حديث البداية
د.عبدالقادر علي باعيسى
عندما يفرض على المجتمع الكثير من الأسوار يعيش في مأساة داخلية يشعر معها أفراده بالضيق والقيود، ولكن ما إن يجد فرصته للهجرة حتى تبدأ هذه الأسوار بالتلاشي، ولكن على حساب مأساة أخرى تحدث للمجتمع هي الهجرة.
ورغم أن الظروف الصعبة باتت توافر دوافع قوية لهجرة الحضارمة أكثر من أي وقت مضى، فإن الناس لا يهاجرون كثيرًا كما في السابق بسبب التعقيدات والموانع التي تفرضها الدول المستقبِلة إلا أن الرغبة العميقة في الهجرة ما تزال حاضرة في نفوسهم، كما كانت لدى أجدادهم.
لقد شكّل الفقر عبر العصور أساسًا متينًا لأي هجرة، وإذا افترضنا جدلاً أن باب الهجرة فتح أمام الحضارم كما كان في الماضي، فإن كثيرًا منهم سيغادر بسبب الفقر الشديد كما هاجرت مجموعات كبيرة من قبيلة كندة في زمن الفتوحات الإسلامية، ولم يتبق إلا قليل منهم في حضرموت كما يروي المؤرخون تكاثروا فيما بعد.
الحضرمي بطبيعته يسعى لتحسين مستوى معيشته، حتى لو كان ذلك في أقاصي الأرض، ولا بأس لديه من العودة إلى حضرموت يومًا ما ولكن بعد أن يصبح غنيًا.
ما يعنيه هذا هو أن حضرموت، عبر تاريخها كانت تهدر أجيالًا من الشباب في الهجرة، طلبًا للعيش الكريم أما في الوقت الراهن ومع انسداد سبل الهجرة يسود الفضاء الاجتماعي حالة من الإحباط والتذمر، ولو كانت أوروبا قريبة لهرب الشباب إليها عبر البحر كما يفعل شباب شمال إفريقيا، ولكن الواقع أن أقرب نقطة هي الصومال، فحالهم كحال المستجير من الرمضاء بالنار.
حضرموت كانت ومازالت تعيش تاريخيا بين خيارين: الهجرة الدائمة، أو مأساة الفقر الداخلية، وكلاهما مر. إنها بذلك تتنازل عن فرص تطوير نفسها والنهوض من داخلها وتبتعد باستمرار عن مركزها الحضاري، ولكن إلى متى؟!