أضواء
أ.د. عبد الله سعيد بن جسار الجعيدي
محضر اجتماع مجلس السلطان المنعقد يوم 7 جماد آخر ۱۳۸۲هـ
الموافق 4/11/1962م
الحاضرون
– وزير السلطنة
(طلب عظمة السلطان قرضًا لبناء عمارة في عدن)
استمع المجلس إلى التقرير الذي قدَّمه نائب وزير السلطنة (السيد أحمد بن محمد العطاس) استنادًا إلى قرار مجلس الدولة فوق العادة رقم (1) بتاريخ 9/5/82هـ الموافق 8/10/62م بخصوص القرض الذي يطلبه عظمة السلطان لبناء بيت له في عدن على القطعة التي ستؤجرها له حكومة عدن بالمعلا تحت رقم ١/٢٢، وبعد النظر في هذا الموضوع قرر المجلس تقديم التوصية إلى مجلس الدولة للموافقة على إعطاء مبلغ القرض المطلوب لإنشاء هذه البناية في عدن؛ حيث إن القرض المذكور سيتم تسديده في خلال مدة معقولة تقدر بخمس أو ست سنوات.
ولغرض ضمان وتسديد القرض الآنف الذكر فالمجلس بعد بحث الأمر من كل نواحيه يوصي باتخاذ الترتيبات الآتية بعد موافقة مجلس الدولة على القرض المذكور:
(1) على وزير السلطنة أن يرد على حكومة عدن بقبول عرض الإجار وشروطه، وأن يدفع المبلغ المطلوب كوديعة وقدره ١٩/٣٥۸/۸۰ شلن (تسعة عشر ألف وثلاثمائة وثمانية وخمسين شلن وثمانين سنت حسبما جاء في خطاب ضابط الأراضي بعدن رقم ٤٦٦٩ / ل بتاريخ 19/9/ 1962م.
) 2) على الوزير أن يرتب وضع الخرائط اللازمة مع المهندس الذي وضع التـصميم لهذه البناية ويدفع له الأجر اللازم وتقدم الخرائط إلى الدوائر المختصة بعد.
(3) بما أن وزارة الطيران بعدن تستأجر مثل هذه البنايات بإجار مناسب ومضمون لمدة خمس سنوات في المرحلة الأولى فإنه من الأوفق عرض التصميمات، التي سيقوم بها المهندس، على المسئولين في هذه الوزارة والتفاوض معهم بشأن تأجير هذه البناية لهم بالشروط التي يراها الوزير مناسبة، ولا مانع من إجراء أي تعديل يقترحونه على خريطة هذه البناية لتلائم أغراضهم.
(4) على وزير السلطنة أن ينتدب من يريده للقيام بالاتصالات اللازمة التحقيق ما ذكر في البندين ۲ و 3 وعلى هذا المندوب أن يقوم أيضًا بما يأتي:
(أ) أن يدرس دراسة كاملة موضوع ضريبة الدخل والضرائب والرسوم الأخرى التي ستفرض على هذه البناية او ايرادها السنوي.
(ب) أن يضع شروط المقاولة مع لجنة مؤلفة من شخصين او ثلاثة من تجار الحضارم بعدن ممن لهم خبرة كاملة بشئون البناء، مثل الشيخ -سعيد أحمد بازرعة وغيره، حسب النظام المتبع في عدن.
(ج) أن ترسل المقاولة في مناقصة للمقاولين المعترف بهم في عدن ليقدموا مناقصاتهم في الميعاد الذي تراه اللجنة مناسب على اسم الجهة أو الشخص الذي يتفقون عليه .
(د) على اللجنة أن تقبل عرض المقاول الذى ترى صلاحيته واستعداده للقيام بالعمل المطلوب ، وعلى المندوب بعد ذلك أن يمضي شروط المقاولة معه نيابة عن عظمة السلطان، وعلى وزير السلطنة أن يرتب الجهة التي ستدفع المال للمقاول في الأوقات التي تحددها المقاولة.
(هـ) إذا رأى المندوب أن الضرائب التي ستفرض على إيرادات هذه البناية غير معقولة فعليه ألا يقدم على اتخاذ الخطوات المذكورة بالبندين (ج) و(د) قبل الاتصال بوزير السلطنة وعرض الأمر عليه.
(5) بما أن المعلومات الأولية عن تكاليف هذه البناية تقول إنها ستكون في حدود مليون ونصف شلن تقريبًا فالمجلس يوصي بأن يكون صرف المبلغ اللازم على مراحل حسب شروط المقاولة وسواء تم صرف هذا المبلغ كله أو أقل منه فعلى وزیر السلطنة أن يتخذ التدابير والاحتياطات اللازمة لمرجوعية هذا القرض الى خزينة الدولة ويرى المجلس أن تأخذ الحكومة ربحًا على مبلغ القرض المطلوب مقداره ۲% سنويًا.
(٦) أن أي مبلغ يدفع كإجار مقدم لهذه البناية من الجهة التي ستستأجرها للمدة التي يتفق عليها ينبغي أن يدفع كله من أصل مبلغ القرض.
)7) إذا لوحظ أن ضريبة الدخل ستأخذ حصة كبيرة من إجار هذه البناية إذا كانت على اسم السلطان بمفرده فالمجلس يوصي أن يشرك السلطان أولاده معه في ملكية البيت على ألا يكون لهم حق المطالبة بأي شيء من حاصلات البيت مادام والدهم على قيد الحياة.
(8) لغرض ترتيب ما جاء في البند (۷) على وزير السلطنة أن يتصل بحكومة عدن بعد أخذ موافقة السلطان كتابيا على ذلك.
(9) أن يرتب وزير السلطنة مع عظمة السلطان الكتابة اتفاقية حول هذا القرض وطريقة تسديده من حاصلات البناية يوقعها عظمة السلطان بحضور المستشار المقيم في المجلس على أن يوقع المستشار مع رئيس القضاة كشهود ويوقع عن الحكومة وزير السلطنة.
(10) أي تفاصيل أو احتياطات أخرى من الممكن أن يقوم بها مجلس السلطان بتفويض من مجلس الدولة.
رئيس المجلس
( توقيع)
كاتب المجلس
التعليق
تعد معاهدة الاستشارة بين السلطة الاستعمارية البريطانية في عدن، وكل من سلطنتي حضرموت (القعيطية 1937م) و(الكثيرية 1939م) البداية الفعلية لظهور حضرموت الحديثة من حيث البناء المؤسسي للدولة، الذي جاء على أنقاض مؤسسات الحكم التقليدية، وبالنسبة للسلطنة القعيطية فإن هرم الحكم فيها في عهد نظام الاستشارة البريطانية تكون من السلطان، والمستشار البريطاني، ومجلس الدولة ومجلس السلطان، ووزير السلطنة (السكرتير) والسكرتير الحربي، وقد تأسس مجلس الدولة القعيطي في 24 مارس 1940م، ويمثل المجلس الهيئة الاستشارية العليا، والمرجع لكل الشؤون، وجميع القضايا، ومصدر القوانين.
ويتألف المجلس من السلطان رئيسًا، ومن أعضاء رسميين، وغير رسميين ومن أعضاء مندوبين عن مختلف الوية الدولة، وكلهم معيَّنون، والأعضاء الرسميون هم: السلطان، والمستشار البريطاني، وولي العهد، ووزير السلطنة (السكرتير)، ونائبه، والسكرتير المالي، ورئيس القضاة، وناظر المعارف. والأعضاء غير الرسميين في بداية خمسينيات القرن الماضي هم: الشيخ أبوبكر عبدالله بارحيم، وأحمد ناصر البطاطي، والشيخ أحمد بن عمر بازرعة، والمندوبون عن الألوية الشيخ عمر باسويد عن دوعن، والشيخ أبوبكر باذيب عن شبام، والسيد حسين العيدروس عن الشحر، والشيخ مسلم بلعلا عن المكلا [صحيفة الأخبار لسان حال الحكومة القعيطية، العدد5، 31 مايو 1953م، ص15]. أما مجلس السلطان اللاحق من حيث التأسيس لمجلس الدولة فقد اسسه السلطان عوض بن صالح القعيطي عام، 1956م عقب وفاة والده ليساعده في حكم البلد ابيه، ويمكن نطلق عليه مجلس الدولة المصغر، فغالب أعضائه هم أعضاء في مجلس الدولة، ويُنَاطُ به النظر في الملفات، والخطابات المرفوعة لمجلس الدولة ودراستها، ورفع التوصيات بالحلول لبعض المشكلات، أو تقديم المقترحات التي تيسّر لمجلس الدولة سرعة البت فيها، واتخاذ ما يراه مناسبًا من قرارات وتوجيهات،[ د. عمر عبدالله بامحسون ،التطور السياسي والدستوري في اليمن الديمقراطي1937-1967م، ص74] ويتكون مجلس السلطان كما هو مبين في الوثيقة من: وزير السلطنة – وهو لقبه في زمن الوثيقة – ومن اثنين من الأعيان، وبحضور نائب الوزير السيد أحمد محمد العطاس، الذي صار وزيرًا للسلطنة في 18مارس 1964م، أمَّا الوزير زمن الوثيقة فهو الباكستاني جهان خان (1957-1964م)، وكان قد شغل وظائف إدارية رفيعة في السلطنة، أما الشيخان بارحيم وباسويد فكانا من الواجهات الاجتماعية الكبيرة (التُّجَّار) التي يعيّنها السلطان بالتشاور مع المستشار البريطاني.
وأصل الوثيقة محضر اجتماع مجلس السلطان المنعقد بتاريخ 7 جمادى الآخرة 1382هـ، الموافق 4 نوفمبر 1962م، وبقراءة تاريخية متأنية لنص المحضر سنلاحظ نموذجًا متقدِّمًا في تاريخ الإدارة السياسية والمالية في السلطنة القعيطية، وأنه يكشف عن تقاليد إدارية شفَّافة تحرص على فرض الرقابة المؤسسية الصارمة التي تصل إلى كل مستويات الحكم، ومن ضمنها منصب السلطان ذاته. فالوثيقة تُظهر أن السلطان لا يستطيع اختراق النظام المالي والتحكُّم فيه، والتصرُّف كما يشاء، وحتى في حالة طلبه لقرض شخصي من خزينة الدولة لأجل معلوم فإنَّ الحصول عليه يستلزم المرور بسلسلة من الإجراءات المشروطة، تضمن عودة المال إلى الخزينة مع هامش الربح الموضح في الوثيقة (المحضر). وهذه المعطيات تفصح عن بدايات مشجعة متجهة نحو بناء مؤسسات الدولة الحديثة، والحكم الرشيد في ظل نظام الحكم الأسري التقليدي.
والوثيقة غنيَّة بالإشارات ذات البعد القانوني، التي تدل على احترام العمل المؤسسي والفصل النسبي للسلطات، وتطبيقات ذلك تمثلت في القرض الذي تقدم به السلطان عوض بن صالح القعيطي، الذي تحرَّك في الدوائر الرسمية العليا ممثَّلةً في مجلسَي الدولة، ومجلس السلطان لضبط مساره القانوني الصحيح، وهو ما يشير إلى وجود منظومات ضبط ومراجعة تتجاوز الاجتهاد الشخصي إلى العمل القانوني المنظم. لكن هذا الملمح الإيجابي لا يلغي توظيف السلطان لمكانته الرسمية الرمزية في تيسير قبول القرض من الناحية المبدئية، والإجرائية.
ومن أبرز ما تكشف عنه الوثيقة هو حرص مجلس السلطان على ضمان تسديد القرض خلال فترة زمنية معقولة (خمس إلى ست سنوات)، وهو ما يشير إلى إدراك أهمية ضبط حركة المال العام والحفاظ عليه. والأهمُّ من ذلك أن المجلس لم يكتفِ بالموافقة المبدئية، بل قام بجملةٍ من التكليفات لوزير السلطنة لتأكيد الجدوى الاقتصادية من القرض بما يضمن القدرة على سداد المبلغ مع هامش الربح الموضح في الوثيقة، من ذلك الاتفاق مع مهندس، والتواصل مع الجهات المحتملة لاستئجار البناية بعد إنشائها.
ومن الأمور الإدارية التي تهتم بالتفاصيل والمحاذير ما نلاحظ من الحرص على تكليف المندوب بدراسة الجوانب الضريبية والقانونية المرتبطة بالبناية، للحد من المخاطر المالية أو في الأقل التقليل منها. وتفيد الاستعانة بشخصيات حضرمية اقتصادية تسكن في عدن على دراية بشبكات التجارة والبناء بعدن، وخبرة بعمل المقاولات، والمناقصات العلنية، مثل الشيخ سعيد أحمد بازرعة. وأن مسارات القرض ضبطت بالاحتياطات الاحترازية اللازمة المتجاوزة للمحسوبية، والاجتهادات غير المدروسة، مع الاحتكام إلى متطلبات السوق وأهل الخبرة لتحقيق عائد استثماري لصالح السلطان يغنيه عن التطلع إلى المال العام.
ومن الأمور اللافتة في الوثيقة الفقرة المتضمنة التوصية بإشراك أولاد السلطان في ملكية البيت من دون أن يكون لهم حق في الإيرادات ما دام والدهم على قيد الحياة، والغرض من ذلك – كما ورد في الوثيقة – التقليل من نسبة الضريبة في العقار إذا سجل باسم أكثر من شخص، لكن الأهم من ذلك ضمان تحصيل دفعات قيمة القرض، وبهذا فإن مجلس السلطان وازن بين المصالح الشخصية، والحق العام، مما يجعل من هذه الوثيقة شهادة تاريخية على حوكمة مالية متقدِّمة على عصرها، خاصة إذا قورنت بما هو سائد في الكيانات السياسية القائمة وقتئذ في جنوب الجزيرة العربية، وعند بعض الدول لعربية التي تعاني من غياب الشفافية، وضعف نظمها الإدارية والمالية.



