولقي قبيلي تقول لي هذا الكلام المفروض تحترم نفسك، أنا عضو مجلس الشعب الأعلى يفصلني سالم ربيع بقرار، أنا وهو في مجلس سواء، فقرار كهذا يحتاج إلى تصويت المجلس عليه، وفي الصباح قبل الدخول إلى قاعة الاجتماعات التقيت علي ناصر محمد وعبدالفتاح إسماعيل وقلت لهم بالقرار، قالوا لم يشاورنا سالم ربيع بشأنه، فقلت لهم هذا أقل من قرار الإعدامات التي كنتم توقعون عليها بأثر رجعي، فقالوا لا نريد أن يكون هناك أي صدام بيننا، ودخلت إلى القاعة وقبل أن يفتتح الاجتماع تكلمت وقلت: ((الإخوة أعضاء مجلس الشعب وداعاً، والله يكون في عونكم)) وخرجت من القاعة.
تعرضت لست محاولات اغتيال، ولم تهدأ الأمور إلاّ في نهاية حكم سالم ربيع علي وبداية عهد علي ناصر محمد، وقد حاول محسن الشرجبي بعد اغتيال سالم ربيع علي أن يلقي القبض عليّ واتصل بصالح السييلي وأمره باعتقالي، فخاطب السييلي علي ناصر قائلاً له من الرئيس أنت أو الشرجبي، فاستغرب علي ناصر من كلام السييلي وأشعره أن الشرجبي يعطي لهم الأوامر باعتقال فيصل العطاس والكل يعرف أن فيصل ليس من جماعة سالم ربيع علي وليس له أي ارتباط بالصراعات التي حدثت. وهذا موقف إيجابي لصالح منصر السييلي.
وقد كانت آخر محاولة لاغتيالي هي إدراجي ضمن قائمة وفد طائرة الدبلوماسيين في 30 أبريل 1973م، وكانت هناك توجيهات عليا ومخاطبات من الرئاسة واتصالات وتنسيقات لإرغامي على السفر في هذه الطائرة، وقدرة الله كانت فوق كل شيء ، وحفظني الحافظ.
…………………….؟
لم أصدر قرار تكسير سدة المكلا، فعلى العكس أصدرت أمراً بتوقيف العمل بالتكسير، وقد قلت وكررت هذا مرات كثيرة، تم تكسيرها بعد المؤتمر العام الرابع للجبهة القومية، ولم أكن في هذا الوقت محافظاً لحضرموت ولا عضواً للتنظيم أو القيادة العامة، كان حينها سالم كندي، وأنا كنت في سيئون، وعندما وصلت وكان عمال البلدية يقومون بالتكسير قلتُ لهم أوقفوا العمل وأعيدوا الحجارة إلى مكانها، وكلمت سالم عوض بامطرف مسئول البلدية حينها بتوقيف العمل، وذهبت إلى المحافظ سالم الكندي وقلت له إنني أوقفت تكسير السدة فهي معلم حضاري وبانعمل لها أي تدابير لمرور السيارات، فقال نعم وهذه فكرة كانت على بالي، لكن اللجان الشعبية والقيادة المحلية بقيادة عبدالله الأشطل هي التي أصرت على تكسير السدة.
……………………..؟
غير صحيح، لم نقم بالسطو على ممتلكات السلطان الشخصية، ولم يخطر على بالنا أي شيء من هذا القبيل، بل وكنا نظن أنه قد أخذها، وكانت هناك بعض الممتلكات من سيوف وجنابي بقيت في دواليب وقطف وأثاث، وبقيت بعض الوثائق من اتفاقيات وغيرها ذكرها لي أحمد العطاس، إلى بعد الخطوة التصحيحية حيث وجّه سالم ربيع علي بإرسالها إلى خزينة الدولة، وفعلاً قمنا بجردها وتصويرها وإرسالها إلى الخزينة بعدن.
…………………….؟
قرأت في تاريخ الثورات أن هناك من يقتله ابنه أو آخرون أو يُسجن، وبالتالي لم استغرب كثيراً مما صار لي من أحداث بعد الثورة، ولست من الذين ينتحرون في مثل هذه المواقف، كنت راضياً عما قمت به، وتعاملنا بحسن نية ولم يكن في الحسبان أن الأمور ستسير بعد الاستقلال في هذا الاتجاه المنحرف عن الثورة، ولم نكن راضين عن ذلك وليس لدينا أية طموحات في السلطة، وقد عُرِض عليّ منصب محافظ لحضرموت بعد الوحدة اليمنية.
توفي رحمه الله تعالى في المملكة العربية السعودية بتاريخ 28 مارس 2014م بعد صراع عامين مع المرض
أول حكومة للجنوب بعد الاستقلال 1967م :
1- قحطان الشعبي رئيسً للجمهورية
2- سيف الضالعي وزير الخارجية
3- علي سالم البيض وزير الدفاع
4- محمد علي هيثم وزير الداخلية
5- محمود عشيش وزير المالية
6-عبدالفتاح إسماعيل وزير الإعلام والإرشاد القومي
7- فيصل عبداللطيف وزيرا للاقتصاد
8-عادل خليفة وزير العدل
9- فيصل بن شملان وزير الأشغال والمواصلات
10- محمد عبدالقادر بافقيه وزير المعارف
11- عبدالملك إسماعيل وزير دولة
12- أحمد صالح الشاعر وزير الزراعة والإصلاح الزراعي
[1]) الشوفينية :هي الاعتقاد المغالي في الوطنية، وتعبر عن غياب رزانة العقل والاستحكام في التحزب لمجموعة ينتمي إليها الشخص والتفاني في التحيز لها، خاصّة عندما يقترن الاعتقاد أو التحزب بالحط من شأن جماعات نظيرة والتحامل عليها، وتفيد معنى التعصب الأعمى. وبالإنجليزية (chauvinism) وهي تعني في مدلولها الأصلي معنى الوطنية المفرطة، الغيورة والعدائية، والإعجاب الحصري لدى الشخص بوطنه والحمية العمياء للمجد العسكري، والاعتقاد المتحمس بأن وطنه أفضل الأوطان وأمته فوق كل الأمم، وينسب اللفظ إلى جندي فرنسي أسطوري اسمه نيكولا شوفان، شديد الغيرة على فرنسا ومتفانٍ في القتال في جيش الجمهورية نابليون في حروبه .