كتابات
إيمان العولقي
”أخشى أن هناك لاجئًا آخر على الأراضي الهندية“ … قال السيد بيرزادة
أجابه أبي: ”لقد وصل عددهم إلى تسعة ملايين وفقًا للتقديرات الأخيرة“
مقطع من قصة: ”عندما أتى السيد بيرزادة لتناول الطعام“
للمؤلفة جومبا لاهيري، ترجمة: مروة هاشم
”ما دام الولايات المتحدة توفر حياةً جديدة لضحايا القمع السياسي، لكنني أحتاج إلى دليلٍ كي …“
حياة جديدة، يوغونا منحها حياةً جديدةً. وأدهشها كيف استطاع أن يحولها سريعًا إلى هُوِيَّتِها الجديدة، وجعل منها إنسانة جديدة“.
مقطع من قصة ”السفارة الأمريكية“
للكاتبة تشيماماندا نجوزي أديتشي، ترجمة: د. عابد إسماعيل
يُنسب للفيلسوف الإغريقي أرسطو حيثية لامعة عن العلاقة بين المشاهد والنص التمثيلي تُدعى «التطهير»، الذي يظهر، قياسًا على ذلك، تفسيرًا بلاغيًا عن ثنائية العلاقة بين القارئ والكاتب. إن أجمل ما تقدمه القراءة لممارسيها ذلك الإحساس بالتخلص أو بالتخفف من مشاعر يُصعب التحرر منها من غير المشاركة الوجدانية الموجودة بين دواخل حميميات القراءة.
في هذا المقال أضرب مثالين لكاتبتين قرأتُ لهما مجموعتيهما القصصية: الأولى مجموعة الكاتبة النيجيرية تشيماماندا نجوزي أديتشي «ذلك الشيء حول عنقك»؛ إذ ضمت بين دفتيها اثني عشرة قصة. والثانية مجموعة الكاتبة الأمريكية الهندية جومبا لاهيري «ترجمان الأوجاع» بمعدل تسع قصص.
كُتِبت المجموعتان كلاهما باللغة الإنجليزية والترجمة العربية، ونقلتا النصين بشفافية واحترافية مقدرة، تبدو الترجمة خلال ذلك لغة مستقلة بذاتها كما يصفها العملاق نغوجي وا ثيونغو. تأتي كلا الكاتبتين من خلفيتين ثقافيتين مختلفتين جمعت بينهما الهجرة والاستقرار في أمريكا.
تمثيلات الهجنة الثقافية ويوميات المهاجرين وصعوبات التعايش استحوذت على أكثر القصص باستثناء لمحة خفيفة من الثقافة الخاصة، مثل قصتي «شفاء بيبي هالدر» و«الزنزانة رقم واحد».
فازت مجموعة «ترجمان الأوجاع» بجائزة بوليتزر في الأدب ٢٠٠٠، إذ كُتبت قصصها في أثناء الدراسة الجامعية لجومبا لاهيري، ولأنها ولدت في لندن فنظرتُها تختلف، وتكاد تبتعد عن الواقع السياسي والاجتماعي للقارة الهندية عن نظرة مَنْ وُلِد في بلده الأصلي مثل تشيماماندا نجوزي أديتشي، التي فازت قصتها «السفارة الأمريكية» بجائزة أو. هنري السنوية ٢٠٠٣، إنها قصة قوية المتن، ومتماسكة فنيًا، وتحمل نقدًا هجائيًا صادقًا لفشل السياسيين النيجيريين.
حملت أكثر من قصة لنجوزي أديتشي مفهوم أن يحظى الإنسان النيجيري بفرصة للهجرة إلى أمريكا الحلم ولو عن طريق زواج مدبر غير متكافئ، فالوصول إلى الأرض الأمريكية بمثابة نجاة، وبدء حياة جديدة – وإن كانت شاقة وذات طرق وعرة للاستقرار. في قصصها نجد أيضًا ذلك البعد ما بعد الكولونيالي، مثل قصة «المؤرخة العنيدة».
أما قصص جومبا لاهيري فإن أقرب ما تمثله هو واقع الهجنة الثقافية، وبدايات الالتصاق بالحضارة المختلفة عن الأرض الأم، بطبيعة الحال لن تكون نسخة مطابقة أو مشابهة لها، ولن تصير إلى نسخة غربية أو حتى تتبناها، إنها حياة جديدة تمزج بين الثقافتين والحضارتين في نسخة هجينة خاصة ومختلفة.
ومن نظرة قرائية أخرى، وعودة لتطهير أرسطو، فإن جمالية الفن السردي تظل هي المعيار الأول الحقيقي لقبول القارئ، ما شأن قارئة عربية للإعجاب بقصص كُتاب من آسيا وإفريقيا؟ إنها تلك البلاغة الجمالية والفنية في سرد الحكاية المميزة لأي نمط كتابي، تتكرر المعاني وهي مطروحة على الطريق كما يعلمنا الجاحظ، لكن الكلمات والجمل والفقرات والأسلوب برُمَّته يبقى صنعة تخص المؤلف أو المؤلفة للنص الأدبي، وعند نجاحها بعد ذلك تحقق جمالية كونية أبعد من ذات الكاتب ودائرته الخاصة كما يعبر عن ذلك الفيلسوف الفرنسي إدغار موران بقوله عن ما يميز جمالية الرواية (بما فيها القصة):
”ما ينقص العلوم الإنسانية هو معرفة الإنسان في تعقيده، إذ الإنسان فيها على العكس منقسم ومجزء بين التخصصات. أما الرواية فتبرز التعقيد الإنساني“.